مرت بكالوريا هذه السنة في ظروف ليست بالسهلة، مشوبة باحتياطات كبيرة مخافة أن تؤدي عمليات الغش، وتسريب الأسئلة الحقيقية، والأسئلة المزورة إلى انزلاقات غير محمودة، وباتّساع وتعدد رقعة الغش والاحتيال، وتنوع المُتسببين فيهما، اتسعت دائرة الحرص على هذا الامتحان المصيري من أعلى هرم القطاع إلى أعلى هرم الدولة، أين تدخلت وزارات أخرى بحالها إلى جانب وزارة القطاع، والعملية متواصلة بالتحقيق والتحري من قبل العدالة وأجهزة الأمن، ونتائج ذلك ستوضع أمام اللجنة الموسعة التي تمّ تنصيبها من أجل اتخاذ كل ما هو واجب وضروري لامتحانات السنة القادمة. رغم أن وزارة التربية الوطنية كان قد استعدت كامل الاستعداد لتنظيم امتحان شهادة البكالوريا، واتخذت منذ عدة أشهر كافة الإجراءات اللازمة لإجرائها في ظروف طبيعية وعادية، وشاركتها في ذلك وزارات أخرى، إلا أن هذا الامتحان واجهته حالات طارئة ومفاجئة، تمثلت في اكتشاف حالات غش فعلي عن طريق تسريب أسئلة وأجوبة الاختبارات عبر التقنيات العصرية المستحدثة في اتصالات الجيل الثالث من وإلى مراكز الامتحان، وفي الترويج لمواضيع وأسئلة مزورة عبر أشكال التواصل الاجتماعي المختلفة، وبيعها للممتحنين بأثمان خيالية، إلى جانب الأخطاء الكبيرة الواردة في مضمون مادة اللغة العربية، الذي قيّمه المختصون على أنه خطأ جسيم في حق المادة، وفي حق الممتحنين، وفي حق »شخص« الشقيقتين فلسطين وسوريا. تحقيقات العدالة وتحريات الأمن متواصلة حول عمليات الغش الحاصلة وما نخرج به من هذه الدوامة الواسعة التي عاشتها اختبارات البكالوريا، أن مصداقية هذا الامتحان، وهذه الشهادة المصيرية الفاصلة بين المراحل التعليمية الثلاثة الأولى ومرحلة التعليم العالي عاشت طيلة الأيام الخمسة لاختباراتها من 7 إلى 11 جوان الجاري على شبه فوهة بركان، لأن جو الاختبارات تكهرب، وكان له انعكاسات سلبية واسعة على نفسيات الممتحنين بالدرجة الأولى وأوليائهم بالدرجة الثانية، وجدت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت نفسها ملزمة ومجبرة على المتابعة اللصيقة جدا بكافة مراكز الامتحان، وذلك من أجل تقديم التطمينات اللازمة للممتحنين وذويهم، وإعلامهم من أن وزارتها تتابع باهتمام بالغ لما جرى ويجري. وقد أطلعتهم، وأطلعت الرأي العام الوطني داخل الجزائر وخارج حدودها من أنها أسست لجان تحقيق إدارية بصورة فورية على مستوى وزارتها، وأوعزت لشركائها الرسميين من قطاعات أخرى بفتح لجان تحقيق أيضا، كانت هي الأخرى أحسّت بخطورة ما يجري، وبضرورة التحرك الفوري. وقد رأينا كيف أن العدالة على مستوى العاصمة تحركت، وباشرت تحقيقاتها مباشرة بعد طلب الوصاية بالتنسيق والاعتماد على الخطوات التي قامت بها أجهزة الأمن والدرك الوطنيين، وعلى المعلومات الميدانية الفعلية التي قدمتها لها، وحتى الآن مازالت التحريات الأمنية والتحقيقات متواصلة من قبل أجهزة الأمن ومن قبل العدالة، وقد توصلت وفق ما تمّ تسريبه لإحدى القنوات التلفزيونية أن تمكنت من الوصول إلى شبكات غش منظم، يسير وبشكل متواصل مع الممتحنين داخل مراكز الامتحان. وينتظر أن تكشف وزارة التربية الوطنية عن النتائج النهائية لكل هذه التحقيقات، وتطلع الرأي العام الوطني عليها، وأن تقدم وبشكل نهائي ما تنوي القيام به من إجراءات إدارية صارمة، ومن احتياطات وقائية لكافة الامتحانات الرسمية ابتداء من السنة الدراسية القادمة. ومن الآن وزيرة التربية السيدة بن غبريت أعلنت عن أنها اتخذت إجراءات وقائية وردعية صارمة سيتم تطبيقها في السنة المقبلة، من أجل التصدي لكافة عمليات الغش الفردي أو الجماعي، وبأي الطرق، ضمانا وحفاظا على مصداقية شهادة البكالوريا. ومن بين هذه الإجراءات المعلن عنها من قبل الوزيرة، وضع حد للغش عن طريق تكنولوجيات الاتصال الحديثة، ومراجعة جهاز إعداد مواضيع البكالوريا، وتغيير طريقة بنائها، وسيأتي هذا مباشرة عقب انتهاء عمل لجان التحقيق. وفي هذا السياق كشفت وزيرة التربية عن أن لجنة وطنية قد تمّ تنصيبها، وستعمل على اتخاذ جميع التدابير والإجراءات العملية الفعالة بالتعاون مع قطاعات أخرى لمكافحة ظاهرة الغش باستعمال الوسائل الحديثة، ولاسيما منها الهواتف الذكية، التي أقصى استعمالها في اليوم الأول من الامتحان 61 ممتحنا، منهم 16 متمدرسا و45 حُرا. وحتى وإن راج الحديث عن تسريب أسئلة حقيقية للبكالوريا، إلا أن السيدة بن غبريت كذبت ذلك تكذيبا قاطعا، وأكدت استحالة حدوثه، لأن »الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات محصن بصفة دقيقة«. وما يمكن الخروج به من دوامة ما حصل في هذا الامتحان، أن امتحان البكالوريا لم يعد واحدا من امتحانات وزارة التربية، بل هو ابتداء من السنة القادمة واحد من الاهتمامات الكبرى للدولة الجزائرية، ويتوقع أن تُسخر له كافة الاحتياطات اللازمة لضمان سيره العادي والطبيعي على كل المستويات.