العنوان أعلاه كان موضوع مقال نشرته قبل خمس سنوات، بمناسبة المؤتمر الثامن الجامع، وبالتأكيد فالحديث كان عن الأفلان الذي كان أشبه ب " الفقيد" الذي كاد أن يلفظ أنفاسه، بعد شهور من الصراع بين أبنائه كادت أن تقوده ليس فقط إلى الاندثار بل إلى المقبرة. ولا حاجة إلى الاستشهاد بأن الفضل في بقاء الأفلان حيا ومتماسكا وموحدا، إنما يعود إلى قيادة حكيمة، رفضت أن تساوم على وحدة الحزب، مهما اشتدت الأنانيات ومهما بلغت الضغوط. وها هو شمل أبناء الأفلان يلتئم بعد أيام في مؤتمرهم التاسع، وقد يقول قائل إن جبهة التحرير قوية، وها هو الدليل، إذ أن أبناءها بعد أن "تقاتلوا" شهورا طويلة، ها هم قد عادوا إلى بعضهم البعض، وكأن شيئا لم يكن أو أن ما كان، قد طواه النسيان! قد يقول قائل إن جبهة التحرير ليست ككل الأحزاب، فقد اختلف مناضلوها إلى درجة الصدام، بل إن الأمور وصلت إلى ما لم يكن في الحسبان، إذ كانت هناك معارك واقتحامات واعتصامات، كان هناك كر وفر، ومع ذلك لم نعرف لهؤلاء المناضلين "هجرة" إلى هناك أو إعلان "طلاق" مع الأفلان، بل على العكس كان القوم من هنا وهناك، تحدوهم قناعة واحدة بأن جبهة التحرير ليست ملكا لأحد ولن تخضع لأحد. قد يقول قائل إن الضربات التي توالت على جبهة التحرير كانت قاتلة، مع ذلك فإن "الفقيد" لم يمت!.. إن الضربة التي لا تقتلك تقويك، وهذا هو حال الأفلان، إذ أن الهزات التي تعرض لها على مدار عمره الطويل لم تزده إلا تماسكا وقوة، وكم يبدو هنا أشبه ما يكون بطائر العنقاء الذي ينبعث من رماده. قد يقول قائل إن جبهة التحرير حزب متحرك لا يتعايش مع الجمود ويرى في "الحركة بركة" سواء كان ذلك عن طريق "المؤامرة العلمية" أو "الانقلاب الأبيض"، لكن المهم أن هناك "تداول" وأن الصندوق حاضر وأن الأفلان في حركية دائمة تجعل حالة "الغليان" جزء فيه أو شيئا منه. وقد يقول قائل إن جبهة التحرير ليست حزب زعامات أو أعيان، وليست حزب جهة دون أخرى، وقد أكدت دوما بأنها هي الباقية وأن الأشخاص إلى غياب وزوال، وما أكبرها القائمة بأولئك الرجال الذين مروا من هنا وقد أصبحوا في حكم التاريخ. وقد يقول قائل: بعد كل هذه السنوات من الميلاد، لم تفقد جبهة التحرير مؤهلات القوة لديها.. رغم أحداث أكتوبر، إقرار التعددية السياسية، و"الحروب" الداخلية، إلا أن الأفلان ما يزال يمثل تلك "التوليفة" العجيبة التي يلتقي حولها الجزائريون ويرون فيها الملاذ الأخير، بالرغم مما قد يبدو في المسيرة من انحراف وانكسار. وقد يقول قائل: إن أبناء الأفلان الذين تصالحوا لا ينبغي أن يستبد بهم الندم على ما ارتكبوه من "جرم" في حق حزبهم، لأنهم بذلك - شاؤوا أم أبوا- قد قدموا خدمة جليلة لجبهة التحرير، التي يتهددها "المتحف" في كل حين، مرة باسم الخوف عليها ومرة بدعوى أنها ملك للشعب ويجب أن توضع في أحد رفوف التاريخ. وقد يقول قائل: إن الدرس المؤلم الذي ينبغي أن يعيه الجميع هو أن أزمة الأفلان ليست معزولة عن أزمة السلطة وأزمة المجتمع عموما، ولذلك يجب ألا يكون الشعار المرفوع هو "المؤتمر يجب ما قبله"، لأن المطلوب هو تجاوز تلك الحالة المرضية التي تسيطر عليها الصراعات الشخصية والانتقال إلى الحالة الطبيعية التي تجعل الأفلان ساحة حوار ومنبر أفكار. وأصل إلى جوهر القول: وهو أن لقاء أبناء جبهة التحرير في مؤتمرهم التاسع ينبغي أن يكون محطة للنقد والمراجعة، إذ أن انعقاد المؤتمر ليس هدفا في حد ذاته، بل يجب أن يكون منطلقا لتصورات جديدة تضع الأفلان على سكة التغيير والعصرنة والديمقراطية. إن على المؤتمر التاسع أن يرفع التحدي، حتى لا يكون مجرد مؤتمر عابر، يمر بلا أثر ولا يترك أية بصمة في مسار الأفلان، لذلك كله فإن الرهان كبير على هذا الاستحقاق الذي يجب أن يؤسس لمرحلة جديدة، تضع حدا للخصومات الشخصية وتجعل مصلحة الجزائر والجزائريين الهدف الأسمى لنضال الحزب. إن "الفقيد" لم يمت، إلا أنه بحاجة ماسة إلى "إنعاش" حقيقي يعيد الحياة إلى شرايينه، إذ المطلوب هو مصالحة الأفلان مع الشعب وعودته إلى قاعدته الاجتماعية بطروحات قوية ومواقف واضحة. لم يرحل "الفقيد" وها هو حي يرزق، رغم الداء والأعداء، وسواء تعلق الأمر بالمعيار التاريخي أو بمعيار العصر ومتطلباته، فإن المستقبل هو للأحزاب المتجذرة الملتصقة بقضايا الشعب وهذا ما ينبغي أن يناضل الأفلان من أجله، لأن هذا هو سر وجوده وأساس قوته، وهذا هو الضامن لاستمراريته كقوة سياسية فاعلة متأصلة ومتفتحة على العصر. ما يزال قلب الأفلان ينبض بالحياة والأمل والإرادة على الاستمرارية في أداء الرسالة، رغم محاولات الاغتيال العديدة، وقد آن الأوان لكي يبرهن أبناء الأفلان بأنهم قادرون على النضال باسم جبهة التحرير الوطني وأنهم في مستوى هذا الشرف الذي تحمله الأولون فاختاروا الشهادة على أن يقال يوما أنهم تقاعسوا أو خانوا أو لم يكونوا في مستوى الأمانة، لذلك كله فإن هذا المؤتمر يجب أن يكون لحظة تجديد للأمل من أجل جبهة التحرير وحدها.. جبهة التحرير كما ينبغي أن تكون، حزبا أصيلا وعصريا، في خدمة الشعب وحده. على أبناء الأفلان، أن يدركوا أن المناورات ضد جبهة التحرير لا تنقطع، وأن العداء لها لا يزال متأصلا في بعض النفوس، وهذا ما يملي عليهم مسؤولية أكبر، حتى لا تكون جبهة التحرير مجرد رصيد يعيشون عالة عليه ومنه يأكلون. يجب الاعتراف بأن " الفقيد" لم يمت، وعلى أبنائه أن يعوا الدرس جيدا، وهو يقول بالمختصر المفيد: إن الأشخاص إلى زوال وجبهة التحرير الوطني هي الباقية، ويمكن القول إن الأفلان، الذي كان في وضعية " الرمق الأخير" قبل خمس سنوات، قد قام من كبوته، استرجع أنفاسه، استعاد عافيته وصحته وهو اليوم في موقع الواثق من نفسه، المتأهب لخوض المعارك المقبلة ورفع كل التحديات، بقوة وجدارة. " إذا أردت شيئا واحدا من الحياة فلتكن الحرية.."