- في ديسمبر الفائت 2014 ، مرّ رُبع قرن عن إعلان نهاية الحرب الباردة من طرف زعيمي القطبين المعروفين إذ ذاك، الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عن المعسكر الغربي، والرئيس غورباتشوف عن المعسكر الشرقي الذي توزّع المؤمنون به شِيَعا وأحزابا بعد أن ذهبت ريح الشيوعية ولم تجد إثر ذلك من يتقبل عنها التعازي، إذا ما استثنينا الحزب الشيوعي الصيني الذي ينتهج برامج اقتصادية ليبيرالية متوحّشة، وشكلية النظام الشيوعي في كوريا الشمالية، ودولة كوبا التي عادت إلى أمريكا عودة الطفل المختطَف إلى أحضان أمه في عملية تطبيع مفاجئة نسجت خيوطها بعيدا عن الأنظار، والتي توقعت كوبا أنّها ستعرف نموا اقتصاديا بنسبة 4 بالمئة هذا العام بسبب تحسين علاقتها مع أمريكا بعد 54 سنة من الجفاء والعداوة. - في أوائل الزمن القديم القريب، خرج من رحم العالم الثالث رجل أسود يدعى نيلسون مانديلا يناضل بسماحة من أجل إزالة ظلم وحيف أقلّية العرق الأبيض الذي يمثل وجه الاستعمار البشع، الاستعمار الذي لا صورة له سوى المزيد من البشاعة، واعترف ليبيرالي يدّعي الديموقراطية أبيض البشرة يسمى دبليودي كليرك عن استبداد أبناء جلدته وراح يعتذر على ما فعلوا في بني البشر من مهالك، ومن أعمال عنصرية مقيتة. - أمّا ميخائيل غورباتشوف الشيوعي فقد استسلم أمام المعسكر الغربي وسلّم له أمر رقاب الناس، تحت غطاء الاعتقاد أنه سيزرع بذور الحرية لبني قومه وقوميته ولأتباعه ومن كان يتخندق في معسكره من الشعوب التُبّع التي تضرّسها اليوم أنياب من اُتُّبِعوا، وبخاصة الشعوب العربية التي تركت أوطانها وهي تهجرها في هجرة محمومة مؤلمة، تركتها للدكّ والهدم النازل من السماء والمصوّب إلى مقاتلها من الأرض، بين كفّي رحى حرب باردة ثانية بدت بوادرها للعيان، وقوميات أخرى تبتغي عودة السؤدد الغابر وبزوغ شمس الإمبراطوريات القديمة، وبعثها من جديد على حساب تمزّق العرب وبامتصاص أموالهم وابتزاز خيراتهم. - في هذا الزمن الذي انكمش فيه وتقلّص أداء منظمة الأمم المتّحدة التي أنشئت في غياب العرب وتغييبهم، هاهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى لأن تعود إلى زمن الإمبراطورية الفارسية، وهي تلعب على حبل ربط العلاقات بين خَلَفِ المعسكرين السابقين في القضية السورية تمدّ يدها إلى روسيا وتساندها معنويا وماديا وعمليا ، ومن جهة أخرى تفتح نقاشا واسعا مع أمريكا والغرب حول مستقبلها النووي، وتهتف تركيا بالعودة إلى أيام الإمبراطورية العثمانية، التي لن يكون لها طالع ولا دور تلعبه سوى على خشبة المسرح العربي، ومثل شطري إقليمها تقدّم رِجلًا وتؤخّر أخرى مع أمريكا، مع الاتحاد الأوربي الذي هي عضو في حلفه، مع داعش، مع العِراق، مع الإخوان. - في هذا الجو المنذر بعودة الحرب الباردة، يأتي بوتن صاحب درجة الويتيام دانفي الجيدو والمتفوّق في فنون القتال في جمهوريته الثانية على الخصوص لحلمه القيصري، فابتلع إعصاره جزيرة القرم واخترقت طائراته أجواء العديد من الدول وبوارزه مياهها، وهو يدعو إلى تحسين أجهزة مخابرات بلده، ويصرّ على جودة أدائها لمواجهة التحديات الحديثة، ليس بالسبب السوري، وإنّما بسبب الأوضاع في أوكرانيا وتصويت سكّان القرم لفائدة الانضمام إلى روسيا، وذلك في نشوة عارمة وزهو الانتصار قبل أن تُكوى سياسته هذه بنار انهيار سعر الذهب الأسود، وما يتلقى من ضربة الحصار الاقتصادي الموجّهة القاصمة المضروب على موسكو.