لأول مرة في التاريخ يزورنا رمضان هذا الموسم و نحن في قلب الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، فيعجز الكثيرون عن إيجاد بدائل لعناصر هذه «المعادلة الصعبة» التي غابت عنها صلاة التراويح في المساجد و عديد الطقوس و العادات و التقاليد الرمضانية العريقة، على غرار تبادل الدعوات لتناول وجبات الإفطار و السهر و السمر و الترفيه عن النفس مع الأهل أو الجيران و الأصدقاء، و هي عوامل كفيلة أن تساهم في تحقيق صيام متوازن يثبط القلق و الإحباط و يشحن الطاقة الإيجابية و يعزز المناعة للتصدي للفيروس الشرس و الفتاك. المختصون ينصحون بتقبل الوضعية الراهنة والتكيف معها، في انتظار تلاشي الوباء ورفع الحجر الصحي، و استغلالها للتقرب أكثر من أفراد العائلة و مشاركتهم أداء الصلاة و تلاوة القرآن في البيت في أجواء روحانية، و كذا متابعة برامج تليفزيونية ترفيهية و تثقيفية، و مد جسور الحوار و التواصل مع كل فرد بها، و تجسيد التكافل و التضامن الاجتماعي. النصر التقت بمجموعة من المواطنين أعربوا عن مخاوفهم من الوضع الجديد، فرمضان هذا العام مختلف تماما عن كافة السنوات الفارطة، و سيضطرون للبقاء لساعات طويلة خلال الصيام و بعد الإفطار بين أربعة جدران، فإجراء غلق المساجد، يحتم على الرجال عدم الخروج لأداء التراويح، و يحتم على زوجاتهم تحمل تقلبات مزاجهم و انفعالاتهم، و قد أعرب لنا عمي الصادق عن حزنه الشديد، لأنه مضطر للتخلي عن الصلاة في المسجد التي تعود عليها لأكثر من نصف قرن، و تمنى أن يزول الوباء و البلاء و تتحقق الفرحة الكبرى برفع الحجر و فتح المساجد مجددا و عودة الحياة إلى طبيعتها، بينما أكدت لنا ربة بيت و أم لخمسة أبناء، بأنها جد منشغلة بخصوص ابنتها المقبلة على اجتياز شهادة البكالوريا التي تواجه صعوبات في التركيز و المذاكرة بالبيت، وسط ضوضاء إخوتها الصغار و نوبات غضب والدها الملتزم بالحجر الصحي منذ أسابيع، بينما قالت لنا السيدة حياة بأنها لم تستقبل الشهر الفضيل بالفرح و الاستبشار كالعادة، ليس بسبب الحجر الذي تعودت عليه، بل لأن فيروس كوفيد 19، فتك مؤخرا بشخصين غاليين على قلبها، و هما والدتها و صديقتها، و تركها رهينة الحزن و الحداد. - إلهام طالب - الدكتور خالد سعيد رئيس اتحاد الأطباء الخواص لناحية الشرق: النظام الغذائي الصحي و الأجواء الروحانية للانتصار على الوباء أكد الدكتور خالد سعيد، رئيس اتحاد الأطباء الخواص لناحية الشرق، للنصر، أن الصيام ينشط الخلايا المناعية، لكن الحجر الصحي يتسبب في شعور الكثيرين بالقلق و التوتر، و الرهان الأكبر بالنسبة للصائمين المحجورين، هو التغلب على كل المشاعر السلبية و استثمار الشهر الفضيل بشكل إيجابي و صحي، بالتقرب أكثر من الخالق و العائلة و الاستمتاع بأجوائه الروحانية. إن ربات البيوت هن الأكثر عرضة للمشاكل و الضغوط، حسب المتحدث، فمهامهن و مسؤولياتهن تتضاعف خلال رمضان الذي جاء مختلفا هذا العام، و يستقطب جميع العائلات في المنازل، لهذا ينصحهن بالتشاور و التفاهم مع أزواجهن و أبنائهن من أجل وضع نظام مسبق، و ضبط برنامج لسهرات عائلية في البيت تبدأ بأداء الصلوات جماعة، و تلاوة القرآن الكريم من أجل بث الراحة و السكينة في النفوس، في أجواء روحانية سامية و كأن الجميع ذهبوا إلى المساجد و لم تغلق بسبب فيروس كورونا. و ينصح الطبيب الآباء أن يخصصوا لأبنائهم بقية السهرة، و يجالسونهم و يتحدثون معهم و يتقربون من عالمهم و يتعرفون على انشغالاتهم و اهتماماتهم، ثم يشاركون المتمدرسين منهم مذاكرة دروسهم، و مشاهدة أفلام دينية و برامج ترفيهية مفيدة ، فإذا شغلوا أوقاتهم بشكل جيد،لا يتركون المجال للفراغ و القلق و التوتر و العصبية، و ترتفع معنوياتهم و مناعتهم. كما يدعو المتحدث الجميع إلى الحرص على أداء تمارين أو حركات رياضية في البيت خلال فترة الحجر، سواء فردية أو جماعية مع بقية أفراد الأسرة، و ذلك لتنشيط الدورة الدموية و مرور الدم عبر الأوردة و الشرايين و العضلات على أكمل وجه و الحفاظ على صحة و سلامة الجسم، كما أن هذه الحركات مهما كانت بسيطة، يمكن أن تعوض المشي ، فتخفف الضغط و القلق بسبب الحجر الصحي و تروح عن النفس، و بالتالي تعزز المناعة للتصدي لفيروس كورونا، و العديد من الأمراض، و يبقى العقل السليم في الجسم السليم، كما عبر. و شدد الدكتور خالد على ضرورة الاعتماد على نظام غذائي صحي و متوازن يعتمد على الخضر و الفواكه ، إلى جانب المشروبات الساخنة، مع تجنب المشروبات الغازية و الإكثار من الحلويات، و الحرص على عدم الإفراط في تناول الطعام، مشيرا إلى أن الحجر الصحي و ما قد ينجم عنه من قلق، قد يصيب البعض بالشراهة «بوليميا» ، و هي أقرب طريق إلى السمنة و الأمراض المزمنة و من ثمة ضعف الجهاز المناعي، محذرا من الوقوع في فخ الشراهة و التخمة، حتى نحقق أهداف الصيام الصحي . و ختم الطبيب حديثه قائلا» إذا أردت أن تنتصر على الفيروس القاتل الذي ينتشر كالنار في الهشيم عبر التجمعات و الطوابير في الأسواق، و تقلص مدة العزل، امكث في بيتك». - الأخصائية النفسانية سليمة مزدور : المرأة الذكية صمام الأمان من الأزمة أكدت الأخصائية النفسانية سليمة مزدور، حرم سدوس، بأن الحجر الذي يتزامن مع رمضان، يسمح للأزواج و الزوجات و الأبناء بالاحتكاك و التعرف على بعضهم، لأنهم يقضون معظم ساعات النهار و الليل معا، عكس الأيام العادية. و ربة البيت الذكية هي التي توفر أجواء مريحة لعائلتها بإمكانيات بسيطة، انطلاقا من تهيئة مكان في بيتها بديكور مناسب، ليصبح بمثابة مسجد مصغر، للصلاة الجماعية، و وضع طاولة في ركن منه تضم مصاحف و مسبحات و مبخرات، فتتخلص من الطاقة السلبية،و تنشر أجواء إيمانية روحية . كما تقترح النفسانية على الأمهات إلى جانب تشجيع أبنائهن على المذاكرة، تأليف مسرحيات و توزيع الأدوار على أبنائهن خلال سهرات الحجر الرمضانية، ومن خلالها تكتشف نظرتهم إليهن و مفهوم الأسرة لديهم، و بإمكانهن أن تنظمن لهم مسابقات في الرسم و الألعاب اليدوية و المطالعة و حفظ القرآن و تقديم جوائز للفائزين، ومن خلال هذه النشاطات تكتشفن مواهبهم و تصقلنها و تشغلن أوقاتهم بشكل إيجابي. و إذا شعرت أي أم بالقلق و التعب فلتتذكر، أمهات أطفال التوحد و المتخلفين عقليا و ذوي الحركة المفرطة و مرضى السرطان ، وتحمد الله. و لتتذكر أيضا الأسر المعوزة، إذا فكرت في الإسراف و التبذير و تخلت عن حسن التدبير. و أضافت الأخصائية بأن الزوجة يجب أن تمتص بابتسامتها و صبرها معاناة زوجها و تذمره ، إذ يحرم من الخروج مع أصدقائه في سهرات رمضان و الصلاة في المسجد و زيارات أهله و توفر له البدائل في بيته. و إذا مرت ربة البيت بلحظات ضعف، يكفي، حسب المتحدثة، أن تجلس مع نفسها و تحاورها و تتذكر أنها كربان سفينة يجب أن يقود أسرته إلى بر الأمان، و بأن ما تعيشه، على غرار كل البشرية، فترة مؤقتة ستنتهي و سلاحها الصبر و الإيمان و الصيام. كما تتيح لنا، كما أكدت الأستاذة مزدور فرصة تقييم أعمالنا و تصحيح مسارنا قبل الجائحة و تعرفنا بقيمة صلة الرحم و العلاقات الاجتماعية و الأسرية، و تدعونا لتوطيدها، و التضامن مع المرضى و المعوزين . - الأستاذ الجامعي و الباحث في علم النفس الدكتور لخضر عمران: فرصة للتقرب من الله و التقارب الأسري قال الأستاذ الجامعي و الباحث في علم النفس العيادي الدكتور لخضر عمران للنصر، أن جائحة كورونا قلبت موازين حياتنا و تصوراتنا للحاضر و للمستقبل، و فرضت علينا وضعية جديدة، غير متوقعة، ضاغطة، مزعجة، و ممتدة عبر الزمن، فالكوارث الطبيعية كالزلازل مثلا، معروفة و تنتهي تدريجيا، في حين أن كوفيد 19، فيروس مستجد ، لا نعرف بالتحديد متى سيضمحل تماما. و أدى تواصل الحجر الصحي الوقائي بعد حلول شهر رمضان، إلى تفاقم مشاعر الخوف و القلق و الإحباط عند عديد المواطنين، فلطالما ارتبط استقبال الشهر بالفرح و البهجة و طقوس و عادات لن يتمكنوا من تجسيدها هذه الفترة، لكن لو تمسكوا بالجوانب الروحانية، و تقربوا أكثر من خالقهم و من أسرهم و شاركوهم الصلاة و تلاوة القرآن، لارتقوا بذواتهم و تغلبوا على هواجسهم. و أضاف النفساني أن هناك بعد آخر للوباء، يركز عليه العديد من المواطنين و هو اعتبار الفيروس عقاب من الله، لأن عباده انحرفوا و ارتكبوا المعاصي و الآثام و ابتعدوا عن قيم دينهم، و حتى البقاع المقدسة و المساجد أغلقت في وجوههم في شهر خير من ألف شهر، ما يجعلهم يتأسفون و يتحسرون و يرفعون أصواتهم بالدعاء لله بأن يخلصهم من البلاء و الوباء بسرعة، و في نفس الوقت تجدهم دائما في حالة تأهب لرصد يوميا الإصابات و الوفيات الجديدة بالفيروس، ومتابعة كل ما ينشر و يذاع و يقال حوله، حتى و إن تعلق الأمر بإشاعات تروج هنا و هناك، حسب المتحدث. و المؤسف أن نسبة كبيرة من ذات الفئة، تفعل كل شيء لاستمرار الجائحة، بدل تلاشيها، حيث تجدها في طوابير و تجمعات بالمراكز التجارية و الأسواق، خاصة قبيل حلول رمضان، لتكديس السميد و مختلف المواد الغذائية و الأواني، مستهترة بكل وسائل الوقاية من العدوى، و متحدية الفيروس، على حد تعبير الدكتور عمران، و لو تفحص الجميع التاريخ، لاكتشفوا أن الأوبئة ظهرت منذ القدم، حتى في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ظهر وباء الطاعون، و قد أعطى الرسول الكريم تعليمات وقائية آنذاك و من بينها المكوث بالبيوت و أداء الصلاة بها، حفاظا على سلامة الأرواح و ليتم التحكم في الوضع. كما أن فترة الحجر الرمضانية هذه ، كما أردف المتحدث، تتيح الفرصة لتشارك الأهل العبادات و تلاوة القرآن و ممارسة الهوايات و التعاون في مختلف النشاطات المنزلية و كذا ترشيد المصاريف و التضامن مع المرضى و المسنين و المعوزين.