الوصول إلى طولقة ببسكرة لم يكن سهلا غير أن بساتين النخيل والإنصات لتغاريد العصافير أحالت فضاءها الرحب إلى فردوس يتقاطر بعسل التمر ذي الجودة العالمية، وجهتنا كانت الزاوية الرحمانية بطولقة• حيث استقبلنا الشيخ الجليل عثماني عبد القادر بن الحاج بن علي بن عثمان بحفاوة أهل الجنوب وكرمهم ورغم أنه لا يقبل التسجيل بالصوت والصورة اكتفينا بأوراق كنت قد حضرتها قبل سويعات من إنطلاقنا من مدينة بسكرة للوصول إلى الزاوية التي تبتعد حوالي 30 كلم وتوجد في بلدة طولقة القديمة في الطريق إلى برج بن عزوز• وكأنها رحلة إلى عمق التاريخ والتراث• في البداية أشار الشيخ عثماني عبد القادر أن الزواية تأسست حوالي عام 1780 على يد الشيخ الزاهد علي بن عمر المولود حوالي سنة 1166 ه واستشهد سنة 1258 ه ليدفن في زاوية طولقة وأوضح أن الزاوية بنيت على أساس ديني صحيح قامت بعدة أعمال جليلة في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس مبادئ العلوم الدينية واللغوية من نحو وصرف وبلاغة وغيرها، وقد انتسب إليها الطلبة من جميع أنحاء القطر الجزائري لتلقي العلوم بها في تخصصات شرعية من تدريس لفقة وتفسير الحديث الشريف وعلم الفلك وجميع مواد اللغة العربية وقد تخرج من الزاوية العثمانية بطولقة آلاف من حفظة القرآن الكريم ونخبة من العلماء والأدباء وإطارات في مختلف أجهزة الدولة حيث تدوم الدراسة 4 سنوات ويتوزع الطلبة على 7 أقسام وحاليا لدينا 40 طالبا ويلتحق سنويا طلبة جدد بالزاوية إذ يشاركوا المتخرجون في مسابقات عديدة وضمن 6 معاهد التابعة للشؤون الدينية لأقسام التكوين لمدة عامين آخرين إلى جانب المشاركة في مسابقات معلمي القرآن حيث يتم تعيينهم في المدارس القرآنية أو كمؤذنين، كما يواصل طلبة آخرون دراستهم في الخارج كمصر (مثلا)• وأوضح أن الإلتحاق بالطلبة للدراسة في الزاوية العثمانية الرحمانية لطولقة تكون بالمجان كما لا تقبل الزاوية أية إعانة أو تبرع أوهدية أو مساعدة لا من الدولة ولا من الأشخاص وعن ممارسة الزوايا في الجزائر راهنا يرى الشيخ هناك 3 أصناف من الزوايا أو لها زوايا فاسدة منهاجها الموبقات والشذوذ والإنحراف عن ثوابت الزوايا المتمثلة في تعليم القرآن والشريعة والتربية الخلقية والعمل النافع الشريف وينبغي على الدولة محاربتها أما الصنف الثاني فهي الزوايا الصالحة التي تؤدي رسالتها التي أوتيت إليها في الأصل وهي زوايا لا تحتاج من الدولة شيئا، وفيما يخص الصنف الثالث فهي زوايا تمزج بين الفاسد والمفيد (السلبي والإيجابي) ويجب على الدولة أن تحارب فيها ماهو فاسد وتشجعها على ماهو صالح لتستقيم ويضيف الشيخ عبد القادر عثماني" هناك زوايا لا تتوفر على منهاج تعليمي ولا نظافة ولا تمت للدين بصلة بل سقطت في فك الفولكلورية والتدجيل والشعوذة" ويوضح لم ننظم كزاوية إلى الجمعية الوطنية للزوايا إلى اليوم ، فالدولة لم تنظم صفوفهم وتضع كل الزوايا في نفس الخانة وبالتالي أنا لا ألوم من يمتلك نظرة سلبية اتجاه الزوايا واقترانها بالشعوذة" ويعتقد الشيخ عبد القادر عثماني" أن بعض المسؤولين يريدون جر الزوايا نحو السياسة وهذه سفاهة لأن قيمة الزوايا في دورها الديني وليس في إنتماءها السياسي وانغماس الزوايا في السياسة يعني إفراغها من بعدها الديني وأنها لم تصبح تخدم أصلها الذي تكون عليه بل لتحقيق أغراض شخصية إنتهازية وتوجيههم لأغراض انتخابية لأن أصل السياسة التفريق والإختلاف وعن ضرورة إيجاد منصب مفتي الديار الجزائرية يقول الشيخ "هذه القضية ترجع للدولة وعليها البث في القرار•• المكان شاغر وفارغ وبالتالي يتصرف كل واحد على هواه، ماأتمناه هو وجود "مفاتي" مجموعة من رجال الإفتاء على مستوى كل ولاية ومفتي مركزي لكن بالمقابل للأسف لا يوجد تعليم أو تكوين خاص في هذا الإتجاه تتوافر فيه الشروط حيث لا يوجد التكوين أو مدرسة لتكوين معلمي القرآن الكريم• وفيما يتعلق بصندوق الزكاة يؤكد شيخ الزاوية العثمانية بطولقة بأنه زور بأتم معنى الكلمة "وفتح لباب سرقة الزكاة لأن الله تعالى حدد الزكاة وأصنافها الثمانية بنص قرآني وإذا أرادت وزارة الشؤون الدينية تدعيم الشباب هناك الأوقاف وهي في حالة من الضياع والإهمال "كما أشير" الزكاة جعلت لرفع الدين عن المدين فإذا به تصبح الزكاة دين وهذا من قلب الأوضاع•• لا يجوز لأحد الإجتهاد في أحكام الزكاة ما دام أنها محددة بنص قرآني" يؤكد الشيخ عبد القادر عثماني أن "التنصير الذي بدأ ينخر المجتمع الجزائري ببطأ جريمة في الواقع والمتنصرين من الجزائريين ليسوا على عقيدة بل على طمع والطمع إستحوذ على الجزائريين بجميع فئاتهم - والعياذ بالله - إلا من رحم ربك وذلك راجع إلى تخلخل القيم والفراغ الديني والتوجيه الديني السليم ابتداءا من المدرسة والأسرة لأنه لو يمتلك الفرد عقيدة متينة بفعل التوجيه الديني السليم لا يتمكن أي كان من تنصير هؤلاء• وعن الصراعات بين الزوايا في الجزائر يقول الشيخ "هي صراعات مصالح وصراعات لا نتيجة منها لصالح الدين والمجتمع والثقافة في الجزائر••• أكثر الدين ينتسبون للزوايا ليسوا منها" وفي إجابته عن ضرورة إيجاد منصب مفتي الجمهورية أو دار للإفتاء بسبب تعدد الفتاوى الشرعية وغياب المرجعية يؤكد الشيخ عبد القادر عثماني "هو إجراء وخطوة مهمة وضرورية والمنصب يستدعي مفتي فقيه ملم بمختلف القضايا لا يفتي بالضلال للناس وذلك حتى لا نلجأ إلى طلب الفتوى من السعودية أو الجزيرة في أمور دينية بسيطة، كما أنه علينا أن لا تعين مفتي لا يستطيع تحريم الربا أو الخمر بنص صريح••• أتذكر هنا حادثة وهي مسؤول كبير جمع بدار الإمام - المحمدية - عددا من العلماء ونهاهم وقال لهم "لا تحرموا الربا لأنكم ستضرون بالإقتصاد الوطني!!!" وذلك تصرف منحرف لا ديني ! يؤكد الشيخ أن علاقة ودية تجمع زاويته بباقي الزوايا لكنه لم يحضر يوما أي مؤتمر أو تجمع للزوايا لأنه ينتمي لفرع الأصالة ولا يتماشى مع الظروف والظرفية التي تزول بزوال أسبابها وعرج بنا إلى مشاركة الزاوية العثمانية خلال الثورة التحريرية• وخلال جولتنا داخل الزاوية العثمانية بطولقة أسرتنا الهندسة المعمارية الإسلامية والسكون الذي يخيم على المكان حيث بعد أن تناولنا وجبة الغذاء، مع جمع غفير من الأشخاص هم من الطلبة أو عابري السبيل دخلنا المكتبة الزاخرة بأمهات الكتب في شتى التخصصات (فقه، علوم شرعية، تصوف، حديث، فلسفة، تاريخ، لغات، فلك، طب، أدب•••• إلخ) وخلال حديثنا قال شيخ الزاوية العثمانية، المكتبة ملك للأسرة وليست تابعة لأملاك الزاوية لأن المكتبات التابعة للزوايا والمساجد سرقت ونهبت وأهملت وأكلتها السوسة، وأبواب المكتبة بكنوزها مفتوحة أمام الجميع من داخل الجزائر وخارجها حيث زارها نخبة من الطلبة من الخارج، وبما أننا لا نسمح بالإعارة الخارجية نسمح بتصوير نادر ضمنها 15 مخطوطا للشيخ عبد الرحمن الثعالبي مخطوط "دار الأسرار" العلامة محمد أفندي مقر دمشق - بدون حرف منقوط - كما لمحنا مخطوطة رسم أهداها رائد المنمنمات محمد راسم للزاوية التي زارها، كما أشار الشيخ أن المخطوطات الجزائر تتعرض للنهب و السرقة المنظمة وتستنزف لتباع في دول الخليج التي تهوى جمع هذا التراث المادي إلى جانب تهريبها نحو إسبانيا، فرنسا، بريطانيا•••إلخ أين تباع بأثمان باهضة وربما ذلك راجع إلى عدم اختيار الشخص الأمين لحماية وحراسة هذه المخطوطات• أكد الشيخ عبد القادر عثماني أن مفكرين كبار مروا على مكتبة الزاوية منهم الشيخ عبد الحميد بن باديس والدكتور أبو القاسم سعد الله الذي استفاد منها وهو بصدد تحضير لموسوعته "تاريخ الجزائر العام" وأشار في ذات السياق أنه حاول ومنذ فترة طويلة تحسيس المسؤولين بضرورة نشر المخطوطات وتمكين الطلبة منها لأنها تراث وطني ولمؤلفين جزائريين لكن لم نتحصل على الإجابة إلى اليوم وفي تناوله لآفة الحرقة يرى الشيخ "هي ظاهرة جد خطيرة تأكل الشباب الجزائري ومن أسبابها ضعف النفوس وضياعها وعدم توفر الرعاية الأسرية والعامة فالشباب يحس أنه منبوذ وغير مرغوب فيه في مجتمعه فيهرب إلى الخيال والمخدرات والحرقة وبالتالي يجب أن نمنح الشباب احترامهم لذواتهم وتقديرهم وتقويمهم ويجب الإعتماد على التربية الصحيحة لأن من تربى في الإطمئنان والهدوء وتمنح له كل حقوقه، لا يلجأ إلى الإنتحار أو الحرقة أو التملق للدولة وأعتقد أن ظاهرة الحرقة ليست لأسباب مادية فحسب بل الحرمان من الحنان والرعاية والحقوق وهي مسؤولية يتقاسمها المجتمع، الأسرة والدولة وفي هذا الصدد أوجه نداء صادق للمجتمع "يجب أن نحسن معاملة الأفراد وتربيتهم ونعترف بشخصيتهم أما أن نهينهم فذلك يخلق شعور بالدونية والتهميش وأن لا قيمة له في بلاده ما يدفعه إلى الحرقة والمخدرات فهم فاقدين لثقافة دينية والقيم التي تجعله يثق في ذاته•• على مايبدو الأزمة تتفاقم بخطورة كما أوضح أن محبة الوطن مفقودة فالمدرسة لا تحبب الطلبة والنشيد الوطني لابد أن يكون راسخا• وعن ظاهرة الشيعة في الجزائر يقول شيخ الزاوية العثمانية بطولقة "نعم هناك شيعة ويهود وبها ئيين في الجزائر وراجع ذلك إلى الفراغ الثقافي والديني والإنحرافات في القيم، أما السلفية فيضيف "لا سلف لها هي أفكار لعلماء - لا يوجد إنسان عالم يوثق في علمه ولا يؤطرها سوى بعض الجهلة الذي لا يجيدون أمور الدين، ثمة فتنة مستوردة، متجردين من الوطنية ومن الأسلوب الحضاري•