الطيور على أشكالها تقع، وبذلك يكون سعينا في الحياة يهدف في جزء منه للقاء من هم على شاكلتنا. كان الضيف أحمد رحمه الله على شاكلتي، كان عاشقا للمسرح.. وكان عمله في مسرحيتي ”الراجل اللي ضحك ع الأبالسة” هو وزميله جورج سيدهم شفاه الله.. هو أول مناسبة نلتقي فيها. كانا ومعهما سمير غانم.. يشكلون فريقا يسمي ”ثلاثي أضواء المسرح” تخصص في تقديم الفقرات الفكاهية في النوادي الليلية والأفراح. غير أن الضيف أحمد كان يرى عن حق أن مستقبلهم الحقيقي في المسرح وأن عليهم أن ينشئوا فرقة مسرحية خاصة بهم. لم يكن جورج وسمير متحمسين بما فيه الكفاية.. كانا خائفين من مسؤولية إدارة فرقة مسرحية والتعرض لسوء الحظ وهو مكلف للغاية. وكان السؤال من سيكون الممول؟ وهنا ظهرت مهارات جورج، والحق أنه إلى جانب موهبته كممثل كان رجل إدارة من الطراز الأول. كانوا يعملون في ذلك الوقت في أحد المحلات الليلية ويحصلون على (900 جنيه) في الشهر، فقرر جورج أن يبدأوا بهذه الجنيهات التسعمائة وهو ما حدث بالفعل. في ذلك الوقت البعيد قبل عهود المال السايب في الإنتاج الفني، لم يكن من الصعب أن تبدأ في إنتاج عرض مسرحي، خصوصا أنك تملك أهم عنصر في العرض وهو الممثلون. هكذا استأجروا مسرح ميامي في شارع طلعت حرب واتفقوا مع الأستاذ أحمد سعيد على تأليف مسرحية لهم. والأستاذ أحمد سعيد هو أهم مذيع في المرحلة الناصرية، إنه الرجل الذي كان يهز بصوته عروشا في الستينات، وكان أيضا المذيع الذي أوحى إلى المصريين بأننا على وشك دخول تل أبيب. وحوسب بالطبع بعد النكسة غير أنه أثبت أن كل البيانات التي كان يذيعها كانت تأتيه جاهزة من القيادة السياسية، لذلك اكتفوا بإبعاده عن الإذاعة. كتب الأستاذ أحمد سعيد المسرحية واختار لها اسما كفيلا بإغلاق عشرة مسارح في ذلك الوقت. كان الاسم هو.. ”مطلوب ليمونة”. اسم المسرحية كان واضح الدلالة على المعنى الذي تهدف المسرحية إلى إشاعته بين الناس.. وهو أن البلد قرفانة. الواقع أن الأصل في المثل الشعبي ”ليمونة في بلد قرفانة” يقال فقط عندما نشير إلى عنصر الندرة. أما عندما يكون عنوان المسرحية هو ”مطلوب ليمونة” فالرسالة هنا واضحة وهي أن الشعب المصري قرفان. قد تسمح لك السلطة بالتلسين عليها، غير أنها ستعاقبك بقسوة عندما تكون أحد أعوانها السابقين، كان أحمد سعيد جزءا مهما للغاية من النظام الناصري، لذلك كانت العقوبة قاسية وحاسمة. موافقة الرقابة على المصنفات الفنية تتم على مرحلتين؛ الأولى على النص، والثانية وهي النهائية والحاسمة بعد مشاهدة البروفة النهائية. حصل الثلاثي على الموافقة الأولى، وفي ليلة الافتتاح وكان العرض من إخراج المرحوم عبد المنعم مدبولي، جاء الرقباء ليشاهدوا العرض ثم أصدروا حكمهم النهائي: شكرا.. لا نوافق على هذا العرض. هي كارثة بكل المقاييس، موت وخراب ديار بعد أن فوجئ الثلاثي بأنهم مسؤولون عن تسديد ديون تبلغ الآلاف من الجنيهات بالإضافة إلى ألم الشعور بالفشل. قابلت بالصدفة الضيف أحمد سألته: ماذا أستطيع أن أفعل من أجلكم؟ فقال: ولا حاجة.. عندك مسرحية فيها أدوار متساوية لثلاثة أشخاص؟ فأجبته: عندي.. مسرحية ”حدث في عزبة الورد”.