رغم حملات التشويه والتضليل التي يتعرض لها الإسلام في أمريكا وكل المجتمعات الأوروبية، ورغم تصاعد موجات التطرف والعنصرية الغربية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المسلمين في مختلف بلاد العالم ودفعت متطرفاً ألمانيا إلى إنهاء حياة سيدة مسلمة داخل محكمة ألمانية بسبب كراهيته لدينها وعدم قدرته على تحمل رؤية حجابها. رغم كل ذلك فإن الحقيقة الساطعة التي يعرفها الأمريكيون والأوروبيون جيداً ويغفل عنها كثير من المسلمين أن الإسلام بقيمه ومبادئه وتعاليمه التي تشع تسامحاً وعدلاً ورحمة مازال يجد طريقه إلى قلوب وعقول النساء في هذه البلاد التي لا تتوقف فيها الآلة الإعلامية الصهيونية عن مطاردة كل المقيمين في الغرب والشرق بمعلومات خاطئة عن الإسلام وأفكار مشوهة عن المسلمين بهدف اتخاذ مواقف وتبني سياسات مناهضة لهم ودفع الغربيين عموماً سواء أكانوا من صانعي القرار أو المفكرين والمثقفين وقادة الرأي العام أو كانوا من عامة الشعب إلى الحذر منهم، بل والتعامل معهم بمشاعر تتجسد فيها كل معاني الكراهية. وهذا الكتاب سر إسلام الأمريكيات للباحثة الكهنوتية الأمريكية (Caroll Anway)، التي اعتنقت ابنتها الإسلام وتزوجت من إيراني، يؤكد أن الإسلام ينتشر في كل العصور بقوة الدفع الذاتي وأن حملات التشويه والتضليل لن تحد من انطلاقاته وتحرم الغربيين وغير الغربيين من هدايته، فهو يحمل تجارب 53 أمريكية اخترن الإسلام ديناً ودافعن عن اختيارهن وعشن حياة سعيدة وهادئة في ظل تعاليم وأخلاقيات هذا الدين بعيداً عن حياة العبث والفوضى التي تعيشها أقرانهن. امرأة متميزة تصف المؤلفة المرأة الأمريكية التي تختار الإسلام وتعيش في ظل تعاليمه وآدابه وأخلاقياته فتقول تحت عنوان: »بناتنا على درب دين آخر«: قد تكون هذه المرأة مشترية من محل تجاري أو قائدة أو راكبة لسيارة أو طالبة في إحدى الجامعات أو موظفة في أحد المكاتب، ثيابها بسيطة، غطاء رأسها يكسو شعرها ولا يبدو منها سوى الوجه واليدين، إنها متميزة في مجتمعنا الأمريكي وكثيراً ما تثير بعض الأفكار الخاطئة لدى المتعصبين، فالبعض من هؤلاء عندما يشاهدها ترِد على خاطره ألفاظ ومصطلحات غريبة وشاذة مثل: إرهابية، أصولية، غامضة غريبة، بترول، ولا يشعر هؤلاء بالراحة من رؤية المسلمة الملتزمة بلباسها الشرعي، وقد يظنها وافدة من إحدى البلاد الإسلامية أو الغربية، لكن يدهش أو يصدم عندما يتأكد أنها أمريكية اعتنقت هذا الدين عن قناعة ورضا واختيار وفضلت الاحتماء بتعاليمه وأخلاقياته. والحقيقة التي تنبهنا إليها المؤلفة الأمريكية أن عدداً متزايداً من الأمريكيات بالمولد في الولاياتالمتحدة وكندا قد اعتنقن الإسلام ويطلقن على أنفسهن اسم »مسلمات« كأي تابع للدين الإسلامي، وكثيرات منهن يرتدين الحجاب التقليدي في الطريق العام ولم يجبرهن أحد على ذلك، وبعضهن لا يلتزمن بالحجاب حتى يعشن بلا مشكلات ولا يلفتن الانتباه إلى تحولهن عن أديانهن إلى الإسلام. وأوضحت المؤلفة أن عدد المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية لا ترصده إحصائية دقيقة، وهناك فروق واضحة بين الإحصاءات الصادرة عن مؤسسات أمريكية والتقديرات الصادرة عن المنظمات الإسلامية بأمريكا، لكن الحقيقة التي ينبغي أن يدركها الجميع أن عدد المسلمين في أمريكا يفوق كثيراً عدد اليهود، ومع ذلك تتحكم القلة اليهودية في السياسة والثقافة والاقتصاد الأمريكي ويعيش المسلمون على الهامش ولم يستطيعوا بعد توظيف وجودهم وتغلغلهم في كل مجالات الحياة الأمريكية. وترصد المؤلفة تاريخ دخول الإسلام إلى أمريكا وترجع بدايته إلى عام 1875 حيث بدأت موجات هجرة المسلمين إلى هذا البلد، لكنها تؤكد أن المسلمين أفادوا المجتمع الأمريكي أكثر مما استفادوا منه، ومن حقهم أن يفتخروا بما قدموه لبناء أمريكا علمياً وصناعياً وحضارياً، كما لا يحق لأحد إنكار دور المسلمين ومصادرة حقهم في الانتماء إلى هذا الكيان الكبير والعيش فيه في أمان واطمئنان والاستفادة من خيراته ومنجزاته العلمية، فالمسلمون يدفعون الضرائب مثل غيرهم، ويسهمون في الإنجازات العلمية ربما أكثر من آخرين، ويعيشون حياتهم ببساطة ولا يحملون كراهية لأحد، ويمارسون شعائرهم الدينية دون استفزاز لأحد. وترى المؤلفة أن سرعة انتشار الإسلام في مجتمعات مسيحية يهودية أمر مدهش للغاية في ظل تقاعس أو عدم اكتراث المسلمين بنشر دينهم فكل الإحصاءات والتقارير ترصد النمو المتزايد في أعداد المسلمين في أمريكا وأوروبا، وهذا النمو يسبب قلقاً وإزعاجاً لصناع القرار في هذه البلاد فهم يخشون الإسلام ويعتبرونه خطراً على مستقبلهم مع أن الواقع يؤكد أن المسلمين هم أكثر شعوب الأرض التزاماً بالقوانين وحرصاً على التعايش السلمي مع الآخرين. تجربة شخصية وتروي المؤلفة تجربتها الشخصية مع ابنتها »جودي« التي اعتنقت الإسلام عن قناعة تامة ورفضت كل الضغوط التي مورست عليها لكي تتخلى عن الحجاب حيث تقول عن سبب إجراء الدراسة الميدانية التي ضمنت نتائجها هذا الكتاب: »منذ أربعة عشر عاماً مضت تزوجت ابنتي جودي من الشاب الإيراني ثم تحولت إلى الإسلام وبدأت ترتدي الحجاب وتعيش وتمارس حياتها كمسلمة، وكانت السنوات القليلة التالية مليئة بالحزن ومحاولات إعادة التوافق داخل عائلتنا، ثم بدأنا بعدها نقدر مدى قوة واستمساك ابنتنا وصديقاتها المسلمات الأمريكيات، وانطلاقاً من هذه التجربة الشخصية قررت أن أجمع تجارب أمريكيات أخريات اعتنقن الإسلام فأعددت قائمة بأسئلة البحث ووزعتها وبدأت أتلقى الردود التي عكست لي مدى القوة والإيمان عندهن«. وتضيف: »في مجتمع تسيطر عليه وسائل الإعلام والثقافة الموجهة من الصعب أن تتعرف إلى الحقائق خاصة إذا ما كانت تتعلق بالإسلام وسر انتشاره فالكتب والأفلام والمقالات وتعليقات وسائل الإعلام الأمريكية مليئة بتصوير سلبيات المسلمين، ونادراً ما تتاح الفرصة على المستوى الفردي كي نتعرف إلى خصائص الحياة التي تعيشها الأمريكيات المسلمات، وهذا ما شجعني على تقديم صورة أكثر موضوعية، وعلى أن أجمع وأعرض قصص بعض الأمريكيات المسلمات«. وتوضح المؤلفة أن قائمة الأسئلة التي أعدتها ووزعتها بالبريد على 350 مسلمة في كل الولاياتالأمريكية ردت عليها 53 سيدة مسلمة من مناطق متفرقة بأمريكا، وكان المستوى التعليمي لهن مرتفعاً ويؤكد وعيهن ومستواهن الثقافي حيث توضح الدراسة أن 88٪ منهن يحملن درجة الليسانس أو أعلى، و12٪ يحملن درجة الماجستير في العلوم والآداب، و6٪ منهن يحملن درجة دكتوراه في الطب أو الكيمياء. وكان مستوى الأعمار ما بين 21 و47 سنة، وكانت 90٪ منهن متزوجات زواجاً ناجحاً وسعيداً وقت البحث والنسبة الباقية منهن يرغبن في الزواج من مسلمين بحثاً عن الاستقرار النفسي والأسري، وعبرت المشتركات في الدراسة عن سعادتهن بأسلوب الحياة الإسلامية واختيارهن لها عن قناعة، فالحياة حسب النموذج الإسلامي تفي بمتطلبات الحياة المفعمة بالسعادة. التنشئة الإسلامية للأطفال وبعد أن استعرضت المؤلفة قصص إسلام الأمريكيات والمشكلات التي عانين منها مع الأهل والصعوبات التي قابلنها في المجتمع الأمريكي انتقلت إلى رصد مشكلة تواجه كل الأسر المسلمة في أمريكا وهي كيفية تنشئة أطفالها تنشئة إسلامية بعيداً عن مظاهر اللهو والعبث ونموذج الحياة المزدحم بالتجاوزات، حيث عبّرت الأمريكيات المسلمات المشتركات في هذه الدراسة عن قلقهن الشديد على أطفالهن واتفقن على بذل جهود كبيرة للحفاظ على هويتهن الإسلامية. تقول المؤلفة: »لقد عبّرت المشتركات في الدراسة عن قلقهن بشأن تربية الأولاد في عديد من الأماكن، فهن يحرصن بصفة خاصة على نقل القيم والمفاهيم الإسلامية إلى الأولاد، بما أنهن يعشن في مجتمع مزدحم بالتجاوزات الأخلاقية والسلوكية فإن الصعوبة تزيد بعض الشيء مما يشعرهن بضرورة بذل المزيد من الاهتمام بشأن تدريب الأولاد وإلزامهم بالقيم الإسلامية. وتنقل المؤلفة عبارات من إجابات المسلمات الأمريكيات تترجم قلقهن الشديد على أطفالهن من نوعية: - منذ أن أسلمت أصبحت شديدة القلق بشأن ما تسمعه طفلتي وما تراه وما يؤثر فيها، أريد تنشئتها على أن تختار الإسلام بنفسها لنفسها. - علينا كمسلمين أن ننشئ ونعلم أولادنا على قدر ما نعلم وأكثر، والإسلام يشجعنا على تحصيل العلم وعلى كل خلق راقٍ، وكل شيء أفعله أمام أولادي أحرص على أن يكون متفقاً مع تعاليم ديني، كما أحرص على تلقينهم الحب، وتعليمهم القرآن والصلاة والعادات الحسنة والنظافة، والحق أن كل شيء يصبح سهلاً عندما يكون الإسلام في قلبك. - نحاول أنا وزوجي أن ننشئ أولادنا على عقيدة الإسلام، ونرى أنها عملية صعبة للغاية خاصة بعد خروج الأولاد للمدرسة، إنهم يتعرضون لأمور كثيرة خارج المنزل تُصعّب علينا مهمتنا، لكننا قادرون على مواجهة هذا التحدي. - أرى أن من واجبي تنشئة أطفالي على تعاليم الإسلام، فهذا جزء من التزاماتي كأم مسلمة، قد أجد صعوبة بالغة في ذلك لكن هذا واجبي وعلي أن أصبر وأحاول أكثر من مرة دون كلل أو ملل. - كان الإسلام مرشداً لي في تربية أولادي، فقد ولدوا مسلمين، وهم يعرفون الإسلام ويحترمونه ويمارسونه، ولكن علينا أن نبذل أقصى جهودنا لحمياتهم من المؤثرات الخارجية. مثل هذه العبارات التي وردت على ألسنة المسلمات الأمريكيات اللاتي سجلنها في استمارة البحث تؤكد الحرص الشديد على حماية أبناء المسلمين من وسائل التأثير في المجتمع الأمريكي والتي تستهدف عقيدتهم وأسلوب حياتهم . نتائج مهمة وانتهت المؤلفة من دراستها إلى تقرير بعض النتائج المهمة أبرزها: الإسلام ينتشر بين الأمريكيات رغم حملات التشويه المستمرة للدين الإسلامي والمضايقات التي تتعرض لها المسلمة الملتزمة بزيها الشرعي، وهذا يؤكد عظمة هذا الدين. من تعتنق الإسلام في أمريكا تعتنقه عن قناعة وترى فيه الملاذ الآمن لها بعد حياة كلها قلق وتوتر وتجاوزات. الضغوط التي تمارسها الأسر الأمريكية على بناتها لصرفهن عن الإسلام لا تأتي في الغالب بنتائج إيجابية ملموسة. الشباب المسلم الملتزم بتعاليم دينه يلعب دوراً كبيراً في ترغيب الفتيات الأمريكيات بالإسلام ومن هنا يبرز دور القدوة في نشر هذا الدين. تعيش المسلمة الأمريكية حياة هادئة ولا تحمل كراهية لأحد وكل ما تتطلع إليه زوج مسلم حريص على دينه يوفر لها الرعاية والحماية.