في البداية أود أن أشكر السلطات المحلية و على رأسها السيد والي ولاية سكيكدة ، وكذا منظمي هذا اليوم التذكاري ، بالخصوص جمعية أول نوفمبر، المديرية الجهوية لمتحف العقيد علي كافي ، وأخيرا مديرية منظمة المجاهدين للولاية على دعوتهم الكريمة وإتاحتنا هذه الفرصة للتطرق إلى أحدى الصفحات الدامية في تاريخ فرنسا الاستعمارية المتعلقة ب 17 أكتوبر 1961. في هذه الولاية المجاهدة التي عرفت أمجادا و ابطالا إبان الثورة التحريرية و هجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955 بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف ،تقف شاهدة على شماخة هذه المنطقة وعنفوانها كيف لا و هي نفسها عرفت وبال وذاقت ويلات الاستعمار وجرائمه من منا لا يتذكر الملعب البلدي الذي جمعت فيه لوحده 134 جثة مصطفة فوق الأرضية ، من بين 1500 جزائري أقدمت القوات الفرنسية على إعدامها في مدينة سكيكدة فقط عبر مختلف أحيائها وقد مست حتى المدنيين العزل.فليس من الغريب على ولاية مناضلة عدت شهداءها بالمئات بل بالآلاف أن تسترجع الماضي الأليم لمجزرة مشابهة ارتكبتها فرنسا الاستعمارية على يد المجرم بابون غداة يوم 17 أكتوبر 1961. ها نحن نسترجع الذكرى الرابعة و الخمسين الأليمة للمجازر التي أغرقت الجزائريين في دمائهم عندما أمر السفاح موريس بابون، قوات الشرطة بقمع مظاهرة ذات يوم 17 أكتوبر 1961و التي رغم طابعها السلمي إلا أنها آلت إلى مأساة وجريمة ضد الانسانية خلفت مئات الضحايا في قلب العاصمة باريس. يتذكر الشعبان الجزائري والفرنسي هذه المجازر التي مست جاليتنا الجزائرية من فرنسا و أوروبا عندما امتلأ نهر السين بجثث الضحايا وتحولت مياهه إلى حمراء من جراء دماء هؤلاء الأبرياء التي كانت تطفو فوقه، ذنبهم الوحيد أنهم قاموا بمظاهرة سلمية في شوارع باريس حاملين مطالبهم ضد الظلم و العنصرية. موريس بابون أو جرائم التقادم في تلك الليلة من 17 أكتوبر على الساعة الثامنة كما أدلى به علي هارون في الوقت الذي أراد محافظ الشرطة موريس بابون قهرهم في مساكنهم المخصصة لهم وعدم السماح لهم بالتجوال ، قام الجزائريون بمسيرة صامتة وهادئة عبر الشوارع الرئيسية للعاصمة باريس ينددون بهذه التدابير القمعية .حيث تدفقوا من كل من النجمة – إطوال- الخبر السعيد -بون نوفال - الأبيرا و الوئام – لا كونكورد. إلى غاية جسر نويي ، هذه المنافذ و الأبواب الذي سارع بابون لغلقها استطاع خمسون ألفا من الجزائريين إقتحامها وكسر حواجزها ، كان حدثا فريدا من نوعه ، حيناها تكالبت الشرطة الفرنسية وتعاملت بطريقة وحشية وهمجية غير مسبوقة زهقت الأرواح وأسالت الدماء التي ملأت نهر السين. في هذه الليلة الحزينة التي نتذكرها اليوم ، بكل جوارحنا نغوص في عمق و مصدر القصة لنستحضر هذا الماضي الأليم الذي يحركنا ويوقد فينا الأحاسيس تجعلنا نتفاعل ونفكر ونعتقد . وبعيدا عن العواطف فإن الأجيال الشابة تريد أن تكتشف الحقائق لمرحلة وحقبة معيشية من التاريخ عندما التقى هنالك الرعب والخوف والبؤس والألم بدون انقطاع. والأسوأ من ذلك هو أن نقبل ونريد أن ننسى ما حدث. في هذا اليوم المشهود و مفتعله المشؤوم بابون الذي وضع ترسانة أمنية من البوليس وحفظ النظام ، خرج الجزائريون بشعارات مدروسة بعناية منها " لتسقط التدابير العنصرية " ، " لتسقط الاعتقلات " " أطلقوا سراح وزرائنا من الحكومة المؤقتة" في وقت دعت فيه فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا من المتظاهرين بالتحلي بالرصانة وعدم الاكتراث و الرد على الاستفزازات و الاصغاء لها . كان يوما مأسويا عند أعطى السفاح موريس بابون ورقة بيضاء لأجهزة الأمن لمباشرة مذابحهم وقتل المتظاهرين، فالألاف منهم تم احتجازهم وتوقيفهم فيما تم طرد الكثير منهم وترحّيهلم إلى الجزائر ليودعوا في مراكز الاعتقال ، ليمتلأ نهر السين بالكثير من جثث الجزائريين التي ألقيت فيه . يتحدث جان لوك أينودي عن أكثر من 200 قتيل في كتابه "معركة باريس، 17 أكتوبر 1961" دون احتساب المفقودين. من جهته جاك بنيجل عضو لجنة موريس أودان أنجز تصويرا حيا في فيلمه "أكتوبر في باريس" يجسد فيها هذه الأحداث الأليمة ، بالاضافة إلى كتاب بولات بيجي الذي أصدر كتابا تلكم الفترة بعنوان " العنف في باريس " نشر من طرف فرنسوا ماسبيرو. . نحن في أكتوبر 2015 وتجاهل القمع المفضوح الذي حدث في أكتوبر من عام 1961، لا يمكن أن يبقى طي النسيان ويجب أن يبقى في الذاكرة. وحشية مرّوعة و مجزرة دولة في كتاب آلان دوارب الذي ظهر في جانفي 2006 المعنون على أحداث الميترو بمحطة شارون " شارون 8 فيفري 1962 تاريخ أنتروبولوجي لمجزرة دولة " عقب مظاهرة المناهضة للمنظمة المسلحة " دعا اليها الحزب الشيوعي الفرنسي و بعض الأحزاب اليسارية، يعرج هذا الكتاب على مظاهرة 17 أكتوبر 1961 و يمثلها على أنها عنف دولة من خلال الضرب الذي تعرض له الفرنسيين من بينهم والده الذي توفي في هاته المظاهرة. يعود الى هذا اليوم المأساوي و يذكر على خروج أكثر من عشرون ألف جزائري الى شوارع باريس و الذين تم ضربهم و رميهم في نهر سين بأمر من أحد أكبر الناقمين و المتورطين في الاضطهاد الجماعي ضد الأقليات العرقية و الدينية أعني السفاح موريس بابون. هذا الأخير متهم بكل ما يعبر عنه الضمير الجماعي كمساس بالكرامة الانسانية و بالتالي فهو محكوم عليه من طرف المحاكم العليا للقضاء.وهو الذي ارتبط اسمه بقضية الخمسين رهينة في 24 أكتوبر 1941 الذي أمر بإعدامها رميا بالرصاص ببوردو هؤلاء كانوا يعتبرون من مقاومين النازية كذلك تحت سلطته المئات من اليهود من مختلف أعمارهم حجزوا في مخيم ميريناك ثم حولوا مابين 1942-1944 بمخيمات بدرانسي أين قتلوا و تمت تصفيتهم من بينهم 81 طفلا . و قد تمت ملاحقته قضائيا من طرف العشرات من الجمعيات التي أعطت الأدلة على تورطه في كل ما مس هؤلاء من قتل وتعذيب و ضلوعه في قضايا تمس بحقوق الانسان. سيرتا –باريس من ضفاف الرمال الى ضفاف نهر السين إن سكان قسنطينة - سيرتا العتيقة- يتذكرون فضائع موريس بابون الذي قام بمطاردة حقيقية للإنسان عندما كان حاكما في عام 1949 في ناحية قسنطينة. متمتعا بصفته الحاكم الجهوي بقسنطينة مابين 1956-1958 إلتحق بمهام مفوض الشرطة بباريس بأمر من وزير الداخلية آنذاك مريس بورجيه مونوري .لقد قام بإنشاء هياكل سميت د.و.ب خصصت لعمليات الحماية وهي بمثابة خلايا مختصة وظفت في التحريات و المسائلات كذلك أنشأ مراكز الاستعلام و العمل بضفاف الرمال الذي أخده معه الى باريس عندما كان محافظ الشرطة مابين 1958-1967 تحت إسم" مصلحة التنسيق للشؤون الجزائرية ". اعتداءات وإغراق بنهر السين لقد عرف الجزائريون ضربا بالهراوات و اعتداءات و إغراق و هي وسائل غير قانونية منددا بها دوليا ، لقد تم تعذيبهم بممارسات من طرف قوات الأمن المساعدة بقيادة النقيب ريموند مونتانيي في ضفاف نهر السين هذه الطرق نددت بها الصحف الفرنسية و يمكن القول بأن هذه الأحداث التي شهدتها باريس في أكتوبر 1961 كانت من بين النقاط التي سمحت بفتح المفاوضات مابين الحكومة الجزائرية المؤقتة و الحكومة الفرنسية في 20 ماي 1961. هناك تقريرين أستخرج بمبادرة من اليسار الذي كان في الحكم سنة 1998 الخاص بلجنة جون بيار شوفانمون تقرير ماندلكارن بالرجوع الى الأرشيف البوليسي و ما أوردته اليزابيت جيروا بقيادة جون جرونمي " تقرير جرونمي " اعتمادا على الارشيف القضائي . في 1961 كلفت بولات بيجي من طرف جبهة التحرير الوطني لكتابة تقرير مفصلا عن أحداث أكتوبرالذي نشر عند ماسبيروا تحت عنوان اعتداءات أكتوبر " و الذي منع من البيع. في سنة 1985 نشر ميشال ليفين كتابه تحت عنوان "القتل الجماعي بباريس" و سبقه في ذلك الكاتب ديديي ديانيك "قتل للذاكرة". في سنة 1986 علي هارون ينشر كتابه المعنون الولاية السابعة-حرب جبهة التحرير بفرنسا 1954-1962 بدار النشر القصبة. في 1991 ظهر كتاب معركة باريس لمؤلفه جون لوك ايندي و الذي اعتبر عملا بارزا من طرف جيم هاوس و نايل ماك ماستر بدون ان ننسى الشريط الوثائقي الفوتو غرافي المنشور من طرف آن كريستن تحت عنوان" صمت النهر".والشريط الوثائقي البريطاني المنتج من طرف القناة التلفزيونية الاخوة فيليبس والان هايلونغ الذي تم بثه في 02 مارس 1993 بقناة الثالثة لفرنسا وكل الشهادات الحية للكثير من الشخصيات التي واكبت هذه الأحداث وعايشتها . وظيفة المؤرخين وواجب الذاكرة لقد تطرق الكثير من المؤرخين الى أحداث 17 اكتوبر 1961 و أظهروا قمع البوليس الفرنسي الذي كان وحشيا الى حد أقصى من العنف من خلال الضلوع في قتل المئات من الأشخاص (أنظر الى مقال هيرفي بورجي شهادة مسيحي و صور لايلي كاغان وكذلك المقال الامريكي " نهر السين يتلقى الجثث ".اوليفيي لوكور غرانميسون نشر بدار الطبع ديسبوت 2001 "17 إكتوبر 1961:جريمة دولة بباريس". في إكتوبر 2001 دشن رئيس بلدية باريس الاشتراكي برتران ديلانوي لوحة تذكارية على جسر سان ميشال في إكتوبر 2003 ،رئيسة مجلس نانتير النائبة السيدة جاكلين فرايس قامت بنفس المبادرة بكشفها عن لوحة تذكارية وضعت على ضفاف نهر السين تخليدا لذكرى ضحايا 17 أكتوبر طالبة من السلطات الفرنسية الاعتراف بجرائمها الاستعمارية و تحمل ماضيها الاستعماري. في ماي 2005 قام السفير الفرنسي بالجزائر السيد هوبار كولان دي لافاردياربالتفاتة طيبة عندما انتقل الى مدينة سطيف للترحم على ذكرى مجازر 08 ماي 1945 . صراع الذاكرة والنظرة الى المستقبل نه إذن من غير المعقول أن نتكلم على المهمة الحضارية للاستعمار و تمجيد أفعاله الاجرامية في قانون 23 فيفري 2005 يقابله مقترح القانون الذي قدم من طرف المجموعة البرلمانية الجزائرية ووضع للدراسة لا يختلف و لا يبتعد على ما فعلته الامم الاخرى التي طلبت الاعتذار للجرائم و المجازر الذي ارتكبها في حقها المستعمر. فان واجب الذاكرة يذكرنا بظلام الاستعمار و ضد ثقافة النسيان.لفرنسا واجب اعطاء الحقائق من دون طمسها وإخفائها ومن دون تزييف التاريخ . يجب أن تتحمل مسؤوليتها بدون عاطفة ولا أحقاد ولا كراهية و يأتي استحضارها لكن بعقلانية وحكمة. فالنظرة نحو المستقبل للأجيال تمر حتما بالاعتراف بهذه الأفعال التاريخية الاستعمارية يأتي استحضارها في الوقت الذي تباشر فيه الجزائر المرحلة النهائية من الاصلاحات السياسية و المؤسساتية التي أعلنها السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ 15 أفريل 2011 وكلف بمتابعتها مدير الديوان لرئاسة الجمهورية و وزير الدولة أحمد أويحيى من أجل تدعيم قواعد الديمقراطية و صياغة دستور توافقي و الذي من المتوقع أن يرى النور قبل ديسمبر 2015. شعبي الضفتين يتذكرون بعد مرور أربعة و خمسون سنة بعد مرور أربعة و خمسون سنة تبقى الآلام حية. فبين الجزائر و فرنسا يجب أن يتحمل هذا النزاع التاريخي من جهة أو من أخرى. الاعتراف بالجرائم التي أحدثها الاستعمار لا يمكن أن ينحصر في مجرد اهانة فالوقت التي ذهبت فيه شعوب أخرى الاعتراف و التوبة من هذه الجرائم. و يمكن الذكر في هذا الصدد المثل الالماني الذي اعترف بأخطائه ضد الشعب الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية وبذلك فإن مقترح القانون المقدم من طرف المجموعة البرلمانية الجزائرية لا يقدم شيئا جديدا عما عرفته الامم الاخرى. فان التأويلات التي تمس بعض مواد اتفاقيات إيفيان لا تقف حاجزا أمام الاعترافات و حتى التوبة أن تكون مثلما كان الشأن بالتعذيب المعترف به من طرف فرنسا الرسمية.هذه التوبة الحقيقية هي التي تعيد لفرنسا مجدها التي استلهمته من عظمة ثورة 1789.انطلاقا من هذا الشرط فقط يمكننا أن نتغنى بتعاون مثمر و تبادل مربح بين فرنسا و الجزائر بعيدا عن وهم الجنة المفقودة. بعيدا عن وهم الجنة المفقودة تبلغ الهجرة الجزائريةبفرنسا جيلها الرابع إذ تختلف مشاكل الاجيال الجديدة عن مشاكل الآباء والجدود. فهي تتفاعل مع الوطن الأم ، وتعتبر شريكة في كل ما يحدث ببلدها، فارتباطها به هو ارتباط وثيق جدا إذ تحرص على المساهمة بكل الوسائل في نموه و ازدهاره. نقاشات مثرية و تساؤلات ملحة من طرف أفراد الجالية عن فكرة بعث استرايجية لتوضيح مكانتهم بين البلد المضيف وبلدهم، إن جاليتنا التي تعيش في الخارج لها مكانتها الخاصة في بلدها الأصلي و يمكن أن تلعب دورا فعالا و مميزا أيضا في البلد المضيف من أجل التأثير على مجرى الأحداث على وجه الخصوص في المواعيد الانتخابية. لقد حان الوقت لإعداد جلسات حول الهجرة بايجاد استراتيجية تأخد بعين الاعتبار اهتمامامت وانشغالات جاليتنا وعن مشاركتها إن في الخارج أو في بلد الأصلي؟ واجب الذاكرة والبحث عن الحقيقة إنه الضروري ، ونحن في هذا الشهر من أكتوبر 2015، مواصلة تطوير الحوار ما بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط في إطار جيو سياسي الذي يزداد تعقيدا لتحقيق التكامل و إيجاد مناخ للتضامن والازدهار في روح الاعتراف بالأفعال التي تمس حقوق وكرامة الإنسان الذي كان الاستعمار قد ألحقها بالشعوب المستعمرة. فرنسا الرسمية في شخص الرئيس الحالي فرانسوا هولاند الذي نزل على ضفاف نهر السين، عندما كان مترشحا للرئاسيات بصحبة رئيس بلدية باريس السابق ، ديلانوي من أجل تدشين اللوحة التذكارية لمجازر 17 أكتوبر 1961. هذا التاريخ سيذكر إلى الأبد في الذاكرة الجماعية لشعبنا ومهاجرينا الأمجاد حتى تتذكر الأجيال الصاعدة على جانبي البحر الأبيض المتوسط هذه الأفعال الاجرامية التي وصفتها "مجلة الوقت الحديث" لجان بول سارتر بمجزرة الدولة بعد عملية الإغراق، بيما في حديقة الرياضة أيضا أين وظف كل أشكال التعذيب بصفة مماثلة بالنسبة لليهود ، في فيل ديف في وقت الاحتلال النازي التي قام بها مجرم حرب موريس بابون. او كما يقول علي هارون. الدكتور بوجمعة هيشور باحث جامعي ، وزير السابق المراجع: 1-جان لوك إينودي، "أكتوبر 1961 - مجزرة في باريس" طبعة جديدة موسعة مطبعة الجمع / فيارد 2011. 2 علي هارون: "الولاية السابعة - أو حرب جبهة التحرير الوطني في فرنسا 1954/1962" دار النشر الجزائر القصبة، 2005. 3 جان بول برونيه: "الشرطة ضد جبهة التحرير الوطني دراما أكتوبر 1961" فلاماريون باريس عام 1999. 4 اوليفييه لو كور قرونميزون: " 17 أكتوبر 1961 جريمة الدولة في باريس دار النشر لا ديسبوت 2001 . 5- ليفين ميشال: " الاعتداءات العنصرية لأكتوبر" رامساي 1985.