الشعر حرضني على الغناء وهو الداء الذي لن أشفى منه أسعدتني التجربة مع أحلام مستغانمي وانتظروني مع موسيقار عالمي جاهدة وهبة فنانة ومطربة وكاتبة لبنانية، ذهبت بالأغنية صوب سماء طربية أعلى وأرقى في هذا العصر الذي يتسم بالضجيج في كل شيء، تخرجت من الجامعة اللبنانية تخصص علم النفس، تحمل دبلوم دراسات عليا في التمثيل والإخراج من نفس الجامعة، حصلت من المعهد الوطني العالي للموسيقى على إجازة في الغناء الشرقي، أكملت دراستها في الغناء الأوبيرالي العربي والعزف على آلة العود والإنشاد السرياني والبيزنطي والتجويد القرآني، مثلت في المسرح والسينما وكانت بطلة العديد من المسرحيات والأفلام. نالت عددًا من الجوائز كما كرمت في فعاليات وافتتاحيات مهرجانات عربية وعالمية. مثلت لبنان والشرق الأوسط والعرب في عدة ملتقيات عالمية منها مؤخرًا في "ملتقى العربيات المبدعات" في اسطنبول. من ألبوماتها الكثيرة، ألبوم "كتبتني" من ألحانها وإنتاجها ومن شعر: غونتر غراس، أحلام مستغانمي، أنسي الحاج، طلال حيدر، أمل الجبوري، لميعة عمارة، الحلاج، أبو فراس الحمداني. أيضا ألبومها "أيها النسيان هَبني قُبلتك" الذي صدر ضمن كتاب أحلام مستغانمي "نسيان كم" وهو ثمرة جهد مشترك بينها وبين الكاتبة وما زال يتصدّر حتى الآن المبيعات منذ إطلاقه من حوالي عامين. حاورتها/ نوّارة لحرش وهبة بصدد التحضير لألبوم جديد لكتّاب آخرين من بينهم: محمود درويش، أدونيس، أنسي الحاج، طلال حيدر، الأخطل الصغير، سعاد الصباح وأحمد رامي. كما تعدّ ألبوماً كاملا بالعاميّة اللّبنانيّة. تقول جاهدة أن "الغناء ذريعتها للطيران"، لكنها تتوحد مع الأغنية وبها، تصيرها حد الذوبان، فيلتحم الطيران بالذوبان. صوتها ورطة الشعر والطرب والعشق المدرج بالإحساسات العالية. الجدير ذكره أن الفنانة جاهدة وهبة قد أصدرت مؤخرا كتابا أدبيا بعنوان "الأزرق والهدهد/عشق في الفايسبوك" عن دار الساقي، تختزل من خلاله حالة وجدانية للعالم الافتراضي الفيس بوكي. وجاء في الغلاف الخلفي للكتاب: "مقاربة حميمة وشغفيّة وملحمية وجوفيّة للحب، نصّ ثوري جديد، عتيق في إنزياحات الوله نحو باسق الرّيح، نحو جذر الألق، نحو انسكاب الدهشة كمطر". جاهدة التي غنت للكثير من الشعراء والأدباء، قال عنها الأديب الألماني غونتر غراس: "لديها قدرة عجيبة على موسقة الشعر، وإيصال المعاني الكامنة في القصيدة إلى المتلقّي، وكأنها تعيد كتابة القصيدة بصوتها ولحنها، أعجبت جدًا حدَ النشوة بما لحَنته لي خاصةً قصيدتيّ "فيضان" و"لا تمض إلى الغابة". جاهدة اليوم ضيفة كراس الثقافة في هذا الحوار الذي تحكي فيه عن إصدارها الأدبي/أزرقها وهدهدها وعن أشياء أخرى في الفن والطرب والكتابة والشراكات الفنية الأدبية. كتابك الصادر حديثا "الأزرق والهدهد/عشق في الفايسبوك" هل هو سيرة للحبّ والعشق بكل تجلياتهما واقعيا وافتراضيا، كينونة عواطف في حياة الواقع كما في الإفتراضي، هل لك أن تحكي لنا أكثر؟ وكيف ولدت فكرة الكتاب بهذا الشكل المتفرّد؟ جاهدة وهبة: "الأزرق والهدهد" صكّ عشقي وذرفٌ عن الجوى والوجد، أقول ذرف لأنه ليس نثراً ولا شعرا بل هو هطلٌ كالدّمع، كذاك الانفعال الماطر الذي يأتينا في الفرح والحزن في الخيبة والّلوعة في الرّوعة والدهشة. تتبادل "مكاتيب الشّتي" هذه كما نقول بالعاميّة، شخصيتان تسبحان في العالم الافتراضي – عالم الفايسبوك – حيث الواقع ملتبس ومتلبّس بالمجاز والمجاز مسربل بالواقع. كيف ولدت الفكرة؟، أنا فقط "رميتُ بقنديلي في البستان ليبصر جليّاً ثمّ هجعتُ.." كما يقول إيلوار. ولدَت من رحم هذا العالم الإلكتروني، من قصص ألهمتني من ذاكرة هدهدتني وآتٍ وعدني. من قدر بعثرني. ولدت من شهقات تلك الشّهب السّرية الرّهيفة، ولدت من يناع الأحلام. في الكتاب يحلّق العشق والشعر والصوفية والسوريالية وأكثر، هل كل هذا ساهم في تصدّره المرتبة الأولى في مبيعات معرض بيروت الدولي للكتاب، أم اسمك أم فكرته غير المسبوقة؟ جاهدة وهبة: لعلّه اجتماع كل ما ذكرتِ مع اسم كإسم دار الساقي في هذا الكتاب، أو لعلّه جُماع الّلهفة بالآمال أو أن خصب الآه في ناي القلب شرّدت ريحه نحو قلوب الناس حتى أقصى الشّمال. هل تفكرين في تسجيل الهدهد بصوتك أو بعض لياليه، كليلة غودو مثلا، أو ليلة الأنثى؟ جاهدة وهبة: لمَ لا.. لا أظن أنه يضير الهدهد ولا الأزرق بعضُ تواشيح من أنوثة الموسيقى وارتحال الصوت. تمثلين، تلحنين، تغنين وتكتبين، كيف حدثت كل هذه الكينونات الفنية فيك؟، إلى أي حد وسّع الفن كينونتك أو ذاتك المبدعة وذاتك الإنسانة؟ جاهدة وهبة: الفن ضمائري المتّصلة والمنفصلة وأدواتي لاكتشاف نفسي وهتك العالم.. واهتمامي بالفن بكل وجوهه عتيق فيَّ عتق وعيي وهو ميل متطّرف غريزي حاد سعيدة به ولا أستطيعني بدونه، كونه يوسّع أفقي ويجعلني على تماس مع كينونتي، وهو بساط ريح يحملني خارج زماني ومكاني، يسرقني إلى إنعتاقي، إلى منفاي، ينتشلني من العادي ويرفعني إلى هواء أو هوى صحّي، يتعدّدني أصير فيها "جاهدات ".. أكثر من احتمال جميل في نفس الوقت. تختارين النصوص والقصائد بعناية فائقة وبرؤية مثقفة، إلى أي حد تشعرين بمسؤوليتك تجاه النص، وكيف يتكوّن حس المسؤولية بالنص لدى المطرب؟ جاهدة وهبة: أي قصيدة جميلة تحرّضني على غنائها وتستفزني لإعطائها بعدا موسيقيا بصوتي.. ومن عادتي – ولا أعرف إن كانت حميدة أو سيئة - أن أمرض بالقصائد الجميلة ولا أشفى منها إلا عندما أغنيها. لعلّ إحساس المسؤولية بالنص يتولّد من شغف الفنان ومن حرصه على سبغ أبعاد جديدة للمفردات. ربما عليه أن يعامل الّلغة كآخَر مرغوب ومحبوب ومشتهى كأنثى من نور ونار، أن يُلبِسها خاتم حواسّه مجتمعة، حواسّه من البصيرة والعلم والخبرة، إلى معاينته لتجارب الكبار، من لمسه وتلمّسه لمزاج المشهد الغنائي إلى تذوّقه نكهات الأدب والجمال والإبداع. في زحمة الضجيج الذي يعم الوسط الفني الآن، من يطربك أكثر، من حين تسمعين غنائه أو غنائها تحلقين وتقولين: الله، هذا هو الغناء. هذا هو الطرب؟ جاهدة وهبة: بالتأكيد غناء العمالقة يُطربني من أم كلثوم إلى عبد الوهاب، أسمهان ووديع الصافي وكبار غيرهم، ويعجبني أداء كثيرين موجودين على الساحة الآن منهم صابر الرباعي مثلاً وشيرين، كما يطربني غناء الرّاحلتين ربى الجمال وذكرى. قالت أحلام مستغانمي بأن إحساسك يفوق إحساسها بالكلمة التي تكتبها وبأن صوتك بإمكانه أن يرفع أي نص إلى مقام الشعر، ما شعورك حين يقولون صوتك يرفع النصوص إلى مقام الشعر؟ جاهدة وهبة: شعور القوافي حين تُلهب سُدرة الكلام. أشاد بصوتك الكاتب الألماني غونتر غراس الذي غنيت من قصائده أيضا، وقال لديك قدرة عجيبة على موسقة الشعر وإيصال المعاني الكامنة في القصيدة للمتلقي وكأنك تعيدين كتابة القصيدة بصوتك وألحانك. ماذا تعني لك شهادة كهذه؟ جاهدة وهبة: تعني لي الكثير.. عندما أسمع جملة كهذه يكبر فيَّ ذاك الإله الصغير، يكبر ويكبر ليصير بحجم ضوع، بقدرة عطر، يخترق المسام أو يجوب الأنسام، مخلّفاً وراءه فرحاً قزحياً على شكل قلب.. باحثاً عن مصدره الأصلي، عائداً دوماً إلى من يحب. كيف عشت تجربة "أيها النسيان هبني قبلتك"، والذي صدر مرفقا مع كتاب مستغانمي "نسيان كوم"، وهل هناك شراكات فنية أدبية أخرى على غرار "أيها النسيان"؟ جاهدة وهبة: التجربة مع العزيزة أحلام أضافت قمحا إلى البال وأسراب ضوء، و"النسيان" أسّس لذاكرة ما في الثنائية الفنية ربما قلّت في عصرنا الحالي، قد يكون لي في المستقبل شراكة فنية مع وجه موسيقي عالمي أترك للشهور القادمة مهمّة وأمل تقديمها. كان من المفروض أن تغني أنت في مسلسل ذاكرة الجسد، لكن هذا لم يحدث، لماذا؟ جاهدة وهبة: ظروف كثيرة طرأت حالت دون ذلك، علماً أني أعتبر أن المسلسل لم ينصف الرواية بتاتاً. غنيت للكثير من الشعراء، من كان الأقرب بقصائده إلى روحك وذائقتك وإحساسك؟