الكفاءة هي المعيار الوحيد هنا وهكذا عشت قمة الكوريتين تحوّلت أنظار كبرى الفضائيات العربية إليه خلال الأيام الماضية، و صار مرجعا لها في نقل و تحليل مجريات القمة التاريخية بين الزعيمين الكوريين، إنه الجزائري ابراهيم أحمايد، ابن ولاية الشلف ذو ال 33 عاما، الذي استطاع بفضل اجتهاده و عزيمته الصلبة أن يتخطى حاجزي اللغة و الجغرافيا، فكان أول مراسل لوسيلة إعلام عربية في كوريا الجنوبية. في هذا الحوار الذي تنفرد به النصر، يحدثنا الصحفي الشاب عن كواليس تغطيته لقمة السلام و يروي قصة نجاح لم تخلُ من البدايات الصعبة. حاورته: ياسمين بوالجدري اشتُهِرت بكونك أول مراسل لهيئة إعلامية عربية في كوريا الجنوبية، لكن ما قد لا يعرفه البعض هو أنك جزائري ، فهل يمكن أن تعرّف القراء أكثر على من هو ابراهيم أحمايد؟ ولدت بولاية الشلف و تابعت مسارا دراسيا تقليديا و انتهى بي الأمر إلى جامعة بومرداس، أين درست ميكانيك الورشات البترولية ثم عملت بمصنع الاسمنت بالشلف بعد أشهر قليلة من تخرجي.. كان العمل بهذا المصنع حلم جل شباب الولاية بالنظر إلى الأجر الجيد الذي يقدمه، ولكني فضّلت السفر إلى كوريا سنة 2011 و هناك تخرجت من جامعة "كيونغ هي" بعدما درست التجارة الدولية و إدارة الأعمال ، والآن أتابع دراسة الماجستير في جامعة بومبيو فابرا بإسبانيا في تخصص الدراسات الدولية. الصحافة كانت حلم الصغر وكنت عاملا في مصنع الإسمنت بالشلف عملت مراسلا وصحفيا بعدد من الهيئات الاعلامية خلال السنوات التي قضيتها في كوريا و هي على التوالي يونهاب الكورية، الإذاعة الكورية الدولية، وكالة الأنباء الكويتية، «بي بي سي» و الآن «روسيا اليوم»، و قد كنت أول مراسل لهيئة إعلامية عربية و هي وكالة الأنباء الكويتية التي كانت أول وكالة أنباء عربية تفتح مكتبا في سيول. أنت خريج ميكانيك الورشات البترولية و هو تخصص يبدو بعيدا جدا عن مجال الصحافة، فلماذا اخترت هذه المهنة تحديدا؟ كانت الصحافة حلم الصغر، غير أني اخترت تخصصا يضمن لي عملا، ولكني كنت دائم الكتابة بشكل مستقل و متابعا نهما للسياسة و أخبار العالم. وفي كوريا كانت هناك حاجة إلى صحفي يتقن العربية و الانجليزية، و في ذلك التوقيت احتجت إلى عمل و خدمني في ذلك قلة المراسلين الأجانب في كوريا الجنوبية، و ندرة المتحدثين باللغة العربية آنذاك. بالأخير ، يمكن القول إن الأقدار شاءت أن أصبح صحفيا و لاءمَتها الظروف. مرّت علي فترات لم أذق فيها الطعام ل 3 أيام لماذا اخترت خوض مغامرة السفر إلى كوريا الجنوبية، و ليس أوروبا أو كندا مثلما يفعل معظم الشباب الجزائريين؟ كنت مؤمنا بأنني إذا غادرت الجزائر، فيجب أن يكون ذلك لأجل البحث عن بديل أفضل مما أتيح ، ولا أعتقد أنني كنت لأنال ذلك لو اخترت أوروبا أو كندا أو أيا من وجهات الهجرة التقليدية، و أعتقد أني خيرا فعلت باختياري آسيا.. إنها قارة مليئة بالفرص لمن يملك الجدية الكافية و القدرة على التأقلم و كثيرا من الرغبة في النجاح وأطنانا من الاحترام للثقافات المحلية. السبب الآخر الذي دفعني لاختيار كوريا هو العنصرية، كإفريقي مسلم كنت دوما أخشى أن أكون ضحية للعنصرية أو أن تتحول أصولي الافريقية إلى أمر يحد قدراتي في المجتمعات البيضاء، و قد قضيت بعض الوقت كجزء من مساري الدراسي في هولندا العام الماضي، و العنصرية كانت حاضرة معظم الوقت، فتأكدت مجددا أن آسيا كانت خيارا صائبا.. كوريا لا تكترث لكوني مسلما او أفريقيا ما دمت أعمل بنفس جد و جدية الكوريين، بل وأكثر أحيانا ، فنيل تقديرهم ليس بالأمر الهين و لكن ذلك يعتمد على الشخص و قدراته ولا شيء آخر. لم أعامل بعنصرية و الاجتهاد كان المعيار الوحيد هل واجهت صعوبات في التأقلم في بادئ الأمر ، خاصة أننا نتحدث عن بلد لغته صعبة على غير الناطقين بها؟ في القرن الواحد والعشرين لا يجب للغة أن تكون عائقا على الإطلاق، إذ توجد دائما طرق للتواصل، و يمكن دائما تعلم لغة البلد ببعض الاجتهاد ، أما التأقلم فلم يكن صعبا و أعتقد أن جميع الأجانب يشعرون بالأمر نفسه. قد تكون الصعوبة الوحيدة التي واجهتني هي قلة الموارد المالية، فلم يكن معي مال وفير أو عائلة ثرية أتكئ عليها، خلال العام الأول كنت أتناول وجبة واحدة يوميا معظم الأيام ، بل مرت علي أسابيع كنت فيها أتناول وجبة كل ثلاثة أيام ولكن ذلك لم يدم طويلا صراحة. هل تتقن لغات أخرى غير الكورية، و كيف تعلمتها؟ رغم أني درست في الجامعة الكورية باللغة الكورية إلا أنني لا أعتبر نفسي متقنا لها، فكثرة استعمالي للانجليزية في عملي قد تكون سببا في ذلك ، ولكني أتحدث بما يكفي لأجيب على أسئلة الامتحانات. تعلمت الكورية في الجامعة، فكل جامعة تملك مركز لغات يعلم الكورية للأجانب و يعلم أيضا لغات أخرى. أحب أن أعتبر نفسي شخصا منفتحا على العالم، لذلك قضيت وقتا أتعلم الروسية و الهولندية و الايطالية، الأمر مجاني خلال الدراسة الجامعية، وقد نسيت معظمها صراحة، الآن بدأت بتعلم الاسبانية على أمل أن أتابع ذلك حتى إتقانها ، كما أن اللغة الفرنسية تسهل علي تعلم الكثير من اللغات الأخرى. غطيت مظاهرات إسقاط الزعيمة بارك دون بطاقة صحفي عملت كمراسل لفضائيات عالمية على غرار "بي بي سي"، كما تحوّلت خلال القمة الكورية الأخيرة إلى مرجع لقنوات عربية كبرى، أخبرنا كيف عشت هذه التجربة؟ الفضل في ذلك يعود الى تواجدي بالمكان المناسب في التوقيت المناسب، فقد غطيت الأحداث داخل كوريا الجنوبية طوال السنوات الخمس الأخيرة وكنت دائما أقول في نفسي أني سأبقى هنا حتى أغطي الحرب بين الكوريتين أو الوحدة بينهما، فتغطية مثل هذه الأحداث الكبرى حلم كل صحفي و يمكنها أن تكون علامة فارقة في مسيرته. و لا يبدو أني سأغطي أيا من هذين الحدثين بالنظر إلى التطورات الحالية التي قد تؤدي إلى دولتين متعايشتين بسلام، وهذا أمر مفرح و إيجابي طبعا، لذلك تغطية حدث بضخامة إعلان السلام و الزيارة التاريخية الأولى لزعيم كوري شمالي إلى الجنوب، أمر غاية في الأهمية بالنسبة لي، خاصة و أن 3 صحفيين فقط من منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا غطوا الحدث على المباشر، و قد كنت محظوظا لتواجدي هناك رفقة المراسلين اللذين غطيا الحدث للجزيرة و فرانس 24، في حين غطيته لصالح «روسيا اليوم»، تعرفت في يوم واحد على صحفيين من مختلف مناطق العالم، بل و التقيت صحفيين يابانيين غطوا حادثة تيقنتورين في الجزائر. تعلّمت 5 لغات و الفرنسية ساعدتني خلال التغطية كنت أتلقى الكثير من المكالمات من مختلف العواصم العربية إلى جانب باريس و لندن و اسطنبول، كانت غرف الأخبار تتصل لأؤكد لها أخبارا تلقتها أو للظهور على نشراتها الإخبارية و برامجها المحللة للقمة و الوضع في المنطقة، و قد كان الاقبال و الاهتمام اللذين أبدتهما مختلف هذه القنوات بالقمة أكبر مما توقعت، اعتبر تغطية هذا الحدث تتويجا للسنوات السبع التي قضيتها في كوريا الجنوبية. هل أنت متفائل بمخرجات هذه القمة؟ شخصيا أنا متفائل، ولكن العارف لتاريخ العلاقات الكورية والعقلية الأمريكية و رغبتها في التدخل في كل شيء، لا يمكنه إلا أن يتفاءل بحذر. كل ما اتفقت عليه الكوريتان حتى الآن لا يزال حبرا على ورق و يجب الانتظار حتى بداية اجتماعات هذا الشهر على الأغلب لنرى كيف سيتم تنفيذ المتفق عليه، كما أن القمة الأمريكية-الكورية الشمالية يمكنها نسف كل شيء في حال فشلها. أتمنى حقا أن يفاجئنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقبول مخرجات قمة الكوريتين بدون شروط. على كل حال، أعتقد أن الكوريتين الآن أقرب إلى السلام الدائم من أي وقت مضى، خاصة و أن زعيمي البلدين أسسا لما يبدو صداقة حقيقية بينهما. كيف كانت ردة فعل مواطني كوريا الجنوبية كما عايشتها؟ أعتقد أن الكوريين الجنوبيين شعروا بالصداقة التي ذكرتها و فرحوا بهذا التقارب.. رأيت الكثير من التهليل و الدموع بين الصحفيين الكوريين الحاضرين لتغطية الحدث خلال المصافحة الأولى بين الزعيمين، و الكثير ممن تحدثت إليهم قالوا إنهم لم يتوقعوا أن تتطور الأمور بهذه السرعة، وأنهم لا يصدقون أن هذا التقارب يحدث في هذه الأثناء ، لقد كانت لحظات لا توصف، لحظات مليئة بالمشاعر بالنسبة لي أيضا لأني أعي مدى أهمية هذا التقارب الذي أتمنى حقا أن يستمر. صحفيون كوريون بكوا في القمة و لم يصدقوا أعينهم ما الذي يميز تجربة ممارسة مهنة الصحافة في كوريا الجنوبية؟ كوريا الجنوبية بلد يحترم الحريات و يحتل مكانة بين الدول الأكثر احتراما لحرية الصحافة، إذ لم يسبق أن طُلب مني استظهار بطاقة الصحفي، و أنا لا أملكها حتى، رغم ذلك غطيت مختلف الأحداث الرسمية و غير الرسمية، و لم يحدث أن استوقفني أحد حتى أيام تغطية المظاهرات التي أسقطت الرئيسة بارك كون هيه قبل عامين. عدا ذلك يمكنني القول أن كوريا تحترم قدرات الشخص بشكل عام وليس في مجال الصحافة فقط، أتذكر أني حين دخلت وكالة الانباء الكورية الجنوبية مررت عبر 3 امتحانات ، وكان من بين الممتحنين صحفيون بخبرات طويلة في الصحافة و في قنوات عملاقة مثل «أم بي سي» و الجزيرة وغيرها، فاعتقدت أن لا فرصة لدي أمام هؤلاء، خاصة أني لا أملك تجربة صحفية غير التدوين على الأنترنت، و لكني لم أكن أدري أن المعيار الوحيد كان نتائج الامتحانات.. الحمد لله نجحت في الامتحانات و المقابلات و قبلت للعمل بالوكالة. حينها فقط تأكدت أن بإمكاني أن أفعل ما شئت في كوريا ما دمت سأجتهد، و قد حدث ذلك. تفوقت على عاملين ب "الجزيرة" و "أم بي سي» ما هو وضع الجالية الجزائرية في كوريا الجنوبية اليوم؟ لا يوجد الكثير من الجزائريين في كوريا، نحو 150 تقريبا، و كثير منهم موظفون بمختلف الوزارات الجزائرية ممن تتكفل الحكومة الكورية، عبر وكالتها للتعاون و التنمية Koica، بدراساتهم العليا في مستوى الماستر في جامعات كورية، و آخرون من رجال الأعمال الذين يستوردون المنتجات الكورية، و هؤلاء لا يقيمون في كوريا بشكل دائم، كما أن هناك بعض الشباب الجزائري ممن حصلوا على منح جامعية كورية بشكل مستقل و بقدراتهم الذاتية، إنهم مجتهدون جدا ويعدون على أصابع اليد الواحدة.