عادت جدلية الاستعانت بالكافر على المسلم لتفرض نفسها على الساحة العربية الإسلامية، بعد الأحداث المتسارعة التي يعرفها العالم العربي، وباتت تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد الأحداث الأليمة التي عفرتها ليبيا، إثر استعانة المسلحين بقوات الناتو للإطاحة بنظام القذافين ومع ما خلفه ذلك من آثار سلبية في ليبيا وعلى كامل الأمة الإسلامية، حيث قتل وعذب وشرد الأشقاء الليبيين على يد قوات غربية صليبية. ويبدو أن نفس السيناريو سيتكرر مع سوريا، حيث أبانت بعض الدول العربية عن نيتها الماكرة في جر الملف السوري إلى مجلس الأمن، مما يسمح بتدخل قوات عسكرية أجنبية في سوريا، قوات معادية للإسلام والمسلمين، فهل يجيز الإسلام والشرع هذا؟ علماء الدين ومشايخ يجمعون: لا يجوز للمسلم الاستعانة بالكافر ضد مسلم وقد رصدت "السياسي" في ذات السياق آراء بعض المشايخ وعلماء الدين بالجزائر، والذين أجمعوا على عدم جواز استعانة المسلم بالكافر من أجل إيقاع المضرة بأخيه المسلم، ودعى المشايخ من خلال »السياسي« إلى ضرورة عمل المسلمين على حل أمورهم فيما بينهم، حيث أكد الشيخ أبو عبد السلام أنه لا يجوز أن يستعين المسلمين بكافر، من أجل إحداث المضرة بإخوتهم المسلمون، ودعى إلى ضرورة عمل المسلمين على احتواء مشاكلهم فيما بينهم دون إشراك الكافر في أمرهم، كما أشار من جهته مختاري مختار عبد الرحمان إمام مسجد عبد الله بحي القصبة بالعاصمة، أنه لا يجوز شرعا أن يستعين المسلم على أخيه المسلم بكافر، باتفاق أهل العلم، واستنادا لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} (آل عمران118)، فلا يجوز حسب الشيخ مختاري الانخداع بما يظهره الكفار من صداقة وإخلاص، وقد بين التاريخ مواقفهم من المسلمين، ونظرتهم إليهم في التعامل والمعاملة، حتى يكون المسلم على بينة في معاملته لهم، مشددا على أن الاستعانة بهم في مصالح المسلمين بصورة غير شرعية، لون من ألوان موالاتهم وتوليهم، وأضاف »وقد بين الله عز وجل أن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم إيمان العبد بربه حتى يتبرأ منهم، فإن البراءة منهم، دليل على عدم موالاتهم«. وأوضح من جهته الأستاذ محمد الشيخ ممثل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أن القاعدة العامة أنه يجوز الاستعانة بالكافر عند الضرورة، في الشؤون التي تجلب المنفعة العامة للمسلمين، ولا يجوز الاستعانة بالكافر ضد المسلم، من حيث إلحاق الضرر به وتعريض مصالحه للخطر، وأوضح أن المصلحة الشرعية هي التي تحدد العلاقة بين الكافر والمسلم، فإذا جلبت الدمار للمسلمين والخسائر فهو أمر غير مقبول شرعا، داعيا إلى ضرورة أن يتم معالجة قضايا المسلمين فيما بينهم، من خلال خلق هيآت رسمية تعنى بالاهتمام بشؤونهم والسعي إلى حل الخلافات القائمة بطرق سلمية لا تفضي إلى الصراع بين الطرفين المسلمين. هارون بريك: المسلمون أولى بالمسلمون أكد هارون بريك الأستاذ في الشريعة الاسلامية، أن الأصل في القضية أن لا يتخذ المؤمنون الكافرون أولياء من دون المؤمنين، وبالتالي عدم جواز الاستعانة بالكفار في كل أمور المسلمين، حتى وإن كان الكفار من الأقارب، مشددا على أن المسلم لا ينبغي أن يمنح سره لكافر، إلا في حدود ارتباط العلاقة بين المسلم والكافر في حالة سلمية، لا يتوخى من خلالها إلحاق الضرر بالمسلم، على غرار العمل في الميدان الصناعي أو ميدان آخر يعود بالنفع على البلد وعلى الأمة الاسلامية جمعاء، مشيرا إلى حادثة استعانة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشرك عبد الله الذي استعمله دليلا في الطريق من مكة إلى المدينة. وأضاف بريك أنه لا يجوز البتة تمكين الكافر من أسرار البلد المسلم، مشددا على أن استعانة المسلم ضد أخيه المسلم بكافر، فعل لا يجوز لمرتكبه، كما أن دعوة الكافر للاستعانة به في تحطيم المسلمين وإحداث الضرر بهم، أمر غير مقبول شرعا، مؤكدا أن العلاقة بين الكافر والمسلم يحدد جوازها من عدمه بناء على »النية«، ف»إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى«، وفي إطار تساؤلات مفادها »في أي مجال سنتعامل من الكافر ولصالح من؟«، وأكد الأستاذ بريك أنه على المسلمين أن يبذلوا ما في وسعهم، ويقوموا بكل ما يغنيهم عن اللجوء إلى معونة أهل الكفر في شؤونهم العسكرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ودعا في الأخير المسلمين إلى أخذ زمام المبادرة العربية الاسلامية فيما بينهم وفرضها، فيما يخص الأزمة في سوريا وقضية ليبيا، وغيرها من بلدان العالم الإسلامي التي تشهد عدة توترات، لتفادي أي تدخل أجنبي من طرف »الناتو« سيكون له مقابل ثمين جدا على أمن المسلمين. الشيخ ين حليمة: التعامل مع الكافر في حدود،، والاستعانة به للإضرار بالمسلم حرام وأشار في ذات السياق، الشيخ يوسف بن حليمة إمام مسجد حسين داي بالعاصمة، أن الاستعانة بالكفار تعتمد على أصل الآية »لكم دينكم ولي ديني«، والآية 22 من سورة المجادلة، في قوله تعالى: »لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون«، وقولة تعالى: »لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير«، وأشار الشيخ بن حليمة إلى وجود استثناءات، حددها الله تعالى في الآية الكريمة، »لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ«، حيث أكد الشيخ وجوب التعامل معهم بالإحسان والعدل، دون ائتمانهم على أسرار المسلم، لتبقى الاستعانة في حدود معينة، إذ يتحدد التعامل بين الطرفين الكافر والمسلم حسبه بالمصلحة الشرعية. وشدد بن حليمة على أن الاستعانة بالكافر لضرب المسلم، كما حدث في ليبيا وبعض الدول الاسلامية، فهو غير جائز، حيث أن المسلم أولى بحل خلافات أخيه المسلم، لأن أي تدخل من الطرف الكافر في المصالح الداخلية لبلاد المسلمين سيحسب عليها، مضيفا أن المعاملات الدولية تتحدد بالمصلحة، ذلك أن الكافر لن يقدم مساعدات بدون مقابل وأهداف، ستكون محسوبة - يضيف بن حليمة - »على ديننا وثقافتنا ومستقبلنا، أما ما نراه اليوم من الاستعانة بالكفار وعقد الأحلاف السرية والعلنية معهم بل تعدوا ذلك إلى تمكينهم من البلاد يتحكمون بها ويستغلونها لمصالحهم، وأن يتعاونوا معهم على الكيد للمسلمين وللإسلام، بل تجاوزوا كل ذلك إلى ما هو أشد مكراً وأعظم جرماً وهو تطبيقهم أحكام هؤلاء الكفار على المسلمين وتركهم أحكام الإسلام، وكأن هذه الأمّة ليست مسلمة، وكأن هذه الأحكام ليست أحكام كفر«، مشيرا إلى أن التحرك على أساس المصلحة الخاصة لكل بلد على حدى والاستعانة بالكافر أمر منبوذ. الشيخ البشير الإبراهيمي: موالاة المستعمر خروج عن الإسلام أوضح الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الأسبق، رحمة الله عليه، في فتوى تاريخية أن القول بأن موالاةَ المستعمِر خروجٌ عن الإسلام حكمٌ مجمَل، تفصيلُه أنَّ الموالاة مفاعلةٌ أصلُها الولاء أو الولاية، وتمسّها في معناها مادة التّولّي، والألفاظُ الثلاثة واردة على لسان الشرع، منوطٌ بها الحكم الذي حكمنا به وهو الخروجُ عن الإسلام، وهي في الاستعمال الشرعيِّ جاريةٌ على استعمالها اللّغوي، وهو في جملته ضدُّ العداوة، لأنَّ العربَ تقول: »وَالَيْتُ أو عاديت، وفلان وليّ أو عدّو، وبنو فلان أولياء أو أعداء«، وعلى هذا المعنى تدور تصرّفات الكلمة في الاستعمَالَين الشرعيّ واللغويّ. وأضاف السيخ الابراهيمي أن الإسلامَ والاستعمار ضدّان لا يلتقيان في مبدأ ولا في غاية، فالإسلام دينُ الحرية والتحرير، والاستعمار دين العبودية والاستعباد، والإسلام شرع الرحمةَ والرفق، وأمر بالعدل والإحسان، والاستعمار قوامُه على الشدّة والقسوة والطغيان، والإسلام يدعو إلى السلام والاستقرار، والاستعمار يدعو إلى الحرب والتقتيل والتدمير والاضطراب، والإسلام يُثبت الأديانَ السماوية ويحميها، ويقرّ ما فيها من خيرٍ ويحترم أنبياءَها وكتبَها، بل يجعل الإيمانَ بتلك الكتبِ وأولئك الرّسل قاعدةً من قواعده وأصلاً من أصوله، والاستعمار يكفُر بكلّ ذلك ويعمَل على هدمه، خصوصاً الإسلام ونبيّه وقرآنه ومعتنقيه، مشددا على ان الاستعمارُ الغربيّ وكلّ استعمارٍ في الوجود غربيّ يزيد على مقاصدِه الجوهريّة وهي الاستئثار والاستعلاء والاستغلال مقصداً آخرَ أصيلاً وهو محوُ الإسلام من الكرة الأرضية خوفاً من قوّته الكامنة، وخشيةً منه أن يعيدَ سيرتَه الأولى كرةً أخرى. ودعا الإبراهيمي إلى عدم موالاة الاستعمارَ في سِلم أو حَرب، ذلك أنَّ مصلحتَه في السِّلم قبل مصالح المسلمين، وغنيمَته في الحرب هي أوطانُهم، وشدد رحمه الله على ضرورة رفض التوقيع على معاهدات مع الكافر أو تأسيس تحالفات معه. الأزهر يحرّم الاستعانة بالناتو لإسقاط الأنظمة قدّم الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والمثقفون، وثيقة تأييدية لإرادة الشعوب العربية، في التجديد والإصلاح والتطوير وحق الشعوب في تغيير مجتمعاتها إلى الأفضل بعيدا عن النزاعات الطائفية والعرقية ووفقا للمبادئ الدستورية والشريعة الإسلامية، وحرّم في المقابل الاستعانة بالخارج لإسقاط الأنظمة، ولفت إلى أن الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، هي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام التي أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة، بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ. ودعا الطيب »قوى الثورة والتجديد« أن تتّحدَ في سبيل تحقيق حُلمِها في العدل والحريّة، وأن تتفادى النزاعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية، حِفاظًا على نسيجها الوطني، وحذرهم من الاستعانة بقوة خارجية، وأكد أنه يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كليًا عن كل ما يؤدى إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيًا كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع، وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم. ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات. وحذر الأزهر ما يوصف بالقوى الثورية من الاستعانة بقوة خارجية، وأكد أنه يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كليًا عن كل ما يؤدى إلى إراقة الدماء، وعن الاستقراء بالقوى الخارجية أيًا كان مصدرُها، ومهما كانت الذرائع، وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم. ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات.