تشرف عملية تعديل الدستور على نهايتها، إذ تدخل مرحلتها ما قبل النهائية، حيث يكون أحمد أويحيى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، قد عرض حصيلة المشاورات مع الطبقة السياسية على رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وبذلك يفترض أن يتم الإعلان قبل نهاية الشهر الجاري عن مضمون هذه الوثيقة، لتعرض على البرلمان بغرفتيه للمصادقة عليه مع افتتاح الدورة الخريفية بداية شهر سبتمبر المقبل، رهانات كثيرة منتظرة في هذا التعديل الذي يفترض أن يساهم في القضاء نظام سياسي هجين ويؤسس لجمهورية ثانية من خلال دستور واضح الملامح يحدد التوازنات بين السلطات. بادر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مباشرة بعد انتخابه لعهدة رئاسية جديدة في طرح مشروع التعديل المعمق للدستور، تجسيدا لورقة الرهان التي خاض به حملته الانتخابية في رئاسيات ,2014 بوتفليقة تعهد بتأسيس جمهورية ثانية تقوم على أسس دستورية متينة، دولة مؤسسات وحق وقانون، لا تزول بزوال الرجال، وبالمقابل أراد الرئيس أن يحظى الدستور المقبل على شبه إجماع بمعنى وثيقة توافقية تضم جل التيارات السياسية. وبالرغم من فترة الركود السياسي التي تعرفها الحياة السياسية في فترة الصيف، إلا أن الدخول الاجتماعي الذي لا تفصلنا عنه إلا أياما قليلة يحمل عديد الملفات الثقيلة، منها ملف الدستور الذي تشتغل عليها حاليا لجنة مختصة معينة من طرف رئيس الجمهورية، والتي يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار كل المقترحات التي استقاها رئيس الديوان ووزير الدولة أحمد أويحيى خلال اللقاءات التي جمعته بأكثر من 150 فاعل سياسي من أحزاب وتنظيمات وكذا شخصيات وطنية طيلة شهر جوان الفارط. ومن هذا المنطلق لا يزال رهان الرئيس بوتفليقة قائما بعد أن سخر كل الإمكانيات لعملية تعديل الدستور، رهانات كبيرة وسط معارضة بعض الجهات لمسعى الرئيس بالرغم من توافق الأغلبية على هذا المشروع التي ترى بأنه سيساهم في بناء دولة المؤسسات، في ظل نظام سياسي واضح المعالم يكرس الممارسة الديمقراطية. مسودة الرئيس واجهت بعض الانتقادات من منطلق أنها لم تحدد طبيعة النظام السياسي، إلا أن القناعة التي عبر عنها القاضي الأول في البلاد كانت ردا صريحا على هذه الانتقادات، حيث أنه أراد بهذه المسودة تنوير الفاعلين السياسيين في انتظار تلقي مقترحاتهم وفتح نقاش عميق حول الوثيقة المقبلة، يأخذ بعين الاعتبار مقترحات كل الأطياف السياسية بما يخلص بالمشروع على صياغة دستور توافقي يرى الجميع بضرورة تمريره على البرلمان بغرفتيه ومن ثم على استفتاء شعبي ليحظى النص بمصداقية وقبول لدى الجميع. وبالرغم من أن المسودة لم تفصل في الكثير من المفاهيم واقتصرت على تقديم معالم كبرى، إلا أنها قدمت مقترحات تحدد صلاحيات السلطة التنفيذية وكذا التشريعية والعلاقة فيما بينهما، بالإضافة إلى استقلالية القضاء وحرية الصحافة، تحديد العهدات الرئاسية، دور المجلس الدستوري ومجلس الدولة وغيرها من المقترحات التي يرى الكثير من القانونيين أنها تعبر عن طرح جدي من قبل السلطات العليا في البلاد، وهذا لا يتعارض مع فكرة أن النص جاء على سبيل التنوير والاستئناس وقابل للإضافة من خلال الإثراء بمقترحات الفاعلين السياسيين.