يراهن الكثيرون على العهدة الجديدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي انتخبه أكثر من ثمانية ملايين جزائري وجددوا معه العهد يوم 17 أفريل الجاري، وذلك بهدف بناء الدولة العصرية التي تحدث عنها ممثلو الرئيس خلال الحملة الانتخابية، جمهورية ثانية تتحدد معالمها الأساسية من خلال التعديل المعمق للدستور الجزائري وهي العملية التي يفترض أن يشرع فيها الرئيس خلال هذه السنة، ويضاف إلى ذلك عديد المشاريع التنموية التي تعهد بها بوتفليقة بما يسمح للجزائر أن تقف مستقبلا في مصاف الدول الكبرى. شرع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة منذ أفريل 2011 في سلسلة من الإصلاحات السياسية التي تجسدت من خلال مراجعة جملة من قوانين الدولة الجزائرية، وكان بوتفليقة حينها قد أعلن أن مجمل هذه الإصلاحات ستتوج بتعديل عميق للدستور بما يمكن من رسم ملامح الدولة الجزائرية العصرية ويؤكد الانتقال إلى جمهورية ثانية ممثلة في دولة القانون والعدالة، دولة الإنصاف التي تحترم حقوق الإنسان وتمنح مزيدا من المزايا لمواطنيها رجالا كانوا أم نساء. وجاءت الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 والتي كانت محل جدل ولغط بسبب الظروف الصحية للرئيس، بين مؤيد ومعارض لترشحه لعهدة رئاسية جديدة، إلى أن فصل هذا الأخير في المعضلة وأكد تلبيته لنداء الوطن انطلاقا من قناعة النضال التي حملها منذ أن كان يقاوم الاحتلال الفرنسي ، لينتقل إلى معركة البناء والتشييد بعد الاستقلال، واستطاع بوتفليقة بالفعل أن يكسب ود الشعب الجزائري بنسبة تجاوزت 80 بالمائة من الأصوات المعبر عنها، لينطلق مرة أخرى في نضال جديد مبني هدفه بناء دولة عصرية. وبالنظر إلى حساسية المرحلة والظروف الإقليمية التي تعيشها الجزائر في محيط جيو استراتجي جد مضطرب على غرار ما صرح به عديد المسؤولين في الدولة، فإن الرهان الأساسي لبوتفليقة هو القيام بأسس هذه الدولة التي تحدث عنها خلال حملته الانتخابية وجعلها ورقته الرابحة التي لن يتنازل عنها مهما كانت الظروف، هذه الجمهورية الثانية التي أراد لها أن تكون من خلال تعديل دستوري معمق يراعي كل الحساسيات ويكون مسبوقا بمشاورات تضم كل الأطراف والأطياف السياسية مهما كانت مشاربها، خاصة أمام بعض الحركات الاحتجاجية التي ظهرت والتي تسعى إلى ضرب مصداقية الدولة والتي سعت إلى التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية وغيرها من المبادرات. كما يفترض أن يتضمن هذا التعديل الدستوري وضع الأسس المتينة للدولة الجزائرية، بما يضمن استمرار المسار السياسي في إطار مشروع التجديد السياسي وعدم تجسيد السلطة في يد الأشخاص أو ربطها بالزعامات بما يعني بناء دولة مؤسسات، دولة عصرية تكرس احترام حقوق الإنسان، وتحفظ كرامة المواطن الجزائري، تمنح مزيد من الحقوق للمرأة من خلال تعديل قانون الأسرة وغيرها من المزايا التي يجب أن تحصل عليها، لاسيما في الشق السياسي لتكون جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل. رهان حقيقي بكل ما قد تحتويه الكلمة من معنى وأكثر من ذلك هو مشروع حضاري، هل سيتمكن بوتفليقة من تجسيده كما أراده خلال السنوات الخمس المقبلة؟ هذا التعديل واستنادا لما صرح به ممثلو الرئيس في فترة الحملة، سيعمل على تحقيق التوازن بين السلطة التنفيذي والتشريعية، منح مزيد من الصلاحيات بما فيها الرقابية إلى البرلمان، تحديد الملامح النهائية للنظام السياسي الجزائري، إضافة إلى ضمان استقلالية القضاء وتكريس حرية التعبير وغيرها من الممارسة الديمقراطية. وبالنسبة لأصحاب المشروع، فإن هذا المشروع انتظر لحد الآن بسبب الأولويات التي أعتلت أجندة الرئيس عند قدومه إلى سدة الحكم سنة ,1999 وفي مقدمتها استتباب الأمن، استرجاع المكانة المرموقة للجزائر بين الأمم ودفع عجلة التنمية، أما الآن فقد حان وقت بناء الدولة الديمقراطية الحقيقية التي تكرس حكم المؤسسات ودولة القانون التي تراعي كل الاختلافات وتجمع بين أبناء الوطن الواحد وفق فلسفة التعايش وتقبل الآخر، وبعيدا عن أي إقصاء أو تهميش. كما يضمن الدستور الجديد بناء طبقة سياسية ناضجة وتمكين المعارضة من حقوقها وحمايتها ممن يريدون إسكاتها. تطوير الاقتصاد الجزائري خارج قطاع المحروقات ودفع عجلة التنمية تطوير القاعدة الصناعية، دفع عجلة التنمية، خلق فرص للشراكة، كانت في مقدمة الوعود التي تحدث عنها بوتفليقة في برنامجه الجديد، لأن الرهان القائم بالنسبة له في المجال الاقتصادي هو كيفية الخروج بالاقتصاد الوطني من دائرة الاتكال على المحروقات وبالتالي خلق اقتصاد منتج وتطوير نسبة الصادرات خارج المحروقات، وهذا ما يتطلب مرة أخرى الفصل في الإستراتيجية الصناعية والخيار الواجب اعتماده من أجل تحرير الجزائر من أي تبعية كانت سواء غذائية أو صناعية ولو بطريقة نسبية. التكفل بالانشغالات الاجتماعية للمواطنين أولوية تبقى المشاريع الاجتماعية التي حملها برنامج الرئيس في قلب انشغالات المواطنين، الذين ينتظرون تحقيق طموحاتهم وآمالهم، حيث تعهد بوتفليقة بالقضاء النهائي على مشكل السكن، واستنادا لما تقدم من إحصائيات لم يسبق سوى 700 ألف جزائري دون سكن وهو عدد بسيط في تقدير بعض المسؤولين، من منطلق أن البرنامج المقبل يحمل آلاف السكنات التي سيتم انجازها إلى غاية القضاء النهائي على مشكل السكن. كذلك هو الحال بالنسبة لمشكل البطالة وذلك من خلال خلق مؤسسات إنتاجية وطنية وأخرى في إطار الشراكة بما سيسمح بخلق مناصب عمل جديدة ويضاف إلى هذه المشاريع تسهيل صيغ إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وفق الأطر المعروفة على غرار الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، الوكالة الوطنية للتامين على البطالة ووكالة أخرى للقرض المصغر، كلها آليات ستسمح بخلق مشاريع ستساهم بدورها في امتصاص نسبة البطالة المتبقية. سيكون الرئيس بوتفليقة مجددا أمام امتحان تاريخي لرفع التحدي والالتزام بوعوده التي قطها خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وذلك من أجل ضمان مرحلة انتقالية سلسلة، تكون فيها الكلمة والمسؤولية للشباب، في إطار دولة قوامها القانون لا غير، التزامات أخرى مرتبطة بمكافحة الرشوة والبيروقراطية وغيرها من الآفات التي نخرت كيان الدولة الجزائرية طيلة عقود من الزمن، بوتفليقة مطالب بتجسيدها على أرض الواقع في عهدة رئاسية جديدة زكاها أغلبية الشعب الجزائري.