اختلف المؤرخون في تفسير اسم (سمرقند) فالبعض يرجع التسمية إلى الحاكم التركماني (سمر) الذي سماها على اسمه وأضيف له (قند) التي تعني السوق، في حين يرجح آخرون أن التسمية من أصل سنسكريتي هو ساماريا بمعنى الاجتماع أو اللقاء. عبر تاريخ امتد ألفين وخمسمئة عام ظلت سمرقند ملتقى قوافل تجار التوابل والحرير ونقطة لقاء للتبادل التجاري والحضاري، ونظرا لموقعها ولجمالها فقد جذبت لها أنظار الغزاة من جميع أنحاء العالم، فأرادها الإسكندر المقدوني ونصب خيام جنده خارج أسوارها وحاصرها حصارا مريرا حتى تسقط في يده في عام 329 قبل الميلاد، وما تلبث أن تعلن عصيانها عليه في العام التالي فيعاقبها أشد العقاب، ويؤرخ الإغريق للحادث مطلقين عليها اسم مرقندا عاصمة سوجديان، وهو اسم أوزبكستان قديما. وبعد وفاة الإسكندر حكمها السلجوقيون وشهدت في المدة الممتدة بين القرنين الخامس والسابع للميلاد فترة اتصال تجاري وحضاري مع إيران الساسانية ومع قبائل السهوب الشمالية ومع الإمبراطورية البيزنطية.. واعتنق القسم الأكبر من أهلها الزرادشتية ديانة لهم، وقد وصفها الجغرافي ابن حوقل في كتاب (صورة الأرض) قائلا: (كان الجزء المأهول منها مكونًا من قلعة ومدينة وضاحية، ومن قمة القلعة التي تسلقتها يتمتع المرء بمنظر أجمل من أن يوصف أشجار خضراء وحدائق غنَّاء وقصور متألقة وجداول متدفقة المياه لم تكن هناك بقعة لا تسر العين فأشجار السرو قد شذبت بأشكال غريبة فجاءت على شكل حيوانات من فيلة وجمال وماشية، يا له من منظر يخلب الألباب). ولكن الحال لم يدم وانتقل الحكم من السامانيين إلى سلالات تركمانية متعددة متعاقبة حتى جاء عام 1220 ميلادي حين شهدت المدينة الأهوال، فقد غزتها جحافل جنكيز خان الذي أحرق جامعها الكبير بعد أن التجأ إليه آخر المدافعين عنها، ثم سمح لجنده بنهب كل ثرواتها وتدميرها تماما وقتل أهلها وتشريد من بقى منهم على قيد الحياة أو أخذهم عبيدا لنبلاء المغول. وفر الناجون من أهلها من الهضبة التي بنيت عليها مدينتهم القديمة إلى الوادي حيث أعادوا بناء سمرقند بحلة جديدة وبجمال بساتينها ومياهها المتدفقة في فترة حكم تيمور لنك ( 1369 _ 1405م). وهكذا جعلها عاصمة لامبراطورية مترامية الأطراف وألبسها حلتها الرائعة من الزليج الأزرق الذي ما زال يكسوها حتى اليوم، وكان تيمور لنك كلما استولى على مدينة في غزواته الكثيرة دمرها وقتل أهلها باستثناء الحرفيين والفنانين الذين كان ينقلهم إلى عاصمته ليعملوا على تجميلها، ولكن الإمبراطورية التيمورية لم تدم أكثر من خمسين عامًا بعد وفاة مؤسسها. وكان من سوء حظ سمرقند أن انهار نظام التجارة القديم بين المدن المتباعدة بعد أن فتح البرتغاليون الطرق البحرية إلى الهند، وهكذا، وبعد أن كانت سمرقند أهم مركز اقتصادي وحضاري في آسيا الوسطى، توقف نموها في القرنين السابع عشر والثامن عشر ونسيها العالم حتى احتلتها القوات الروسية عام 1868 فدمرت أسوارها الممتدة ثمانية كيلو مترات، كما دمرت بواباتها القديمة الست، وبعد ذلك ضمت إلى الاتحاد السوفييتي قبل أن تعود اليوم عاصمة لأوزبكستان. ولكن جمال معمار وآثار سمرقند والسر الكامن في اسمها ظلا يجذبان علماء الآثار الذين توافدوا عليها عاما بعد عام ساعين للكشف عن أسرارها، وهكذا تم اكتشاف أحياء بكاملها في المدينة القديمة، خاصة حي الخزفيين وظهرت مئات من القطع الخزفية البسيطة المصنوعة للاستعمال اليومي وتلك المصقولة متقنة الصنع المطلية بطبقة لامعة تزينها الألوان الزاهية والكتابات العربية، كما ظهرت مصابيح الزيت وألعاب الأطفال المصنوعة من الخزف. وقد ارتبط العصر الذهبي لصناعة الخزف في سمرقند بالفتح الإسلامي إذ جاءت محاولتها الأولى لصقله وتلميعه في القرن الثامن بتأثير عباسي، وكانت نقطة تحول في تطور رائع وصل الذروة أثناء القرن العاشر ثم بدأ ينهار في القرن الحادي عشر حتى كانت نهايته على يد المغول، وإن كانت تلك النهاية قد حملت في طياتها بذور نهضة جديدة في عهد التيموريين. وتم الفتح الإسلامي لمدينة سمرقند على يد القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي ثم أعاد فتحها مرة أخرى سنة 92ه _ 710م وبعد الفتح الإسلامي قام المسلمون بتحويل عدد من المعابد إلى مساجد لتأدية الصلاة، وتعليم الدين الإسلامي لأهل البلاد، وفي بداية الغزو المغولي للمدينة، قام المغول بتدمير معظم العمائر الإسلامية، وبعد اعتناق الإسلام اتجهوا إلى تشييد العديد من العمائر الإسلامية، خاصة في العهد التيموري، وذلك على مدى (150) عام هي فترة حكمهم لبلاد ما وراء النهر، وقد اتخذ تيمورلنك سمرقند عاصمة لملكه، ونقل إليها الحرفيين لينهضوا بها فنيا وعمرانيا، فكان عصره عصر التشييد والعمران. وفي القرن التاسع عشر ميلادي استولى الجيش الروسي على بلاد ما وراء النهر ومنها مدينة سمرقند، وعام 1918 بعد قيام الثورة الشيوعية في روسيا استولى الثوار على المدينة وظلت تحت سيطرتهم إلى أن سقطت الشيوعية عام 1992 وقد نالت سمرقند الاستقلال ضمن الجمهوريات الإسلامية بعد سقوط ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي.