ما أجمل أن يترك الإنسان الدنيا وراء ظهره بكل ما فيها من مباهج وأحزان ويمضى ولو القليل من الوقت لمناجاة ربه والتقرب منه، ويجعل من عمره ساعات يقضيها بين مناجاة خالقه وطاعته وينشغل بآخرته ليقوى إيمانه ويزيد يقينه، ويعلم حقيقة هذه الدنيا وزوالها ولأن ديننا شامل كل شيء ولا يفوت أمرا فقد منحنا نعمة كبيرة وهي “الاعتكاف” عبادة يجتمع فيها الطاعات والقربات كتلاوة القرآن والصلاة والذكر والدعاء وغيرها.. لا شك أن الاعتكاف سنّة وقربة نتقرب بها إلى الله جل وعلا، وأشار القرآن الكريم إليه في مواضع عدة من ذلك قوله تعالى “وطهر بيتي للطائفين والعاكفين” وقوله تعالى “ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد”. ولذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ على الاعتكاف وحرص عليه في رمضان، حتى إنه لما تركه سنة من السنوات، اعتكف في شوال تعويضاً له وذلك لفضله ومنزلته. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان “ متفق عليه. يقول الدكتور عبد المعطى بيومي العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر وعضو المجمع البحوث الإسلامية: موسم رمضان موسم عظيم لمن أراد النجاة وسعى إلى فكاك رقبته من النار، ففيه تنوع العبادات وتضاعف الحسنات ومن خصائص هذا الشهر العشر الأواخر منه التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، فعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهدُ في غيره). و قالت أيضا: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) ومن الأعمال التي يعملها في العشر الأواخر الاعتكاف، والمقصود به هو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وهو من سنة ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده). ويقول الدكتور مصباح منصور أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر: الاعتكاف سنة مؤكدة في أي وقت تستطيعه، فللمسلم أن يبتدئ الاعتكاف متى شاء وينهيه متى شاء، إلا أن الأفضل أن يعتكف في رمضان خاصة العشر الأواخر منه فإذا صلى فجر يوم الحادي والعشرين من رمضان داخل المعتكف وظل في المسجد حتى خروجه إلى صلاة العيد وهذا وقت انتهائه المستحب.