*مهداوي نصر الدين طالب دكتوراه و أستاذ بجامعة سطيف 2 مع التفشي المتزايد والمتعاظم لوباء الكورونا في مختلف دول العالم والجزائر نموذج الدول التي اجتاحها الفيروس ، أصبح المواطن الجزائري يعيش في دوامة نفسية حرجة جراء حيرة الخوف والفزع والهلع إثر ولوج هذا الفيروس الأراضي الجزائرية ، وأصبح الفرد الجزائري يفكر ويخطط في كيفية تجاوز الأزمة إلا أنه لم يكن بمقدوره فعل شيء سوى الاستنجاد بأهل العلم والتخصص وتنفيذ أوامر حكامه ومسؤوليه خوفا على صحته وأمن مجتمعه . وراح يصب كل أوقاته في منصات التواصل الاجتماعي ليتفاعل مع كم هائل من المعلومات تنتجه جهات معينة ( فاعلو الإعلام الصحي- مديري الأزمة الاتصالية) تنساق كلها في التوعية الصحية وكيفية التعامل مع الوباء وتجاوز خطورته... إلا أن هاته النخبة حقيقة امتصتها روح الحشد - كما قالها غوستاف لوبون - وأصيبت بالهذيان ووقعت كذلك في فخ رواد الفضاء الأزرق ، إذ أصبح المتلقي الجزائري يتفاعل ويستهلك مختلف المحتويات الرقمية بمختلف الوسائط المتعددة نتيجة التأثر القوي والاهتمام الكبير بهذه الظاهرة العالمية ، باعتبار الرسالة الاتصالية منبه قوي ومباشر يدفع المتلقي بالشكل الذي يحقق هدف القائم بالاتصال ، وهذه الديناميكية التي أطلق عليها لاسويل ب « المطرقة الجديدة وسندان الترابط الاجتماعي « ، فالمتلقي خلال أزمة الوباء أصبح يتجه بشكل مباشر للتفاعل والمشاهدة نتيجة شدة التأثر باعتبار أن الرسالة الاتصالية لها بعد سوسيولوجي مباشر ، وهذا التأثر الرهيب كان نتاج كثافة التفاعل والمشاهدة وقد أشارت إليه بعض نظريات الاتصال والتي تعرف بنظرية الغرس الثقافي الذي راح مؤسسها جورج جينبر وزملاؤه بتوصيف عملية الغرس بأنها نوع من التعلم العرضي الذي ينتج عن التعرض التراكمي (لوسائل الإعلام) خاصة التلفزيون حيث يتعرف مشاهد التلفزيون دون وعي على حقائق الواقع الاجتماعي لتصبح بصفة تدريجية أساسا للصور الذهنية والقيم التي يكتسبها عن العالم الحقيقي ، يشرح أسس تكوين الاتجاه السائد و يقصد بالاتجاه السائد التجانس بالأفراد ذو درجة الكثافة الواحدة في اكتساب الخصائص الثقافية المشتركة للمجتمع التي يقدمها التلفزيون كقناة ثقافية حديثة و الصور التي يراها. و بالتالي يمكن الكشف عن التباين في إدراك العالم الخارجي ب الذين يشاهدون التلفزيون بدرجة أقل و الذين يشاهدونه بكثافة كبيرة و بالتالي فإن الاتجاه السائد عبارة عن نسيج من المعتقدات و القيم و الممارسات التي يقدمها التلفزيون في صور مختلفة و يتوحد معها كثيفو ا شاهدة و لا تظهر بينهم الفروق كبيرة في اكتساب هذه الصور أو الأفكار باختلاف خصائصهم الاجتماعية أو السياسية. و بالتالي فإن الاتجاه السائد يشير إلى سيطرة التلفزيون في غرس الصور و الأفكار بشكل يجعل الفوارق أو الاختلافات تقل أو تخفي ب الجماعات ذات الخصائص المتباينة . بناء على مجموعة من المسلمات والافتراضات التي تركز على أن المتلقي كلما كانت كثافة مشاهدته أكثر كلما كانت نسبة التأثر أكبر ، وكما عرج كذلك بأن الاتجاه السائد يتولد لدى الفرد إلى شريحة من الجماهير ، ولإسقاط هذه المقاربة الفلسفية على واقع التلقي لمضامين الكورونا في الجزائر وجدنا أن فعل الاتجاه السائد قد جسد في منصات الفضاء الالكتروني وخاصة في القنوات الفضائية ، مثال : عند الساعة الخامسة 17.00 مساءا نجد الأفراد المتلقين يتشتتون أمام شاشات التلفزيون أو موجات الإذاعة أو في انتظار نشرها من قبل صفحات الجرائد والقنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ككتلة واحدة متجانسة من أجل الحصول على معلومات وبيانات حول حصيلة الوباء في الجزائر ، وهذا راجع إلى وجود عوامل نفسية سيكولوجية مؤثرة على المتلقي نتيجة التهويل والهلع الذي يعايشه خلال هذه الفترة التي غلب عنها روتين الخوف والتوتر جراء الاستهلاك الرهيب لمضامين كورونا على مستوى الاتصال الشخصي والمباشر ( العائلة / الأصدقاء) أو الاتصال الجماهيري ( وسائل الإعلام التقليدية والحديثة). ومن هنا يمكن القول بأن الإعلام لا يؤثر في الناس مباشرة بل من خلال قادة الرأي هذا حسب منظور كاتز ولازارسفيلد وما جعل المتلقي الجزائري يتأثر بأعراض هذا الوباء بناءا على ذلك التهويل الذي تمارسه فئات أرادت نشوب ضجة نفسية في أوساط المجتمع الجزائري ناهيك عن نشر السموم المعرضة للمرض والمشاكل النفسية الناجمة عن خرق أخلاق النشر و عدم احترام مشاعر المتلقين ، ما اضطر على الأفراد المتلقين هجرة الفضاء الأزرق لنيل قسط من الراحة النفسية وتغيير المزاج ، « الكورونا أرحم من التهويل الافتراضي» ، فلم يكن الإعلام هو الذي يحرك الأفراد نحو القواسم المشتركة بين الطرفين بل رواد الفضاء الافتراضي والمواطن الرقمي هو بحد ذاته يحرك في جمهوره وكما سرد في نموذج روجز وكينيكيد ( عملية التلاقي) بأن الوظيفة والدور الذي تقوم به وسائل الإعلام انطلاقا من فهذا النموذج مغيب تماما في ظل الرهانات ، وأن فاعلو الإعلام الصحي ( أطباء / علماء/ أخصائيين) لم يكن باستطاعتهم قيادة جمهور الفضاء الافتراضي من أجل نشر التوعية الصحية واتخاذ إجراءات الوقاية إلا أنها أثرت في فئة قليلة أنا وهي النخبة الواعية التي يسوقها نضج فكري معين تجاه الأزمة - في نفس السياق - بحكم أن الجمهور يعتمد على وسائل الإعلام في تحقيق مصالحه ويلجأ له عند الأوقات والظروف الحرجة حسب نظرية الاعتماد ، باعتبار المنظومة الإعلامية هي نسق اجتماعي ركيز لإدارة الأزمات بمختلف أبعادها لا سيما الدور الهام الذي تلعبه في تبني إستراتيجية تخطيط لإدارة أزمة اتصالية من شتى المناحي ، ناهيك عن إزاحة العوائق الاتصالية التي تشوب نتيجة حدوث تشويش أو خلل يولد فوضى اجتماعية عارمة قد يكون سبب تفاقم الأزمة ، ولا يمكن الإنكار أن وسائل الإعلام الجزائرية تهربت من مسؤوليتها المهنية ، خاصة الإذاعات المحلية والجهوية وحتى الوطنية منها ، وبما فيها بعض القنوات الفضائية ( التلفزيون العمومي نموذجا) التي تجندت لتولي مهامها الاتصالية والإعلامية لتفادي الوقوع في فخ الجائجة covid 19. أزمة الوباء العالمي كوفيد19 و خطاب التواصل في الميديا الجديدة... إن موضوعات الوعي الصحي والاحترازات الوقائية هي أولى الموضوعات التي تصدرت أجندة وسائل الإعلام والتي تناولتها بالرسمية والوضوح بعيدا عن بروباغندا الصفحات الاجتماعية التي تنشر أخبار من غير مصادر والتي يسوقها أشخاص لم ينجحوا في تحقيق الفعل التواصلي العقلاني الجاد في الفضاء الافتراضي العمومي الذي أشاد به هابرماس ، وليس انتقادا من شخصنا بل اجتهادات لبعض المنظرين والعلماء في حقل علوم الإعلام والاتصال أثبتت من خلال الإرهاصات الواقعية أن مبادرة هابرماس تشوبها الكثير من النقائص والثغرات ، ولا يمكنها أن تكون ناجعة في إدارة الأزمات والطوارئ حسب مفهوم أوسكار نيغث «الفضاء المعارض» لهابرماس حيث يرتكز منطلق نيغث في نقده على مفهومين محوريين: مفهوم خصخصة الفضاء العمومي الذي وضعه الأمريكي ريتشارد سينيت، ومفهوم الفضاء العمومي الأفلاطوني (أو أفلاطونية الفضاء العمومي ) كما وضعه البلغاري لشك كولافكسكي ، ليفسِّر دور الممارسة (البراكسيس) والخبرة في تشكل الفضاء العمومي، هذا ما أردنا أن نصبوا إليه في مقالنا هذا بأن الأزمة العالمية ( فيروس كورونا) التي تعيشها الأنظمة الرأسماليَّة اليوم تدفعنا إلى التساؤل حول مستقبلها والاستشراف الذي يقودنا نحو انزلاقات اجتماعية سياسية محضة بالنظر إلى نتائج الأزمة الاجتماعيَّة التي مَسَّت مختلف المجالات: المؤسسات، العائلة، الفضاء العمومي، الشُّغل... حيث يدعو إلى ضرورة فتح نقاش واسع وجدّي حول البدائل الممكنة لمواجهة النخب الجديدة التي ضحَّت بكل شيء باسم أزمة البعد الاقتصادي وأن صراع الأنظمة ( انهيار الاتحاد الأوروبي وتراجع أسعار النفط) كان انعتاق وراء مصالح اللُّوبيات. ويبقى المتضرر الوحيد هنا ا المواطن الذي أصبح ضحية صراعات أنظمة ( القوى الاقتصادية) لا يهمها سوى احتكارية الاقتصاد العالمي حتى ولو يموت نصف شعبها ، فنرى من هذا المنطلق بأن الفضاء العمومي في واقع الأنظمة الكبرى رجحت الكفة إلى المصالح الاقتصادية بدلا من المصلحة العامة والخدمة العمومية المتعلقة بحماية الوطن والمواطن كواجب ديمقراطي وطني لا غير، وعليه فان أوسكار نيغث أوضح بأن الفضاء المعارض مبني على تشكل الآراء والمواقف السياسية لسلطة مضادة للسلطة السائدة أو المهيمنة، وقد مكنته تجربته السياسية والنقابية والتصاقه بالطبقات الشعبية من إبراز أهمية الخبرة والممارسة في تشكل الفضاء العمومي كفضاء معارض. الإعلام الصحي وصراع الزيف المعلوماتي Fake News ... بين التهويل والتهوين باعتبار أن الإعلام الصحي لم يستطع التغليب على فضاء الزيف المعلوماتي والإخباري ونظر لخطورة الوضع فأن هذا الفضاء يطرح محتويات الوباء كوفيد 19 في شكل رسائل اتصالية غير مشفرة تحمل في طياتها مشاعر وعواطف وأحاسيس تنساق وراء التسلية والترفيه والاستهتار والاستخفاف من الوضع ، ورغم خطورته. فقد فشلت المنظومة الإعلامية نسبيا في إقناع الجمهور بالتزامات الحجر الصحي لولا تدخل السلطة بقراراتها الردعية الصارمة، لماذا ؟؟؟ هل هي مشكلة أساليب إقناعية هشة وغير فعالة أم هي مشكلة جمهور لا يكترث لإعلامه – أظنها أزمة ثقة قديمة - فرغم الهرج الذي نعيشه تحت طائلة كوفيد 19 فإن وسائط الميديا أدخلت الجمهور في صراع نفسي رهيب نتيجة المنتجات الطازجة المعروضة على صفحاتها كانت سهلة الاستهلاك من المتلقي ، والأخبار الزائفة والملفقة fake news تغلبت على أدوار الإعلام الصحي الذي لم يستطع التمركز والاحتواء في منصات الإعلام الجديد ولم يعد بمقدوره أيضا فرض أدواره بداخلها حتى يكون في مقدمة المواجهة من أجل تأطير الجمهور توعويا وصحيا لتفادي أزمة الوباء. ما اضطر من قادة الرأي وفاعلو إدارة الأزمات هجرة فضاءات الزيف والتهويل والتوجه لممارسة وظيفتهم في بيئة تواصلية رسمية ذات أطر مهنية وسياسية واضحة وفق قواعد ومعالم محددة. فالواقع مرير لكن الحقيقة تقال ولو مرة ،الإعلام الصحي أدى ولا يزال يؤدي دورا نسبيا في إدارة الأزمة نظير تعامله مع جمهور لا يهضم بعد حس المسؤولية وروح الوعي الفكر والنضج العقلاني – باستثناء- وهذا الإخفاق لم يكن من فراغ بل باتت الحوكمة الإعلامية – مبدأ السيطرة المعلوماتية- من طرف النظام الجزائري الحاكم قيد التضييق والتستر على حصيلة الإصابات والوفيات خشية على نفسية الجمهور الذي قد يترجم السلوكات المكتسبة من وسائط الميديا الجديدة وحتى وسائل الإعلام الكلاسيكية إلى الواقع المزري الذي نعيشه مما قد يشكل خطورة على البيئة الاجتماعية ، إلا أن التحكم في الوضع الرقمي الحالي في الجزائر بات متأخرا نتيجة غياب الرقابة المعلوماتية وحتى الإعلامية في قواعد ومناهج النشر ، وأن الفجوة العميقة بين التقنين الإعلامي ( تشريعات) / ثوابت أخلاقيات النشر ( الضمير المهني) وواقع الممارسة الاتصالية والإعلامية هي انعكاس أزمة اليوم ... وغياب آليات التأطير وتنظيم العمل الإعلامي الجديد ( أنظمة وبرامج رقمية معلوماتية مستحدثة) هي مؤشرات أساسية أفرزت بيئة تواصلية وإعلامية متعفنة يقودها إرهاب المعلومات ...