التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: نحن حرمنا أنفسنا أكبر لذَّة في الدنيا؛ وهي التمتع بمحبة ذوي القربى والنساء. كلٌ منا يذوق حلاوة الساعات التي تمرُّ به دون أن يشعر بها حينما يطول الحديث بينه وبين صديق له، وتختلط نفساهما بعضها ببعض حتى يذهل كلُّ عن أيهما يتكلَّم وأيهما يسمع، فهذا السرور يتضاعف بلا شك إذا وجد هذا التوافق بين رجل وأمه أو أخته أو زوجته، ولكن يحول الآن بيننا وبينهن عدم التوافق بين عقولنا وعقولهنَّ ونفوسنا ونفوسهنَّ؛ ولهذا فنحن نشفق عليهنَّ ونحنُّ إليهنَّ ونعذرُهنَّ، ولكن لا تكمل محبتنا لهنَّ، لأن الحبَ التام هو التوافق،وهذا معدوم. والإنسان محتاجٌ إلى أن يكون مُحباً،وأن يكون محبوباً، ومن فضل الله عليه أن وضع بجانبه أمهات وزوجات وغرس في قلوبهنَّ محبته، وفي قلبه محبتهنَّ، وهذه أكبر نعمة من الله علينا بها؛ لأن هذه المحبة النقية الطاهرة الكاملة إذا صرفت فيما وُضعت له كانت المسليَّة لنا في سجن الحياة، وهوَّنت علينا الآلام والمصائب التي لولا هذه التسلية لأفضت في بعض الأوقات بأقوى رجل منا إلى اليأس؛ فعدم تقديرها قدرها وانصراف العناية عن تنميتها وتكميلها كفران بنعم الله وتقصيرٌ بشكره. بقي علينا أن ندفع اعتراضا لا يمكن السكوت عنه؛ لأنه في الحقيقة المانع الوحيد الذي اتفقت أغلب العقول على وضعه حاجزا يحول بين المرأة والتعليم: وهو الخوف من أن التعليم يفسد أخلاقها. رسخ في أذهان الرجال أن تعليم المرأة وعفتها لا يجتمعان، وقال الأقدمون في ذلك أقولا طويلة، وحكايات غريبة، ونوادر سخيفة استدلوا بها على نقصان عقل المرأة واستعدادها للغش والحيلة، فلو تعلَّمت لم يزدها التعليم إلاَّ براعة في الاحتيال والخدعة، واسترسالا مع الشهوة، فحذونا مثالهن واعتقدنا أن التعليم يزيدهن تفننا في المكر، ويعطيها سلاحا جديدا تتقوى به طبيعتها الخبيثة على ارتكاب المفاسد. أما أن المرأة الآن ناقصة العقل شديدة الحيلة فهذا مما لا يختلف فيه اثنان، وقد بينا أن هذه الحالة هي أثر من آثار الجهل والانحطاط اللذين عاشت فيهما أجيالا طويلة، وأنه متى زال السبب فلاشك أن المسبِّب يتبعه، وأما كون التعليم يفسد أخلاقها فهذا ننكره ونشدد النكير عليه، فإن التعليم - خصوصًا إذا كان مصحوبا بتهذيب الأخلاق - يرفع المرأة، ويرد إليها مرتبتها واعنبارها، ويكمل عقلها،ويسمح لها أن تتفكر وتتأمل وتتبصَّر في أعمالها. وإن حدث أن امرأة تعرف القراءة والكتابة حادت عن الطريق المستقيم، وخاطبت حبيبها بالرسائل الغرامية فقد وقع أن ألوفا من النساء الجاهلات دنسن عروضهن، وكان الرسول بينهن وبين رفيقهن خادم، أوخادمة، أودلالة، أوجارة عجوز. والحقيقة أن طهارة القلب في الغرائز والطبائع.فإن كانت المرأة صالحة زادها علما صلاحا وتقوى، وإن كانت فاجرة لم يزدها العلم إلا فجورا؛ وهكذا الحال في الرجال، وضلال فريق من الناس بضرب من ضروب التعليم لا يمنع من تعاطيه، فقد قال الله في شأن كتابه: يضِلُّ به كثرًا ويهدي به كثيرًا وما يُضِل به إِلاَّ الفاسقينَ .. يتبع