النقاد العرب يغفلون عن نقد مشاريعهم ونادرا ما يتراجعون عن أرائهم في هذا الحوار، يتحدث الناقد والباحث الجزائري نبيل محمد صغير، عن كتابه "تشريح المرايا، في نقد مشروع عبد العزيز حمودة"، الذي صدر مؤخرا، في طبعة ثلاثية مشتركة: منشورات الاختلاف/ الجزائر، منشورات ضفاف/ لبنان، منشورات دار الأمان/ المغرب. الباحث، في كتابه هذا، اشتغل على المشروع النقدي للناقد المصري عبد العزيز حمودة، وتطرق لثلاثيته النقدية: "المرايا المقعرة، المرايا المحدبة والخروج من التيه"، التي أثارت، الكثير من الجدل النقدي، والسجالات على صفحات الجرائد والمجلات المصرية والعربية. وهذه الضجة دفعت بالباحث نبيل محمد صغير للاقتراب من مشروعه النقدي ومقاربته ومساءلته، إذ قال بهذا الشأن: "هناك عدة عوامل دفعتني إلى الخوض في خطاب مرايا حمودة، ومحاولة فهم خصوصياته وتصوراته النظرية التي يجب أن يمارس عبرها في مقاربة الخطاب النقدي والفكري، من أجل الكشف عن خصوصيات هذا الأخير". محمد صغير، يرى أن مشروع عبد العزيز حمودة جاء لكونه يفتح بابا واسعا على الخطاب النقدي العربي والغربي، متابعة ونقدا وتصويبا. ومن جهة أخرى يرى أن خطابه يحمل موروثا نقديا وفلسفيا يصعب فهمه. كما اعتبر قراءة حمودة للنقاد العرب الحداثيين قاسية وانطباعية في كثير من الحالات. حاورته/ نوّارة لحرش كِتابك الصادر مؤخرا "تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة"، لماذا جاء تركيزك على مشروع "عبد العزيز حمودة" وليس غيره؟ نبيل محمد صغير: يأتي التركيز على مشروع عبد العزيز حمودة في نقد النقد من أجل فهم حيثيات الخطاب النقدي العربي المعاصر، فكتابات المرحوم قامت بزحزحة وخلخلة العديد من اليقينيات والمسلمات التي ترسّخت في الفكر النقدي المعاصر، إضافة إلى أن هذا الرجل قد تجاوز، ولو برؤية فيها بعض العاطفية والاندفاعية، المشاريع الحداثية العربية، وحاول تفكيك أسسها وإوالياتها القائمة عليها. وقد تطرق، مثلا، إلى مشروع بنيوية كمال أبي ديب التي رأى فيها مجرد لغة واصفة (ميتانقدية) استلبت النص النقدي وأضاعته، لتُموضع نفسها في قالب جمالي وأدبي، يسوده التغريب والغموض، بحيث يحتاج هو نفسه إلى تفكيك وتشريح لفهم جمالياته الأسلوبية. كما عالج حمودة مشروع "هدى وصفي" النقدي، وسجّل موقفه منه، ووصف اعتمادها على الأشكال الهندسية والحسابات الرياضية الجبرية بأنها لا تضيف شيئا ذا بال إلى النص أو الخطاب الأدبي المدروس، وقد دعا حمودة إلى أن يكون خطاب النقد مساعدا للقارئ أو المتلقي على فهم الأعمال الفنية والأدبية، عبر الابتعاد عن كل أشكال الغموض الدلالي والأسلوبي، وضرورة التقيّد بالقراءة التبسيطية الشارحة، وهذا الموقف، في الحقيقة، يندرج في إطار معارضته للمشروع البنيوي الغربي، وعلى وجه الخصوص مشروع رولان بارت. لهذا يمكن أن نقول بأن التركيز على مشروع عبد العزيز حمودة جاء لكونه يفتح بابا واسعا على الخطاب النقدي العربي والغربي، متابعة ونقدا وتصويبا. كتابات حمودة أحدثت ضجة في مصر العام 1998. فهل الضجة التي قوبلت بها كتاباته كانت محفزا لك على تشريح كتاباته والخوض فيها نقديا، ووضعها تحت مجهر بحثك واشتغالك؟ نبيل محمد صغير: لا يمكن إنكار مسألة سياقية مهمة في كتابات عبد العزيز حمودة، وهي أنّ الانتشار أو المقروئية الكبيرة التي حققتها كتاباته النقدية، كانت في نسبة معينة منها، نتيجة السجالات الكبرى التي ارتفعت وتيرتها على صفحات جريدة "أخبار الأدب" مع الناقد جابر عصفور، وقد أُطلق على تلك السجالات النقدية -على الرغم من أنها خرجت إلى إطار الأيديولوجية والاندفاعية في الرد- مصطلح "معركة نهاية القرن"، واستمر جابر عصفور يكتب ملاحظاته، حتى بعد وفاة عبد العزيز حمودة رحمه الله، في مقالات نشرها في مجلة "العربي" سنة 2012. كما أنّ الناقدة يمنى العيد قد ردّت عليه عدة مرات، لعل أهمها جاء في مقال عنيف وشديد اللهجة بعنوان: "عبد العزيز حمودة شوّه مراجعه النقدية متخليا عن أخلاقية الناقد: المرايا المحدبة أو مرايا الأخطاء والمغالطات والافتراءات" مجلة الحياة سنة 1998. ولهذا يمكن اعتبار هذه السجالات، وغيرها، بمثابة الفرضيات التي انطلق منها الكتاب، لتشريح نصوص نقد النقد التطبيقية والتنظيرية، ومعاينة بنية أنساقها الداخلية مع أطروحتها الكلية التي رفعت شعار سردية من السرديات الكبرى في الفكر العربي المعاصر، وهي عدم التحيّز إلى النقد الغربي، فهل استطاع حمودة الالتزام بهذه السردية أم أنّه فكّكها، حينما وقع فيها مرحلة إنتاج البديل. خطاب نقد النقد هو الذي يحفر ويغوص في نصوص متنوعة المرجعيات والخلفيات ويربكها من خلال رؤية نقدية باحثة قمت بعملية تشريحية لخطاب مفاهيمي شبه شائك ومعقد وموغل في أسئلة مربكة، ما الذي يمكن أن تقوله عن حيثيات هذا التشريح؟ نبيل محمد صغير: تعد الخطابات النقدية المفاهيمية التي تستند إلى أطروحات فلسفية متنوعة من أهم الخطابات وأعقدها، وخطاب حمودة يحمل موروثا نقديا وفلسفيا يصعب فهمه، إلا عبر القراءة الحفرية الفوكوية، فالذي يبحث عن كتابات حمودة في الستينيات سيدرك تأثره بالنقد الجديد الأنجلوسكسوني، بكل حمولته المفاهيمية ورؤياته الإجرائية والتطبيقية، ويظهر ذلك في كتابه "علم الجمال والنقد الحديث"، ولكن الحافر في خطاب حمودة، في ثلاثيته سيجده يفكّك مقولات النقد العربي البنيوي والتفكيك الغربي، مع إبعاد غير مبرر للنقد الجديد عن نقده الموجه للفكر الفلسفي والنقدي الغربي، لهذا سيحاول في مرحلة ثانية ربط نقده للبنيوية والتفكيك بكونهما، حسب تعبيره، أعدمتا النص وأخصيتاه مع المؤلف، فيما بقي النقد الجديد محتفظا بمفهومي الذات والتاريخ في قراءة النص والعالم. وهذا أيضا يبرر عدم نقده لتيار بعد مابعد الحداثة الذي أعاد الاعتبار للسياق الثقافي والاجتماعي في الخطاب الأدبي والإنساني، ولم يسع إلى تشييء النص والإنسان والعالم، مثلما فعلت البنيوية التي قتلت العالم في أنساق، وفعل التفكيك الذي عرّف الإنسان بعدمية العالم. ما الذي استوقفك أكثر أثناء تشريحك لمنهجه في كتاباته النقدية وإشكالاتها؟ نبيل محمد صغير: هناك عدة مسائل ونقاط مختلفة تستوقف قارئ مشروع عبد العزيز حمودة، من بينها ما ذكرناه عن موقفه السلس من النقد الجديد، وتبريره لمفاهيمه النقدية المحايثة، عبر إبعاده عن دائرة النقد الشكلاني. مسألة أخرى تستوقف مشرح خطاب حمودة، وهي تتعلق بآليات قراءته للخطاب النقدي العربي، فمن يقرأ قراءة حمودة لخطابات "كمال أبي ديب" أو "يمنى العيد" أو "جابر عصفور" سيلاحظ أنه في بعض المقامات يجتزئها من سياقاتها النصية والثقافية، لكي يؤكد حكما أو رأيا شخصيا له. لهذا جاءت قراءته للنقاد العرب الحداثيين قاسية وانطباعية في كثير من الحالات، وهذا ما أسميناه بالقراءة الاعتراضية، التي كانت غاية ووسيلة في الوقت نفسه. أيضا ما الذي دفعك إلى الخوض في "نقد النقد" واشتغالك عليه وعلى تفكيك حمولته المعرفية ومناهجه؟ نبيل محمد صغير: هناك عدة عوامل دفعتني إلى الخوض في خطاب مرايا حمودة، لعل أهمها هو ربطه لنقد النقد بالبديل النقدي في البلاغة واللغة، كما أن قلة الدراسات في نقد النقد التي لا تميل إلى طرف دون الآخر، دفعتنا إلى محاولة فهم خصوصياته وتصوراته النظرية التي يجب أن يمارس عبرها في مقاربة الخطاب النقدي والفكري، من أجل الكشف عن خصوصيات هذا الأخير. ولهذا كانت رغبتنا كبيرة في الإسهام في هذا الحقل الذي يعد ركيزة في النقد الأدبي، سواءً ما تعلق بنقد السرد أو الشعر، بل حتى الفكر والفلسفة باعتبار أن الكلام على الكلام، كما يرى أبو حيان التوحيدي، من أصعب المجالات وأهمها وأعقدها من أجل تطوير ممارسة سليمة في ّأي مجال معرفي أو حياتي. في منهجه الفكري والنقدي، تبنى ثنائيات متضادة، انبثقت عنها بعض المفاهيم النقدية الثنائية، منها: "الاختلاف والاتفاق"، "الثابت والمتغير"، "الاجتهاد والتقليد"، "الحداثة والتراث"، وغيرها من المفاهيم التي اشتغل عليها فكر ونقد حمودة. كيف قاربت وتناولت هذه المفاهيم وهذه الثنائيات في مشروعك التشريحي، وهل يمكن القول، أن المشروع قام بعملية تشريحية مزدوجة؟ نبيل محمد صغير: تفرض القراءة التشريحية على ممارسِها أن يغوص في المفاهيم الثنائية التي ينتظم عبرها العالم والإنسان والنص، لا أن يتّخذ موقفا يميل إلى أحد طرفي الثنائية، وهذا ما حاولت القيام به أثناء حفري في الثنائيات التي تطرّق إليها حمودة. فمثلا ثنائية "الاختلاف والاتفاق" هي المؤطر الفلسفي للفكر البنيوي والتفكيكي، إذ يميل التفكيك إلى اعتبار أنّ العالم مبني على اختلافات وإرجاءات لا يمكن أن نوهم أنفسنا بأنّها بنيوية، إلا على مستوى وهمي يحدث لدى الذات المتلقية، فيما تُدافع أطروحة التوافق على الفكر البنيوي الذي يرى الأنساق الإنسانية مبنية على انتظام وتفاهم لا مثيل له. فالتشريح هو أن تقف في وسط الثنائية لتبين تهافتها، ولتكشف كيف يكون الاختلاف توافقا وفي التوافق اختلاف، وفي الحداثة تراث عميق وفي التراث حداثة مفارقة. هذه المسألة تستدعي كما أسمتها الناقدة والدكتورة "آمنة بلعلى" الانتقال من الوصف إلى المقارنة، ومن الأحكام إلى التنظير، ومن التحليل إلى التأويل، وكل ذلك في حركة بين مدّ وجزر وفي تفاعل كان فيها "عبد العزيز حمودة" قارئا ومقروءا. ماذا عن موقفه من الواقع الغربي ورؤيته للدين والإسلام، وكيف تجلى هذا في خطابه النقدي من خلال ثلاثيته "المرايا المقعرة، المرايا المحدبة والخروج من التيه"؟ نبيل محمد صغير: إنّ المحرك الظاهر والضمني الذي تأسس عليه "خطاب نقد النقد" عند عبد العزيز حمودة والبديل النقدي لديه قومي ديني، فمرد النزعة القومية، حسب حمودة، إلى النكسة العربية التي دفعت العرب إلى أحضان الفكر والمعيشة الغربية. لكن نظرة عبد العزيز حمودة إلى المثقف والمفكر والإنسان العربي، عقب نكسة 1967، أحادية الجانب، فهو دائما يتصوره راغبا في التحديث، الذي يرمي إلى أحضان الغرب، وهذه النظرة في الحقيقة قاصرة، فعقب تلك الهزيمة العسكرية لا الفكرية، ظهرت عدة مشاريع شكّلت هويتَها من التراث العربي نقده وأدبه وفلسفته. أما الجانب الديني لدى حمودة فقد تم توظيفه حين عالج مفاهيم البنية والتفكيك والذات، فرأى أن البنية تلغي الذات في أنساقها والتفكيك يضع الإنسان في موقع عدمي، وهذا فيه الكثير من المبالغة، ويمكن رده لتأثر حمودة بنزعة نقد التحيز المعرفي لدى طه جابر العلواني وعبد الوهاب المسيري، هذا الأخير الذي ذهب أبعد من حمودة في ربط التفكيك لدى دريدا وبول دي يمان بالعقيدة اليهودية، في مسألة ضم هذه الأخيرة لعدد من العقائد غير المتجانسة والمتناقضة، وكذلك ربط المعنى الظاهر بالباطن في تفسير التوراة. ولكن هذه النظرة كذلك فيها نوع من الأحادية لأنّ التفكيك أعقد من أن يكون قد استقى منابعه من العقيدة اليهودية أو أيّة عقيدة أخرى. كما أنّ هذا الذي يراه حمودة تحيّزا إلى الفكر والفلسفة والحياة الغربية قد وقع فيه حمودة من حيث لا يدري حينما حاول تقديم البديل مستندا على ثنائيات قدمها اللساني السويسري دي سوسير، فأراد إخراج الفكر النقدي العربي الذي أسس لنظرية شعرية عربية إلى مجالات أخرى غير عربية، فربط، على سبيل المثال، السرقات الشعرية بنظرية التناص، والفرق المعرفي والسياق الثقافي بعيدان أيّما بعد بينهما. اختلف مفهوم "نقد النّقد" من ناقد إلى آخر، ومن خطاب نقدي إلى آخر، فماذا يمكن أن تقول عنه وكيف وجدت مقارباته وسياقاته مع مفهوم الناقد عبد العزيز حمودة؟ نبيل محمد صغير: خطاب نقد النقد هو الذي يحفر ويغوص في نصوص متنوعة المرجعيات والخلفيات ويربكها، وحمودة استطاع أن يؤسس لحركية كبيرة في النصوص النقدية المدروسة، لكنّه وقع في عدة مطبّات زعزعت خطابه النقدي، من بينها القراءة الاعتراضية للطرح النقدي العربي المعاصر، ففي قراءته ليمنى العيد، مرة أخرى، حاول أن يثبت أنها خرجت عن الإطار البنيوي المحايث، حينما كانت تراوح في تحليلاتها بين الداخل والخارج، ولكن المتعمق في نصوصها يجدها تؤكد اعتمادها على البنيوية التكوينية التي أطّر مبادئها الناقد لوسيان غولدمان، في حين حاول أن يجعل حمودة خطاب كمال أبي ديب غامضا غير مفهوم، لكنه وقع كذلك في مطب التعميم. كما أن خطاب نقد النقد يفترض تقديم البديل، وبديل حمودة جاء مرتكزا على الثنائيات التي قدمها سوسير، كما نقد التفكيك الغربي على لسان جون إليس من خلال كتابه ضد التفكيك، في معظم سياقات نقده للتفكيك كإستراتيجية وفكر، وهذا ما يمكنه اعتباره تحيزا معرفيا نسبيا إلى الغرب، لكن فهم حمودة لكيفية تأسيس العلاقة بين النظرية العربية وتطبيقاتها جاء متباينا ومختلفا عن الطرح أو مفهوم النظرية الغربي، فقد اكتشف أن النظرية العربية تتم عبر التطبيق والتنظير في الوقت ذاته، عكس النظرية الغربية التي تعتمد على التنظير ثم تتحول إلى مرحلة التطبيق. تناولت أيضا في الكتاب خطاب "نقد النقد بين السياقين الغربي والعربي". ما أوجه الاختلاف والتباين بين السياقين؟، خاصة وأن النقد العربي في معظمه، يغرف وينهل سياقاته ومصطلحاته ومفاهيمه وخطاباته، من الخطاب/السياق/المفهوم/المصطلح/ النقدي الغربي؟ نبيل محمد صغير: إن الحديث عن نقد النقد في سياقيه العربي والغربي، لا يختلف كثيرا عن النقد الذي يكون مدونة الأول ومتنه الذي يشتغل عليه، فكل المفاهيم القرائية مستقاة من البيئة الفكرية الغربية، فإذا تأملنا على سبيل المثال طرح تودوروف في نقد النقد نجده ينقسم إلى شقين في الممارسة والمقاربة، فالشق أو المستوى الأول منه تنظيري، فنلفيه، في كتابه نقد النقد رواية تعلم، يستعرض ويناقش أهم رموز الثقافة والنقد في أوروبا القرن العشرين، فمن الشكلانيين الروس إلى بول بنيشو، مرورا بسارتر وباختين ودوبلن وبرشت وبارت وفراي ووات وتودوروف نفسه، ثم ينتقل إلى التطبيق عبر تحليل النصوص التطبيقية، وهذا ما قام به حمودة في تتبعه لمسار النص من منظور النظريات الشكلانية إلى البنيوية إلى ما بعد البنيوية وبعد مابعد الحداثة، أما المستوى الثاني فتمثل في قراءته للنصوص النقدية العربية، وهذا ندرجه في نقد النقد التطبيقي، لكن ما غفل حمودة عنه وغفل عنه معظم النقاد العرب هو نقد المشروع الذاتي أو الشخصي، فنادرا ما نجد ناقد يتراجع عن آراء نقدية تبناها سابقا، فحمودة انتقد النقد الغربي ولم يتراجع عن ارتباطه بالنقد الجديد عدة سنوات. انتشار كتابات عبد العزيز حمودة نتيجة للسجالات هل من مشاريع نقدية/ تشريحية أخرى في الأفق؟ نبيل محمد صغير: هناك مشاريع موسعة تضم عدة مشاريع نقدية معاصرة في البنية والتفكيك. لهذا سترتكز بحوثي القادمة على فهم الحيثيات والإواليات والامتدادات التي يسير وفقها الفكر النقدي العربي المعاصر في خطاباته ومشاريعه المعرفية المتنوعة التي تموضعت بين خطاب فلسفة البنية، وفلسفة التفكيك. كما سيكون عملي مستندا على ثلاثة أبعاد/توجهات أو مشاريع نقدية عربية، لم أراعي البعد الجغرافي ولا التاريخي في اختيارها، بقدر مراعاتي الرؤية المعرفية والنقدية الجامعة للتوجهات وللرؤى الفلسفية والمعرفية المذكورة. وبما أنّ الفكر النقدي العربي موزع على تلك الثنائية: "البنية والتفكيك" وما بينهما وما بعدهما، فإن القول بأنّ مصدر تلك الثنائية هو غربي المنشأ ليس مطلقا، بل إن تلك الأبعاد المتنوعة للفكر النقدي المعاصر تمتد إلى التراث النقدي العربي الذي توزع بين فكر البنية والتفكيك، وما بينهما، وما بعدهما، بمفاهيم مختلفة فعلى سبيل المثال يمكن فهم ابن قتية على أنّه نسقي، كما ذهب في ذلك محمد العمري ويمكن فهم الجرجاني في السياق نفسه، كما فهمه محمد الولي، عكس قراءة مصطفى ناصف التي تنزع إلى التفكيك في فهم بلاغة الجرجاني. أما فلسفة التفكيك في التراث الأدبي والنقدي العربي، فيمكن العثور على تجليات وأصول لها، قد تقترب من طروحات دريدا، وبول ديمان، على سبيل المثال عند ابن عربي والحلاج. أما التيار الثالث الوسطي، فإن وجوده في التراث العربي يبقى فرضية أسعى إلى التحقق منها في البحث.