قاد تصويت نواب البرلمان البريطاني ضد اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بريطانيا نحو المجهول، حيث أخلط أوراق رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، التي تواجه، للمرة الثانية، خطر سحب الثقة من حكومتها، ووضع البلاد أمام خيارات صعبة. ورفض نواب البرلمان البريطاني، بأغلبية كاسحة، اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث رفض 432 نائب خطة بريكسيت التي قدّمتها رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، إلى البرلمان، مقابل 202 نائب صوتوا لصالح الخطة، حيث تعد هذه أكبر هزيمة برلمانية تتلقاها حكومة في تاريخ البلاد منذ عشرينيات القرن الماضي. وكانت ماي تأمل في أن يسفر نداؤها الأخير للنواب، والذي سبق عملية التصويت بساعات، عن دعم الاتفاق، إلا أن إجهاض خطتها للخروج أخلط أوراقها، خصوصا في هذه الفترة الحساسة التي يفصلها عن موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي والمقرر في 29 مارس القادم، شهران ونصف فقط، بينما لا تزال بريطانيا مقسمة بشأن ماهية الخطوة التالية. وغداة هذا الرفض البرلماني، تقدم زعيم حزب العمال المعارض، بطلب سحب الثقة من الحكومة، حيث بدأ البرلمان البريطاني بمناقشة هذا الطلب، مساء أمس، قبل طرحه للتصويت، حيث يأمل حزب العمال في أن تعجل خسارة تيريزا ماي أمام البرلمان برحليها. وفي حال تصويت البرلمان لصالح رحيل حكومة ماي، ستجرى انتخابات عامة يتبعها تشكيل حكومة جديدة سيتعين عليها كذلك تقديم خطة للخروج من الاتحاد الأوروبي أو تنفيذ خيار بديل. وتأمل رئيسة الوزراء البريطانية في النجاة من التصويت للمرة الثانية، حيث سبق وأن أخفق البرلمان في سحب الثقة منها، بينما تحاول في الوقت ذاته الوصول إلى تسوية تنال تأييد البرلمان بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي حال تمكنت ماي من البقاء في منصبها، فسيكون أمامها فرصة حتى يوم الاثنين لكي تعرض خطة بديلة، كما ستجد نفسها أمام خيارات محدودة أسهلها صعب مثل العودة إلى التفاوض مع بروكسل أو طلب تأجيل موعد بريكسيت. وكانت ماي قد أعلنت أنها ستجري محادثات مع نواب من جميع الأحزاب بروح بناءة لمعرفة الطريق الواجب إتباعه، لكنها مع ذلك ملتزمة بتنفيذ نتائج استفتاء عام 2016. ولم يتمكن النواب البريطانيون، حتى الآن، من الاتفاق على شروط الخروج من الاتحاد الأوروبي وعلاقتهم مع الاتحاد مستقبلا، حيث يوجد هناك انقسام بين الراغبين في الخروج من الاتحاد بشكل قاطع، ومؤيدي الحفاظ على علاقات وثيقة مع أوروبا. ويقضي الاتفاق، الذي تم التصويت عليه في البرلمان، بخروج منظم من الاتحاد وترتيب فترة انتقالية تمتد إلى 21 شهرا للتفاوض على صفقة تجارة حرة ومواجهته بالرفض يعني فرصا جديدة للنواب المؤيدين لتنظيم استفتاء جديد أو إلغاء الخروج نهائيا لتكثيف جهودهم. برلمان بريطانيا يضع أعضاء الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق وأعرب الاتحاد الأوروبي عن تخوفه من خروج غير منظم لبريطانيا، حيث قال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، إن الاتفاق كان الطريق الوحيد لتأمين خروج منظم وبغض النظر عن الوصول إلى اتفاق أو لا، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد سيتم أوتوماتيكيا بحلول نهاية مارس، في ظل عدم تغير المعطيات في لندن أو بروكسل. وأضاف يونكر أن الاتحاد الأوروبي سيبدأ تكثيف استعداداته لاحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد دون التوصل إلى اتفاق مشيرا إلى انه زاد خطر انسحاب بريطانيا دون اتفاق بعد التصويت الذي جرى مساء الثلاثاء وفي حين أننا لا نرغب في حدوث ذلك، فستواصل المفوضية الأوروبية عملها الطارئ لضمان استعداد الاتحاد الأوروبي الكامل لذلك . ويعارض كل من تيريزا ماي والاتحاد الأوروبي الخروج دون اتفاق، إلا أن ماي تعهدت في حال خسارتها أمام البرلمان بالعمل على تعديل الاتفاق بينما يرفض الاتحاد إعادة التفاوض على خروج بريطانيا وكإجراء بديل يمكن للندن الحصول على مهلة جديدة للخروج والتي يمكن ان تصل إلى شهر يوليو القادم. من جانبها، وصفت ألمانيا نتيجة تصويت البرلمان البريطاني على نص اتفاق (بريكسيت) باليوم المرير بالنسبة لأوروبا وأكدت أن الخروج غير المنظم هو أسوأ الاحتمالات جميعها بالنسبة للاتحاد الأوروبي وبالنسبة لبريطانيا على نحو خاص. كما استبعدت النمسا إعادة التفاوض مع بريطانيا حول خروجها من الاتحاد الأوروبي وقالت إن الكرة الآن في ملعب بريطانيا وعلى كل حال فلن يكون هناك إعادة تفاوض بشأن اتفاق الخروج وكشفت بلجيكا عن استعدادها لاحتمال خروج بريطانيا دون اتفاق. ويذكر أن البريطانيين صوتوا في استفتاء شعبي شهر جوان 2016 أبدى خلاله 89ر51 بالمئة منهم رغبتهم في الانسحاب من الاتحاد، وأقرت محكمة العدل الأوروبية شهر ديسمبر الماضي بأنه من حق الحكومة البريطانية سحب طلب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من دون الحاجة لموافقة الاتحاد على ذلك لكن ماي أكدت في أكثر من مناسبة بأنها لن تتراجع عن الاستجابة لمطالب البريطانيين الذين صوتوا لصالح الخروج. وفي المقابل، رأى الساسة البريطانيون أن الحكومة اتجهت في مسار منحاز إلى الاتحاد الاوربي اكثر منه إلى تصويت البريطانيين، من خلال الابقاء على مستويات كبيرة من التقارب، كما احتج بعض النواب على عدة نقاط في الاتفاق، أبرزها (الحدود مع جمهورية إيرلندا، المرحلة الانتقالية، جبل طارق، الجيش البريطاني وقواته في قبرص وفاتورة بريكسيت). تيريزا ماي تدعو إلى دعم الاتفاق الحالي وفي جلسة عقدها مجلس العموم (الغرفة السفلى من البرلمان)، امس، تمهيدا للتصويت على الثقة بالحكومة الحالية، قالت ماي: إذا كان البرلمان لا يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، فمن الضروري دعم الاتفاق الحالي . وفي اليوم التالي على هزيمتها التاريخية في مجلس العموم الذي صوتت الغالبية الساحقة من أعضائه (432 مقابل 202) ضد صيغة الاتفاق المقدمة من قبل الحكومة، قالت ماي إنها تريد التعرف على نوع الصفقة حول بريكست الذي سيدعمه المشرعون. ودعت، في كلمة ألقتها خلال جلسة المناقشات في المجلس، النواب إلى تأكيد ثقتهم في الحكومة الحالية، معتبرة أن دعمهم لها سيمكن البلاد من المضي قدما في طريق بريكست. كما أكدت تمسك حكومتها بيوم 29 مارس المقبل كموعد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. من جانبه، جدد زعيم حزب العمال المعارض البريطاني، جيريمي كوربين، انتقاداته إلى حكومة ماي، قائلا إن بريكست ليس فشلها الوحيد في بريطانيا، حيث الفقر يتزايد بوتيرة أسرع من البطالة. ماكرون يستبعد إعادة التفاوض وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن شكه في أن يعيد الاتحاد الأوروبي التفاوض على اتفاق شروط خروج بريطانيا من الاتحاد، مؤكدا أن الاتحاد قدم أقصى ما يمكنه حول بريكست. ودعا ماكرون في اجتماع مع رؤساء بلديات في نورماندي، القادة البريطانيين إلى البحث عن مخرج للأزمة بأنفسهم، متمنيا لهم حظا سعيدا في إيجاد طريقة للخروج من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس المقبل. من جانبها، أعربت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، عن أسفها، بسبب رفض البرلمان البريطاني خطة رئيسة الوزراء بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقالت المستشارة الألمانية، إن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، عليها الآن أن تخبرنا كيف ستسير الأمور إلى أبعد من ذلك . كذلك حذرت الحكومة الإسبانية من أن صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي رفضها البرلمان البريطاني هي الأفضل وأن إعادة التفاوض بشأنها ستؤدي إلى سيناريو خطير. وقالت الحكومة الاشتراكية الإسبانية إن الاتفاق، الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع الحكومة البريطانية هو الخيار الذي يدافع بشكل أفضل عن مصالح كلا الطرفين، فضلا عن حقوق المواطنين والأطراف الاقتصادية الفاعلة. تأتي هذه التصريحات بعد أن منيت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بهزيمة حين رفض البرلمان الاتفاق الذي أبرمته للخروج من الاتحاد الأوروبي، وصوت أكثر من 430 نائب في مجلس العموم البريطاني ضد الاتفاق، فيما حظي بموافقة 202 فقط.