محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خِطاب المرأة في ميزان الأخلاق الذكورى
نشر في النصر يوم 14 - 07 - 2015

ظل خطاب المرأة في الكِتابات الأدبية، محل تأويلات ومساءلات وحتى محاكمات أخلاقية، فمعظم ما تكتبه المرأة يتعرض للتأويل والزج به في محاكمات أخلاقية من طرف الرجل، الرجل الكاتب، الرجل الناقد، الرجل الإعلامي. يعني لم تتوقف مثل هذه المحاكمات عند القاريء العادي، الذي يظل سقفه الفني والمعرفي والنقدي أسير حيز معين ومحدود.
«كراس الثقافة»، في عدد اليوم، يفتح ملفه حول هذه الإشكالية القديمة الجديدة، وسؤاله المحوري: «لماذا كِتابات المرأة تُقرأ غالبا بعكس ما يتضمنه محتوى النص، وتُحاكم أخلاقيا؟».
كاتبات وكُتاب، يتناولون المسألة كلٌ حسب خلفياته ومرجعياته، ويتناقشون بكثير من الطرح الجريء والصريح حول: «خطاب المرأة الذي يتعرض للتزييف قراءة وتأويلا، والذي يوضع من جهة أخرى في ميزان النقد الأخلاقي/الذكوري».
إستطلاع/ نوّارة لحرش
ربيعة جلطي/ شاعرة وروائية
المثقف العربي لم يتخلص من عقدة الذكورة ويسعى غالبا إلى «تعرية» الحياة الشخصية للكاتبة
في هذا العالم العربي المصاب بكل الأمراض الدينية والدموية والدنيوية، صعب وموجع أن يكون الإنسان امرأة وكاتبة في الوقت نفسه، كيف التملص من تاريخ طويل من الكتمان والصمت ولوحة مبهمة لشهرزاد وحدها تحكي وسط رؤوس كثيرة مقطوعة حول مضجع شهريار، بل وفي وقتنا هذا بالذات، كيف تتحدى المرأة أسوار الكراهيات المجتمعية الذكورية كي تكون كاتبة مبدعة، بمعنى كي تكون إنسانة متميزة، والنساء يُسقن صامتات ملفوفات في أكفانهن معصوبات العينين والعقل والإرادة، محاطات بالشك والريبة في وجودهن وعقولهن وما يخبئن بين تكورات أجسادهن، الشك والريبة في خروجهن ودخولهن في حركاتهن وسكناتهن في صمتهن وكلامهن وكتاباتهن التي عادة ما تغني أناشيد الحرية والكرامة؟
وقد كتبتُ ما يشير إلى ذلك في كتابي «النبيّة» قائلة: «النقاد العرب يستقبلون ما تكتبه النساء مثلما كان يستقبل الجاهلي خبر ولادة أنثى». أقر أن هناك بعض الاستثناءات التي تؤكد القاعدة التي تقول إن المشكلة تكمن في الجذور، فالمثقف العربي لم يحاول أن يتخلص من عقدة إيديولوجيا الذكورة التي تمنحه «وهم الهيمنة» الكاذبة، وتخول له سلطة القول الفصل في ما تكتبه امرأة أنثى، سلطة «الحكم بالإعدام الأدبي». قد تكون المبدعة خجولة ولكنها تفوقه تعليما وثقافة وذوقا ومعرفة ولباقة وسفرا وقراءة، وأعرَف منه باللغات وتاريخ الأقوام وأسرار اللون والموسيقى وألصق منه بالحياة وأفهم منه لها، ولكن إرث سلطته الذكورية وحس الاستبداد الذي يتنامى عنده كشعيرات ذقنه تجعله يتبختر مستعرضا ملاكماته الكلامية برعونة وعجرفة. (يحدث عندنا: تروي الكاتبة، وتقسم إنها ليست سيرتها الذاتية، يتغامز الناس، ولا يصدقها أحد. يروي الكاتب، ويقسم إنها سيرته الذاتية، يتغامز الناس، ولا يصدقه أحد.!) من كِتاب «النبيّة»/ بيروت ص 222.
تصبح بعض الإقترابات النقدية ذات العقلية الذكورية مما تكتبه الأديبة حيلة للفرجة، فالحديث عن المرأة الكاتبة في أغلب الأحيان يتمحور حول «تعرية» حياتها الشخصية وهي لعمري طريقة وحيلة لئيمة لجلب الشهرة ل»الناقد»، قرأتُ لأحدهم وبالصدفة، وهو نكرة، مقالا على الإنترنيت أخرج صاحبه في ظرف استثنائي من عداد المجهولين، لم يركز فيه على النصوص بل على أسماء الكاتبات، فعهّرهن، وكفّرهن، وحمّقهن، وجرّدهن من كل إنسانيتهن. هذا الشخص لوى عنق الكلمات والجمل والمرفوعات والمجرورات والمنصوبات على الاختصاص، وساق الكل لمحكمته الأخلاقية واستغله بمثابة دليل إثبات جريمة الكاتبة في الخيانة والكفر والفسق والخروج عن الملة. إنها وصفة سهلة في تحقيق الشهرة الزائفة والزائلة. إن القراءة التأويلية الملساء المسطحة لكل ما تخطه الكاتبات العربيات اللواتي بدأن فعلا يدهشن القارئ، تروم تحقير قدراتها وتتفيهها وحصرها في رائحة الطبخ والوطء والطبل والثرثرة.
من محور ثان فإن التأويل القسري لما تكتبه الأديبة العربية والمغاربية وجعله يدخل ضمن الاعترافات أو السيرة الذاتية لهو رفض ضمني من لدن المصابين بمرض أيديولوجيا الذكوروية لقدرة المرأة على الكتابة وخلق عالم متخيل، وعلى هندسة أماكنه، والتحكم في مسارات حياة شخوصه. سيرضي الغرور الذكوري الذي يربط ما تكتبه المرأة بتفاصيل حياتها، ستبيت هي نفسها داخل الحكاية إنها الشخصية المَحكية داخل الرواية أو داخل القصيدة وليست الخالقة للحكاية، وتتشابه في ذلك مع كاتبات أخريات دون بصمة تفرد الأمر الذي يكرس فكرة إن الإبداع ذكوري محض.
وإذا حدث وتجلى العمل الإبداعي لامرأة في أجمل حالاته، فإن الشك والريبة التي تحيط بها العقلية الذكورية المرأة وعقلها وذكاءها وقدراتها على الإبداع ستجد تفسيرا عاجلا لمثل هذا التفوق والتميز الإبداعي، سيبحثون عن ذكر جبار حولها زوجا أو أخا أو أبا أو عشيقا أو صديقا، ويلصقون له التهمة اللذيذة، تهمة الكتابة لها، والتاريخ الثقافي والأدبي العربي الذكوري مليء بهذه الأمثلة ولعلي أذكر هنا بحكاية قصيدة جميلة للشاعرة ولادة بنت المستكفي التي كانت على كل لسان في قرطبة، وحين استكثر النقاد الذكوريون عليها هذا الإنجاز الإبداعي نسبوها إلى الشاعر ابن زيدون، إنه العالم العربي المريض بكل الأمراض الدموية والدينية مستمر من تك الأيام إلى هذه.
نصيرة محمدي/ شاعرة
الأنوثة مقصاة على مدار تاريخ الكتابة العربية
مغامرة الكتابة بالنسبة للمرأة محفوفة دائما بالمخاطر والأسئلة، وعقبات الطريق. حيث تفسح هذه الكتابة حضور اللغة الأخرى، والأنوثة المقصاة على مدار تاريخ الكتابة العربية بما هي انفتاح على الروح المغيبة، والذات المهمشة، التي كرستها ثقافة ذكورية مستبدة ومهينة لفكر المرأة وحضورها فكرا ولغة وإبداعا.
أن تمتلك جرأة الذهاب إلى الأشياء والنفاذ فيها بعمق وشفافية، وأن تضع كل إرثك التاريخي في مواجهة صادمة ومفتتة للأصنام، والقلاع الحصينة التي تمنع تسرب الضوء والهواء إلى الأرواح العطشى للحرية والإنعتاق من المعتقدات الراسخة والقناعات الجامدة المتكلسة التي لا تحيل إلا على الموت والجهل الذي يتربص بالكائنات ويحيلها إلى رماد. أن تمتلك شرارة التمرد على السائد والجاهز والبليد فتلك معجزة تنفتح بها الحياة على احتمالات ومسارب ودروب أخرى علينا اكتشافها وشقها بروح مسائلة، وقوية قادرة على اجتراح الجمال والحق والخير والعدالة والحرية.
كيف للمرأة الكاتبة أن تواجه ترسانة من الأكاذيب التي عبئت بها منذ الصرخة الأولى، ومنذ اللغة الأولى التي تمارس عنفها على كل ما هو أنثوي، ومصنف ضمن خانة الضعيف والهش المثير للشفقة والمنذور للعبودية والتبعية مدى الحياة؟ كيف تنحاز الكاتبة لحقيقتها الغائبة وصوتها الحر، ونبضها الحي في قول المسكوت عنه، وفضح المستتر والمهمل والمنسي في أقاصي الروح، وفي وجع الحكايات وظلام الأمكنة، وسطوة الزمن والقبيلة المهيمنة على ذرات الجسد والوجدان، ومساحات التفكير، وفلتات الحلم؟.
سيظل الوعي بجذور هذه المسألة أساسيا لتفجير الأسئلة الشائكة، ومناهضة عالم من الزيف والجبن والعقد المتراكمة عبر تاريخ طويل من الألم والصمت والخضوع لمفاهيم متخلفة عن علاقتنا بالعالم والمرأة والرجل والكتابة باعتبارها أرقى وأخطر أشكال التعابير التي تغير نظرتنا للأشياء، وتؤسس لعلاقات مختلفة قائمة على احترام الآخر ومقاسمته الحياة في فضاء يتسع للجميع ويحمل هوياتنا المتباينة وطرق تفكيرنا الخاصة. الهوية بما هي ثقافة وليست عرقا أو جنسا أو دينا، كل الخطابات القائمة على هذا الفصل العنصري ستفضي إلى الخراب، وإلى استعداء الآخر، وتأجيج الظلم والحساسيات والفروق التعسفية في حق الكائنات. ولن نستطيع اجتثاث هذه الأمراض من الذهنيات والعقول التي تعيد إنتاج هذا الهراء إلا من خلال التربية، ونسف المؤسسات المحرضة على إدانة الآخر، وملاحقة أفكاره وتوجهاته واختلافه عنا.
ستكون العلمانية طريقا لإنارة العقول، وتحقيق الديمقراطية، وتنظيم المؤسسات، وإزاحة الدين عن التغلغل في كيان المجتمع المدني الذي يؤمن بالقانون والعدالة واحترام الأقليات والحريات، بما فيها حقوق المرأة التي لا يزال المجتمع ينظر إليها كأقلية مهمشة وهشة ومستلبة. لحظتها يمكن التحرر من الوصاية والرقابة والأبوية التي تكسر أجنحة الحرية والانطلاق لدى المرأة الكاتبة التي تحمل هواجسها ونزفها وعذاباتها التاريخية، وأسئلتها الضارية وتخترق عوالم اللغة التي احتكرها الرجل العربي وسخرها لخدمة أهداف ذكورية محضة تحصن أمجاده، وتعزز مكانته وبطولاته عبر تاريخ من الإلغاء والعبودية لكائن يحاول استعادة حريته وتجاوز المنمط والمبتذل والمكرس من الخطابات الرعناء والفاشية.
جميلة طلباوي/ قاصة
خلاص الكاتبة من الوصاية الذكورية يكون باشتغالها على نصوصها بشكل أكثر عمقا
معاناة المرأة مع المجتمع الإنساني قديمة قدم الإنسان، وعندما يتعلق الأمر بالوعي بالذات وبالكتابة فإنّ المنظومة الثقافية في مجتمعاتنا تسقط عنها ورقة التوت لتكشف ركام الخلفيات الاجتماعية التي تحرّك الكتاّب، النقاد والإعلاميين الرجال في التعامل مع النص الذي كتبته امرأة، لأنّها من منظور ذكوري محض هي أنثى تكتب فقط لتفريغ مكبوتاتها بخيوط سردية من حرير، وأكثر من ذلك للأمر خلفية أخرى ليست المتعلقة فقط بمجتمع شرقي تفنّن في وأد المرأة وكتم صوتها، بل يتعلق الأمر بمنظومة ثقافية عالمية منذ ظهور الحركات النسوية في الغرب، والتي كانت تدعو إلى الأدب النسائي في السبعينات، ترسيخا لصوت المرأة في الحركة الأدبية في العالم كجزء من المنظومة الثقافية الغربية المعاصرة، والتي تزامنت مع مطالبة المرأة الغربية لحقوقها ودعوتها للمساواة مع الرجل مثلها مثل كل الأقليات المهمشة في العالم، والمهضومة حقوقها وغير المعترف بثقافاتها ولا بآدابها.
وتأثر الناقد العربي بالمناهج الغربية كبير، بل يكاد لا يتعامل مع نص عربي إلا انطلاقا من المناهج الغربية، والإعلامي بالضرورة سيتأثر بوجهة نظر الناقد فيما يتعلق بالتعامل مع ما تكتبه المرأة، فالنقد في النهاية يلقي بظلاله على أنماط التفكير في المجتمع. أضيف إلى ذلك أنّ الرجل الذي سبق المرأة إلى عالم الكتابة والتعبير عن رأيه وإعادة تشكيل العالم بأسلوبه، ها هو يرى المرأة تمارس نفس الفعل انطلاقا من رؤيتها الخاصة بها، والتي قد تربكه، خاصة إذا ما كانت جريئة وتعارضت مع ما هو مألوف بالنسبة له متجاوزة ما يراه هو «خطوط حمراء» لا يمكن للمرأة تجاوزها، فمسألة الحرية في الكتابة باتت هاجس الجنسين، ولنتفق أنّه لا يمكن الإبداع بمعزل عن الحرية، فما بالك إذا ما تعلّق الأمر بالمرأة التي تعتبر أكثر تقييدا من الرجل بحكم المنظومة الاجتماعية والثقافية التي تحكم مجتمعاتنا. الأستاذ سعيد يقطين أسهب في البحث في هذا الموضوع فهو عندما تحدث عن سرد المرأة الكاتبة تعرّض لمختلف الاتجاهات التي تناولته بالدراسة والبحث، بما فيها الاتجاه الذي يحتكم إلى البعد الجنسي للكاتبة، وبمقتضاه يدخل كل إنتاج لأيّة امرأة في نطاق السرد النسائي، ويؤكد على أنّ هذا الاتجاه هو المهيمن، وهو الاتجاه الذي يقول بأنّ الكتابة الأنثوية تعكس الطبيعة الداخلية للمرأة وهكذا يصبح النص والبطلة والأنثى فيه امتدادا نرجسيا للمؤلفة، رغم أنّ الباحثة بياتريس ديدي توصلت في نهاية بحثها بأنّ خصوصية الكتابة النسائية لا تلغي مشابهتها للكتابة الرجالية. وأعتقد بأنّ سبيل الخلاص للمرأة الكاتبة من هذه الوصاية الذكورية لتغيير هذا الواقع يكون باشتغالها على نصوصها الأدبية بشكل أكثر عمقا، وكلما شاركت المرأة الناقدة بدراساتها وبحوثها لسبر أغوار ما تكتبه المرأة منصفة لنصوص ولدت إنسانية بغضّ النظر عن جنس كاتبها رجلا كان أو امرأة.
سامية بن عكوش/ كاتبة وباحثة أكاديمية
عدد قليل من الكاتبات استطعن تجاوز السّلط بكلّ أنواعها
لا تسلم كلّ كتابة من تأثيرات سلطوية، خاصة في مجال الأدب. وإنّ التأثير مضاعف إذا كانت الكتابة بقلم المرأة، لأنّ الخطوط الحمراء التي توضع أمام المرأة أكثر من نظيرتها أمام الرجل، لاعتبارات أخلاقية واجتماعية، فالحداثة الأدبية التي أسهمت، ومنذ السّبعينات في بروز أسماء نسائية عربية في مجال الإبداع، كانت في معظمها شكلية، تلخصت في عدد الأسماء ليس إلاّ. فعدد قليل من الكاتبات العربيات استطعن تجاوز السّلط بكلّ أنواعها «اجتماعية، ثقافية، سياسية، معرفية» في المواضيع المعالجة، ومنهنّ: الرّوائية نوال السّعداوي وغادة السّمان.
إنّ الخطوط الحمراء التي توضع أمام الكتابة النّسوية نتيجة للعرف الاجتماعيّ، الذي يجعل من المرأة ملكية للأسرة والقبيلة والمجتمع، وجسدها ملكية للرجل «الأب والأخ وكلّ رجال العائلة» ثمّ لزوجها بعد مغادرتها الأسرة. فهي ليست حرّة في فعل ما تشاء به بخلاف الرجل.
ونتيجة لهذه العقلية الإمتلاكية التي أسّسها العرف ودعمّها الدّين، كما في موروثنا الفقهيّ، فإنّ هذه التصورات القبلية تتحكم في قراءة القرّاء للأدب النّسويّ، خصوصا إن اخترق ثالوث المحرّمات «الجنس، السّياسة، الدّين». فحتى وإن حاولت الأديبات التملّص من الرّقابة الاجتماعية، عبر الخيال الأدبيّ، وما يتيحه من فرص التنفيس عن الكبت الاجتماعيّ، خاصة في شكليه الأساسين: الجنس والدّين، إلاّ أنّ القراءة في معظمها لا تقبل هذه المناورة. فغالبا ما يربط القارئ البسيط والمتخصّص المغامرات الجنسية- على ندرتها- التي تُسرد في الأدب النّسويّ، بحياة الأديبة فيتفنّن البعض في ترويج الشّائعات، والمؤسف أن ينخرط بعض النّقاد المتخصّصين في هكذا قصص.
كيف نفهم هذه القراءة المحرّفة والمنحرفة؟.
إنّ أيّ تحرير للفكر وللأدب وللكتابة بصفة عامة، لن يتحقّق ما لم تتحرّر المرأة في واقعها، وما لم تمارس حقّها في تحقيق كينونتها التي تريدها، وإلاّ تتحوّل الكتابة الأدبية إلى شكل من التنفيس عن الكبت، لا يصرف سوى طاقات ضحلة من هذا الكبت، عبر الخيال والتصوير المجازيّ. لكن التحليل النّفسيّ يعلّمنا أن الكبت يعاود ممارسته في صوّر مواربة، في شكل هوس مرضيّ مفرط بالمواضيع المكبوتة، أو في شكل هوس قراءة عند القرّاء، بأن تربط كلّ كتابة جنسية بانحلال الكاتبة فلانة وأن يربط أيّ نقد للموروث الدينيّ على أنّه إلحاد للكاتبة علاّنة.
إنّ هكذا قراءة منحرفة ومحرّفة للنّص النّسويّ، تفهم من خلال الأحكام المسبّقة التي يكتسبها القارئ «عما يجب للأديبة قوله ومالا يجب قوله». ويندرج الأمر ضمن منظومة القيّم والمعتقدات التي تسبق القارئ إلى النّص النّسويّ. وهو سياج دوغمائيّ يمنع بعض القرّاء من الاستفادة من جماليات معالجة المواضيع الطابو. وقد أشار المفكر الجزائريّ محمد أركون في تعريفه للسّياج الدوغمائيّ الذي يعيق حرّية الفكر والإبداع في الوطن العربيّ، أنّ المرأة هي النّواة الصلبة لهذا السّياج. هي المادة الصلبة له، كما أنّها الحلّ لتفكيك هذا السّياج.
إنّ قياس مساحة التحرّر التي رسمتها الأديبات العربيات للإفلات من السّياج الدوغمائيّ، يرتبط بالجرأة في معالجة المواضيع الطابو، ويشمل ثلاثية «السياسة والدين والجنس».
ولو تأملنا الكتابة النّسائية في الجزائر، فإنّها لا تعالج هذه المواضيع بجرأة كافية، فالرّواية التي تسرد الوضع السّياسيّ المتأزّم في الجزائر غير موجودة. كما أنّ موضوع الجنس مثلا، تتناوله الرّواية الجزائرية باحتشام كبير. فنادرا ما تهتمّ الرّوائيات بتصوير التفاصيل في المشاهد الجنسية، كما أنّ مواضيع زنا المحارم أو البيدوفيليا التي أصبحت ظاهرة يعاني منها الأطفال مؤخرا، من المواضيع النّادرة في الرّواية النّسائية، واللّواتي عالجن بنقد لاذع، موضوع المرأة الجزائرية وكلّ أصناف الاضطهاد الممارس عليها، يقمن خارج الجزائر، أذكر على سبيل التمثيل: فضيلة فاروق.
لازالت الكتابة النّسائية في الجزائر تتراوح بين شعرية السّرد، وسلطان الهموم اليومية للمرأة الجزائرية. أما جرأة المعالجة للمواضيع الطابو «السياسة، الدّين، الجنس»، فهي مؤجلة. وتحتاج الرّوائيات إلى جرأة مضاعفة لمعالجة هذه المواضيع مقارنة بالمبدع الرجل، لأنّ القراءة السّلبية لمنتوج جرئ، قد يلحق المبدعة بدءا بالأوساط الفنّية، قبل القراء البسطاء، وإذا كان الأديب الرجل لا يملك حرّية مطلقة في معالجة هذه المواضيع، فما بالكم بالأديبة المرأة؟
لازالت الحداثة الفنّية شكلية، لم تصحبها حداثة ذهنية، وإنّ الحداثة الذّهنية تحتاج إلى حرّية فكرية للمبدعين من الجنسين، وحاجتنا مضاعفة إلى حداثة ذهنية في تلقي الكتابة النّسائية الجديدة والجريئة، فكلّ تحديث لا يطلق فكر المرأة المبدعة، هو مجرد غثاء أحوى.
عبد الكريم ينينة/ قاص
النقد في تعامله مع ما تبدعه الكاتبة لم يكن منصفا
تفتقد المجتمعات العربية في هذا العصر إلى قيم العدالة والإنصاف، مجتمعات تبحث عن العدالة وهي تفقدها في أبسط تعاملات أفرادها البينية اليومية، ولم تزل التراتبية إحدى محددات التمايز والتفاضل، مجتمعات يتعامل أفرادها مع بعضهم بعرقية، وطائفية ودينية، وأسرية البديل العصري للقبلية، وأيضا من خلال التمايز الجنسي، فلا يزال التصور لمكانة المرأة في هذه المجتمعات لم يتغير كثيرا، ولم يتزحزح من المرتبة التي وضعتها فيها الأعراف غير العادلة، رغم أنها أضافت الكثير لمجتمعها مثلها مثل الرجل. الجميع، يشعرون بالحاجة إلى التعبير عن أنفسهم، وإلى من يسمعهم. باعتبارهم يتشاركون في الأحلام والآلام والآمال، صحيح أن العقبات كانت قاسية بالنسبة للمرأة، وأنها لم تبدأ تتخطاها إلا مؤخراً.
إن النقد في تعامله مع ما تبدعه لم يكن منصفا لدرجة ترفع من شأن هذا الإبداع، وإن حدث واحتفى فإما أن يكون تشكيكا وذلك بإحالتها إلى كتابات رجل، وهذا ما تعرضت له بعض المبدعات المتفوقات، ولنا في ما أثير حول كتابات أحلام مستغانمي خير دليل، أو يأتي إحتفائياً بشكل مبالغ فيه، ليس لأهمية ما تُكتب بقدر ما هو محاباة لجنس الكاتبة.
إن الصوت الإبداعي النسوي في مجتمعاتنا العربية لا يزال مغيبا ويتعرض لكثير من اللامبالاة مقارنة بما
ينتجه الرجل وقد أشار الناقد عبد الله الغذامي في نظريته إلى تحيز اللغة للفحولة ولجنس الذكر، في حين نجد الغرب يشيد بدور المرأة ويشهر لصوتها الإبداعي، ولنا في تصريح ميلان كونديرا بمدام جوستاف دليل على ذلك.
كل هذا لم يمنع أسماء كثيرة أثبتت حضورها، وكثيرا ما يعلق أعداء التراث ما يلحق بالمرأة إلى التاريخ والثقافة العربية، فإذا نحن أخذنا نموذجين لشاعرتين هما: الخنساء وميسون بنت بحدل الكلبية، لا نجد من أساء أو أنقص من قيمة الخنساء خلال حياتها أو بعدها، رغم أنها ظهرت في بيئة تزدحم بالشعراء، وإذا انتقلنا إلى ميسون التي تزوجها معاوية بن أبي سفيان وبنى لها قصرا جميلا فخما، مع وصيفات لها، لكن هذه الحال لم تعجبها وحنت إلى فضائها الطبيعي، فأنشدت: «لبيت تخفق الأرواح فيه/ أحب إليّ من قصر منيف». إلى أن تصل في قولها: «وخرق من بني عمي نحيف/ أحب إلي من علج عنوف/ فما أبغي سوى وطني بديلا/ وما أبهاه من وطن شريف». فطلقها معاوية ثم سيرها إلى أهلها، رغم أنها أبدت مشاعرها نحو غيره و وصفته ب «العلج العنوف» وهي زوجته، ومع كل هذا لم يحاكمها معاوية ولا التاريخ ولا المجتمع.
عبد القادر رابحي/ شاعر و ناقد
الرجل الأديب المنطلق من عقدة الذكورة في الحكم على المرأة الأديبة يؤسس لأحكام ذات طبيعة رجعية
تبدو إشكالية الكتابة النسوية والصورة التي يتلقاها بها الرجل الكاتب، سواء أكان ناقدا أم مبدعا أم إعلاميا على درجة كبيرة من التعقد والحساسية، بالنظر إلى ما يكتنف المسألة من تداخل في الأدوار وما يُنتجه أصحاب الأدوار من تداعيات تنعكس بالضرورة على الكتابة النسوية، وتُرسّخ منظومات كاملة من التوصيفات التي تتحول إلى أحكام تسرى مسرى الدم في عروق الخطاب النقدي الذكوري إن استطعنا القول.
صورةٌ مكررةٌ ومشحونة بالخلفيات المنطلقة من الاقتناعات المتبادلة التي تحشر الرجل الكاتب والمرأة الكاتبة على حد سواء في بيوت ضيقة لا يستطيعان الفكاك منها، والتحرر من خلفياتها الضاربة في القدم وفي الحضور في عمق الراهن، نظرا لما ترسّخَ في ذهنية الرجل الأديب المنطلق من عقدة الذكورة في الحكم على المرأة الأديبة وكأنها امرأة وكفى، من دون اعتبار أن الإبداع منطقة غامضة تتجاوز الحدود الأجناسية بمحدّداتها القيمية وبتأطيراتها التاريخية، وتؤسس لفعل إنسانيّ مصبوغ بصبغة التراكم المعرفي الذي بإمكانه أن يتفجّر في ذات امرأة، أو ذات رجل على السواء، من دون التفكير في جدار الجسد الذي يضعه الرجل أمام عينيه رغبة مكبوتة وهاجسا شبقيا كلما قرأ الأدب بعين كاتبته. وعلاقة الرجل الأديب أو الناقد بالمرأة الكاتبة لا يخرج عن التصور الذي يحمله الرجل العادي عن المرأة العادية. إن هيمنة فكرة الجسد تبدو كاملة على العقل الباطن للرجل الأديب وللمرأة الأديبة على السواء.
ثمّة شحن دائم للمعطى الإبداعي، كما تنتجه المرأة الأديبة الكاتبة في ذاكرة الرجل الكاتب وفي مخياله، ينطلق منهما ليؤسس لأحكام أقل ما يقال عنها في وقتنا الراهن أنها ذات طبيعة رجعية، ولكنها تُمارس يوميا من طرف الأدباء والنقاد الرجال الذين عادة ما يقدمون أنفسهم في كتاباتهم وفي الواقع الحياتي على أنهم الأكثر تبّنيا للحداثة، والأكثر ادعاء بالوقوف مع حرية المرأة والدفاع عنها وتحريرها من العلائق القديمة بما تحمله من جهل وتخلف وازدراء.
والحقيقة أن هناك عاملا أساسيا لعب دورا هاما في ترسيخ صورة المرأة/الجسد في التصور الذكوري خاصة في الجزائر، وهذا العامل هو المرأة الأديبة الكاتبة نفسها، التي تقدّم نفسها بهذا الشكل وبهذه الصورة للرجل الناقد، لأنها تعتقد أنها لن تصل إلى مستوى الإبداع الحقيقي من دون إقناع الرجل بأنها مبدعة، وأن أي اعتراف بموهبتها إنما يجب أن يُنال من طرف الرجل الأديب الناقد بموهبتها. المرأة الكاتبة تُسوّق نفسها في كثير من الكتابات بهذا الشكل إلى الرجل فتدعم تصوره المتسلط للكتابة النسوية وترسّخ مفهوم الذكورة في لاوعيه، وتصبح بذلك في نظره مجرد جسد أدبي ينتظر الاعتراف من طرف الرجل.
العديد من الكتابات النسوية لا تخرج عن هذا المفهوم ولا تريد أن تتجاوزه إلى مفهومٍ للكتابة مفتوحٍ على العالم وعلى الأشياء وعلى الواقع بتعدّد مواضيعه وبتجاوزه الواعي للعلاقة السرمدية بين أدب المرأة الذي لا يمكن أن يخرج عن البوح بمعاناة الجسد الأنثوي وبين التلقي الشبقي للرجل الجائع المتعطش للاستيلاء على مساحة من جسد أنثوي كما تُقدّمه المرأة في نصوصها الإبداعية بطريقة مباشرة صادمة، كما هو الحال في العديد من الكاتبات الروائية، أو بطريقة غير مباشرة كما هو الحال في كثير من الكتابات الشعرية والإفضاءات النثرية التي تعبر عن واقع ما تحمله المرأة عن نفسها، من تصّور ارتجاعي لجسدها أولا، ولما يجب أن يكون عليه هذا الجسد في كتاباتها، وهي تُقرأ من طرف الرجل ليحكم عليها وفق رغبته المتعالية وعقدته تجاه كل ما هو جسد أنثوي.
إن تصور الرجل الكاتب المرأة بوصفها منجزا إبداعيا، لم يكن ليخرج عن فكرة كونها جسدا أولا وقبل كل شيء. وهذه الفكرة رسختها المرأة نفسها في نفسها كقناعة دائمة، وهي، بناء على ذلك، لا تريد التحرر منها بالانتقال إلى الكتابة عن العالم والكون كما هو، لا الكتابة عن العالم والكون بوصفهما آدم وحواء.
يكفي أن كِتابا صدر في فترة ما يعبر فعلا، وفي فلتة كتابية نادرة، عن مدى التصور الذي يحمله الرجل عن المرأة كما قدمت نفسها له وكما تريد وتصر أن تقدم نفسها له، وهذا دليل على مدى تشابك العلاقة بين الرجل الكاتب والمرأة الكاتبة واستمراره في واقع لا يريد أن يرى حقيقته في مرآة الحقيقة.
قلولي بن ساعد/ قاص و ناقد
الخطاب الإبداعي النسوي لم يأخذ حقه من التناول النقدي و الإعلامي المسؤول
لا يزال فيما أرى، وأتمنى أن أكون مخطئا، الخطاب الإبداعي النسوي لم يأخذ حقه بعد من التناول النقدي والإعلامي المسؤول، فعندما يتحفظ النقد الأكاديمي مثلا على شيوع مصطلح هو «الأدب النسوي» ضمن حكم هو عدم اعتراف «النقد الأكاديمي» ومؤسسات النقد الجامعية بمصطلح «الأدب النسوي» من الناحية البسودو/علمية، ويرى أن الأدب هو الأدب، بصرف النظر عن جنسية كاتبه ومؤلفه، تبدأ هنا أولى بوادر عجز الخطاب النقدي على ملامسة هسيس الإبداع الأدبي النسوي وخصوصيته الذاتية والنفسية وفرادته كتجربة خاصة، تختلف بالطبع عن تجارب الكتابة الإبداعية للرجل، فبالنظر لتاريخ القهر النسائي والوأد الذي عرفته المرأة العربية، من الطبيعي جدا أن تترجم بعض النصوص الإبداعية النسوية هذا المعطى التاريخي النسوي كتجل إبداعي نابع من ذاكرتها الفردية وهويتها النفسية والسوسيولوجية في تعاطيها مع كينونتها الخاصة، بما يموقع رؤياها الإبداعية ضمن سيرورة تاريخية لا تقطع نهائيا مع رواسب التخلف العربي، والقهر النسائي العربي الذي لا زال يُلقي بظلاله النفسية على ذاكرة المرأة الفردية ومنه على النص الإبداعي الذي تكتبه المرأة العربية باعتبار الإبداع الأدبي «نص» يقيم في هوية الكاتب المبدع، ويعبر عن هويته النصيّة في أبعادها الاجتماعية والنفسية، وطالما أن النقد الأدبي لم يقترب بعد من هذه الهواجس الذاتية والنفسية والسوسيولوجية لخطاب المرأة الإبداعي، وظل يُراوح مكانه ضمن خطاب سياقي استنزف كل طاقته النقدية في الوفاء لمسلمات الخطاب النقدي الأخلاقي المعياري والأبوي الذي كرسه نقد تقليدي اتخذ من الأحكام المجانية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية «مصدر» لرؤياه النقدية إن صح أن تحمل معنى الرؤيا والتمييز بين النصوص بصورة معيارية أخلاقية في تناغمها المفضوح مع التوجه أو التيار الذي ينتمي إليه الشارح/الناقد ويشكل فضاءه ورحمه الإبستيمي، أو ما يُفترض أنه كذلك، من خلال اتخاذه من ثنائيات الخطأ والصواب/المسموح والممنوع، أو غيرها من «أنظمة الضغط المعياري» أو «وهم المرجع» بتعبير الدكتور السعيد بوطاجين المصدر الوحيد لهذه «الرؤيا» والأمر لا يقتصر فقط على الخطاب النقدي السياقي أو التقليدي، بل إنه يطال أحيانا بعض سرديات «النقد الحداثي» فبالنظر للانفصام الشخصي الذي يميز سرديات انخراط المبدع العربي في معركة الكتابة، وهو الانفصام القائم في ذلك التناقض الصارخ بين القيم الرمزية والإنسانية التي يستعرضها، أو تحفل بها ذاكرته الفكرية الغائبة تماما في رؤياه النقدية، بما يعني من افتقار المبدع العربي الكلي للصدق الفني، ولقيمة الانسجام مع الذات على الصعيد النفسي.
فخطاب الشفافية والوضوح فيما أرى هو «النص الغائب» الذي لم يُكتب بعد عربيا إلا نادرا، إنه «الوعي الشقي» الذي تحدث عنه عالم النفس الشهير «جان بياجيه» وسماه «الوعي بالازدواجية والتناقض» وعليه فإن الطريق لا يزال طويلا بانتظار أن يأخذ الخطاب الإبداعي النسوي كل حقه المشروع في التناول النقدي الصحي بعيدا عن كل أوجه التوجيه الإيديولوجي الأبوي المفروضة، أو تلك التي تدعي حيازتها لحق السيادة الرمزية على الإبداع الآخر المختلف، ومنه إبداع المرأة طالما أن بعض التفهم الذي يبديه أحيانا المثقف العربي الرجل لبعض الوجوه الثقافية النسوية العربية (صحفيات– مبدعات في القصة والشعر والرواية... باحثات في الأدب وفي حقول العلوم الإنسانية) من لجوء البعض منهن إلى توقيع بعض مقالاتهن وأعمالهن بأسماء مستعارة بالنظر لسلطة الرقيب الاجتماعي والخوف من المجتمع الأبوي الذكوري، ومن نداء القبيلة و لاءات «البطش الستاليني» الناتجة عنها، رغم أن الإسلام كرم المرأة بموجب النص القرآني «ولهن مثل الذي عليهن» لابد وأن يتضاءل قليلا في انتظار أن تأخذ المرأة العربية المثقفة والجامعية حقها من السيادة الرمزية على نفسها للخروج من هذا النفق الاجتماعي الذي يكبلها لتعلن عن رؤياها وهويتها المدنية من دون التخفي وراء الأسماء الوهمية في ظل مجانية التعليم وتعدد قنوات التكوين والتعليم والتلقي العلمي والمعرفي في مجمل الأقطار العربية، قبل أن تطالب الخطاب النقدي الأدبي الذكوري أن ينصفها لكي لا تصاب هي أيضا بداء الانفصام ونصير أمام نوع من «الانفصام المزدوج» الماثل في كل قول أو خطاب لكل ذات ولكل طرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.