«نؤمن بالقضاء والقدر، لكن لا نؤمن بالحڤرة والظلم».. بهذه العبارة أجاب أغلب ضحايا الأخطاء الطبية الذين صادفناهم خلال اليوم التأسيسي للمنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية يوم السبت الفارط، لكل مأساته ولكل حكاياته التي بدأت خلف جدران مستشفى عمومي أو خاص، غيّرت مجرى حياته وقلبّت الأوضاع رأسا على عقب بمجرد حدوث خطأ طبي اجتمعت فيه عوامل عدة اقترنت بمشيئة القدر وخطأ في التشخيص أو إهمال.. لتبقى أخرى مجهولة في كنف نية عمدية أوعن غير قصد، هم كثر فتحوا قلبهم ل«السياسي» وعرضوا حالاتهم على الرغم من الأثر البالغ الذي يحدثه تذكر الماضي، تعدّدت الحالات هناك بتعدّد الأشخاص، إلا أن الكل اتحد في معايشته «للخطأ الطبي» الذي لازمه وأجبره على نسيان الحالة الطبيعية التي كانت تطبع يومياته قبلا. بعض الحالات سبّبت إعاقات مستديمة وأخرى أدت إلى الوفاة وقد نقشت الأخطاء الطبية بصمتها فوق أجساد الكثيرين، ف«شيماء ريحان»، إحدى ضحايا الأخطاء الطبية والتي أصيبت بنزيف دموي جراء نزع اللوزتين، وأدى ذلك إلى دخولها في غيبوبة لتفقد الحركة، وتصاب بالشلل والعمى، حيث أودع والدها قضية لدى مجلس قضاء سطيف ولحد الساعة لم تفصل في قضيتها، «عبد القادر فرد»، المولود في سنة 2004 بمستشفى الحراش تعرض لخطأ طبي أثناء الولادة، حيث تم الضغط على رأسه بأدوات غير صالحة للاستعمال ولم يعرف أهله بذلك إلا عند تحويله إلى مستشفى عين طاية نتيجة المضاعفات التي لاحقته، وهو ما أدى بالطفل إلى إعاقة حسية تمثلت في عدم النطق واختلال عضوي وكان ذلك بسبب إضراب القطاع الصحي إلى جانب العمل في حالة قلق واستعمال العنف ضد النساء أثناء الولادة، حالة أخرى استوقفتنا وهي حالة خطأ طبي أثناء الولادة أودى بالمريضة الأم «لخضر الزين حورية» إلى استئصال الرحم بمستشفى عين الدفلى ووصل الأمر بالطبيب الذي كان سيجري لها العملية وهي فوق طاولة العملية الجراحية أن أعطاها ورقة بيضاء لتمضي عليها غير أنها رفضت ذلك وخرجت من قاعة العمليات، حالة أخرى لوفاة غامضة بسبب خطأ طبي للضحية «تومي حسيبة»، التي توفيت أثناء الولادة حيث رفع والدها طلب تحقيق قضائي ولحد الساعة لم يفتح في القضية تحقيق لدى مجلس قضاء البليدة. حالة فقدان ذراع لمواطن اسمه «خاطر جمال» من ولاية بشار بسبب إهمال طبي في مستشفى بشار، والغريب في الأمر أنه تم رفض إجراء الخبرة الطبية القضائية له ببشار وحول إلى ولاية تلمسان رغم توفرها في الولاية ولم تراع حتى ظروفه الصحية. سلمى تبلغ من العمر ثماني سنوات، تتمتع بجسد هزيل وكأنه جسد طفل عمره ثلاث سنوات، لا تقوى على الحركة أو الكلام ولا حتى على الأكل والتوازن.. هي حالة إعاقة حركية مئة بالمئة «لرابحي سلمى»، إثر خطأ طبي أثناء الولادة حيث تم رفض أمها الحامل للولادة والدخول إلى مستشفى الثنية القريب منها وبعدها تم نقلها إلى مستشفى برج منايل ليرفض استقبالها هناك أيضا، وأمام خطورة الولادة اضطر زوجها إدخالها إلى عيادة «البرتقال» بالرويبة وهناك تم وقوع الخطأ نتيجة الاستعمال المفرط للقابض أثناء الولادة مما أدى بالطفلة إلى إعاقة مستديمة دون حركة. السياسي: هل يمكن أن تصف لنا واقع ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر؟ واقع ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر هو معاناة حقيقية، فمريض يدخل إلى المستشفى صباحا لإجراء عملية جراحية يغادرها مساء، أين هي النقاهة. وأفصح أن نسبة 90 بالمائة من ضحايا الأخطاء الطبية طردوا من المستشفيات، حرموا من العلاج، وحرموا من الملف الطبي، وحتى وزارة الصحة لا تملك إحصائيات دقيقة بخصوص العدد الحقيقي لضحايا الأخطاء الطبية، كما أن بعض ضحايا الأخطاء الطبية توفوا دون علم أهاليهم، فعلى الرغم من أن الوفاة غير طبيعية إلا أن الكثيرين لا يطلبون التشريح ويكتفون بعبارة «قضاء وقدر»، سأشير في هذا الصدد إلى احتجاجين أقمناهما مؤخرا أمام الرئاسة وأمام البرلمان، فمثلا احتجاج 2 أفريل من السنة المنقضية شهد حضور 60 ضحية وهو أول احتجاج شارك فيه أطفال خرجوا لأول مرة في احتجاج وكان من بينهم أيضا أطباء ضحايا أخطاء طبية طالبوا رئيس الجمهورية بالتدخل. وماذا عن أهداف المنظمة؟ قبل الحديث عن أهداف المنظمة، لابد أن أشير إلى أن المنظمة ستؤسس من من أبناء وأحفاد شهداء، إطارات، إعلاميين، برلمانيين، محامين، أطباء، ومحبي الوطن أما هدفنا من تشكيل هذا التنظيم فهو قبل كل شيء لم شمل ضحايا الأخطاء الطبية عبر 48 ولاية، خصوصا إذا علمنا أن نسبة 70 بالمائة من ضحايا الأخطاء الطبية هم شباب والهدف الرئيسي من هذه المنظمة هو تحسين الصحة، فالخطأ الطبي هو مسؤولية الجميع ولابد من تظافر الجهود لمحاربة الظاهرة. هل من إحصائيات دقيقة حول عدد الأخطاء الطبية في الجزائر؟ في الحقيقة لا توجد إحصائيات دقيقة وحتى وزارة الصحة لا تملك إحصائيات دقيقة، مثلا في إليزي فقط سجلت أكثر من 200 ضحية شهر نوفمبر وسجلت مؤخرا 15 ضحية في خنشلة، أما سنة 2007، فقد شهدت 30 ضحية ببني مسوس وسنة 2005 شهدت 18 ضحية أثناء ختان جماعي في الخروب بقسنطينة، بينما سجلت سنة 2010 10 ضحايا في عيادة «الأنوار» بقسنطينة وطالبوا السلطات من خلال ندوة صحفية بتحقيق لاسترجاع الأعضاء التي سرقت منهم. حسب تقديراتكم فيما يتمثل السبب الرئيسي لحدوث الأخطاء الطبية؟ بصفتي ممثلا عن ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر، أؤكد أن المشكلة تكمن في التسيير في ظل تواجد أناس يتاجرون في الصحة ويعتبرون صحة المواطن ربحا سريعا. المحامية منصوري: «المشرع الجزائري نظّم الخطأ الطبي لكن المشكلة تكمن في المستوى العملي» من جهتها، ردت الأستاذة منصوري نادية، محامية لدى المجلس، عن سؤال واقع ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر بما أنها رافعت عن ثلاثين قضية لضحايا تحملت أتعابها على عاتقها الخاص، إذ كشفت أنه من الناحية القانونية، نظّم المشرع الجزائري الخطأ الطبي، لكن المشكلة ليست في المادة في حد ذاتها أوعدم وجود قانون ينظم الخطأ الطبي، وإنما توجد المشكلة على المستوى العملي، فالمشكلة أولا هي على مستوى الإدارة قبل كل شيء سواء في المستشفيات العمومية أوالخاصة، فحينما يتعرض المريض لخطأ طبي أو شيء لا يتحصل المريض على ملفه الطبي أو حتى تقرير العملية، وفي نفس الوقت، حينما نتجه إلى القضاء لابد من إثباتات للقاضي، فالبينة على من ادعى ولا يتأتى ذلك إلا بملفات، وحسب ذات المحامية، فإنه حتى إن وجد تقرير طبي، فإنه يحتوي على نقص كبير فيما يتعلق بالخطأ الموجود، وبالنسبة للضحية يبقى ضحية الخطأ وضحية المستشفى، لأن المستشفى على الرغم من أنه هو القائم بالخطأ، إلا أنه ينكر الخطأ ويصبح الضحية مجبرا على تحمل ضغط معنوي وضغط مادي أيضا، فالضحية يلقى عراقيل من طرف الإدارة الجزائرية عامة في طلب حقوقه من خلال مالمسناه في الميدان. «لا نستطيع إثبات الخطأ الطبي إلا إذا كان الطبيب يملك فعلا ضميرا مهنيا» فالمشكلة الأولى، حسب المحامية منصوري، هي وجوب حصول الضحية على الملف الطبي وثاني شيء يتمثل في أن بعض القضاة غير مكونين بالنسبة للخطأ الطبي منهم من لا يملك معلومات ويبقى التقرير الطبي هو المقرر إن كان هناك خطأ طبيا أم لا، فالطبيب يصبح حماية لصديقه الطبيب كي لا يقف ضد الطبيب والمشكلة أننا نصبح دون إمكانيات لنثبت أن هناك فعلا طبيبا يملك ضميرا ويقول أن هناك خطأ ناجما إما عن خطأ في التشخيص أو خطأ في العملية أو خطأ بعد العملية يجب التحديد فهناك أخطاء مختلفة، لم نقل أن الخطأ هو عمدي وإنما يبقى الخطأ خطأ، وتبقى بعض القضايا مرفوضة لعدم التأسيس لمشاكل من بينها الطبيب المعين كخبير. ولم تتوقع الأستاذة منصوري الشيء الكثير من هذه القضية، مفصحة أن المجتمع الجزائري هو مجتمع اتكالي فحتى بالنسبة للأخطاء الطبية لو نعدّدها نجد أنها لا تعد ولا تحصى بما أننا نفتقر لإحصائيات دقيقة وإيمان الناس بالقضاء والقدر كبير وقولهم «قدّر اللّ ما شاء فعل» كما لا نملك على مستوى المستشفيات مراقبا، فمن المفروض أن يتواجد في كل مستشفى مراقب فعلي للطبيب.. فأين هي المسؤولية؟ وحتى منظمة الأطباء لم تجب عن أي شكوى والدليل على ذلك أن هناك أطباء ارتكبوا أخطاء وقرّرت في حقهم أحكام جزائية ولازالوا يواصلون مهامهم. فمدام هناك عراقيل تتمثل في أن الضحية جاهلة لحقوقها جهلا تاما حتى إن عرّفنا الضحية بحقوقها، فمن الصعب أن نقوم بالإجراءات، بالإضافة إلى الإتكالية، فمعظمهم يحمّل المحامي كل المسؤولية ليس المادية فحسب، فلا يوجد تعاون ولا يوجد تنسيق فبإمكانياتنا البسيطة حاولنا إيصال المشكلة إلى الوزارة بما أنها هي السلطة المركزية التي تقوم بالإجراءات اللازمة للردع، بسبب تواجد أخطاء فادحة ليس في الممارسة فحسب حيث شهدنا أطباء غير مختصين قاموا بعمليات مختلفة، وكشفت المحامية في ذات السياق عن قضية خطأ طبي في ولادة تسبّب فيها طبيب غير مختص في المجال وتمت تغطيته من طرف المستشفى الخاص، لذا، يجب أن يكون هناك تعاون من المجتمع ككل والسلطات وعلى الدولة التكفل بالضحايا بمجرد ثبوت الإجراءات، وأن تخصّص صندوقا خاصا للتعويضات جراء الأخطاء الطبية، تؤكد محدثتنا. الرضيع حمزة.. أصغر ضحية خطأ طبي عيدون حمزة، رضيع يبلغ من العمر تسعة أشهر، ويقطن ببوفاريك بالبليدة مأساته بدأت في 19 أكتوبر 2011، حينما أصيب بإسهال وحمى أدخلته إلى مستشفى بوفاريك وبالتحديد مصلحة استعجالات الأطفال أين مكث تحت العناية ولدى إجراء تحاليل طبية للرضيع، حقن الممرض الرضيع من رجله وفي اليوم الموالي تغير اللون الطبيعي للرجل إلى اللون الأزرق، بعد يومين تغير إلى اللون الأسود بعد أيام قليلة أخرى أخبر الطاقم الطبي والد الرضيع باستحالة علاجه وبعد إجراء أشعة من نوع «دوبلار» أفصحت الطبيبة أن الطفل يحوز على ورم في رجله ويتوجب نقله إلى مستشفى شوفالي ليحول فيما بعد إلى مستشفى «مصطفى باشا»، حيث تم إقرار بتر رجل الرضيع غير أن الوالد رفض ذلك وأرجع ابنه إلى منزله لمدة 35 يوما تم من خلالها عرضه على عدة أطباء أكدوا وجوب بتر رجل الرضيع، ليستسلم الوالد أخيرا لقرار بتر رجل رضيعه في مستشفى «بلفور»، وخرج من المستشفى في منتصف شهر جانفي الفارط، وسيكون الرضيع على موعد مع مستشفى «تيقصراين» في أفريل المقبل لتركيب رجل اصطناعية تساعده على الحبو والمشي ربما.