أكثر من ثمانية ملايين تلميذة وتلميذ التحقوا بمدارسهم في الأطوار الثلاثة عبر الجزائر! عدد، بقدر ما يدل على جهد الدولة لضمان تمدرس جميع الأطفال الجزائريين في سن الدراسة، فهو يخلف في النفس شعورا بطعم الحسرة على ما يؤول إليه مصير نسبة معتبرة منه عبر المسار الدراسي. ذلك، بالنظر إلى التسرب والفشل والتعرض للاضطرابات الاجتماعية والاختلالات في توزيع قدرات التأطير، بعدل، وإلى الفوارق بين المناطق؛ الجنوبية منها خاصة قياسا إلى الشمالية من حيث ملاءمة الهياكل ومن حيث نوعية المتدخلين كما من حيث طبيعة البيئة الجغرافية وإمكانات النقل والاتصال وجوارية مراكز الدعم. إن البيانات الرسمية التي تقدم المؤشرات المختلفة عن هذا الدخول المدرسي، كما في كل سنة جديدة، تتحدث بالأرقام عما يقارب الأربعة ملايين من التلاميذ في الطور الابتدائي، وما يفوق الثلاثة ملايين في طور المتوسط، وما يزيد على المليون في الطور الثانوي. وعن حوالي ثمانية عشر ألف مدرسة ابتدائية، وخمسة آلاف متوسطة، وألفي ثانوية؛ يمارس فيها جميعا حوالي أربعمائة ألف معلم وأستاذ. كما تتحدث عن التكوين وعن مخابر للإعلام الآلي غير المعممة بعد وعن المطاعم والداخليات ومكيفات الهواء مغفلة مشكلة التدفئة في المناطق السهبية وشبه الصحراوية القاسية. فهي أرقام، برغم صممها، تعكس طبيعة النوايا الصادقة التي تشهرها الدولة الجزائرية للتكفل بمهام التعليم العام، كحق من حقوق الطفل الجزائري. لكن، وهو ما يدعو إلى الاستغراب، لا ذكر لأي مؤشر في معرض الحديث ولا رقم من تلك الأرقام يظهر، كما هو الشأن بالنسبة إلى القاعات المخصصة لاستعمالات الإعلام الآلي التي هي في طور المشروع، ما خصص من قاعات للمكتبات: مكتبات المطالعة والمراجعة؛ مراجعة الكتب العلمية والمعرفية والنثرية والشعرية والمجلات والصحف. فأرقام الهياكل المشار إليها أعلاه كان لا بد أن تعني أن وزارة التربية تكون خصصت، في تصميم كل مدرسة ومتوسطة وثانوية، مكتبة واحدة؛ ما يعطي إجمالي خمسة وعشرين ألف مكتبة، نعم خمسة وعشرين ألف مكتبة! إنه رقم يكون أكثر إذهالا بتصوره وهو يسع آلاف الكتب وربما الملايين. كما يكون أشد إشعارا بالفخر برؤية التلاميذ يترددون يوميا وبصفة دورية على فضاء تلك المكتبات يلمسون الكتاب، يتصفحونه، يملأون عيونهم بتزايينه، يسرحون في أجوائه، يندهشون لمحمولاته، وينتهون بلا ريب إلى أن ما يأخذونه في القسم الدراسي هو أساسي ولكنه غير كاف تماما. وفوق ذلك فإنهم سيكتشون أشياء لن يستطيع المنهاج التعليمي تقديمه أو التعويض عنه؛ خاصة تلك العوالم السحرية التي تأخذهم إليها الآداب الجميلة. وهي مكتبات، من خلال أجنحة خاصة، ستمكن، بلا ريب، عشرات الآلاف من المعلمين والأساتذة من الاستفادة منها بصفة ذاتية لينعكس ذلك بالتأكيد على مردودهم الثقافي تجاه تلاميذهم. فإنه ليس هناك إحصاءات تثبت ذلك ولكن الخاص والعام في قطاع التربية يعرف أن المعلمين والأساتذة هم أقل فئة مشكلة للمقروئية. كذلك، فإن غير الخافي عن المعاينة هو أن نسبة تسعين في المائة أو يزيد من تلاميذ المدرسة الجزائرية يخرجون في نهاية مسارهم ولم يطالعوا يوما مجموعة قصصية أو شعرية أو رواية أو مسرحية أو كتابا في النقد أو في الثقافة؛ بالنسبة إلى شعب الآداب واللغات خاصة! فوزارة التربية، وهي تراجع تصورها لبناء هياكل الاستقبال البيداغوجية بتخصيص قاعة لمكتبة مركزية إلزامية في كل مؤسسة تستطيع بالتنسيق مع الجامعة الجزائرية بما أصبح فيها من الكفاءات العلمية أن تنشئ لجانا متخصصة لوضع مخطط لنشر القراءة والمطالعة وإدماجه في الجدول الزمني للمدرسة، مثله مثل الرياضة البدنية، كرافد أساسي وحيوي لإيقاظ الخيال وتنمية الحس بالجمال وزرع بذور الروح الإنسانية. إنه لشيء محزن، بالنسبة إلى بلد كالجزائر ذي القدرات البشرية والمادية الهائلة، أن لا يتم الالتفات إلى ما يشكل عصب التفكير: القراءة. وإنه لمجحف أن يتواصل حرمان أجيال بعد أجيال وخلال اثني عشر عاما مدة المسار الدراسي ما قبل الجامعي من متعة القراءة والمطالعة!