حقّقت الجزائر ومعها القضية الصحراوية أول أمس انتصارا آخر على مستوى الاتحاد الإفريقي الذي أكد مرة أخرى على أن المسألة الصحراوية هي قضية تصفية استعمار لا غير، وأن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره غير قابل للتصرف، واتخذ لذلك تدابير عملية عدة لتسريع حل هذا النزاع، بالمقابل تلقى المغرب صفعة قوية بعد أن فشل في سحب القضية من على طاولة الاتحاد وانغمس أكثر في عزلة سياسية ودبلوماسية. و ينبع الانتصار المحقق من الرؤية الصحيحة والثابتة والمبدئية للجزائر اتجاه القضية الصحراوية، رؤية مبنية على مبادئ الأممالمتحدة المتعلقة بتصفية الاستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعلى مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. وبالنسبة للجزائر فإن موقفها من هذه القضية واضح وثابت ومبدئي منذ أكثر من 45 سنة، وهي تقف دائما إلى جانب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وفقا للشرعية الدولية وقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي. وقد كانت رسالة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مباشرة وواضحة تماما خلال اجتماع الاتحاد الإفريقي، للمغرب ولمن يقفون وراءه الذين يتنكرون لحق الشعب الصحراوي، وذلك عندما شدد على أن النزاع في آخر مستعمرة في القارة السمراء الذي طال «لا ولن ينتهي بالتقادم»، وأنه على دول القارة التي تغلبت بالأمس على الاستعمار الأوروبي بصفة عامة بنضالها السياسي و كفاحها المسلح و التي أسقطت النظام العنصري أن تقضي على آخر بؤرة استعمارية في القارة. وأثبت الجزائر مرة أخرى بأن رؤيتها لحل العديد من القضايا الإقليمية سديدة وصائبة باعتراف القوى الكبرى والإقليمية وهو ما تأكد أول أمس بالنسبة للقضية الصحراوية، وما تأكد قبلها بالنسبة للأزمة الليبية والمالية وغيرها. و على الرغم من الكواليس والإغراءات والتآمرات الخفية والمعلنة ضد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره التي قام بها المغرب في الأشهر الأخيرة على مستويات عدة إقليميا ودوليا، إلا أنه تلقى صفعة قوية من الاتحاد الإفريقي المجتمع أول أمس على مستوى رؤساء الدول والحكومات. وقد فشل المغرب في سحب القضية من على طاولة الاتحاد الإفريقي والانفراد بها في دهاليز المؤامرات والحسابات الثنائية المصلحية، كما فشل في تغيير طبيعتها التي تبقى قضية تصفية استعمار إلى أن تجد حلا ضمن هذا الإطار، رغم حملات الإغراء و محاولات شراء الذمم التي قام بها في أوساط الدول الإفريقية منذ سنوات. وجاءت الرسالة واضحة تماما من الاتحاد الإفريقي بعدما اتخذ في قمته المذكورة تدابير عدة لتسريع حل النزاع في الصحراء الغربية، وهي التدابير التي من شأنها إضفاء ديناميكية وإعطاء نفس جديد لجهود الاتحاد الإفريقي لتسوية النزاع في آخر مستعمرة في القارة السمراء. وقد طلب الاتحاد الإفريقي في هذا الصدد من طرفي النزاع وهما جبهة البوليساريو والمغرب فقط- العودة السريعة إلى طاولة المفاوضات لبلورة حل سياسي وسلمي للقضية، استنادا إلى أحكام المادة الرابعة للميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي، مع التأكيد على ضرورة تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. وبهذا يكون المشاركون في الاجتماع قد أسمعوا تلك الآذان التي بقيت صمّاء بأن الأمر يتعلق بتصفية استعمار في آخر نقطة في إفريقيا وبأن حق الشعب الصحراوي في الحرية و تقرير المصير غير قابل للتصرف من أي جهة كانت. و لم يكتف الاتحاد الإفريقي بمجرد دعوة طرفي النزاع بالعودة السريعة إلى طاولة المفاوضات، بل اتخذ إجراءات عملية عبر هياكل الاتحاد من أجل تجسيد هذه الدعوة على أرض الواقع، وذلك عندما أكد على دور مجلس السلم والأمن الإفريقي في متابعة قضية الصحراء الغربية عبر عقد قمتين على الأقل سنويا لمتابعة تطورات الملف، و إعادة تفعيل دور الممثل السامي للاتحاد الإفريقي المكلف بقضية الصحراء الغربية وتكليفه بالبدء في عقد اتصالات مع طرفي النزاع. وأيضا الاتفاق على تفعيل دور اللجنة رفيعة المستوى لرؤساء الدول والحكومات حول قضية الصحراء الغربية، وطلب رأي قانوني من المستشار القانوني للاتحاد الإفريقي حول «القنصليات» التي تم افتتاحها في الأراضي الصحراوية المحتلة في الأشهر الأخيرة، وتكليف المفوضية لاتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة فتح مكتب الاتحاد الإفريقي بمدينة العيون المحتلة لتمكين الاتحاد من القيام بدوره، و طلب الإسراع في تعيين الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وإعادة بعث المسار السياسي لحل القضية الصحراوية. وبكل هذه الإجراءات يكون الاتحاد الإفريقي المتمسك بالمبادئ المؤسسة له وبالشرعية الدولية قد حصر المغرب وحيدا في الزاوية ووضعه أمام الأمر الواقع، وقبل ذلك وضعه أمام الحقيقة التي دائما ما يحاول القفز عليها عبر تحالفات مشبوهة مع قوى أخرى على حساب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وبعيدا عن الاتحاد الإفريقي، وعلى المستوى العالمي فإن القضية الصحراوية ما تزال تحقق الكثير من الانتصارات الدبلوماسية بفعل عدالتها إن على مستوى دول الاتحاد الأوروبي التي أكدت حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وحتى على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أمضى رئيسها السابق دونالد ترامب قرارا ظالما وغير شرعي يعترف فيه بأحقية المغرب في التراب الصحراوي، لكن إدارة جو بايدن الجديدة ليست على هذا النهج، ويبقى هذا القرار غير ذي جدوى من الناحية العملية.