" المجاهد الحاج الطاهر زرواق واحد من الذين يحملون عبق التاريخ الخالد وأريج الثورة التحريرية المباركة، ضحى كغيره من أبناء جيل نوفمبر بالنفس والنفيس من أجل أن تستنشق الأجيال هواء الحرية، إنه من القلة القليلة الباقية التي ما يزال دورها قائما وها هو اليوم يطل علينا من خلال باكورة الأستاذ إسماعيل القطعة في سلسلته المعنونة ب: (فرسان النار) وحين طلبت حواره لم يتردد عمي الطاهر في الإفضاء بمكنونات ذاكرته، فكان معه هذا الحوار. *- بداية من هو الحاج الطاهر زرواق، وكيف كان التحاقه بالثورة؟ * ولدت بتاريخ 1940 بمدينة مسيف عرش الحملات، دائرة الخبانة ولاية المسيلة، من عائلة محافظة تنحدر من أبناء الولي الصالح سيدي حملة صاحب المقام الشهير في منطقة الحضنة. في ريف مسيف وبين أحضان جبال محارقة التاريخية نشأت على التشبع بمبادئ الدين الإسلامي وقيم وثوابت شخصيتنا الوطنية والحضارية، كان التحاقي بثورة التحرير سنة 1957 حيث انطلقت من مسيف متوجها إلى مدينة المسيلة قاصدا أخوال أبي عرش (لخلافيل) بلدية أولاد دراج ، بقيت عندهم مدة شهر وقمت خلال تلك المدة باتصالات مع الجيش عن طريق المجاهد بلقاسم قنفود حيث كلفني المسؤول السياسي للقسمة قنفود الحملاوي بعملية فدائية أثبت من خلالها جدارتي ونجحت في الامتحان و التحقت بصفوف الثورة في قرية (جعونة) بالمعاضيد ولاية المسيلة و تمَّ تجنيدي بقسمة المعاضيد تحت قيادة مساعد القسمة المجاهد محمد تونسي. *- ما هي أهم المعارك التي شاركت بها؟ * لقد شاركت في عدّة معارك أهمها معركة جبل شلية في أكتوبر 1957 بقيادة قائد الولاية الأولى علي النمر وكذا معركة مركز برقوق في شهر أوت 58 بجبل أحمر خدو بالأوراس بقيادة مسؤول الولاية سي أحمد بن عبد الرزاق حمودة المدعو سي الحواس، أيضا هناك معركة جانة حمام أولاد زرارة في مارس 59 قرب جبل أحمر خدو بقيادة مسؤول الناحية إبراهيم سعادة أما بخصوص الكمائن والهجومات فلقد شاركت في العديد منها في الفترة الممتدة من 57 إلى 62. *- ما هي المسؤوليات التي تقلدتها في الثورة؟ * لقد كان لي عظيم الشرف أن تجعل القيادة كامل ثقتها بشخصي المتواضع حيث أسندت لي عدة مهام هي كالتالي: كاتب قسمة 69 بأحمر خدو، كاتب الناحية الأولى للمنطقة الرابعة بالولاية السادسة، كاتب المنطقة الرابعة الولاية السادسة وعريف إخباري لقسمة مشونش وسيدي عقبة. * أسهمت المرأة في الثورة التحريرية وأعطت لها الكثير، فهل كان لها وجود في مشوارك الثوري؟ * إن النساء شقائق الرجال وجميلات الجزائر كثيرات ولقد عرفت من بينهن مجاهدات توفرت لديهن الشجاعة والاستعداد للتضحية وحب الاستشهاد من أجل الجزائر وحرية أبنائها، أذكر منهن: المجاهدة (ربعية) من بانيان بالأوراس حاملة سلاح ومسؤولة فوج، المجاهدة سي العابدي مهنية مسؤولة مركز ورئيسة اللجنة الخماسية بمدينة مشونش، المجاهدة ناجي يمينة مسؤولة مركز بمدينة سيدي عقبة ولاية بسكرة وكذا المجاهدة زوجة المجاهد الطيب بن عاشور بمدينة سيدي عقبة ولاية بسكرة وكذا المجاهدة زوجة المجاهد قريمي بلقاسم بمدينة سيدي عقبة ولاية بسكرة أيضا. *- كلمنا عن أهم المسؤولين الذين عرفتهم وعشت معهم في الولاية السادسة؟ * إن مهمتي في الثورة ككاتب سمحت لي بالتعرف على العديد من المسؤولين، حيث عايشتهم وعرفتهم عن قرب،أذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: العقيد الشهيد الطيب الجغلالي، العقيد محمد شعباني، العقيد الشهيد سي أحمد بن عبد الرزاق حمودة المدعو سي الحواس، الرائد عمر صخري على قيد الحياة، الرائد محمد روينة المدعو قنتار رحمه الله، أذكر كذلك كوكبة أخرى من الشهداء والمجاهدين كان لي الحظ في معرفتهم عن قرب والجهاد معهم، منهم الشهيد الصادق بوكريشة مسؤول الناحية الأولى المنطقة الرابعة بالولاية السادسة، أحمد بن إبراهيم مسؤول الناحية الثانية المنطقة الرابعة الولاية السادسة والملازم الأول العسكري مويسات الفضيل الناحية الأولى المنطقة الرابعة الولاية السادسة. * لا شكّ أنّ في مشوارك الثوري العديد من المواقف المؤثرة، فما هو الموقف الذي أثّر فيك وبقي عالقا في ذهنك إلى غاية اليوم؟ * كثيرة هي المواقف التي ما تزال عالقة بذاكرتي إلى اليوم ولن تمحى أبدا، أذكر منها ونحن نعيش الذكرى الخامسة والخمسين لثورة نوفمبر المجيدة واقعة استشهاد الصادق بوكريشة مسؤول الناحية الأولى المنطقة الرابعة بالولاية السادسة في هجوم 29 مارس 1958 على مركز غوفي بأحمر خدّو، لقد كنّا ننظر إلى ذلك الجسد الطاهر وكأننا نرفض موته حتى قام القائد شعباني لونسيان خطيبا ليزرع فينا الصبر مذكرا إيانا بالآية 144 من سورة آل عمران (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئا وسيجزي اللهُ الشاكرين). وتكلّم عن خصال الفقيد قائلا: إن الشهيد الصادق بوكريشة ما هو إلا واحد من أبطال الجزائر فإن كنتم تحبونه فاستشهدوا على ما استشهد من أجله وحرّروا الجزائر، لقد سقطت كلماته بردا وسلاما على صدورنا وقام كل واحد منّا وطبع على جبين الشهيد قبلة الوداع ضَمَّنها دموعه التي اختلطت بالدماء. * لقد علمت أنك دونت ذكرياتك وستصدر قريبا, فماذا تقول لإخوانك المجاهدين حول هذا الموضوع؟ * أقول لإخواني المجاهدين إن مهمتنا لم تنته فذكرياتنا عن ثورة التحرير المجيدة هي إرث الأجيال القادمة,فلا تتركوها حبيسة الصدور والأدراج، إنها شهادة حق فلا تكتموها. * وما هي الرسالة التي تحب أن توجهها لشباب جزائر اليوم؟ * أقول لشباب جزائر اليوم إن ما عشته أنا من أحداث هو قطرة من بحر اسمه الثورة الجزائرية التي أصبحت بفضل الله ثم بفضل تضحيات أبنائها من أكبر الثورات في العالم حيث تُدرسُ في أكبر جامعات الغرب والشرق، هذا النموذج الفريد المتفرد في خصوصيته انطلق ذات يوم فكان على موعد مع البعث، حرّر الإنسان قبل أن يحرّر الأرض ورسّخ مفهوم الحرية وتقرير المصير فانبعثت الشعوب من جديد لتحطّم أغلال العبودية والاستعمار. إن جزائر الأمس كانت بحاجة إلينا أما جزائر اليوم فهي بحاجة إليكم أنتم يا جيل الاستقلال، أنتم الحماة والبناة ومنكم سيشرق غدٌ باسم، ينشر نوره على ربوع الوطن.