إن انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة، لن يعجل فقط بزوال إسرائيل، لكنه يعجل أيضا بزوال أنظمة الحكم العربية، لذلك حدث لأول مرة في التاريخ تحالف عربي صهيوني ضد حركة حماس. عندما قرر الغرب المسيحي إنشاء دولة للكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية، كان يفكر في أن تكون حصنا متقدما لحضارة الغرب أمام بربرية الشرق ز، وظل يسوق لدولة الكيان الصهيوني على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وظل يغدق المال والدعم العسكري لهذا الكيان حتى يظل يقوم بهذه المهمة. انهزام إسرائل عسكريا .. زوالها سياسيا كلما خاضت إسرائيل حربا في المنطقة سواء مع الدول العربية أو الأحزاب المقاومة مثل حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس، بادر الغرب إلى دعم إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا لتغليبها في المعركة، لأن الغرب يدرك جيدا أن إسرائيل ليست مقبولة في المنطقة العربية ويدرك جيدا أن الحرب بين الكيان الصهيوني والشعوب العربية حرب وجود إما هذا أو ذاك، ويدرك أن إسرائيل إذا انهزمت في حرب واحدة فقط سوف تندثر كدولة في المنطقة. وإذا انتصرت إسرائيل وتفوقت في حروبها مع الجيوش العربية خاصة 1967 و1973 فإنها انهزمت انهزاما عسكريا واضحا في حربها مع المقاومات الشعبية في عام 2006 مع حزب الله ثم في حربها مع حركة حماس في 2009 وهي منهزمة في حربها الحالية مع حماس التي اندلعت في 7 جويلية .2014 إن هذا الإنهزام دليل على أن دولة إسرائيل في طريقها إلى الزوال، لأن المقاومات الشعبية بدأت تكتسب الخبرة القتالية وتمتلك وسائل القتال بل وتصنع أدوات الحرب المتطورة مثل الصواريخ وحتى الطائرات بدون طيار، وربما هي وسائل عسكرية لم تتمكن الدول العربية من تصنيعها منذ حصولها على استقلالها منذ ما يفوق النصف قرن. إسرائيل تسعى لتحقيق نصرا ديموغرافيا إن إسرائيل من خلال الحرب على المدنيين في غزة، تريد أن تحقق نصرا استراتيجيا على المدى البعيد، يتعلق الأمر بالعنصر الديمغرافي، أي استهداف النمو الديمغرافي في غزة حتى تقلل أعداد الفلسطينيين الجهاديين مستقبلا، لأن كل طفل غزاوي هو جهادي ضد الصهيونية، وكل امرأة غزاوية هي محضن ومفرخ للجهاديين، وكل شاب فلسطيني هو ملقح للبويضات الجهادية في رحم المرأة الفلسطينية، لذلك فإن إسرائيل تريد القضاء اليوم على الطفل والمرأة والشاب معا، لأنها تدرك أن الحرب حرب وجود مع الشعوب العربية. تبين الإحصائيات أن معدل النمو السكاني في غزة يقدر بنحو 4 بالمئة، بينما قدر في إسرائيل في عام 2012 بنحو 8,1 بالمئة، حيث شهدت الولادات 110 ألف طفل، لذلك تراهن إسرائيل على المستوطنين الذين بلغ عددهم عام 2012 ثلاث مرات عدد الولادات أي بنحو 341 ألف مستوطن. خلال انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987 كان المجحرم شارورن يعطي التعليمات للجنود الإسرائيليين بكسر يد الأطفال التي ترمي الحجارة، لكن تلك السياسة لم تفلح في القضاء على شعلة الجهاد، فكان لابد من قتل الأطفال والنساء والشباب في عهد ناتنياهو بمباركة غربية مؤكدة وعربية واضحة، ذلك أن الأطفال في غزة يمثلون نصف عدد سكان غزة. لماذا لا تنتفض غزة ؟ ولماذا تقبل بالمبادرة المصرية؟. كلما ارتفع عدد الضحايا المدنيين، اتخذه المنبطحون لإسرائيل من رجال السياسة ووسائل الإعلام مطية لاتهام حركة المقاومة حماس كما اتهموا أيضا قبلها حزب الله عام 2006 بكونهما المتسبب في ارتفاع عدد الشهداء والجرحى والبيوت والمدارس والمنشآت المهدمة، بسبب استخدام الصواريخ وإطلاقها على المدن الإسرائيلية. والحقيقة أن غزة توفرت فيها جميع الظروف التي تدفعها نحو الإنتفاضة وتعزز موقع المقاومة، ظروف تجعل من غزة قطاع زميت في ظروف السلمس وبالتالي فإن القتل الإسرائيلي العشوائي المكثف لا يزيد شيئا لأن الشعب في غزة ميت ميت. تقول منظمة اللاجئين زالأنوروا ز في تقرير لها صدر شهر ماي 2013 أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في غزة يقدر بنحو 2,1 مليون لاجئ، وسوف يرتفع إلى 6,1 مليون بحلول عام ,2020 اي 70 بالمئة من سكان القطاع، ومعروف أن اللاجئين هم المحرومون من كل شيئ : من البيوت من التعليم من الخدمات ويعيشون على التبرعات والهبات. والأكثر من ذلك أن قطاع غزة محاصرا برا وبحرا وجوا منذ عام 2007 ولا تدخل إليه مستلزمات الحياة إلا بالتقطير، من خلال المعابر المتحكمة فيها تحكما كليا سواء رفح المصري أو أبو سالم على الجانب الإسرائيلي، ما يدفع دفعا نحوم الإنتفاضة. إن العدوان الصهيوني لعام 2009 ثم عدوان 2014 خلف العديد من البيوت والمدارس المهدمة وتم تلويث البيئة والمياه، ما جعل الأونروا تتوقع أن قطاع غزة يصبح مكانا غير لائق للعيش بحلول عام 2020 إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة. على رأس الإجراءات وقف العدوان الصهيوني ثم بناء وترميم ما تهدم وإصلاح ما تضرر. في شهر أوت 2012 أصدر فريق الأممالمتحدة العامل في الأراضي المحتلة تقريرا استشرافيا بعنوان: ز غزة في عام 2020 : هل ستكون مكانا ملائما للعيش ز ؟ ويقدم التقرير صورة سوداء عن الوضع الإجتماعي في غزة تجعل العيش فيها مستحيلا بعد 6 سنوات أي في عام .2020 إن البطالة في غزة حسب الأونروا تصيب 3,48 بالمئة من الإناث، و6,57 بالمئة من الذكور. وبحلول 2020 تكون غزة في حاجة لنحو 50 ألف منصب شغل وهو أمر غير ممكن إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة من قبل المجموعة الدولية، ولأن البطالة تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي، فإنها تؤدي إلى الإنتفاضات وتعزيز مكانة المقاومة. ويعاني قطاع غزة أيضا من نقص في الكهرباء الذي يأتي أكثر من نصفها من إسرائيل وبعضها من مصر وبعضها من محطة توليد واحدة ووحيدة في القطاع، ما يجعل الإنقطاع الكهربائي منتظم ويؤثر على كل مناحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية. وتقول الأنروا أن 90 بالمئة من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب بدون معالجة، وبحلول عام 2016 تصبح المياه يالجوفية غير صالحة لأي استعمال، بينما إذا حل عام 2020 في مثل هذه الروف فإنه يصبح مستحيلا إصلاح الضرر الذي لحقها. هذه بعض المؤشرات التي تجعل المقاومة الفلسطينية سواء أكانت إسلامية أو شيوعية أو مسيحية أو حتى ملحدة مقاومة حتمية، وهي تستحق الدعم والتأييد مهما كان لونها السياسي والديني، لذلك فإن التهدئة مع إسرائيل يجب أن تكون شاملة وليس وقف إطلاق الصواريخ فقط، ولذلك رفضت حركة المقاومة الفلسطينية حماس المبادرة المصرية، لأنها تقتصر على وقف الحرب وتجريد حماس من سلاح المقاومة فقط. بداية تصدع التحالف الغربي الصهيوني إن الإنتصارات التي تحققها حركة حماس في حربها مع العدو الصهيوني رغم ضخامة التضحيات في صفوف المدنيين، لم يجعل إسرائيل في حرج فقط، بل جعلت الغرب أيضا في حرج، فالغرب إما أن يدعم هذا الكيان المجرم، وإما أن ينتظر اندثاره، فبدون دعم غربي لن تسطيع إسرائيل الصمود في وجه قوم يحرصون على الشهادة لتحرير وطنهم. إن الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي دخل في مواجهة تاريخية مع الشرق بقيادة الإتحاد السوفياتي سابق روسيا حاليا في ما يعرف بالحرب الباردة ظل يسعى لإنجاح أفكاره السياسية والفلسفية ممثلة في حقوق الإنسان والديمقراطية السياسية والليبرالية الإقتصادية والحرية الإعلامية والدينية وغيرها، ويجعل من إسرائيل نموذجا لذلك. لكن عندما كشفت وسائل الإعلام العالمية وشبكات الأنترنيت الوجه الصهيوني ز غير الديمقراطي، والكابح لحريات الإعلام، والمعادي لحقوق الإنسان ، فإن الراي العام في الغرب تحرك ضد حكوماته وراح يضغط عليها لوقف الدعم عن إسرائيل من ضرائب الشعوب الغربية. صحيح أن هذه الفئة المناهضة لإسرائيل صغيرة في المجتمعات الغربية، لكنها قبل عام 2006 لم تكن موجودة أصلا، وهي في تنامي مستمر. إن الحرج الإسرائيلي هو الذي جعل الجيش الصهيوني يقدم على قصف المدنيين من الأطفال والنساء والمسنين حتى تتحرك الدبلوماسية الغربية والعربية لإنقاذه ب ز التدخل ز لوقف الحرب، مثلما حدث عام 2006 حين تدخلت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك وأجبرت إسرائيل على وقف الحرب من جانب واحد، لأن استمرار الحرب يكبد إسرائيل خسارة عسكرية عتادا وأرواحا، وخسارة اقتصادية من خلال تراجع السياحة وتراجع ساعات العمل وإصابة صواريخ المقاومة للمنشآت، وخسارة أخلاقية لأن صورة إسرائل تشوهت وتلطخت وأصبحت صورة للمجرم القاتل وليس للدولة التي تريد العيش بسلام في المنطقة جنبا لجنب مع المسلمين والعرب والمسيحيين، وهو ما حرك شريحة واسعة من الرأي العام في الغرب ليخرج في مظاهرات مناهضة لإسرائيل، ولم يكن هذا يحدث في الغرب قبل العدوان الصهيوني على جنوبلبنان عام 2006 ثم العدوان الصهيوني على غزة 2009 - ،2014 بل تطور المشهد لحدوث مشادات واشتباكات في بعض الدول الأوروبية بين مؤيدي إسرائيل ومؤيدي حركة حماس مثلما حدث في العاصمة الفرنسيية باريس. والسؤال المطروح إلى متى ستستمر الدول الغربية في دعم الكيان الصهيوني بعدما كشفت كاميرات العالم الصورة البشعة للدولة العبرية التي أراد لها الغرب أن تكون زحصنا متقدما لحضارة الغرب أمام بربرية الشرقس . افتضاح التحالف العربي الصهيوني إن الشق الثاني في الموضوع، هو أن المقاومة الشعبية للصهيونية في جنوبلبنانوغزة ، فضحت للمرة الألف الحكومات العربية والحكام العرب والجامعة العربية، وكشفت عمالتهم للصهيونية العالمية مقابل بقائهم في الحكم. في عام 2006 عندما دكّت صواريخ حزب الله مدن الكيان الصهيوني، وقفت عدة دول عربية خاصة الخليجية مؤيدة لإسرائيل بحجة أن حزب الله ز شيعيس وأن الشيعة ''رافضة''، في انحطاط أخلاقي لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لم تتم المساواة فقط بين المحتل الصهيوني والشعب اللبناني الشيعي في الجنوب، بل تم تأييد العدو الصهيوني ضد المسلمين الشيعة في الوقت الذي كان المقاومة اللبنانية تحظى بدعم دول مسيحية عديدة مثل فنزويلاوجنوب إفريقيا وغيرهما. وفي عام 2014 تحديدا وقفت معظم الدول العربية ? باستثناء قطر ? مؤيدة لإسرائيل في حربها ضد حركة حماس في غزة، بحجة أن حماس فرع من تنظيم الإخوان المسلمين الذين أوصلهم ما يسمى بالربيع العربي إلى الحكم في تونس ومصر تحديدا قبل أن يحدث الإنقلاب على حكم الإخوان في مصر أي على الرئيس الشرعي محمد مرسي من طرف الجيش بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي بدعم وتمويل خليجي. إن المبادرة المصرية لوقف الحرب في غزة ، كانت مبادرة لتجريد المقاومة من سلاحها، أي كانت مبادرة لخدمة إسرائيل، وقد وافقت عليها الدول العربية في اجتماع وزراء خارجيتها بالقاهرة، وكان واضحا من البداية أن حركة حماس سترفضها، وبذلك اتضحت الخدمة الجليلة التي قدمتها مصر والدول العربية لإسرائيل، فرفض حماس للمبادرة المصرية اتخذ ذريعة من قبل إسرائيل لإطلاق مزيدا من الصواريخ والقنابل على المدن والمساكن مخلفة مزيدا من الشهداء والجرحى والبيوت المهدمة، كما اتخذت المبادرة المصرية - العربية ذريعة من قبل الدبلوماسية الغربية وعلى رأسها أمريكا لتحميل مسؤولية المجازر الإسرائيلية لحركة حماس الفلسطينية. إن الموقف الغربي لا يثير الإستغراب، لكن الموقف العربي يثيره فعلا، لأنه جعل من الحكام العرب خدما لإسرائيل، وهو ما ينزع عنهم الشرعية في الحكم، ويزيد من فرص توسيع الشرخ بينهم وبين شعوبهم، وهو ما يرشح استمرارية ز الربيع العربي ز بصفته رفض الحكم القائم سواء أكان ذلك على الطريقة التونسية أو اللببية أو السورية أو أي طريقة أخرى في المستقبل، لقد بينت التعليقات الشعبية العربية في مواقع التواصل الإجتماعي مدى سخط الشعوب العربية على حكامها من السعودية إلى الإمارات مرورا بمصر ووصولا إلى الجزائر، سخط على حكومات لم تمتف بالتحالف العلني أو الضمني مع غسرائيل بل منعت حتى المسيرات الشعبية المنددة بالعدوان الصهيوني الغاشم. عندما تنتصر المقاومات الشعبية في فلسطين ضد الكيان الصهيونية، فإن أنظمة الحكم العربية ستتآكل حتى لو استعانت بجميع فتاوى السوء من جميع علماء السوء المؤيدين للكيان الصهيوني، فشرعية الحكم لا تأتي فقط من الإنتخابات الشفافة والمزورة ايضا، بل من المواقف التي تتخذها الحكومات أيضا، وهي المحك الذي على أساسها تزيد شعبية الحاكم أو تتراجع. فلو تم إجراء عمليات سبر الرأي في الوطن العربي لاتضح أن شعبية الحكام العرب في درجة الصفر.