انتقد رئيس الجمهورية عديد من المرات النظام السياسي المعمول به في البلاد وقال انه نظاما ليس بالرئاسي ولا بالبرلماني. ومع التعديل المرتقب للدستور الجاري الحديث عنه هذه الأيام ، ينتظر أن يكرس بوتفليقة في الدستور المقبل النظام الرئاسي بشكله الحقيقي .فما هوا لنظام الرئاسي ؟ وكيف يعمل النظام شبه الرئاسي الذي يقترب منه نظامنا الحالي؟ وما الفرق بينهما وبين النظام البرلماني؟ لتوضيح هذه النظم الثلاثة استعنا بنظريات القانون الدستوري. المعروف أن النظام السياسي هو الطريقة التي يتم بها توزيع السلطة وتحديد العلاقة بين الهيئة التشريعية، التي تتمثل في البرلمان التي تختص بسن القوانين والهيئة التنفيذية التي تختص بتطبيق القوانين والتي تتمثل في كل من رئيس الجمهورية والحكومة. استنادا الى هذا يصنف علماء السياسية النظم السياسية المعمول بها الى ثلاث أنظمة فإذا تم الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن شكل النظام يكون رئاسيا كما في الولاياتالمتحدة. أما إذا تم الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن النظام يكون برلمانيا كما في بريطانيا وفي حالة الأخذ ببعض مميزات النظام الرئاسي وبعض مميزات النظام البرلماني فإن النظام الناتج يطلق عليه تسمية النظام شبه رئاسي كما في فرنسا وسويسرا وفلندا والبرتغال وكثير من الدول العربية والإسلامية مثل إيران. النظام الرئاسي أو السلطة المطلقة للرئيس يسمى نظاما رئاسيا لأن الرئيس هو المسئول الوحيد كونه منتخباً من قبل الشعب. والوزراء مسئولون سياسيا أمامه فقط وليس أمام البرلمان. تعتبر الولاياتالمتحدة حاضنة هذا النظام وقد انتهجته منذ وقت طويل.ويقول المتابعون لتطور الأنظمة بأن" النظام الرئاسي الأمريكي صمم بطريقة تمكن كل سلطة من السلطات من الحد من قدرة السلطتين الأخريين على اتخاذ القرارات على نحو منفرد " . فالسياسات التي يقترحها الرئيس في الولاياتالمتحدة لا بد من موافقة الكونجرس عليها وإصدارها على شكل قوانين. ولا يخرج قانون من الكونجرس حتى يقره مجلسا الكونجرس (النواب والشيوخ) بنفس الصيغة. ولا يصبح القانون نافذا حتى يتم "الموافقة عليه" من قبل الرئيس . وكون النظام الرئاسي يتميز بأنه يقوم على مبدأ فصل السلطات ، فان السلطة القضائية في الولاياتالمتحدة الأميركية تتمتع بحق إلغاء القوانين التي يسنها الكونجرس والقرارات التي يصدرها الرئيس إذا وجدت أنها مخالفة للدستور . و تتألف السلطة التنفيذية في هذا النظام من الرئيس فقط الذي يعمل كرئيس للدولة وللحكومة في الوقت ذاته . فليس هناك رئيس وزراء، والرئيس هو الذي يشكل الحكومة، ويكون الوزراء مسئولين أمامه. ولا يمكن في النظام الرئاسي، الجمع بين عضوية أكثر من سلطة في نفس الوقت ومن هنا لا يمكن أن يكون أحدهم نائبا في البرلمان ووزيرا في نفس الوقت كما لا يستطيع الرئيس حل البرلمان و لا يستطيع البرلمان إسقاط الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى . ومن الأمور التي تؤخذ على النظام الرئاسي أنه يفرز نظاما يأخذ فيه الفائز بكرسي الرئاسة كل شي، وهو بالتالي لا يسمح بتمثيل مختلف الجماعات الموجودة على الساحة، ويؤدي إلى تركيز السلطة وخصوصا إذا تم تبنيه في دولة غير فدرالية. وعندما يكون هناك حزب واحد فقط يسيطر على الحياة السياسية. والملاحظ أن عدد الدول التي تتبع النظام الرئاسي قليل ، فإضافة الى الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك كولومبيا، كوستاريكاو وفنزويلا. النظام البرلماني.. رئيس الوزراء هو السلطة الحقيقية أما النظام البرلماني فيتم فيه دمج السلطتين التنفيذية والتشريعية معا و ينسب هذا النظام الى بريطانيا كونه نشأ فيها ، وهو الأكثر انتشارا في العالم حيث يتعدى عدد الدول التي تعمل به عشرون دولة مثل كندا، استراليا، نيوزلندا الهند وهي مستعمرات بريطانية سابقة ،إضافة الى دول أخرى تنتهج هذا النظام مثل اليابان والدانمرك والنرويج والسويد وهولندا .... في النظام البرلماني عادة مايكون رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة أو المستشار كما يسمى في الدول الأوروبية ، عضوا في البرلمان ورئيس الحزب صاحب الأغلبية ، يشكل حكومة ائتلافية ويختاروزارئه في غالب الأحيان من بين أعضاء حزبه في البرلمان أو من أعضاء الأحزاب المؤيدة له. وتتوزع السلطة التنفيذية في هذا النظام على رئيس الدولة ورئيس الحكومة، فرئيس الدولة رئيسا أو ملكا عادة ما يمارس سلطات اسمية ورمزية ورغم هذا فان الأنظمة البرلمانية لا تتعامل جميعها بنفس الطريقة مع الرئيس حيث تختلف مهامه حسب طبيعة اختياره فاذا تم انتخابه بطريقة مباشرة من الشعب فإن ذلك يعني أن الرئيس يتمتع بسلطات فعلية كما في النمسا . أما إذا كان الرئيس منتخبا بطريقة غير مباشرة، أي من قبل البرلمان أو من مؤسسات أخرى فإن مهامه تصبح محدودة كما هو الحال في الهند وألمانيا. وتبقى ممارسة السلطة بطريقة فعلية لرئيس الوزراء أورئيس الحكومة وللوزراء الذين يقومون بتدبير وتسيير الشؤون العامة وتعتبر الحكومة مسئولة أمام البرلمان فاذا أخطات يترتب عن هذا إمكانية سحب الثقة منها من قبل البرلمان .ولتفادي هذا يلجا الوزراء الذين اخطئوا الى تقديم استقالاتهم .. ويرى فقهاء القانون الدستوري أن الأنظمة البرلمانية تساعد في الحفاظ على تماسك الدول التي يتصف تركيبها السكاني بالتعددية (قبائل، مذاهب، مناطق، أعراق) وذلك من خلال قدرتها على تمثيل مختلف الفئات الاجتماعية في العملية السياسية وبالتالي الحفاظ على الاستقرار السياسي. وفيما يخص العيوب فإن هذا النظام قد يركز السلطات في يد رئيس الوزراء كما أن الرقابة قد تضعف في حالة وجود انضباط حزبي قوي. وقد يؤدي هذا النظام إلى صعوبة في اتخاذ القرار وإلى إضعاف الحكومة في حالة التحالفات المعقدة والى عدم الاستقرار السياسي في حالة تعدد الأحزاب داخل البرلمان وعدم حصول أي منها على الأغلبية .. النظام شبه الرئاسي فهو نظام خليط بين النظام الرئاسي و البرلماني. يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان في تسيير شؤون الدولة. ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب. ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويمكن للبرلمان محاسبته وسحب الثقة منه .. نشا هذا النظام في أحضان النظام البرلماني حيث اتجهت بعض النظم البرلمانية المعاصرة إلى تقوية السلطات الضعيفة لرئيس الدولة التي تمارسها عنه الحكومة ، وقد بدأ في فرنسا بدستور 1958 حيث تم العمل لأول مرة بنظام يسيطر فيه الجهاز التنفيذي و أصبحت لرئيس الجمهورية سلطات واسعة فاقترب النظام الفرنسي الذي هو برلماني من النظام الرئاسي و سمي ما وقع بالنظام شبه الرئاسي. والذي قام بتجسيد الفكرة هو الرئيس الفرنسي شارل ديغول الذي وضع دستور جديد عرضه على الاستفتاء الشعبي عام 1958 وكان ديغول يرى أن نظام الأحزاب تسبب في فشل الدولة وهذا ما يستدعى منه إصلاح مؤسسات الدولة وتم ذلك على مراحل بداية بدستور عام 1958 الى غاية عام 1962 حيث تم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب .. قوة رئيس الجمهورية في هذا النظام تكون بقوة الأغلبية التي يحصل عليها والتي تقاسمه نفس التوجه وقد وصلت قوته الى أنه يقيل الحكومة رغم أن الدستور لا يخول له ذلك نصا ، وموازاة مع هذا يحافظ هذا النظام على قوة الحكومة التي تنبع هي أيضا من الأغلبية البرلمانية ، و قداستمر النظام شبه الرئاسي في فرنسا على هذا الحال في الستينات والسبعينات ومنتصف الثمانينات لكن تم إنهاء هذه الازدواجية عندما فقد الرئيس فرانسوا متيران الأغلبية اليسارية التي ينتمي إليها في الجمعية العمومية - البرلمان - عام 1986 وهذا ما اجبره على اختيار رئيس وزراء من اليمين هو جاك شيراك ،فيما ما عرف ب " حالة التعايش " .وفي مثل هذه الحالة التي لايتوفر فيها الرئيس على الأغلبية يفقد صلاحياته ويترك بعضها للحكومة التي تكون صاحبة المبادرة وتواجه مصيرها مع البرلمان . من ايجابيات النظام الشبه الرئاسي هو إعطائه الحكومة حق إصدار القرارات التي لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية عليها. و منحها أيضا الحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب و يعطي هذا النظام الحق لرئيس الجمهورية في حل مجلس الشعب ومن جهة ثانية يمكن للمجلس أن يسحب الثقة من رئيس الوزراء أومن أي وزير آخر . كما يعطي لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ. و الحق في استفتاء الشعب في القضايا الهامة .. ويعطي للحكومة حق إصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك. كما يعطيها الحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب . وتكون المرجعية الدستورية في هذا النظام لمجلس دستوري له صلاحية مراقبة مدى تطابق القوانين الصادرة من كافة مؤسسات الدولة . لكن يبقى العائق الأكبر الذي يواجه هذا النظام هو عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذى يمثل الأغلبية في البرلمان. وهذاما عرف بالتعايش بفرنسا ، و الذي لا يتم سوى باتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتفاهمهما لإنجاح سياسة تسيير أمور الدولة . ومن المشاكل التي قد تنجم عن هذا النظام هي استخدام رئيس الجمهورية لحقه في اعلان حالة الطوارئ لسنوات طويلة ، وإساءة استخدامه لحق الاستفتاء . وبعض هذه الحالات سائدة في كثير من الدول الآن .