تلاميذ يستبدلون المدارس بغبار الموت لإعالة عائلاتهم! طبيب القرية: إنني أقوم بمساعدة أهل المنطقة لأجل الموت في هدوء أزيد من 1000 ممتهن لصقل الحجارة مهددين بالموت أقراص آلة الصقل تقتل المئات في صمت رهيب حملات تحسيسية تفشل في مقاومة آلة الموت تكوت هي تلك القرية الجميلة الهادئة المتواجدة بأعالي الأوراس، التي تخفي وراءها واقعا مؤلما لشباب ارتبطت حياتهم بمهنة صقل الحجارة هروبا من البطالة، ليصطدموا بشبح الموت يلاحق يومياتهم، يعيشون بين مطرقة واقع مرير وسندان مهنة قاتلة توجهوا إليها مضطرين فمنحوها كل ما يملكون، نظير ذلك منحتهم ألم ومعاناة تنتهي برائحة الأكفان وحفنة تراب، فلا قارورات الأوكسجين ساعدت أجسادهم على مقاومة المرض ولا وصفات طبيب القرية كانت كافية لإنقاذهم، الذي يصف جهوده بأنه يقوم بمساعدة هؤلاء الأشخاص من أجل الموت في هدوء، في مدينة كانت محرمة في وقت ما جراء هذا المرض الفتاك الذي ينخر الشباب في ظل انعدام بدائل الشغل في المنطقة، فيفضل أهل المنطقة الموت بين أحضان المهنة من العيش مع شبح البطالة الذي تعيشه المنطقة منذ سنوات. رغم أن المنطقة قد شهدت انخفاضا نسبيا في عدد ضحايا مرض السيليكوز مقارنة بالسنوات الماضية، إلاّ أن الكثير من شباب تكوت والمناطق المجاورة على غرار غسيرة وانوغيسن وأريس لا زالوا يعملون بورشات الموت في ظل انعدام البدائل التي تقضي على شبح البطالة الذي يطاردهم. السياسي تخترق أسوار المدينة المحرمة وتكشف أسرارها السياسي توجهت إلى أعالي الأوراس للتطلع على آخر التطورات والإحصاءات لمهنة الموت البطيئ، أين صادفنا عدد كبير من ممتهني حرفة صقل الحجارة الشاقة بذات المنطقة وسط غبار كثيف وأتربة متطايرة تصعب من عملية التنفس، حيث كانوا يعتمدون على ما يسمى بآلة القطع الحادة و طاولة الماء التي تعدّ أقل ضررا من حيث استنشاق الغبار، وهما الآلتان اللتان تعملان على صقل الحجارة بشكل دقيق وإعطائها أشكالا مختلفة مقابل مبالغ مغرية نظير ذلك، وما لفت انتباهنا ونحن نلحظ نشاط هؤلاء الشباب هو لا مبالاتهم بالنتائج السلبية المنجرة عنها، حيث يعمل بعضهم بكل جدّ دون أية حماية تنقص من استنشاقهم لغبار السليس المتطاير، فيما عمد آخرون إلى تغطية نصف أوجههم بخرق قماشية ليكون مصير المئات منهم ورغم المبالغ التي يجنونها الموت المحقق . قارورات الأوكسيجين.. تُؤخر قدوم الموت ولكن..! بعد تفقدنا للوضعية الخطرة التي يزاول بها ممتهني صقل الحجارة، اتجهنا إلى عيادة الدكتور رحماني بشير وهو طبيب عام بمنطقة تكوت عايش الكثير من الحالات المصابة بداء السيليكوز وكان له دور كبير في تخفيف الألم والوجع على بعضهم كأبسط شيء يتوجب عليه فعله، فرغم إدراكه باستحالة علاج هذا المرض خصوصا إذا كان في مرحلة متقدمة جدا، إلاّ أنه كان ولا يزال يحاول دائما أن يُبقي على بصيص أمل في أنفس هؤلاء المرضى بالتحسن والشفاء، حيث أكد الدكتور رحماني أن السيليكوز يعتبر من الأمراض الخطيرة التي عجزت الأبحاث عن إيجاد علاج لها لحدّ الآن، ما جعلهم يدقون ناقوس الخطر في عديد المرات نظرا لتزايد عدد ضحاياه خاصة في منطقة تكوت التي باتت تطعم أبناءها للصخور. وأشار الدكتور رحماني إلى أن أعراض هذا المرض تبدأ عادة بالسعال الحاد والصعوبة في التنفس، وهناك من تظهر عليه أعراض على مستوى المفاصل لينتهي المطاف بالمريض بداء السيليكوز إلى مرحلة التنفس الاصطناعي كمرحلة أخيرة من وجهة نظر طبية لمحاولة إنقاذ حياته من الموت ممن لا حياة له، لأن استنشاق الممتهن لجزيئات غبار السليس صغيرة الحجم الموجودة في الصخرة تؤدي بالمصاب إلى فقدان القدرة على التنفس أو ما يسمى ب(القصر التنفسي) نتيجة فقدان الأوكسجين الذي يصاحبه انهيار جهاز المناعة كليا وتحجر أو تكلّس الرئتين. وتحدث طبيب القرية -كما يطلق عليه في تكوت- وكله أسى وحزن عن المرض الفتاك الذي أودى بحياة الكثيرين ومعظمهم شباب في مقتبل العمر، ذنبهم الوحيد هو أن الظروف الاجتماعية القاهرة والفقر حتّم عليهم التضحية بأغلى ما يملكون حتى ولو كان ذلك على حساب أرواحهم في سبيل الظفر بمبلغ من المال يعيلون به عائلاتهم. كما أضاف ذات المتحدث أن بلدية تكوت كانت في السنوات الأولى لإكْتشاف المرض مدينة محرمة نظرا لظهور مرض غريب تسبب في وفاة عدد كبير من أبناء المنطقة في ظرف وجيز واحد تلوى الآخر وبشكل رهيب لدرجة أنه تم دفن خمسة ضحايا لهذا المرض في ظرف أسبوع واحد، كما أكد الدكتور أن علاج هذا المرض غير موجود خصوصا إذا كان في مرحلة متقدمة. أقراص آلة صقل الحجارة تقتل المئات في صمت رهيب واعتبر رحماني أن الإستعمال المفرط لأقراص آلة صقل الحجارة المعروفة ب(الديسك) وعدم الأخذ بعين الإعتبار احتياطات الاستخدام مقابل انعدام وسائل الحماية الضرورية، تعتبر من الأسباب التي تسرّع في الإصابة بهذا المرض نتيجة تسرب كميات كبيرة من غبار السليس إلى الرئتين ما يؤدي إلى انهيارهما مع مرور الوقت، وأن أبسط ما يمكن تقديمه للمريض في هذه الحالة هو بعض الأدوية وقارورات أوكسجين تضمن له الموت في هدوء -كما أسماه- دون ألم أو وجع، معتبرا في نفس الوقت أن الكشف المبكر عنه من شأنه أن يبقي أملا في الشفاء. أزيد من 1100 ممتهن لصقل الحجارة مهددون بالموت تشير الإحصائيات الأخيرة التي تحصلنا عليها من طرف مصالح البلدية لتكوت أن السنوات الممتدة من 2005 إلى يومنا هذا شهدت وفاة 90 شخصا معظمهم شباب دون احتساب المتوفين غير المسجلين والذين لم يصرح بوفاتهم وكذا المتوفين من خارج البلدية، فيما يتجاوز عدد المصابين بالمرض حاليا 300 شخص منهم أربع حالات تعيش المرحلة النهائية من المرض أي مرحلة التنفس الاصطناعي، مؤكدين أن أزيد من 1100 شخص معظمهم شباب كذلك ينحدرون من ذات المنطقة مازالوا يعملون بهذه المهنة رغم إدراكهم بخطورتها على حياتهم، وهو ما يجعل قائمة الوفيات مرشحة للارتفاع حسب الأطباء والمختصين في ظل عدم التوصل إلى علاج فعال للمرض. تلاميذ يستبدلون المدارس بغبار الموت لإعالة عائلاتهم! أبدى العديد من الأطباء والأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين فضلا عن أساتذة ومواطنين بالمنطقة، تخوفهم وقلقهم من ظاهرة التسرب المدرسي خاصة بالنسبة لتلاميذ الطور الثانوي المتوقفين عن الدراسة أو عدم الراغبين في إتمام دراستهم الجامعية وتفضيلهم التوجه إلى الحياة المهنية في ظل الظروف المعيشية القاهرة والفقر الذي يتربص بعائلاتهم، وهو الذي قد يدفع بهم إلى التوجه لممارسة المهنة التي أدت إلى هلاك أقاربهم وشباب منطقتهم، لذلك تتسارع وتتكاثف الجهود لتحسيس وتوعية التلاميذ غير الراغبين في الدراسة بخطورة المهنة حتى يتجنبوها وتوجيههم نحو مراكز التكوين المهني التي تضمن لهم مستقبلا مهنيا آمنا. أرامل وأيتام ضحايا السيليكوز يعانون..! زيارتنا التي قادتنا إلى بلدية تكوت مكّنتنا من الوقوف على حجم المعاناة التي تتخبط فيها عشرات الأرامل اللاتي يتزايد عددهن بتزايد عدد ضحايا المرض الفتاك، نتيجة عدم قدرتهن على تحمل عبء المعيشة في ظل انعدام مدخول يضمن لهن تحصيل لقمة العيش ويضمن لأبنائهن مزاولة دراستهم في أحسن الظروف حتى لا يسيروا على نهج آبائهم فيلقوا ذات المصير، لذلك يناشد سكان تكوت والعديد من الجمعيات الخيرية التي تنشط على مستوى الولاية المسؤولين بضرورة التدخل وتخصيص نفقات شهرية لأرامل ضحايا السيليكوز إضافة إلى التكفل بهم من الجانب الصحي والاجتماعي، فضلا عن التكفل بأبنائهم من ناحية تكاليف التمدرس. رئيس البلدية: مشكل البطالة هو الذي يفتك بأهل المنطقة أكد رئيس بلدية تكوت، خلاف عبد الناصر، خلال حديثه ب السياسي أن البلدية شرعت في إطلاق عدة مشاريع تنموية تمس عدة قطاعات، معظمها انطلقت بها الأشغال وستسلم قريبا على غرار مركز التكوين المهني ومكتبة البلدية، حيث ستوفر هذه المرافق مناصب شغل لشباب المنطقة فضلا عن محاولة امتصاص التلاميذ المتوقفين عن الدراسة لتجنيبهم التوجه لممارسة المهنة التي أودت بحياة الكثيرين من أبناء بلديتهم، مبديا في نفس الوقت تأسفه عن الشباب الذين مازالوا يعملون بهذه المهنة في أماكن مختلفة من الوطن رغم حملات التحسيس المستمر من خطورة هذا الداء، ولكن لا حياة لمن تنادي. في ظل استمرار نشاط ورشات الموت وعدم عزوف الشباب عن ممارسة صقل الحجارة، تتعالى صرخات مواطني بلدية تكوت التي تنادي بوقف عدوان الصخرة على أبنائها من خلال تضافر جهود كل الأطراف بتوفير مناصب شغل ودعم الشباب بالقروض المصغرة وتخصيص مبالغ مالية للمصابين بهذا المرض قصد إعالة عائلاتهم في ظل عدم قدرتهم عن العمل، ومساعدتهم على العلاج في الخارج وتوفير الأدوية، خاصة فيما يتعلق بقارورات الأوكسجين وسيارات الإسعاف الكافية لنقلهم للمستشفيات فضلا عن تخصيص نفقات للأرامل ضحايا هذه المهنة.. وإلى غاية أن يتجسد ذلك على أرض الواقع، يحلم سكان تكوت بغد أفضل يعيد السكينة ونبض الحياة للمدينة التي كانت محرّمة في وقت من الأيام.