"هولاند أقل استفزازية من ساركوزي لكنه لن يخون السياسية الفرنسية" "لونغي عبر بصوت مرتفع عن نظرة فرنسا تجاه الجزائر" يتحدث الدكتور يوسف جيرار، المؤرخ الفرنسي المختص في حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، ل”الفجر” في هذا الحوار، عن الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي هولاند في ديسمبر المقبل إلى الجزائر، فيقول أنه من الغباء انتظار شيء ذي فائدة من الرئيس الجديد لفرنسا تجاه الجزائر وشمال إفريقيا عموما، لأن سياسة الحزب الاشتراكي لن تكون أحسن من تلك التي انتهجها اليمين تجاه إفريقيا عموما. ويؤكد المؤرخ الفرنسي المختص في حرب الجزائر، أن العقيدة الفرنسية المعادية لكل ما هو عربي وإسلامي متجذرة في التاريخ والهوية الفرنسية، ويحدد أساس تعاملها مع باقي الشعوب، وأنها ما زالت تنظر للجزائريين على أساس المستعمرة القديمة وأنهم في درجة أدنى من الآدمية. لهذا فموقف وتصرف جيرار لونغي ليس إلا حديثا بصوت مرتفع عن كل ما تعتقده فرنسا الرسمية وغير الرسمية تجاه الآخرين. كيف تقرأ تصرف وزير الدفاع السابق جيرار لونغي ؟ وزير الدفاع السابق جيرار لونغي شخصية سياسية لها ماض سياسي طويل ومعروف. بدأ مشواره السياسي من اليمين المتطرف الفرنسي في سنوات الستينات، بعدما كان مناضلا في ”حركة الغرب”. كتب أول برنامج للجبهة الوطنية لجون ماري لوبان في 1972. لاحقا غادر اليمين المتطرف لينخرط في اليمين العادي، لكن مواقفه السياسية المتعددة تبين أنه لم ينقطع عن أفكاره الشبابية. ابتذال وخسة التصرف الذي قام به تتجاوز أي تعليق، من ناحية أخرى، فصدور مثل هذا التصرف المهين من شخصية سياسية ووزير سابق تعطي انطباعا واضحا عن مواقف الأغلبية داخل الطبقات الحاكمة الفرنسية عن الجزائر. في فرنسا، وزير سابق يمكنه إهانة واستفزاز الجزائر وتاريخها من دون أن يكون لذلك أي ردة فعل على مساره السياسي، في نظري عمق المشكل يكمن في هذا. هل تعتقد أن طلب الجزائر من فرنسا الاعتذار بخصوص جرائم الحرب له معنى حاليا؟ بداية أنا أتحدث عن جرائم ضد الإنسانية وليس جرائم حرب، وحتى نعود لسؤالك، أ عتقد أن اعتذارا بسيطا من فرنسا تجاه الجزائر يبدو غير كاف، إذا كنا نريد رد الاعتبار للضحايا وإقرار العدالة يجب محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم ضد الإنسانية والذين لا يزالون على قيد الحياة وتعويض الضحايا. ولكن في السياق العام لفرنسا اليوم، يبدو لي هذا الأمر غير قابل حتى للتصور. وبعيدا عن هذه الجرائم، هناك عمل كبير حول التاريخ الاستعماري ينبغي العمل عليه في فرنسا. حاليا بالنسبة لأغلبية الأعمال المنجزة فإنها تقدم في السياق الذي يمنع أي نقد جذري ومراجعة راديكالية للفكر الاستعماري وعواقبه اليوم. بخصوص مسألة الاعتراف بالجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل فرنسا في الجزائر، الحكومة الجزائرية لها أيضا دورها في هذا الاتجاه، بإمكانها توظيف مختلف وسائل الضغط المتاحة لها ولا سيما الاقتصادية منها لإجبار الحكومة الفرنسية على مراجعة مواقفها. ويجب أن يكون لدى الحكومة الإرادة السياسية في الواقع للاعتراف بهذه الجرائم وليس الاكتفاء بمجرد التصريحات البسيطة. إذا كانت فرنسا الرسمية ترفض الاعتراف بجرائم الحرب المرتكبة في الجزائر لأسباب اقتصادية وسياسية، فلماذا الطبقة السياسية والمثقفة الفرنسية ترفض الاعتراف بالحقوق التاريخية للجزائريين، مع العلم أنها اعترفت بحق اليهود في التعويض جراء محرقة النازية؟ قبل أن تعترف الحكومة الفرنسية بضلوع فرنسا في سياسة الإبادة الجماعية النازية أخذت وقتا كبيرا. قبل نهاية سنوات الستينات كان الحديث عن هذا الضلوع قلما يتطرق إليه، وكان يجب انتظار تصريحات جاك شيراك في 1995 حتى تعترف فرنسا رسميا بضلوعها في الإبادة الجماعية النازية. وبين 1945 و1995 الجمعيات اليهودية وجمعيات قدماء المهجرين خاضت نضالا طويلا من أجل افتكاك الاعتراف الرسمي لفرنسا بهذه المشاركة. وبعيدا عن هذا النضال ومن أجل الاعتراف الفرنسي بالضلوع في المحرقة اليهودية فمن الواضح أن هوية الضحايا تلعب دورا محوريا. إنكار فرنسا الرسمية لتاريخها الاستعماري يذكرنا به أيميه سيزير سلفا مباشرة في أعقاب الحرب 1939-1945 في حديث عن الاستعمار. فحسبه الغربيون ”لا ألوم هتلر” الجريمة هي الجريمة نفسها جريمة ضد الرجل، إهانة للرجل في نفسه، لكن ”جريمة” هنا تعني الجريمة ضد الرجل الأبيض. يعني أنه تم في أوروبا تطبيق إجراءات استعمارية التي تستثني حتى الآن عرب الجزائر والهنود وزنوج إفريقيا. ورغم الاعتراف الجزئي باستقلال الدول من قبل الدولة المستعمرة، لا تزال فرنسا مجتمعا هرميا عنصريا واستعماريا. فإذا كانت جرائم الأمس قد تم الاعتراف بها على هذا النحو من قبل فرنسا الرسمية، فلأنها قبل كل شيء تعتبر الضحايا لهم الحق في الانتماء للإنسانية. ومثل كل الشعوب ”غير الغربية”الجزائريون لم يكن لديهم هذا الامتياز. مثلما كان في الحقبة الاستعمارية، فرنسا الرسمية تواصل معاملة الجزائريين وغير الأوروبيين في درجة تحت الآدمية. ماذا تنتظر من زيارة فرانسوا هولاند إلى الجزائر قريبا؟ هل تعتقد أنها ستتجاوز تصرف وزير الدفاع السابق؟ فرانسوا هولاند ليس مسؤولا عن تصرفات وزير سابق لا ينتمي إلى معسكره السياسي، يعني لا يوجد هناك أي شيء يمكن انتظاره من زيارة الرئيس الجديد لفرنسا إلى الجزائر ولا من الحزب الاشتراكي. أكيد هولاند سيكون أقل استفزازية من ساركوزي، لكنه سيطبق نفس السياسة في إفريقيا، بعبارة أخرى هي نفس سياسة ”الاستعمار الجديد” التي سطرتها فرنسا منذ سنوات الستينات. وقد شارك الاشتراكيون لسنوات في قمع وملاحقة واعتقال كوادر الحركة الوطنية الجزائرية منذ 1937، كما شارك الاشتراكيون في الحكومة التي نظمت أعمال القمع في حق المتظاهرين الجزائريين في 8 ماي 1954 على سبيل المثال. فالحزب الاشتراكي هو الوريث المباشر لكل الأعمال التي ارتكبتها القوات الفرنسية في الجزائر حيث وضع ”القوات الخاصة” موضع التنفيذ الميداني إبان الثورة الجزائرية. بالنظر لهذا التاريخ سيكون من السذاجة توقع شيء جدي أو جديد من طرف فرانسوا هولاند. لذلك لنكن على ثقة تامة أن السيد هولاند لن يخون الماضي ”المجيد” والتاريخ الاستعماري لبلاده وحزبه. فرنسا تعاني في السنوات الأخيرة من التطرف تجاه كل ما له علاقة بالإسلام، هل هذا راجع لأسباب سياسية أم تاريخية ؟ العاملان معا مهمان وقديمان ومتجذران في فرنسا. الخلافات السياسية ضد الإسلام والجالية المسلمة لا تستند إلى مبررات واقعية. عندما تتم مهاجمة الإسلام والمسلمين في فرنسا فإن المسؤولين السياسيين الفرنسيين يستندون في ذلك إلى إرث تاريخي جد قديم يمتد إلى كتاب جون تلون ”فتحها المسلمون” الذي يظهر أنه منذ العصور الوسطى تم وضع وإرساء التقاليد الغربية المضادة للإسلام ومكافحة كل ما هو عربي في الغرب. على سبيل المثال، الاجتماع الثالث لمجلس القسطنطينية في 680-681 يلقي اللعنة على الإسلام ويعتبر أن النبي (BSDL) وصف بالمسيح الدجال. في الحالة الفرنسية تحديدا العداء للإسلام والعرب يلعب دورا مهما في الهوية الفرنسية. معركة بواتيي مثلا عام 732 التي عاشت تنافس فرق قليلة ”عرب مسلمة” جيوش شارل مارتل لحظة تأسيس الدولة الفرنسية. ثم جاءت دعوة البابا أوربان الثاني إلى حملة صليبية في كلير مونت في فرنسا عام 1095. الأقرب إلينا في التاريخ والتوقيت الفترة الاستعمارية طبعت أيضا بعمق المجتمع الفرنسي. مواقف العداء من الإسلام الحالية لعدة شخصيات سياسية فرنسية من اليمين كما من اليسار يجب وضعها في إطار هذا التاريخ الطويل حتى يتم فهمها جيدا. هذا التاريخ الطويل يسمح أيضا بفهم لماذا العديد من الفرنسيين هم حساسون للحجج المعادية للإسلام والمضادة للعرب. ونخرج بخاتمة كان فرانز فانون أشار إليها، حيث اعتبر أن المسألة الأساسية ليست في معرفة هل فرنسا عنصرية؟ لكن في التساؤل هل من الممكن ألا تكون فرنسا عنصرية بعد أن كانت تلك القوة الاستعمارية التي كانت عليها. حاليا السؤال الذي ينبغي لنا طرحه هو ما إذا كان بإمكان فرنسا أن تكون معادية للإسلام وهي ترزح تحت قرون من تاريخها ؟ فإذا كانت ”الإسلامو فوبيا ”اليوم هي أيديولوجيا مهيمنة في فرنسا، فهذا يرجع إلى أسباب تاريخية عميقة. حسب رأيك كيف يمكن لكل من الجزائروفرنسا تجاوز العلاقة القائمة على حروب الذاكرة نحو علاقة أكثر ندية ومساواة تقوم على المصلحة المشتركة للبلدين؟ أولا؛ لا يجب اختصار الأسئلة والقضايا التاريخية بين الجزائروفرنسا في السنوات الثماني لحرب التحرير، لكن يجب النظر إليها ودراستها عبر 130 سنة من الاستعمار. والجرائم المرتكبة من قبل فرنسا لقمع الثورة الجزائرية ليست سوى جزء من كل الجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار (1830-1962). ثم لست متأكدا من أنه في هذه اللحظة قد تكون هناك علاقات ”طبيعية” تقوم على المصالح المشتركة بين فرنساوالجزائر، كلا البلدين لهما مصالح متعارضة ومختلفة جذريا. الحكومة الفرنسية تسعى للحفاظ على مكانتها كقوة استعمارية مهيمنة في إفريقيا، ومن الواضح أنه ليس من مصلحة الجزائريين أن تحافظ فرنسا على هذا الموقف أمام قوى اقتصادية جديدة ناشئة على الساحة الدولية مثل الهند والصين أو البرازيل، زيادة على ذلك فالجزائر استنادا إلى جغرافيتها وتاريخها تتموقع في فضاء مغاربي عربي مسلم وإفريقي، وهي فضاءات بإمكانها أن تصبح أطرا لشراكة اقتصادية وسياسية وثقافية مثمرة. الجزائر بإمكانها إقامة شراكات مع هذه الدول.. سيكون ذلك أكيد أكثر منفعة وفائدة، أفضل من التعاون مع قوة الاستعمارية السابقة في الانتقام والإذلال. الجزائر بإمكانها إقامة شراكات في فضاء مغاربي إفريقي وإسلامي سيعود عليها بالمنفعة أكثر من تعاونها مع قوى إستعمارية سابقة