يعود رمضان الكريم كل عام ويطل بهلاله على المسلمين ليفسح لهم حيزا في فضاءات الزمن ومسيرة الحياة ويضع أمامهم محطة استراحة للتأمل والنظر والتدبر والاعتبار واستدراك ما فات من طاعات وتثمين ما أنجز وحشد الهمم مجددا المواصلة على درب الالتزام والارتباط بالله تعالى والسير على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك بما يحمله هذا الشهر من فضائل فاقت غيره من الشهور وهو يعبر الزمن مند مئات السنين. تبعا لهذا واستثمارا لفضائل هذا الشهر ينبغي على المسلم المبادرة إلى مجموعة أعمال والتزامات سلوكية أبرزها التوبة إلى الله تعالى توبة نصوح من كل ما يمكن أن يكون قد تلبس به من معاصي خلال ما مضى من السنة الماضية، والإكثار من الفرائض والنوافل لأن الأجر مضاعف في مثل هذه الأيام الفاضلة، والإكثار من الأنفاق في سبيل الله تعالى والجود والكرم وحسن تنظيم الوقت والتحكم فيه و درء كل السلوكيات السلبية التي تخل به باعتباره مسلما كالتسيب والإهمال والغش والخديعة والكسل والخمول والغيبة والنميمة. وفوق هذا ينبغي مصاحبة القرآن الكريم تلاوة وتعبدا ويعد شهر رمضان المبارك الذي نعيشه هذه الأيام فرصة سنوية للأمة المسلمة للانكباب على كتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا لأنه شهر القرآن الكريم الذي قال الله تعالى فيه: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)). ويروي ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين فيقول: ((كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)).وقال ابن رجب رحمه الله: " وكان السلف رضوان الله عليهم يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال :فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام " قال ابن عبد الحكم " كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراء القرآن وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في رمضان فإذا طلعت الشمس نامت " أ.ه كلامه رحمه الله. وروى أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو عن النبي ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)).