أكتب للذين يشبهونني وتجربتي لا تمثل خصوصية سعودية رجاء عالم كاتبة وروائية سعودية من مواليد مكةالمكرمة، بكل هدوء واشتغال مثمر بالطموح سجلت بصمتها اللافتة، المشعة والمتوهجة في فضاء الكتابة والسرد والإبداع، متنوعة الفن والأدب تجول وتصول بين القصة والرواية والمسرح. أصدرت حتى الآن 10 روايات، اثنتان باللغة الإنجليزية «فاطمة» و«ألف ليلة وليلتي». ومن أعمالها أيضا: "نهر الحيوان"، "طريق الحرير"، "سيدي وحدانة"، "حُبَّى"، "خاتم"، "سِتر"، "موقد الطير"، "أربعة صفر"، "مسرى يا رقيب"، و"طوق الحمام" روايتها الأخيرة الضخمة الموزعة أحداثها وحياواتها وطقوسها ورموزها على 566 صفحة والتي نالت بها جائزة البوكر هذا العام. وأيضا أصدرت عدة مسرحيات منها: "الرقص على سن الشوكة"، "الموت الأخير للممثل"، "ثقوب في الظهر"، و"360 كوة لوجه امرأة" والتي نالت الجائزة الأولى فى التأليف المسرحي والتي أقامها مركز الوطن العربي بمصر. كما أصدرت كتباً فنية عدة بالتعاون مع فنانين، مثل التونسي نجا المهداوي، والمصورة الأميركية ويندي أيوالد ومع شقيقتها الفنانة شادية عالم حيث أنجزت معها كتابا فنيا أدبيا بعنوان "جنيات لار"، وعملا آخر بعنوان "القوس الأسود" والذي ستشاركان به في بينالي البندقية بداية من جوان لهذا العام. ونالت عدة جوائز أدبية في بعض البلدان العربية، وفي باريس ومدريد، منها جائزة «كتاب في جريدة» عام 2005 بمناسبة الإحتفال ب60 عاما على تأسيس «اليونسكو»، وذلك لدورها في إبداع المرأة العربية. وجائزة ابن طفيل للرواية من المعهد الإسباني العربي للثقافة في تونس عن روايتها "أربعة صفر". وجائزة النادي الأدبي اللبناني بباريس عام 2008. وجائزة جوهر السالم للتأليف المسرحي بالكويت عن مسرحيتها "الرقص على سن الشوكة"، كما تُرجمت بعض أعمالها للإنكليزية والإسبانية، وتوجت مسيرتها الإبداعية هذا العام بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، لتصبح رجاء عالم الكاتبة العربية الأولى التي تفوز بهذه الجائزة. معروف عن رجاء عالم أنها قليلة ونادرة الحوارات، وأنها أكثر الكاتبات بعدا عن الإعلام وضجيجه، لكنها رحبت كثيرا وبمحبة بحوار جريدة النصر معها، وفيه تحدثت عن جائزة البوكر وعن روايتها "طوق الحمام"، وعن علاقتها بالمسرح وعن شراكتها وتوأمتها الفنية/الروحية المضيئة باللون والنصوص مع شقيقتها الفنانة شادية عالم. عن هذه المشغولات وبعض الهواجس الأدبية الفنية الأخرى كانت هذه الفسحة الحوارية العابقة بأجواء وعوالم الروائية المتألقة رجاء عالم. حاورتها/ نوّارة لحرش بعد القائمة الطويلة والقصيرة توجتِ بالبوكر وكنت أول امرأة كاتبة تفوز بالجائزة، كيف تلقيت هذا التتويج، وهل أنتِ راضية ومقتعنة بالمناصفة والإقتسام؟ رجاء عالم: البوكر تمنح للكتابة الإنسانية، ولا أعتقد أنه من المنطقي أن تتوقف لجان التحكيم فيها بجنس الكاتب أو جنسيته، وإلا انهارت المعايير. كتبي كلها لا تقف بالتقسيم لذكر أو أنثى، حيوان أو إنسان أو جماد، كلنا تجليات للمطلق، ولا أوافق هذه النظرة الدونية من المرأة للمرأة التي تفخر الآن بحصول امرأة على الجائزة لكأنما هي معجزة تتحقق من كائن متخلف. نوبل أو البوكر أو غيرها من الجوائز العالمية عندما تمنح لأكثر من شخص فلا يعني هذا قسمة التقدير المعنوي لنصفين، أما الذين يتحدثون عن المناصفة فتشغلهم القيمة المادية للجائزة، بينما الأشعري وأنا لم نتوقف بهذا، وإن لي أصدقاء ضمن القائمة الطويلة والقصيرة ولقد حصلوا على عقود ترجمة فاقت قيمة الجائزة، الأهم هذا الإختراق بالكتابة. في تهنئة وزير الإعلام السعودي لك أشار إلى الظلم الذي وقع عليك، برأيك هل من عادة الأوطان العربية ألا تلتفت إلى مبدعيها إلا حين يتوجون بجوائز واستحقاقات من أوطان أخرى، أين يكمن الخلل برأيك؟ رجاء عالم: أنا كتبت للذين يشبهونني في كل مكان وللذين يحملون هاجسي بالإختراق في الزمان والمكان، ومن هؤلاء أتلقى الطاقة، وإن كتابتي تصلني بهم، وهذا يكملني، لم أنظر لمسيرتي قط على أنها يد تمتد بانتظار حسنة أو اعتراف، أكتب لأتمدد في الكائنات وهذا يحدث ويغنيني. لا أعتقد أن الكاتب في أي مكان ينتظر اعترافاً، الكتابة خروج عن كل متوقع، فكيف نكبلها بالتوقع؟ "طوق الحمام" رواية تسرد بعض العوالم السرية في حياة الناس وبعض المظاهر السلبية في مكة، هل فضح هذه العوالم السرية أو الحياة السفلية والإضاءة عليها هو هاجسك الأكبر ككاتبة؟ رجاء عالم: القبض على السر أو المعجز في اللحظة هو هاجسي، الحياة الموت القباحة الجمال الحلم الواقع تنضفر في مكة في كل لحظة وكل لمحة وكل حفنة فسيفساء بشرية، وهذا ما يحرضني، أكتب في محاولة لكشف هذه العوالم أو فتح هذه العوالم واحدها على الآخر و زجي والقاريء فيها. الرواية تطرح قضية معالم وهويات المدن التاريخية بالأخص في مكة، والإستعمال السيء للدين، لماذا ركزت في هذه الرواية بالذات على مسألة هوية المدن والدين في استعمالاته السيئة، هل هناك علاقة مباشرة أو متوازية بين المدن والدين؟ رجاء عالم: ليس الدين وإنما التاريخ والأسطورة والفاني والمطلق هي قضية مكة، ومكة هي الحرم قبل الإسلام وبعده، هي الطير الأبابيل يصد الجيوش والفيلة، القضية ليست قضية دين بعينه وإنما قضية البحث عن الواحد في المتعدد، والرجعة لهذا الواحد، مكة قامت على قلوب تهوي إليها، لمائها لقحطها ولعزلتها بين الجبال البركانية، هي المعتكف المفتوح على الأجناس القادمة لتبادل الفاني، تمجيداً للخالد، كل ما يموت يقود لما لا يموت، هذه هي التركيبة التي تمثلها مدن كمكة معروفة بكونها بيوت الله على الأرض، بيوت الله في القلوب التي تهوي لمكة مع دورة الشمس والعتم، دخول الليل وخروجه بالنهار. الرواية اعتبرت مغامرة معرفية بامتياز. هل يمكن القول أنك ركزت أثناء كتابتها على أن تندرج أو تكون في الإطار المعرفي أكثر من الإطار الفني، هل يمكن القول أيضا أنها رواية تنتصر لهويات ومعالم المدن وتنتصر أكثر لمكة وتحتفي بها بطريقتها الخاصة المختلفة؟ رجاء عالم: المعرفة والفن ما الحد بينهما؟، من يصنع التاريخ وما مدى حقيقية هذا التاريخ؟، كلها بنظري أخيلة تتجسد بمسوح شتى، ومكة تفضح كل ذلك، تختطف الأساطير وتكتبها لنا تاريخاً. كما قلتِ أنها مغامرة، أترك للكتابة أن تغامر بي واستسلم لنشوتها، أنها رواية تنتصر لأسطرة الإنسان لذاته ولكل ما يحيطه، لقد استغرفتني كتابة "طوق الحمام" خمسة أعوام، ولقد تقلبت بي وأمتعتني، جعلتني أكتشف عرق ودم الإنسان المسبوك من جبال مكة، وأولئك المجاورين الذين يتركون كل شيء ويأتون راحلين وراء المطلق. هل تشبعك بالمعالم الغربية الأوربية بحكم تواجدك في فرنسا، جعل نهمك للمعالم العربية الإسلامية بخاصة معالم مكة يشغل حيزا كبيرا من اهتمامك بها وبالتالي يفتح كوة خوفك عليها من اندثارات وتدميرات ممكنة لسبب من الأسباب، هل يعني هذا أن الغربة توثق الإنتماء أكثر بالمعالم الأولى، وهذا ما جعلك تتطرقين لموضوعة معالم مكة في روايتك الأخيرة؟ رجاء عالم: كل منا مسكون بمدينته الأولى، نرحل في المدن والناس نرى الكثير وكل ما نراه ونعيشه ما هو إلا تجليات المدينة الأولى، وبالنسبة لي هذه المدينة الأولى هي مكة، كتبتها من داخلها ومن خارجها ومن قلوب سيداتها وسادتها، من عيون المصورين المتلبسين بالأديان ومن عيني أنا، ومن قلبي الذي تعتصره الوقفة بأروقة الحرم وينهبه جلال الكعبة الغارقة في أستارها كما عباءات جداتي، ليست الغربة في المكان هي التي توثق حميمية المكان الأول، لكن الغربة في التعدد، ومكة بالنسبة لي هي الباب، أقرب المنافذ للواحد، لذا استولت على مشروعي الكتابي منذ كتبت روايتي "حُبَّى" وهي أول أمرأة ملكت مفتاح الكعبة، وتتحدث عن أسطورة مكة، ومروراً بروايتي "طرق الحرير" و"سيدي وحدانة" التي هي سيرة ذاتية لعائلتي وغرائبيتها، جدي لأبي المتصوف الذي يأتيه الرزق تحت سجادة صلاته بالحرم وجدي لأمي الساحر، وحتى رواية "طوق الحمام" التي هي توغل في الأزقة والحجارة، استنطاق لها وتجسيد لما يسكنها من أصداء ومعجزات. عنوان الرواية يحيل إلى مرجعية تراثية ويذكر القاريء مباشرة بكتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، كيف اخترت هذا العنوان وهل هذا من بعض التناصات والتقاطعات أم من ولعك بالتراث، أم مصادفة؟ رجاء عالم: "طوق الحمامة" لإبن حزم في صميم روايتي، فابن حزم يجيء من عصر ذهبي، من نتاج فكري فريد جاء نتيجة للتعايش بين الأديان والتزواج بين حضاراتها، وإن انهيار هذا التعايش هو السقوط الحقيقي للبشرية من الفردوس، تبدأ روايتي بسقوط جسد عار في بيئة لا تسمح بكشف ظفر أنثى، وبسبب عريه كان لابد من طمس ملامحه، وهذا الطمس يقود للنبش في كل الوجوه، وجه عائشة وعزة و وجهي أنا و وجهكِ أنتِ كقارئة، و وجه مكة وكل المدن، من الذي يقتلنا، هذا التبعثر والتشرذم والصلف بين الأنا والآخر. تستلهمين كثيرا من التراث ومن التاريخ، يعني ثنائية التاريخ والتراث حاضرة في جل أعمالك، هل البيئة التي ولدت فيها لها علاقة بهذا الاستلهام، أم هو ولعك الفطري بالتراث؟ رجاء عالم: ليس تراثاً بقدر ما هو أسطورة، مكة هي أولاً وأخيراً أسطورة تحفر تاريخاً فريداً ثم تتحول من جديد لأسطورة من خلال نقض معالمها الجغرافية، هذه التحولات أو هذا المحو مرعب، وحين كتبت "طوق الحمام" اعتبرتها تأبيناً لمكة المسبوكة بيوتاً وناساً من جبالها البركانية، تأبيناً لتلك الجبال التي تدك، ولقد كتبتها بحزن، لكن الآن وحين أسترجع مشاهد منها أشعر بالحياة بالإختراق الذي تمارسه الشخصيات بفرحها ووجعها واحباطاتها، هي شخصيات ترفض الركود رغم كل شيء، وتخترق بكل جروحها وأحلامها. معاذ ابن الإمام يصور، يتخذ التصوير وسيلة لإنقاذ ما يموت، يوسف يكتب مذكرات المدينة المقدسة وعائشة تُهَرِّب الكتب وتهرب العالم الضوئي لزقاق عتيق، وعزة قدمت جسدها لوحة فنية، وربما هي من جرَّد لوحة موت الأنثى في زقاق أبو الرووس. خليل يمزقه السرطان بينما يبحث عن البطل الخارق داخله وفي السينما الأميركية. هي شخصيات مصادمة رغم انسحاقها، وكلها تقول أن مكة لا يمكن تأبينها لأنها لا تموت. مثلما علاقتك حميمة بالتراث والتاريخ والأسطورة، حميمة أيضا بالأمكنة، منها المهمشة، المُغفلة وبالأزمنة المختلفة، أزمنة منفلتة من سياقات ما، إلى أي حد تعنيك الأمكنة والأزمنة، وما سر هذه العلاقة التي بينك وبينهما، كأن قلبك كائن أسطوي مجبول عليهما؟ رجاء عالم: أؤمن بأننا الكون، وأننا نتجسد في هيئات محدودة بهياكل لكي نختبر الغربة عن كمالنا، ومن ثم نرجع إليه عن بصيرة، لذا فإنني أكتب عن أطرافي في الأزقة وفي الجبال وفي الحشرات والكلاب الضالة، الكتابة ما هي إلا محاولة للكمال، للوعي بالكلية لذا فهي منهكة بقدر ماهي ممتعة، لذا فلا شيء يهم إلا لحظة الكتابة، ولحظة تتعرف الكائنات على أنفسها في تلك الكتابة، كل قاريء يخترق هو ذات تنضاف لذات الكاتب، وكل زقاق أو جبل ننقذه من الدمار هو ذات من ذواتنا تُستنقذ. قلتِ: "مكة أوحت لي بألا حد بين الخيال والواقع، فكلها تداعيات، يقود واحدها للآخر". هل يعني هذا عندك أنه لا حد بالمطلق بين الخيال والواقع، أم هي حالة غير ثابتة واستثنائية وقيلت في سياقات ظرفية ما؟ رجاء عالم: هناك أبواب بين الموت والحياة، بين الحلم ومجريات اليقظة، وهاجسي فتحها، ليست القضية في وجود أو لا وجود الحد، القضية في وعينا الذي يخاتلنا بالحد، قشع هذا الضباب عن الحواس، قشع هذا التكتل الذي يحول بيننا والكلية هو ما يحركني، أكاد ألمس تلك العوالم في اتصالها، وهذا المس الخفيف يمنح نشوة طاغية، يمنح سلاماً، هذا السلام هو الأصل. الخيال هو ذاكرةُ كونٍ كُنَّاه في مرحلة ما من وجودنا، هو محاولة استرجاع لتلك الكينونة ولتفاصيلها وتفوقها الذي لا تحتمله بشريتنا. هناك شبه اجماع على أن تجربتك الروائية لا تشكل خصوصيتك فقط إنما تشكل خصوصية الرواية السعودية، إلى أي حد يشعرك هذا بالفخر أو بالحذر والمسؤولية؟ رجاء عالم: للوهلة الأولى لا أوافق من يقول بأن تجربتي تمثل خصوصية الرواية السعودية، ثم استوقفتني كلمة الحذر، وأن تجربتي تناوش هذا الحذر فيَّ وفي القاريء، ربما الحذر من خوفنا نحن البشر من كليتنا، هي خصوصية الإنسان في بحثه عن ذاته، ومقاومته لهذا البحث في ذات الوقت. لو انتابني للحظة أن تجربتي تمثل أحداً غيري ناهيك بقطر كامل لأنعدمت العفوية فيما أكتب، لصارت شيئاً من الإدعاء الذي ترفضه لحظة الكتابة، لأنها لحظة تجرد من كل كبرياء ومن كل الحواجز. كتبت «فاطمة» و«ألف ليلة وليلتي" بالإنجليزية، من أجل ماذا هذه التجربة بلغة أخرى، هل من أجل سقف أكثر حرية مثلا، أم تجربة مغايرة فقط؟ رجاء عالم: "ألف ليلة وليلتي" هي ترجمة "سيدي وحدانة"، بينما "فاطمة" ليس لها أصل عربي، وحين ألجأ للغة الإنجليزية فهي محاولة لخلع هذه الكاهنة التي تلبستني وتكتب بأصوات الصحراء، لكنها لحقتني وصارت تتكلم الإنجليزية وتنشد أناشيدها بلسان الآخر. بالنهاية اللغة الأخرى هي وجود آخر، هي مساحة لكي تحضر الكائنات بلا التابوهات المغروسة في لغتنا الأم. كتبت أيضا عدة مسرحيات وفازت مسرحيتك :"360 كوة لوجه امرأة" بالجائزة الأولى فى التأليف المسرحي والتي أقامها مركز الوطن العربي بمصر، ما قصتك مع المسرح؟، هل يغريك الركح أيضا، الخشبة، الحركة، ماذا تحديدا؟ رجاء عالم: أنا لا أكتب وإنما تتجلي أمامي كائنات، وكنت أعتقد بأن المسرح هو المكان لتجسدها ولازلت، لكن المسرح يضيق علي أحياناً لذا تركت النص يخرج عن حدود المكان ولجأت للنص المفتوح، لكنني سأظل ملهمة بأصوات مسرح شكسبير في الهواء الطلق. والآن مؤخراً فوجئت بطلبة في مدينة شيكاغو بأميركا يعثرون على نص مسرحي قصير لي بعنوان "رأيت الله" ويترجمونه ويخرجونه للحياة، لقد كان تجربة مؤثرة وأيقظت نقطة ضعفي تجاه المسرح. "جنيات لار" كتابك المشترك مع شقيقتك الفنانة شادية عالم، ما هي حيثيات وملابسات هذا الكتاب وكيف حدثت هذه الشراكة الإبداعية الفنية بين الحرف واللون؟ رجاء عالم: "جنيات لار" بدأ بشادية، رسمت جنيات تلبسنني، وحين طلبت مني المنصورية أن أحاورها بالكلمات شعرت بعجز، قضيت شهراً أدور حول تلك الجنيات، ولم أُلهم بكلمة، يمكنكِ القول بأنهن قد ربطن لساني، وفجأة وفي عصر جمعة صرت أطوف محمومة بكمبيوتري، وفجأة ومع ساعة الغروب جلست وانطلقت الكلمات، كانت أصابعي تطير على المفاتيح، وفي نصف ساعة تجمع على شاشتي ما يزيد عن الأربعين نصاً، هي تجليات الجنيات. حين يعايشك مبدع لا يمكن إلا أن تشحذك طاقته وهذا ما تفعله شادية. تجربة أخرى وشراكة إبداعية ثانية بينك وبين شادية هذه المرة في عمل «القوس الأسود» والذي ستشاركان به في بينالي البندقية ال54 والذي ستبدأ فعالياته في جوان وقد تم اختياركما لتمثيل السعودية للمرة الأولى في بينالي البندقية هذا العام، فماذا تقولي عن هذا الاختيار وعن قوسكما الأسود، وعن هذه التوأمة الفنية المتميزة؟ رجاء عالم: "القوس الأسود" ليس فقط تلخيصاً للتوأمية الروحية بيني وشادية وإنما للتوأمية بيننا وبين المكان مكة، من حيث هو الآنفتاح على الآخر، مكة التي تجمع فسيفساء البشر بكامل حضورهم الروحي وتوحد طاقتهم، "القوس الأسود" هو الإختراق الذي حققناه ويحققه كل إنسان في مسيرة حياته، فالحياة ماهي إلا رحيل أبدي، واختراق أبدي من الأسود للماوراء، من المجهول للمطلق المطلع على الكل. أعتقد أن "القوس الأسود" هو التتويج لعملي وشادية، هو ما لم أستطع ولن أستطيع ترجمته بالكلمات، هو أقدم أثواب الكعبة وحجرها الأسود الساقط من السماء ويحقق المعجزات لمن يقبله مخلوطاً بأكثر المواد حداثة والتي تُمرئي وتتبادل التنوير، هو أنا وشادية وإنسان عصرنا الآن. المفهوم الذي يدور حوله بينالي البندقية لهذا العام هو التنوير بين الأمم، بين الإبداعات البشرية وهذا ما يلخصه "القوس الأسود" أو الفلك الأسود.