استعارت مؤخرا الثورات العربية فنونا لم تكن متداولة من قبل، من أجل استيعاب الذي يحدث، بغرض مخاطبة الشعوب التي تعبت من كل شيء وفقدت ثقتها في كل شيء، لتبقى الكوميديا والضحك الوسيلة الوحيدة التي تخفف كل المعاناة، وتقلل حدة السخط، ولو للحظات... ولعل فن Stand up comedy تمكن من القيام بذلك، بمهارة ارتجالية تلقائية بسيطة، حيث تكفي جولة سريعة في اليوتيوب لندرك حجم الإقبال على هذا الفن الجديد، والذي بين قوسين يحمل الثورة، طبعا في هامشها الكوميدي. في الجزائر تعيش الكوميديا بشكل عام على هامش ما، وربما بدأت أصوات جديدة بتسلق سلم الضحك من خلال الستاند أب والوان مان شو، سنحاول في هذا الملف معرفة جديد الكوميديا الجزائرية.. ماذا بعد خباط كراعو ومونودراما فاطمة لأحمد بن ڤطاف وصونيا..؟؟ هل من شكل جديد يعتمد على خطاب مغاير يستوعب الشارع الجزائري؟ قبل البدء علينا أن نوضح أمورا كثيرة، لأن المصطلحات التي يمكن أن تطرح في هذا الملف كثيرة ومتباينة بين بعضها البعض، حيث نجد المونودراما، والمونولوج، ووان مان شو، وأخيرا الستاند آب.. كل هذه الأشكال مختلفة في أبعادها وتاريخ ظهورها وقدرتها الإبداعية.. سنحاول إفراد كل واحدة منها على جنب مع التركيز على التجربة الجزائرية في كل نوع. المونودراما.. ”فاطمة” بكل اللغات المونودراما شكل من أشكال المسرح التجريبي توضحت معالمها خلال القرن العشرين، والمونودراما هي مشهد طويل يقدم خلاله البطل الواحد نصه من أجل إيصال رسالة مسرحية معينة. قد يستعين البطل بعدد من الممثلين ولكن لابد أن يبقوا صامتين، وأن يظل هو الوحيد صاحب الحق في الكلام. يعود تاريخ المونودراما إلى المسرحي الألماني ”جوهان كريستيانابراندز” في سنوات 1775 إلى 1780 حيث قدم أولى محاولاته وفق هذا الشكل الجديد، لكن الرواج الحقيقي كان في فرنسا سنة 1760 بفضل نص جان جاك روسو ”جماليون” بعد ذلك كتب تشيخوف نصه الشهير ”مضار التبغ”، بعد الحرب العالمية الثانية كانت انطلاقة ثانية جيدة للمونودراما، بالتركيز على كل تبعات الحرب من مشاكل نفسية وعصبية.. لكن المونودراما في الأساس لم تبتعد كثيرا عن الشكل المسرحي اليوناني الذي كان يجبر الممثل المسرحي على الانتقال من مرحلة السرد إلى مرحلة التمثيل، كذلك هناك الكثير من التأثيرات التي صاحبت هذا النوع المسرحي على غرار الحركة الرومانسية والسريالية والوجودية والعبثية. وأهم ما كان يميز المونودراما هو الاشتغال الكثيف على الجودة اللغوية والبلاغية.. في الوطن العربي هناك محاولات جادة في هذا المجال وذلك بفضل مهرجان اللاذقية وكذا مهرجان الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة، ولكن المونولوج هو الذي يأخذ الحيز الأكبر. من جانب آخر تختلف المونودراما عن المونولوج، فالثاني هو عبارة عن ”المناجاة” بحيث يعرف في المعاجم الأكاديمية أنه حديث من المفترض أنه داخل الشخصية، يلقيه الممثل في مشهد خاص به، وبهذا يمكن أن نعتبر المونودراما شكلا مسرحيا مستقلا أما المونولوج فهو جزء من المسرحية. أصل المونولوج هو ”الآريا” الموجودة في الأوبرا الإيطالية، حيث يقف البطل بين حدثين من أحداث الأوبرا، ليطلق العنان لعواطفه ويشكو لواعج قلبه في وقفة وجدانية مسرحية تأملية، يروي فيها واقعه ويعرب عن مشاعره. وهي تتميز بأن الكلام سردي وصفي وجداني في العموم. عربيا ارتبط المونولوج في البداية مع الأغنية الكوميدية، اشتهر بها كل من ثريا حلمي وإسماعيل يس ومحمود شكوكو، بل وقد ظهر قبل ذلك بكثير في سنة 1815 بشكله الغنائي دائما. في الجزائر المونولوج رافق الأزمة الاقتصادية بالفعل والتي كانت لها انعكاساتها الاجتماعية المختلفة، فبدأ جيل جديد يتخلى عن المسرح الملتزم وعن إيديولوجية الشهداء يعودون هذا الأسبوع إلى عالم مختلف يصور الواقع المعاش بسخرية وبطريقة كوميدية تمكنت من جذب الكثير من المتابعين. تطور المونولوج وخروجه من الإطار المسرحي هو الذي قدم لنا الوان مان شو، ولو أننا في الجزائر لا نعرف استخدام الكلمة الأخيرة وهي الشو بمعنى الفرجة في محلها.. محمد فلاڤ هو المان شو الأول في الجزائر حسب العديد من المتابعين، لأنه كسر البنية الدرامية وجمع عدد من الحكايات - أحيانا ارتجالية - وصنع منها الفرجة الحقيقية. لذا الوان مان شو هو كاريزما قبل كل شيء، هو رؤية شخصية قبل نص معين، وهي تفوق الموهبة، بل تتعدى إلى بنية الشخصية في حد ذاتها. أما الشكل الأخير وهو الستاند آب، فله تاريخ طويل أيضا، على الرغم من أننا نشعر بغرابة الكلمة وحداثتها على المشهد المسرحي الجزائري، ومع ذلك فقد بدأ في صالات ”الميوزيك هول” ببريطانيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وهناك مؤدون اشتهروا جداً خلال القرن العشرين مثل ماكس ميللر. الذي يعتبر مثالاً نموذجياً لكن الرقابة كانت كفيلة بإحباط الكثير من المحاولات. عربيا شهد هذا الفن رواجا كبيرا بعد الثورة المصرية لاسيما ووجود قنوات البث التي لا تخضع للرقابة وعلى رأسها اليوتيوب، كذلك رواج الحصص الفكاهية التي تستقبل أصحاب هذه المواهب، حتى الفضاءات الموازية مثل المقاهي والحانات التي فتحت أبوابها كذلك لهذا النوع. المونولوج مفهوم خاطئ.. والكوميديا بخير يعتبر عبد الناصر خلاف أن أول نص مونودرامي جزائري هو ”حمق سليم” لعبد القادر علولة، والذي برزت فيه قدرات هذا الهرم الكبير، بعد ذلك هناك نص الحافلة تسير لعز الدين مجوبي الذي وضع أيضا علامة فارقة في هذا المجال، ثم تأتي باقي المحاولات على غرار فاطمة لمحمد بن ڤطاف وصونيا، ولكن استخدام المونولوج في الجزائر كمصطلح هو استخدام خاطئ لأن المونولوج هو جزء من المسرحية، وليس نصا مستقلاً، ولكن لا أحد انتبه لذلك، ولا أحد حاول تصحيح هذه الفكرة، وبالتالي شاع هذا الاستخدام، من دون أن يتدخل أحد، في حين يمكن أن نسمي كل العروض التي قدمت بالوان مان شو في ذات السياق يرى خلاف أن الجانب الأكاديمي هو الذي يجب عليه أن يوضح ذلك: ”لقد تكرس مفهوم المونولوج على العرض الأحادي الذي كان بإمكانه أن يأخذ اسم الوان مان شو، لكن للأسف تكرس هذا بشكل عميق في المشهد المسرحي، ولم يعد هناك أمل في تصحيح الخطأ، وهذا خطأ الأكاديميين والإعلاميين الذين لم يسعوا لتصحيح ذلك. أما عن أسباب ظهوره فيعود إلى فترة الثمانينات، حيث شهد المسرح أزمة كبيرة في الجانب الاقتصادي، وبالتالي اضطر إلى تقليص النفقات، لاسيما في عدد الممثلين، وبالتالي عرفنا فن الممثل الواحد، وجاء المونولوج الذي لا يحتاج إلى سينوغرافيا كبيرة، ولا يطالب بنفقات النقل من أجل العروض، بل في الغالب يكون البطل برفقة تقني فقط. كذلك هناك الجانب البراغماتي، والأناني في الموضوع، لأن البطل الواحد هذا صار لديه ما يكفي من نرجسية حتى لا يسمح لأحد بمشاركته النجاح والشهرة، وكذلك المورد المالي الذي يذهب له فقط. من هذا الباب ظهرت أسماء كبيرة في المونولوج، وساهم التلفزيون من جهته في الرواج الكبير لها، ما جعل الجميع يتجه إلى هذا النوع.. كذلك بعض المهرجانات المتخصصة في المونولوج في كل من جيجل وشلف. لكن فكرة الممثل الواحد لم تستغل بشكل جيد، ولم تعرف الاستمرارية.. بل بقي الجميع يجترون أعمالهم السابقة في كل المناسبات ولا يحاولون العمل من جديد على نص آخر وأفكار أخرى...”. العرض المميز بالنسبة لناصر خلاف في هذا المجال هو مونودراما ”أكلة لحوم البشر” لسفيان عطية والذي أنتجه المسرح الوطني سنة 2011، لكن يؤكد أن هناك تراجعا كبيرا. ”نعم هناك تراجع اضطراري للمونولوج لأن الدولة صارت تدعم الأعمال المسرحية، وبالتالي خلقت توجها جديا للأعمال الكبيرة، التي تهتم بالسينوغرافيا وبالممثلين، وزالت كل تلك الصعوبات التي كانت من قبل في جانبها المادي خاصة.. ولكن بقيت بعض الأصوات التي تشبعت بهذا الفن وترفض العمل الجماعي على غرار العمري كعوان، بالإضافة إلى حكيم دكار الذي اعتبره خائنا للمسرح، ويبقى اتهامي له ساريا حتى يثبت العكس.. أما عن الكوميديا بشكل عام وكافة أشكالها الجديدة فهي مهمة جدا لتوازن المجتمع...”. سعاد سبكي.. المونولوج يحتاج لقدرات وطاقات مهولة سعاد سبكي التي اتجهت مؤخرا إلى الإخراج، ترى أن المونولوج يتطلب قدرات وطاقات أكبر من أداء دور ما في مسرحية معينة.. وهنا تستخدم سعاد هذه العبارة الدارجة ”لابد أن يكون شارب عقلو”. وتواصل لتؤكد ”الجيل الجديد للأسف يتهاون ويستسهل الأمور، ويرى بأنه قادر على القيام بذلك، والنتيجة أعمال سيئة لا ترضي ذوق الجمهور، لأن الأمر يتطلب نصا دقيقا واضح المعالم. بالنسبة لي أخاف من هذا الأمر ولم أجد لحد الآن نصا يستحق التجربة، أما الوان مان شو فهو أصعب لأن الجمهور طرف فيه، ونحن نعرف أن الجمهور الجزائري صعب جدا ولا يضحك بسهولة، كما يتطلب أمورا تقنية معينة مثل الموسيقى والإضاءة.. والأداء أنا شخصيا احترم الجمهور وأعرف جيدا أنه متطلب لذا لا يمكنني المخاطرة. كذلك الحكاية مادية، وتدر أموالا لا يشارك المونولوجيست فيها أحد، وبالتالي هي نوع من أنواع الربح السريع على حساب القيمة الفنية، ورغم ذلك أنا أؤمن بالجيل الجديد، وأعرف أنه يعيش حصارا من طرف الجيل القديم، لذا المونولوج هو بالأساس كاريزما شخصية ومسار شخصي.. أحيانا أتأسف على هذا الجيل الذي يبدأ لينتهي، كم هم الشباب الذين مثلوا دورا واحدا ثم اختفوا نتيجة صراعات ما.. عكس الجيل السابق الذي كان يملك مصداقية.. وكانت الجزائر رائدة بالفعل في الكوميديا على كافة أشكالها”. إعداد: هاجر. ق/ الطاووس. ب
المونولوجيست جهيد دين الهناني ل”الفجر”: إخراج مونولوج أصعب من إخراج مسرحية عادية على هامش هذا الملف كانت لنا دردشة سريعة مع المونولوجيست جهيد دين الهناني، صاحب عدد من الجوائز الوطنية والدولية في المونولوج، والمعروف بقدرته الإبداعية على الركح لاسيما في دور البطل الواحد الذي يتمكن من تجسيد عدد من الشخصيات بجدارة. لماذا اخترت فن المونولوج؟ مجبر أخوك لا بطل.. لقد كنت مولعا بالمسرح منذ البداية، وكنا نملك فرقة مسرحية في الثانوية بمدينتي سيدي بلعباس، ولكن بعد ذلك وعندما انتقلنا إلى الجامعة تشتتت الفرقة وضاعت الكثير من الأحلام، ولأنني مولع بالمسرح بشكل جدي، يفوق ربما باقي الأعضاء، عقدت العزم على المواصلة، ومع الوقت أدركت مواهبي في تحمل العرض الواحد. بالنسبة للنصوص.. من يكتبها؟ أنا أكتب غالبية النصوص، كما أتولى مهمة الإخراج والتمثيل، ولكن أحيانا أجد نصوصا جيدة عند من يقومون بالكتابة للمسرح، فلا أمانع.. بل أنا في رحلة بحث دائمة عن النص الجيد. منذ سنة 1996 وإلى غاية اليوم حافظت على نفسك الإبداعي هل تجد ذلك سهلا؟ لا.. هذا صعب جدا.. ولكن في داخل كل منا دوافع معينة.. بالنسبة لي أنا أتنفس هذا.. والمونولوج حالة نفسية قوية عندي تتطلب الصبر والحب.. لذا أنا على قيد الوجود والاستمرارية. بالنسبة للجوائز.. تملك في رصيدك الكثير منها.. هلا حدثتنا عن هذه التتويجات؟ الجوائز هي التشجيع المعنوي الكبير بالنسبة لأي فنان.. وهي التي ترغمنا على الاستمرار.. لقد حصلت سنة 1996 على الجائزة الرابعة في مهرجان المونولوج بالشلف عن عمل ”الهايم”، ثم جاء عمل ”المنعرج” سنة 1999 الذي نلت به الجائزة الثانية بمهرجان الشلف دائما، كذلك جائزة لجنة التحكيم بمهرجان قسنطينة، كما شاركت به في سنة الجزائر في فرنسا العام 2003 بعد أن ترجم إلى الفرنسية، كما سافرت به سنة 2008 إلى مهرجان المسرح الفرانكوفوني بروسيا حيث توجت بالجائزة الخاصة بالمهرجان. عمل آخر هو ”المتمرد” الذي أنتجته سنة 2001 تمكن من حصد الجائزة الأولى بمهرجان الشلف، كما افتك العمل جائزة أحسن عرض متكامل واخترت أحسن ممثل في مهرجان المسرح ببجاية سنة 2002. برأيك ما هي العراقيل التي يشهدها المونولوج في الجزائر؟ أهم عائق هو الإخراج.. لأن إخراج مونولوج هو أصعب من إخراج مسرحية عادية، حيث تكون الخشبة مشكلة من عنصر واحد فتطرح مشكلة تقسيم الخشبة، وبالتالي كيف نملأ الفراغ.. وهذا ما يتطلب جهدا أكبر. آخر ما قدمت للخشبة الجزائرية؟ آخر عمل لي هو ”مقابلة الحكام” الذي قدم مطلع هذه السنة.. لقد عرض في عدد من ولايات شرق الوطن والآن أنا بصدد عرضه في ولايات الغرب.
سيرة مونولوج محمد جهيد دين الهناني، من مواليد 10 ماي 1976، دكتور في علوم الفيزياء، وأستاذ بالمركز الجامعي بعين تيموشنت، مؤلف، مخرج وممثل مسرحي.. حائز على عدد من الجوائز الوطنية والدولية في مجال المونولوج.. يعد من الجيل الجديد في المسرح.