حول مقالي قبل الماضي، في هذه الزاوية، كتب إليّ أحد الزملاء قائلا: محتوى المقال غير متوازن وفيه دعاية مجّانية ضد إيران وحزب الله والنظام العلوي الشيعي في سوريا ومحتواه يصبّ لصالح الأنظمة التي تعادي إيران... أرى الصراع في تلك المنطقة صراع سنة بقيادة السعودية وقطر والبقية المعروفة وبين شيعة بقيادة إيران والعلويين في النظام السوري . ويواصل الزميل الصديق مدلّلا على ما ذهب إليه: ".. إن الصراع ذاته تجلّى في لبنان بين العلويين الشيعة والسنة، وسقط قتلى من الطرفين وذلك لجرّ حزب الله إلى المعركة ليتطور الوضع إلى حرب بين الشيعة والسنة.. ولا علاقة للجيش الحرّ والمعارضة السورية بحربها ضد الدكتاتورية ونظام الأسد وإقامة الديمقراطية، بقدر ما يمثل الجيش الحرّ طليعة جيش السنة المدعوم من السعودية وقطر لإسقاط الشيعة. وبعد شكر الزميل على رسالته وانتقاده لمقالي، وهو سنّي جزائري حتى لا يُتّهم بالطائفية، أبدأ بالتأكيد مرّة أخرى على ما طرحته في مقالي المعنون ب (خيلي ممنون)، وكانت المقدمة كالتالي: (منذ أكثر من ثلاثين عاما ونظام الجمهورية الإسلامية يغنّي بأعلى ما لديه من أصوات حول تحرير فلسطين.. ولأنّ ساسة طهران حاولوا دائما إقناع الشعوب العربية والإسلامية بأنهم في خط النار الأول للدفاع عن فلسطين الجريحة؛ فقد كان من الواجب عليهم، شرعا وسياسة، المساهمة في إسقاط نظام بشّار الأسد بعد انقضاء السنة الأولى من بدء الحراك الشعبي في سوريا).. ورحت بعدها أدندن فقط حول (خطب ومهرجانات) نظام (الآيات والحجج) حول فلسطين، وعلاقة ذلك بما يحدث في سوريا الجريحة اليوم، واحترمتُ حقّ إخواننا الإيرانيين في دعم المقاومة والصمود، لكنّني انتقدتُ دورهم غير المباشر، ولا نريد أن نقول غير ذلك، في تدمير سوريا عبر مواصلة دعم منظومة حكم أكل عليها الدهر وشرب، مع أنّ بين أيدي ساسة طهران أوراقا أخرى يمكن اللعب بها غير تطويل الأزمة ومضاعفة عدد القتلى والجرحى والمشرّدين وزيادة أحجام الدمار والمآسي وفرص التدخل الأجنبي. قال الصديق إنّ في المقال دعاية مجّانية ضد إيران، ولا أدري أين وجد ذلك سواء في الكلمات الظاهرة، أو بين السطور أو أيّ تلميح وتعريض بعيد.. لكنّ يبدو أنّنا لم نتخلص بعد في العالم العربي من عقدة النقص أمام إيران (الثورة، والبرنامج النووي، والعنترية في وجه أمريكا والغرب، والتهديد بمحو إسرائيل من الخارطة).. وإلاّ فما معنى أن يتحدّث الزميل، وهو كاتب ومثقّف، عن ذلك التصنيف القديم (أنظمة تعادي إيران) بعد موجة العواصف التي تشهدها المنطقة والمخاض الذي قد يأتي بقوى سياسية جديدة تحمل برامج نهضة وتنمية حقيقية تعيد لبلداننا مكانتها التي بدّدتها أنظمة ثلاثي (الاستبداد، العمالة، الفساد). إنّ منظومة الحكم في إيران، سيدي الفاضل، لا تختلف كثيرا عمّا عرفناه في كثير من بلداننا العربية، وهي بعد أكثر من ثلاثين عاما على ثورة الخميني على هذه الصورة: حكم يقوم على توازنات بين القوى المتصارعة، وشعب يكابد ضائقة اقتصادية، وأقليات، بلوش وأكراد وعرب، يعانون التهميش ويطالبون بحقوق المواطنة الكاملة، لكنّ ما يغطّي المستور هو تلك الصورة التي تبدو ساطعة حول البرنامج النووي والصمود في وجه الغرب. صديقي العزيز: ثقْ تماما أنّ إيران ليست في حاجة إلى من يناوئها عبر (دعاية مجّانية) كما وصفتَ بعض ما جاء في مقالي، أو دعاية مدفوعة الأجر، لأنّ حجم التناقضات التي مارستها في العراق، وأفغانستان بدرجة أقل، ثم سوريا الآن تكفي لوضع النظام الإيراني في مكانه الصحيح بين الأنظمة، وهو أنه في أحسن الأحوال لا يحسن إلا لغة المصالح، عاجلة وآجلة، كما أنه يتملك من المرونة، والتّقية، ما يؤهّله للأكل على كثير من الموائد، وحتى أشدّها رجسا وحرمة.. فقط.. هذا ما أريد التأكيد عليه حتى لا نُصاب ببليّتين في وقت واحد: بليّة الأنظمة التي تحكمنا، وبلّية الإعجاب بالنظام الإيراني وانتظار الخلاص على يديه. أما (الموت) على خطّ أن (الصراع في تلك المنطقة صراع سنة بقيادة السعودية وقطر والبقية المعروفة وبين شيعة بقيادة إيران والعلويين في النظام السوري)، وهو رأي يروّج له الكثيرون، فهو انتقاص من قدرة الشعب السوري على مجرّد الشعور بحقه في الحرية والديمقراطية، وهكذا فقد جاءت انتفاضته السلمية في سياق ما عرفته دول أخرى، وبعدها ربّما اختلط الحابل بالنابل خاصة في ليبيا وسوريا.. لكنّ دعونا نتفق على أن البداية بريئة، ومن حق الشعوب الشعور بالغثيان من الوجوه القديمة المتآكلة التي لا تمّل ولا تكّل من الجلوس على الكراسي، وهكذا مهما روّج المروّجون، أو حاول المتسلّقون من أبناء الغرب، فمن المستحيل العثور على دليل، وحتى شبهة دليل، على أنّ محمد البوعزيزي، رحمه الله، تلقّى أموالا ليضرم النار في جسده، أو حضر دورات تكوينية في الولاياتالمتحدة، أو تواصل مع منظمات غير حكومية فرنسية وبريطانية ولو عبر الفيس بوك. وعودة إلى إيران لنؤكّد مرة أخرى على حقّها في دعم القضية الفلسطينية، ونؤكّد في المقابل على حقنا في ارتداء الدروع الواقية من (سهام الاستغفال) التي أدمنت طهران على إطلاقها، ومنها ما تابعناه في القمة السادسة عشر لدول منظمة عدم الانحياز التي شهدتها العاصمة الإيرانية في الثلاثين من الشهر الماضي، حيث تكّلم مرشد الجمهورية، السيد علي الخامئني، مطوّلا عن فلسطين والمؤامرات الدولية، ولم يشر من بعيد أو قريب إلى المأساة السورية.. لنقول لإخواننا الإيرانيين شكرا جزيلا مرة أخرى، أو خيلي ممنون دو بارة، كما يقولون بالفارسية.