ممتلكات عقارية تتحوّل إلى أطلال بسبب نزاعات حول الميراث تحوّلت مئات الممتلكات العقارية إلى أطلال و بقيت أخرى واقفة كهياكل بلا روح، بسبب نزاعات حول الميراث حالت دون استغلالها أو استفادة أجيال من الورثة منها طيلة عقود من الزمن، منها ما استمرت النزاعات حولها أكثر من قرن، كقضية الأرض الزراعية الكائنة ببلدية عين عبيد التي استدعي العلامة ابن باديس عام 1946 كطرف شاهد فيها و التي لم تفصل فيها العدالة إلا عام 2003، و غيرها من القضايا المثيرة للاهتمام التي صادفناها أثناء القيام بهذا الاستطلاع. مشاكل العقار و النزاعات بخصوص الميراث التي أدخلت نسبة كبيرة من العائلات الجزائرية أروقة العدالة، و تسببت في قطع الأرحام و وقوع جرائم و تسجيل تلاعبات و تزوير في وثائق رسمية، تحت وقع الطمع و الجشع و نية حرمان الغير مما شرعه لهم الدين و القانون من حق الاستفادة من التركة و الميراث، حيث وقفنا على الكثير من الممتلكات من بنايات و أراض مهملة، لم يتم استغلالها من قبل مالكيها طيلة عقود من الزمن منها ما يعود تاريخ النزاعات حولها إلى القرن التاسع عشر و استمراره إلى يومنا هذا. و في جولة بين عدة أحياء و بلديات بقسنطينة، صادفتنا عدة بنايات و محلات و شقق مغلقة عرفنا من الجيران و حتى أصحاب تلك الممتلكات أن نزاعات حول الميراث تسببت في تركها مهملة، و غير مستغلة كتلك المحلات الشاسعة المتواجدة في كل من حي بن مليك و درب السيدات و سيدي مبروك السفلي بقسنطينة و التي بقيت مغلقة لأكثر من 20سنة، و نفس الأمر بالنسبة لأراض زراعية كانت فيما قبل تذر ذهبا على أهاليها قبل أن تتحوّل إلى أراض مهملة تحوّل بعضها إلى مفرغات تملؤها النفايات مثلما هو حال قطع شاسعة بكل من منطقة قطار العيش و بلدية ابن باديس و منطقة الغراب..و التي عرفنا من عدد من الورثة من أحفاد عائلات معروفة بقسنطينة بأن مشاكل الميراث وراء عدم استغلالها و استفادة الأحفاد منها. و ذكر شاب بأن جده كان من التجار المعروفين في مجال بيع قطع الغيار، لكن بعد وفاته تخاصم أعمامه و تشاجروا فيما بينهم على الورث، فبقي المحل مغلقا قرابة 20سنة قبل أن يقرروا أخيرا التوّجه إلى العدالة و حل النزاع بطريقة قانونية، لم تعجب الكثيرين الذين تعنتوا في تنفيذ حكم المحكمة، الشيء الذي تسبب في بقاء المحل مغلقا لسنوات إضافية، انتهت ببيعه لأحد الخواص الذي لا زال يواجه بدوره مشاكل في تسوية الوثائق الإدارية لكثرة الورثة. و لا تختلف قضية ورثة صاحب محل للحدادة بحي الأمير عبد القادر، عن القضية الأولى كثيرا، حيث أن عدم تفاهم بنات الزوجة الأولى مع أولاد الزوجة الثانية الذين رأوا بأن لهم الأحقية في الإرث أكثر من شقيقاتهم و فضلوا ترك المحل دون استغلال حتى لا تطالبنهم بحقهن في الأرباح التي تعوّدن على الحصول عليها قبل رحيل والدهن مثلما ذكرت إحدى الوريثات. قضايا الممتلكات و العقارات المهملة و غير المستغلة كثيرة و نصادفها في مختلف المدن و القرى، و التي غالبا ما تتكرّر عبارة الميراث و مشاكله عند محاولة معرفة سبب تواجدها في تلك الحالة من الإهمال، غير أن ثمة من القضايا ما ساهمت بعض الخلفيات التاريخية في تعقيد مشكلة توزيع التركة بين الورثة و في هذا الصدد تحدث عدد من المحامين المختصين في قضايا العقار بقسنطينة . قضايا لم تسو منذ سنة 1936 هناك قضايا استمرت النزاعات فيها أكثر من 80سنة و ثمة من لا تزال تسويتها حتى اليوم كتلك التي تابعها المحامي بوكنتوشة الذي تحدث للنصر عن حيثيات هذه القضية التي يعود تاريخ النزاع عليها حسبه إلى سنة 1936 مؤكدا بأن العلامة ابن باديس استدعي فيها كشاهد عام 1946 و لم يتم الفصل فيها إلا عام 2002و هي أرض بعين عبيد تزيد مساحتها عن 400هكتار، كما تحدث عن قضية ثانية حول ملكية عقارية تقع في العثمانية أوقف الخصوم عن استغلالها منذ 1991إلى غاية 2013 و عقارات أخرى أكد عدد من المحامين أنها استمرت أكثر من نصف قرن دون حلول منها ما هو ملك لعائلات قسنطينية عريقة ذات أصول منها عقارات كثيرة في وسط مدينة قسنطينة و مختلف البلديات و قد اختلفت نزاعات العائلة بسبب عدم تفاهم الورثة خاصة المنحدرين من زيجات مختلفة للمالك المتوفى. و من جهتها تطرّقت رئيسة الغرفة العقارية ياسمينة لحماري إلى عدد من الأسباب التي تقف وراء طول الفصل في بعض قضايا الميراث منها عدد الورثة الذي يتطلب عامل استدعائهم جميعا وقتا طويلا، كما يستعين القاضي فيها بخبير، بعد الحصول على الفريضة أو شهادة الملكية أو الشهادة التوثيقية أو البطاقة العقارية، لتأكيد صفة الورثة، و أحقيتهم في الميراث. و رغم أن الفصل في مثل هذه القضايا لم يعد يتجاوز 6 أشهر حسبها، إلا أن الكثير من القضايا تضطر القاضي إلى رفضها شكلا، إلى غاية جمع الوثائق الضرورية و ذلك من خلال الاستعانة بخبير، و إعادة صياغة الدعوى. و ذكرت بأن أغلب المواطنين لا يحضرّون أنفسهم قانونيا إذا غالبا ما يحضرون إلى المحكمة دون الوثائق الضرورية، مرجعة ذلك إلى جهلهم للإجراءات القانونية أو عدم استعانتهم بخبراء و مختصين و اعتمادهم على محامين شباب تنقصهم الخبرة في المجال العقاري، فثمة من القضايا التي يجلب خلالها الملاك عقد ملكية يعود إلى القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين، و قد تكون هذه الملكية قد وقعت عليها بعض التصرفات أو يكون من يدعي الملكية ليس هو المالك الحقيقي، لذا يشترط منه جلب البطاقة العقارية و الشهادة التوثيقية، لأن القانون واضح في هذا الإطار، و هو ما يحول عادة دون التمكن من الفصل في القضايا في وقت أقل. مشاكل العقار في الميراث لا تتجاوز 15 بالمائة و أغلبها لها خلفية تاريخية و ذكر المحامي مبارك بوكنتوشة، بأن أكثر قضايا الميراث التي يطول النزاع حولها تتعلّق بالأراضي الزراعية و ذلك بنسبة 70 بالمائة، مقابل 15 بالمائة تخص العقار بما فيه التجاري، معتبرا الخلفية التاريخية من أهم أسباب ما أطلق عليه فوضى النظام القانوني للعقار، و التي ساهمت في استمرار النزاعات العائلية على الميراث و بالتالي بقاء الممتلكات دون استغلال لأجيال و أجيال. و أشار محدثنا إلى ما تسبب فيه النظام القانوني الفرنسي الذي فتح مجالا أوسعا للتصرّف في مجال العقار ذي الطابع العروشي، لتمكين المعمرين من شراء ما كان يحوزه الجزائريون من عقار أو تركة مصنفة كملك للأعراش، لكنها في الواقع أو بطريقة غير مباشرة كانت ملكا للدولة التركية التي منحتها لها كي ينتفعوا منها و يستغلونها عن طريق رئيس العرش، و الذي يوّزعها على أقاربه لاستغلالها استغلال مؤقت، و هي تركات لا ترث فيها المرأة و لا تتم فيها الملكية التامة، لكن بعد قدوم الفرنسيين، سنت الكثير من القوانين منها قانون 1926 الذي سمح للحائزين على أراضي العرش حرية التصرّف فيها، بغية تسهيل تمليك المعمرين لهذا النوع من الأراضي، حيث بدأت فرنسا بتقسيم الأراضي في شكل تحصيصات فردية أو عامة ،و عند عدم اعتراض أي طرف يجعلون لهم عقود تمليك بواسطة المالك العام للجزائر، و هي العملية التي استمرت ،حسبه، إلى حوالي سنة 1954، و توقفت عند انطلاق الثورة التحريرية لأن المحققين لم يكونوا قادرين على الخروج إلى الميدان، فأصبحت أغلب أراضي العرش بدون وثائق، فيما بقيت بحيازة بعض الأفراد الذين راحوا يستغلون تلك العقود القديمة المتمثلة في عقود البيع المشروط بين الناس و يدعون أنهم ملاك لها و هم غير كذلك، كما أشار إلى قانون 95-26 و المادة 13 منه التي دمجت هذه الأراضي التابعة للأعراش كدمين خاص ضمن أملاك الدولة، مؤكدا بأن أغلب الأراضي بقيت من الناحية القانونية ملكا للدولة، لكن من الناحية الواقعية بقيت في يد أصحابها القدامى لتبقى محل نزاعات عديدة بين الأفراد الذين توارثوها و قاموا بالتصرّف فيها، مما سبب عدم استغلالها ونفس الشيء بالنسبة للعقار التجاري الذي كثيرا ما يواجه الورثة مشكلة عدم توّفر وثائق الملكية على حد تعبيره. مشاكل العقار يطول حلّها لأنها تدور في حلقة مفرغة من جهته أكد المحامي سعيد قرعيش المتخصص في قضايا العقار بأن نسبة قضايا المسح بالجزائر وصلت إلى 17بالمائة و هو ما زاد من مشاكل الملكيات الخاصة، مضيفا بأن المتنازعين على العقار يبقون يدورون في حلقة مفرغة، موضحا بأن القانون في مرسومه 76 يشترط أن لا تبقى الملكية باسم المالك المتوفي و تشترط نقلها بواسطة شهادات توثيقية تؤكد انتقالها من فلان إلى آخر، لكن العدالة لا تكتفي بالملكية و الفريضة فقط و إنما تطلب من المدعي جلب شهادة التوثيق باسم المتوفي، لكن عادة ما يصعب على الورثة تحقيق ذلك، في حال خضوع تلك الأراضي للمسح من قبل قامت مصلحة مسح الأراضي و بالتالي القيام بدفتر عقاري الذي لا يسمح للموثق العقاري بالقيام بشهادة توثيق لأن المسح بإمكانه أن يغيّر من الطبيعة الجغرافية للأرض، و قد يحدث تناقض بين الشهادة التوثيقية و وثائق المسح و عليه ترفض القضية شكلا لانعدام الصفة لأن المحكمة تطلب من الورثة الدفتر العقاري و عندما يتوّجه إلى مصلحة مسح الأراضي، يطلب منهم تقاسم التركة أولا و لفعل ذلك لابد من شهادة توثيقية، كما يطلب منهم المحافظ العقاري أن يتفقوا أولا و عندما لا يتفقون يحدث النزاع و يرفعون القضية للعدالة مرة أخرى و هناك يطلب منهم القاضي شهادة توثيقية و تبقى القضية تدور في حلقة مفرغة و نفس الشيء بالنسبة للبنايات في المدن الكبيرة. العقود العرفية زادت من أزمة الميراث بين العائلات و تحدث عدد من المحامين عن مشكلة العقود العرفية التي تتسبب بدورها في الكثير من مشاكل النزاعات حول العقار الذي يبقى غير مستغل لأن قانون 1971 يرفض كل القضايا التي يحوز أصحابها على عقود عرفية.. و عليه فإن الأطراف المتنازعة غالبا ما تكون بين طرف يحوز على الأرض و الآخر يحوز على وثائق الملكية القديمة و بالتالي لا تسوى الوضعية و يتم توقيف هذه الملكيات عن الاستغلال نهائيا، و كثيرا ما يتسبب ذلك في مشاكل و نزاعات تصل إلى حد العداوة و الشجارات و النزاعات الجزائية من اعتداءات خطيرة تصل لحد ارتكاب الجرائم، كما أكدوا تسجيل يومي لقضايا مشاكل العقار و التي كثيرا ما يتأخر الفصل فيها لأسباب كثيرة منها نقص الوثائق أو التلاعبات و محاولات حرمان المرأة من حقها في الميراث الشيء الذي يؤدي إلى رفض الكثير من القضايا المطروحة على العدالة لعدم توفرها على كل أسماء كل الورثة و بشكل خاص الإناث.