بعدما صارت العنوسة إحدى الظواهر المتفشية بشكل خطير في بلادنا، أصبحت العائلات والأسر الجزائرية تحرص على تزويج بناتها مبكرا، بل أحيانا لأوّل من يطرق الباب خاطبا، وهو ما يضع الفتاة أحيانا في حيرة من أمرها، إذ تضطر إلى التضحية أحيانا بدراستها، وما تعتقد أنّ فيه مستقبلها. هو التفكير الذي انتشر بين العائلات لمحاربة ظاهرة العنوسة، خاصّة وان اغلب الفتيات اللائي لم يجدن أزواجا، كن يرفضن الزواج في صغرهن، او قبل أن يصلن مرحلة متقدمة من السن، وذلك لأسباب متعددة، منهنّ من تفعل ذلك لأنها ترى أن الزواج يعيقها عن مواصلة دراستها، وتحقيق حلمها في العمل والنجاح، وأخرى تريد أن تستمتع بحياتها قبل أن تقيد نفسها بالزواج، وما أكثر هذه الفئة في أيامنا هذه، وأخريات يرفضن الزواج بهذا وذلك، طمعا في أن يعثرن على أحسن منهم مستقبلا، فيجدن أنفسهن في سن لا يقدرن فيه حتى الاشتراط كما تفعل أي فتاة، ويصبحن مجبرات على القبول بأيّ رجل يتقدم لخطبتهنّ هربا من شبح العنوسة الذي يطاردهن. لكن أحيانا تبالغ الأسر في تزوج بناتهن مبكرا، إذ يُخطبن في السادسة عشرة من العمر، على أن يلتحقنّ ببيت الزوجية ما إن يبلغنّ السن القانونية أي ثمانية عشر سنة، أو ربما قبل ذلك، وهو الأمر الذي ترى بعض الأسر انه الأصلح لبناتها، وترى أن مكان الفتاة الأول هو بيت زوجها، أما الدراسة والعمل وغير ذلك يأتي في مرتبة ثانية. وأحيانا تنتهي هذه التجارب إلى الفشل، وبعض الفتيات يندمنّ على الخوض فيها، بل ويفكرن في أنهن لو بقين دون زواج لكان أفضل لهن، مثلما وقع لنادية التي ارتبطت في سن السادسة عشرة من العمر برجل يفوقها بست عشرة سنة أخرى أي ضعف عمرها، لكن لم تمض سنوات على زواجها حتى انفصلت، وهي في التاسعة عشر، وهي تجربة تقول لنا نادية عنها:"أقنعني والداي بضرورة الزواج مبكرا، لأنني عاجلا أم آجلا سأتزوج، فوافقوا على تزويجي برجل يفوقني سنا، على أساس انه قادر على تحمل المسؤولية، لكنه لم يكن كذلك، بل لم يتقدم لخطبتي إلاّ لأني صغيرة، وعندما سئم مني رماني، لهذا أقول أحيانا انه كان أحسن لي ألاّ ارتبط، خير لي من أن امضي ربيع عمري في التعاسة". ما يحول دون نجاح الزواج المبكر، إن صحّت تسميته كذلك، هو أن شباب وبنات اليوم ليسوا شباب وبنات الأمس، فتجد الواحد منهم قد شارف على بلوغ الثلاثين وحتى الأربعين لكنه مع ذلك غير قادر على تحمل المسؤولية، ولا يرتبط إلاّ عن هوى، ولا يحكم عقله في أمور مصيرية مثل الزواج، وهو الأمر الذي يؤذي حتما إلى الفشل الذريع في الزواج وحتى في مسائل حياتية أخرى.