l لديّ ما أقوله بخصوص بوجدرة.. لكن لا أرى جدوى ثقافية من الخوض في ذلك بعد أيام فقط من إعادة الثقة فيه على رأس قطاع الثقافة رفقة أغلب وزراء حكومة الوزير الأول عبد المجيد تبون السابقة، يعود الوزير عزالدين ميهوبي في حوار خصّ به جريدة ”الفجر”، إلى أولويات قطاعه واستراتيجياته المستقبلية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمرُّ الجزائر، ويعرفها العام قبل الخاص، وكذا قبل أسابيع فقط عن الدخول الاجتماعي المقبل، وهذا ما يتطلب طبعا وجود حركية سياسية واجتماعية سريعة لمواكبة متطلبات الجزائريين، والقطاع الثقافي لا يقلُّ أهمية عن القطاعات الأخرى، على اعتباره يُلبّي الاحتياجات الثقافية للمواطنين، وقد أصبحت كبيرة ومتنوعة.كما يأتي هذا الحوار قبيل بعض الأحداث الثقافية الهامة، وعلى رأسها صالون الجزائر الدولي الكتاب، وأيضا بعد أيام من اختتام فعاليات حدث ثقافي آخر لا يقلُّ أهمية، وهو مهرجان وهران للفيلم العربي. أولا هنيئا لك على إعادة الثقة في شخصك على رأس قطاع الثقافة لنبدأ من حيث هي البداية، من عرض مخطط الحكومة الذي عرضه الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون أمام المجلس الشعبي الوطني وحاز ثقة النواب. المثير للاهتمام أنّ البرنامج أفرد مساحة هامة لقطاع الثقافة، خاصة ما تعلق بمجال السينما.. الآن مع هذا التغيير الحكومي، هل معنى ذلك أنّ تغييرا في الأولويات سيحدث؟ السينما شكّلت دائما جانبا مهمًّا في مكوّنات المشهد الثقافي في الجزائر، وبالتالي دائما هناك اهتمام خاص بهذا الجانب كون الجزائر بلدا سينمائيا بامتياز، وشهدت تصوير أول الأفلام في التاريخ، وعرفت تصوير أفلام تاريخية عالمية، كما كانت السينما رافدا من روافد الثورة التحريرية، وواكبت نضال الشعب وأسهمت في التعريف بالقضية الجزائرية وترسخت في حياة الجزائريين. ومنذ الاستقلال، عرفت السينما انتشارا من خلال تشجيعها بالجوائز، وقد منحت الجزائر العرب والأفارقة أول سعفة ذهبية في مهرجان كان السينمائي سنة 1975 عن طريق المخرج المعروف لخضر حامينا، وتلت ذلك العديد من الجوائز والتتويجات، ثم انتقل العمل السينمائي من توثيق الثورة إلى تناول قضايا المجتمع مثل فيلم عمر ڤتلاتو، إلى غاية مطلع سنة 2000، حيث كان هناك توجُّه لتصوير أفلام تاريخية كبرى لرموز الثورة أمثال كريم بلقاسم وأحمد زبانة وغيرهما. والدولة لم تتخلّ عن السينما في الظروف الصعبة، لكن بفعل التحوُّلات السياسية والاقتصادية، ودخول الجزائر في نمط جديد كان من ضحاياه السينما، حيث أُغلقت الكثير من القاعات السينمائية، وتم التنازل عنها لبعض الخواص. ومنذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منح السينما التشجيع بتمويل أفلام كبرى وفتح قاعات وسن قوانين لتسيير القطاع، وهنا دخلنا مرحلة وضع استراتيجية تهدف إلى الدفع بالجزائر لتكون بلدا صناعيا في المجال السينمائي عن طريق وضع بنية تحتية للسينما وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، والرهان اليوم معقود على فتح هذا القطاع أمام المتعاملين الخواص وطنيين وأجانب من أجل الاستثمار في الصناعة السينمائية بهدف استعادة جمهور السينما من جديد إلى هذا الفن الراقي والمؤثر. وبالتالي لا يخلو مخطط الحكومة، في أي حكومة كانت، من الاهتمام بالسينما، وقد وضعت لهذا الغرض تصورا شارك في بلورته متخصصون وخبراء ومهنيون يتعلق أساسا بالصناعة السينمائية من حيث التكوين والتوزيع، وكلُّ هذه الجوانب تُشكّل بالنسبة لنا مسألة أساسية. نأمل أن نوفق في هذا المسعى. معنى هذا أنّه لا يوجد تغيير في أولويات الحكومة بالنسبة للقطاع الثقافي؟ لا تغيير. المسألة ليست في الأولويات، لأنّ كلّ ما تقوم به الحكومة هو من الأولويات، إنّما هناك رؤية للموضوع تتمثل في دخول أطراف أخرى في الاستثمار الثقافي، ذلك أنّ الثقافة لم تعد شأن الدولة، بمعنى أنّ الدولة لا تُسيّر قاعة السينما، ولا تمنح التمويل الكامل لأيّ فيلم سينمائي. أي علينا أن نجعل الأمور كما هي في مختلف بلدان العالم. هناك جانب خدمة عمومية ثقافية تقوم به الدولة، وهناك جانب اقتصادي وتجاري يضطلع به الخواص صمن دفتر شروط والالتزام بالقوانين المسيّرة لهذا الجانب. كيف تُنسّقون كوزارة مع لجنة الثقافة والسياحة والاتصال بالمجلس الشعبي الوطني..، وقد ضبطت هي الأخرى عقاربها على البرنامج السابق للحكومة في المجال الثقافي؟ أنا كوزير التقيت باللجنة المذكورة مرتين، وتحدثت في كلّ ما له صلة بالشأن الثقافي، من مشاريع وآفاق وتصورات، وكان هناك تفاعل من النواب مع هذه الأفكار، وهذا ما كشف عن الاهتمام بالثقافة كونها من روافد التنمية الوطنية، كما كان لي أيضا لقاء مطوّل مع أعضاء مجلس الأمة حول الاستراتيجية الثقافية والإصلاح الثقافي في الجزائر. وهذا كلّه يؤكد أنّ الثقافة ليست من سقط المتاع، بل تشكّل إحدى ركائز الدولة الجزائرية، وليس أدلّ على ذلك من تكريم فخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لأزيد من 100 شخصية ثقافية وطنية بمنحها وسام الاستحقاق الوطني لما قدمته للفن والتراث والفكر. صحيحٌ هناك تأثير للوضع الاقتصادي على الأداء الثقافي، لكن هذا لا يجعلنا مكتوفي الأيدي، بل نعمل على إيجاد بدائل ومكملات لتمويل المشاريع والتكفل بالحاجيات الثقافية للمواطن، خاصة مع دسترة الثقافة في المادة 45 من التعديل الدستوري 2016، الذي نصّ على أنّ الثقافة حق مضمون لكلّ مواطن، وهو ما يفرض علينا عملا استثنائيا لترجمة هذا المبدأ إلى واقع من خلال إشراك كل الفاعلين في الحياة الثقافية والدفع بمخطط الاستثمار الثقافي في الوسط الاقتصادي لضمان شراكة إيجابية خدمة للثقافة الجزائرية وتحقيقا للأمن الثقافي المنشود. هل يُمكن أن تحدثنا عن أولوياتك على رأس القطاع الثقافي؟ الشيء الأساسي فيما نقوم به هو ضرورة الانتقال من الفهم المكرس بأنّ الدولة هي من يُنتج الثقافة إلى المجتمع هو من يُنتجها ويتفاعل معها، أي أنّ الدولة تُؤمّن البنية التحتية، الإطار البشري، التشريعات والنصوص القانونية والتمويل الجزئي لضمان الخدمة الثقافية العمومية، وهذا له كفلته، في حين أنّ السائد في أي مجتمع أنّ الثقافة لا تأتي بمرسوم أو تعليمة، ولكنها تفاعل الأفراد مع تاريخهم وتراثهم وواقعهم، فيتولد عن هذا منتوج ثقافي متنوع، فالحرية هي الأساس في الإبداع الثقافي، وبالتالي فكلُّ ما ينتج عن المؤسسات التابعة للدولة يُنظر إليه على أنّه ثقافة رسمية، مّا يُحرّك هواجس البعض. لهذا نقول مرحبا بأي إبداع خارج هذه الأنماط السائدة، وسنكون سندا لأية مبادرة تُشكّل قيمة مضافة للمنتوج الثقافي الوطني من أية جهة كانت. لهذا لا يمكن القول إنّ هناك أولوية، إنما هناك مسعى لتأمين شروط بيئة صحية تسمح ببروز أنماط وتعابير ثقافية تستجيب لحاجيات المجتمع، سواء في السينما أو المسرح أو الفنون التشكيلية، وربما فكرة تحرير المهرجانات والسماح لمن يرغبون في تنظيم فعاليات فنية أو ثقافية داخل هذه البيئة مع احترام القوانين والأعراف الاجتماعية. كيف يُمكن برأيك إقناع الخواص بالتوجُّه نحو الاستثمار في القطاع الثقافي؟ عندما دعونا إلى الاستثمار الثقافي، لم تكن الدعوة موجّهة فقط إلى المؤسسات الخاصة أو رجال الأعمال، ولكن أيضا إلى المؤسسات الاقتصادية العمومية التي تمتلك مقدرات تسمح لها بإنشاء مجمعات سينمائية أو للنشر أو تمويل أعمال سينمائية، وبالتالي فالمسألة هي بالأساس الدفع بأهمية اكتشاف القطاع الثقافي باعتباره رافدا اقتصاديا يمكنه تحقيق ربح لمن يفضلون الاستثمار، ونؤسس هذا على كون الخدمات الثقافية في بعض بلدان أوروبا بلغت نسبة 30 بالمائة في الاقتصاد، بل إنّ بعضها في البلدان الصناعية تجاوز ما يُحقق من مداخيل سوق السيارات، لأنّ المتاحف والنشر والسينما والسياحة الثقافية، كلُّها مجتمعة تُشكّل مدخولا أساسيا في الاقتصاد الوطني. والجزائر بلد يتوفر على هذه المؤهلات، إنما يقتضي الأمر عملا متواصلا لبلوغ مستوى إقناع المتعاملين الخواص والعموميين بجدوى الثقافة اقتصاديا. وقد سمحت اللّقاءات الأولى بلفت الانتباه إلى أنّ الاستثمار لا يكون فقط في الميكانيك والإلكترونيك، ولكن أيضا في إنشاء مدينة للسينما أو مجمعات لقاعات العرض السينمائي أو لإدارة المواقع التراثية في بعدها السياحي أو لتوجه الوكالات السياحية إلى الاستثمار في المنظومة المتحفية والمواقع التاريخية والأثرية وغيرها.. وما هي الضمانات التي تُقدّمها الدولة لهؤلاء المستثمرين؟ الضمانات موجودة في قوانين الاستثمار التي تسمح بتحقيق هذه المشاريع، وهناك عمل نقوم به يتمثل في منح قانون السينما مزيدا من المرونة ليُتيح للمستثمرين والمنتجين الأجانب الاستفادة من الجزائر كوجهة سينمائية، وبالتالي ليس هناك ما يُعيق هذا الجانب.. مهرجان وهران للفيلم العربي يُسيل الكثير من الحبر في كلّ عام. بعد عشر سنوات من تنظيمه، هل أنت راض عمّا حققه؟ بعد عشر طبعات، ما هو المطلوب من المهرجان أن يُحققه وقد تكرّس كموعد سينمائي ثقافي وفني عربي، وأصبحت وهران وجهة للمشتغلين في الحقل السينمائي العربي، ولم يعد السينمائيون الكبار يتحفظون على تقديم أعمالهم الجديدة للمشاركة في المسابقات الرسمية، لأنّ هذا يُؤكد أنّ المهرجان أصبح مرجعا في هذا الجانب، وكلُّ مخرج أو منتج يسعى لأن يكون في سجله جائزة من جوائز مهرجان وهران. وحضور أسماء كبيرة ووازنة في الساحة السينمائية العربية يُؤكد أنّ وهران كسبت الرهان. أما النظر في تفاصيل المهرجان أو جوانبه التنظيمية، فكلُّ مهرجانات العالم تحدث فيها بعض الاختلالات، بل إنّ أكبرها يتعرض لمواقف أكثر إثارة كما حدث في مهرجان الأوسكار عندما وقع خطأ في الإعلان عن الفائز، وهو مهرجان عريق. أنا شخصيا أرى أنّ محافظ المهرجان إبراهيم صديقي يقوم بعمل جيد، ويعمل سنة بعد أخرى لتحسين صورة المهرجان، فلنتركه يعمل لأنّنا لا نرى جدوى من الخوض في التفاصيل الصغيرة، ثم إنّنا قلّصنا بصورة كبيرة في ميزانية المهرجان باعتبار الوضع الاقتصادي وحافظنا عليه لأنّنا نرى فيه إضافة مفيدة لمكانة الجزائر الثقافية في الوطن العربي. يجرُّنا الحديث إلى تظاهرة ثقافية أخرى لا تقلُّ أهمية، وأقصد الصالون الدولي للكتاب، ماذا بخصوص هذا الموعد الهام؟ صالون الكتاب موعد ثقافي هام يُنظر إليه كواحدة من الفعاليات التي ينتظرها المواطن بشغف لارتباطه أساسا بالمعرفة والوعي، لهذا فإنّنا نحرص دائما على أن يكون ناجحا حتى من حيث حضور الناشرين ونوعية الفعاليات المصاحبة ونوعية الحضور من الكتّاب والناشرين المعروفين، وندفع بصورة كبيرة إلى إقامة شراكات بين الناشرين الجزائريين والأجانب لتحقيق انتشار أوسع للكتاب. وهذه السنة، أردنا أن يكون هناك بعد إفريقي لهذا المعرض كون الجزائر لها تاريخها الناصع في القارة الإفريقية وبصمة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كبيرة في تحرُّرها وتخلُّصها من الميز العنصري، وبالتالي فهو عرفان بدور الجزائر في مسيرة القارة السمراء. من الغريب أنّ الجزائر ظفرت باحتضان عدد من المشاريع الثقافية الهامة، لكنّ الحديث عنها يبدو باهتا، إلى أين وصلت تلك المشاريع؟ عُرفت الجزائر دائما بأنّها تحافظ على التزاماتها في كلّ المجالات، وإذا ما ذكرنا بعض المشاريع الثقافية التي أخذت بلادنا التزاما بتحقيقها، فيمكن ذكر المركز العربي للآثار الذي انتهت به الأشغال، وهو جاهز كتحفة عمرانية جميلة تنتظر فقط تفعيل القرار النهائي من البلدان العربية ممثلة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو)، ليكون موضع التنفيذ، وهو ما ننتظره حتى تكون الجزائر عاصمة للآثار في البلاد العربية، كون الجزائر من البلدان القليلة التي تُشكّل حاضنة لكلّ الحضارات وما تبقّى من وجود استعماري عبر التاريخ، فنجد الآثار الفينيقية والرومانية والبيزنطية والوندالية والإسلامية بتنوعها، بل حتى الحفريات التي كشفت عن وجود الإنسان الأول، حيث يكفي القول إنّ الجزائر تحتوي على 50 بالمائة من الآثار الرومانية في العالم، فنحن ننتظر تفعيلا لهذا المركز، وإلا فإنّنا سنستغله لصالح المؤسسات الأثرية والتراثية في بلادنا. بمعنى أنّ الجزائر أوفت بالتزاماتها في إنجاز المركز وتهيئته، يبقى الآن مساهمة البلدان العربية في التمويل والإدارة والتوجيه العلمي. أما مشروع المكتبة العربية أمريكو لاتينية، فقد قطعت شوطا في الدراسة وفي وضع التصميم وتحديد الموقع (الأرضية)، إلا أنّ الأوضاع المالية الحالية للجزائر لا تسمح بإنجاز هذا المشروع، ولكنه يبقى قائما على أجندة الجزائر الثقافية الدولية. أريد أن أشير بهذه المناسبة إلى أنّ هناك مشروعا هاما جدا تقدّم به الدكتور ناصر الدين سعيدوني، ولقي موافقة من فخامة رئيس الجمهورية، يتعلق الأمر بإنجاز دائرة المعارف الجزائرية، وهو من المشاريع التي ستُقدّم قيمة مضافة للتاريخ الجزائري في كلّ المجالات، وهو جاهز بنسبة عالية، حيث نعكف على دراسة الجوانب الفنية وشروط النشر وكيفية الاستفادة من هذا المشروع الذي استغرق أكثر من ثلاثة عقود من التحضير والبحث الذي قام به الأستاذ ناصر الدين سعيدوني، حيث منحه رئيس الجمهورية مؤخرا وسام الاستحقاق الوطني تقديرا لجهوده. وستصدر دائرة المعارف الجزائرية في شكل مجلدات ألفبائية على غرار الموسوعات التاريخية التي أصدرتها بعض البلدان العربية والأجنبية. هناك سؤال أخير لا مناص من طرحه.. الروائي رشيد بوجدرة في آخر حوار له أكد أنّ عدم استجابته لدعوة التكريم التي وُجّهت له كانت بسبب عدم مؤازرتك له في قصة الكاميرا الخفية الشهيرة؟ عندي ما أقوله في هذا الموضوع، لكنّني أُعفي نفسي من أيّ كلام يخصُّ الأستاذ رشيد بوجدرة، لأنّني في غنى عن الخوض في أشياء لا أرى جدوى ثقافية من ورائها.