الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    لبنان: الأطفال في جنوب البلاد لا يتمتعون بأي حماية بسبب العدوان الصهيوني    قطاع الصحة : تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    وزير الداخلية يؤكد من إيطاليا أن معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية تتم عبر رؤية شاملة    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال 7 بإيطاليا: السيد مراد يلتقي بنظيره الليبي    زيارة المبعوث الأممي لمخيمات اللاجئين: الشعب الصحراوي مصمم على مواصلة الكفاح    نهب ثروات الصحراء الغربية : أحكام محكمة العدل الأوروبية "نصر كبير" للشعب الصحراوي    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة حول المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    استشهاد 11600 طفل فلسطيني في سن التعليم خلال سنة من العدوان الصهيوني على قطاع غزة    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    ملفّات ثقيلة على طاولة الحكومة    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم "قصر الباي" في أقرب الآجال    مجلس الأمة يشارك بنجامينا في اجتماعات الدورة 82 للجنة التنفيذية والمؤتمر 46 للاتحاد البرلماني الافريقي    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025 / الجزائر: "تأكيد التحسن المسجل في سبتمبر"    الألعاب البارالمبية-2024 : مجمع سوناطراك يكرم الرياضيين الجزائريين الحائزين على ميداليات    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: الطبعة ال12 تكرم أربعة نجوم سينمائية    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المشروع التمهيدي لقانون المالية 2025- تعويض متضرري التقلبات الجوية    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    نعكف على مراجعة قانون حماية المسنّين    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجمات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام: 20 أوت.. محطتان في المسيرة من أجل الاستقلال
نشر في النصر يوم 20 - 08 - 2022

تحل اليوم 20 أوت ذكرى مزدوجة ومحطة تاريخية هامة ليس فقط في مسار الثورة التحريرية المجيدة إنما أيضا بالنسبة لمستقبل الجزائر، ذكرى هجمات الشمال القسنطيني الخالدة سنة 1955، وانعقاد مؤتمر الصومام في 1956.
لقد شكلت هجمات الشمال القسنطيني في العشرين أوت من العام 1955 حدثا بارزا و عظيما في تاريخ الثورة المجيدة، بل كانت محددا جوهريا لمصير هذه الثورة بعد قرابة العشرة أشهر عن اندلاعها، وبعد الحصار المطبق الذي فرضته القوة الاستعمارية على منطقة الأوراس، وبعد القبض على قائدها الشهيد البطل مصطفى بن بوالعيد، وأيضا توقيف قائد المنطقة الرابعة رابح بيطاط.
ولم يكن من السهل على البطل الشهيد زيغود يوسف ورفاقه في قيادة المنطقة الثانية التاريخية اتخاذ مثل هذا القرار الخطير في ظل غياب أي تنسيق أو اتصال بين قيادة الثورة التي افترقت عشية الفاتح نوفمبر 1954.
ومن هنا يمكن إدراك حجم المسؤولية الكبيرة و"المغامرة" إن صح التعبير، التي تحملها زيغود ورفاقه قبل الإقدام على تنظيم هجمات واسعة في المنطقة التاريخية الثانية وفي وضح النهار، وليس في جنح الليل كما هو الشأن بالنسبة للعمليات الأولى للفاتح نوفمبر.
إلا أن الوضع الذي آلت إليه الثورة التحريرية في أشهرها الأولى خاصة في منطقة الأوراس، حتم على زيغود تحمل ما لا يطاق من المسؤولية التاريخية من أجل إنقاذ هذه الثورة، كيف لا وهو أحد صناعها منذ البدايات الأولى وأحد كبار المناضلين من أجل القضية الوطنية.
لكن على الرغم مما سبق ذكره فإنه لا يمكن تصور أن زيغود اتخذ قرار شن هجمات واسعة دون تفكير وتخطيط استراتيجي لتحقيق أهداف استراتيجية، بل إن رؤية هذا البطل كانت بعيدة وثاقبة.
فعلاوة على الهدف الواضح وهو فك الحصار المضروب على الأوراس وتخفيف الضغط الفرنسي عنه بعد محاولة فرنسية كبيرة لإخماد نار الثورة وفرض حالة الطوارئ، فإن هجمات الشمال القسنطيني كانت لها أهداف استراتيجية أخرى، أولها إقحام كافة فئات الشعب ومناطق الوطن في زخم الثورة و تأكيد شموليتها للوصول إلى نقطة اللاعودة في مواجهة الاستعمار الفرنسي.
ثاني هذه الأهداف تدويل القضية الجزائرية من خلال عمليات عسكرية وهبة شعبية كبيرة تظهر للعالم أن هناك شعبا يبحث عن استقلاله ويريد التخلص من الاستعمار الفرنسي.
ثالثا وضع كل التيارات السياسية الوطنية التي كانت لحد تلك اللحظة مترددة بشأن الثورة أمام مسؤوليتها التاريخية من أجل اللحاق بكفاح الشعب الجزائري دون أي تردد، وعلى المستوى السياسي أيضا تكذيب تلك الادعاءات الفرنسية التي كانت تقول بأن الثورة تابعة لعواصم خارجية وإثبات أنها ثورة جزائرية شعبية بحتة.
وعلى الرغم من القمع والتقتيل الكبير الذي واجهت به القوات الاستعمارية الفرنسية تلك الهجمات إلا أنها حققت جميع أهدافها الإستراتيجية المادية والسياسية والإعلامية ، فقد عمت الثورة جميع مناطق الوطن وانخرط فيها جميع فئات الشعب وتياراته الفكرية و السياسية بعد ذلك، وشهدت القضية الجزائرية تدويلا لأول مرة في مؤتمر باندونغ، كما تم الاعتراف بعد ذلك بجبهة التحرير الوطني ممثلا وحيدا للشعب الجزائري.
وبما أن الأحداث التاريخية متسلسلة ومترابطة فإن هجمات الشمال القسنطيني كانت من بين العوامل التي دفعت إلى عقد مؤتمر الصومام في نفس التاريخ من السنة التي تلت الهجمات أي في 1956، إذ أن توسع رقعة الثورة و زيادة جدوتها بما تطلبته من لوجيستيك ودعم مالي ومادي بالسلاح وتنظيم الصفوف وتنظيم الشعب، هو الذي دفع بقادة في الثورة إلى التفكير في عقد مؤتمر وطني بعد سنتين من اندلاع الثورة لتقييم ما أنجز والتفكير في المستقبل.
وعلى هذا الأساس جاء مؤتمر الصومام الذي يعتبر هو الآخر محطة هامة في الثورة خاصة من الجانب التنظيمي، رغم ما قد يقال عنه من هذا الطرف أو ذاك، فهذا المؤتمر شكل أول لقاء لقادة الثورة- رغم عدم حضورهم كلهم- منذ الفاتح نوفمبر 1954، بل ويعتبر تنظيمه ودعوة قيادات لحضوره وتأمين مسارهم للوصول إلى مكان انعقاده و الحرص عليهم، يعتبر في حد ذاته تحديا بالنظر للوضع العام الذي كانت عليه الجزائر في ذلك الوقت، وحالة الطوارئ التي كانت مفروضة على البلاد برمتها.
لقد وضع مؤتمر الصومام تنظيما جديدا للثورة من حيث الرتب العسكرية و أعاد تنظيم فرق جيش التحرير الوطني وطرق عملها، ورسم سياسة إعلامية ودعائية للثورة وسياسة دبلوماسية وخارجية لها، و أنشأ هياكل سياسية لها مثل لجنة التنسيق والتنفيذ التي عوضت بعد عامين بالحكومة المؤقتة، والمجلس الوطني للثورة الجزائرية. و بعيدا عن الخلافات والاختلافات السياسية حول هذا المؤتمر يبقى 20 أوت 1956 محطة تاريخية أخرى في مسار الثورة التحريرية.
واليوم وعلى الرغم مما كتب عن هجمات الشمال القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام فإن هذين التاريخين مازالا بحاجة للكثير من الدراسات والبحث على وجه الخصوص، لأنهما فعلا شكلا منعطفا هاما في تاريخ الثورة التحريرية وبالتالي منعطفا في تاريخ البلاد ومستقبلها.
ويجدر بنا اليوم في خضم حرب الذاكرة أن نولي اهتماما خاصا للأحداث الوطنية الكبرى ولصانعيها، وأن نقف على كل التفاصيل التي صنعت منهم أبطالا حقيقيين، ومن واجبنا إبراز بطولاتهم و عبقريتهم، والتوثيق لكل الأحداث التي كانوا فاعلين فيها.
في خضم حرب الذاكرة أيضا تعتبر هجومات الشمال القسنطيني أكبر إدانة لفرنسا الاستعمارية التي قتلت في ظرف أسبوع فقط الآلاف من أبناء مناطق الشمال القسنطيني، ولا تزال أدوات الجريمة شاهدة إلى اليوم كما هي الحال في سكيكدة التي تحتفظ في متحفها بالجرافة التي استعملتها القوات الفرنسية لدفن الآلاف من الضحايا.
ودون شك فإن التعمق في البحث التاريخي سيكشف عن جرائم وأدوات أخرى لما حدث في العشرين أوت من سنة 1955.
إلياس -ب
مجاهدون يؤكدون في ندوة بقسنطينة : 20 أوت 1955 مرحلة انتقالية مفصلية في تاريخ الثورة
أكد أول أمس، مجاهدون ومؤرخون في ندوة تاريخية بقسنطينة أن أحداث 20 أوت 1955 تعتبر مرحلة انتقالية مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية، حيث فك الحصار عن منطقة الأوراس ووضع حدا لحالة التردد بين أوساط الشعب، كما وصفه متدخلون بأنه يعتبر الانطلاقة الحقيقية للثورة.
ونظم متحف المجاهد لولاية قسنطينة ندوة تاريخية حول أحداث 20 أوت 1955، حيث حضر فيها أعوان وإطارات مديرية الأمن لولاية قسنطينة، في حين أفاد أستاذ التاريخ محيي الدين خياط الذي افتتح الجلسة أن الشعب الجزائري قد عرف ستة أحداث مهمة مرتبطة بالثورة التحريرية هي كل من 8 ماي 1945 وأول نوفمبر 1954 وهجمات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، فضلا عن تشكيل الحكومة المؤقتة ويوم النصر واسترجاع السيادة الوطنية في 5 جويلية 1962. وأضاف نفس المصدر أن هجمات الشمال القسنطيني كانت رسالة موجهة إلى الخارج أيضا.
من جهته، ذكر الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين، محمود بوربونة، أن فك الحصار عن منطقة الأوراس كان من بين أهداف هجمات الشمال القسنطيني، في حين نبه أن الثورات السابقة لنوفمبر كانت محدودة في الزمان والمكان، لذلك كان الاستعمار يسهل على الاستعمار محاصرتها والقضاء عليها، على عكس ثورة التحرير التي كانت شاملة وغير محدودة.
وأضاف نفس المصدر أن الهجمات كانت ناجحة وحققت أهدافها رغم الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف الشعب الذي استشهد منه حوالي 7000 آلاف جزائري في سكيكدة فقط، بينما اعتبر أن أفراد الشعب أخذوا في الالتحاق بالثورة بعد 20 أوت 1955، فضلا عن الأمور صارت واضحة للأحزاب والمنظمات الوطنية، فضلا عن أنها وضعت حدا للمشككين والمترددين، كما أن الثورة استطاعت بعد الهجمات المذكورة أن تدرج القضية الجزائرية في جمعية عامة للأمم المتحدة، وقد اعتبر المتحدث أن الانطلاقة الحقيقية للثورة التحريرية كانت في هذا التاريخ.
أما المجاهد نور الدين بلارة، عضو منظمة المجاهدين المكلف بالتاريخ بقسنطينة، فقد قال أن هجمات الشمال القسنطيني قد امتدت إلى غاية 20 أوت 1956، مشيرا إلى أن مؤتمر الصومام هو الذي وحد جميع المناطق وأعاد هيكلة المناطق وتنظيم الوحدات والكتائب والفرق، كما أبرز أنه كان سينظم في المنطقة الثانية، قبل العدول عن ذلك بسبب بعدها عن بعض المناطق فتم اختيار الصومام.
وحضر الندوة المجاهد عبد الله بوداموز، الذي قدم شهادة حول أحداث 20 أوت 1955 في منطقة سطارة بجيجل، وتحدث عن مختلف تفاصيل التحضيرات والهجوم، كما قدم مدير المتحف محمد خشة المجاهد العربي بلقج، وطرح عليه أسئلة في الندوة حول حادثة الهجوم على الكازينو بوسط مدينة قسنطينة، في حين أوضح المجاهد أنه علم، عندما التحق بصفوف جيش التحرير، أن مسعود بوجريو هو من قام بالهجوم. سامي .ح
المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث في حديث للنصر: هجومات 20 أوت 1955 عجلت بتدويل القضية الجزائرية
* الهجومات وضعت حدا فاصلا ونهائيا بين مؤيدي الثورة وأعدائها
* تحقيق رهان احتضان الشعب وبشكل نهائي العمل المسلح ضد فرنسا في كل مكان
حاوره: عبد الحكيم أسابع
أكد الأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث، المؤرخ والأكاديمي بجامعة الجزائر1 بن يوسف بن خدة، بأن هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني، لم تأت بشكل عشوائي، بل جرى الإعداد والتحضير لها نفسيا وسياسيا بشكل محكم وأن أهدافها حُددت بدقة ما جعلها تعتبر بمثابة " أول نوفمبر ثان " لمكانتها وتكريسها للطابع الجماهيري للثورة.
كما أبرز البروفيسور بلغيث في حوار للنصر بأن هذه الهجومات وضعت حدا فاصلا ونهائيا بين مؤيدي الثورة وأعدائها كما أنها قضت نهائيا على أمل العدو الفرنسي ومخططاته الرامية لزعزعة الثورة ووأدها في المهد، وخلقت بذلك تصدعا في أوساط الرأي العام الفرنسي وفضحت أكاذيب الإعلام الفرنسي المروجة للأكاذيب الساعية لتشويه الثورة الجزائرية.
وإلى جانب ذلك فقد حققت القضية الجزائرية – يضيف محدثنا - نتائج باهرة على الصعيد الدولي وتم تسجيل القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العاشرة بتاريخ 30 سبتمبر 1955.
* النصر: كيف اتسمت أجواء وظروف الإعداد والتحضير لهجومات 20 أوت 55 وكيف جرى التنسيق بين البطل زيغود يوسف وقادة الثورة في الأوراس؟
أ.د. بلغيث: لقد دام الإعداد لهذه الهجومات فترة طويلة، بما يقارب الثلاثة أشهر، حسب شهادات الأحياء من المجاهدين، ولم تأت بشكل عشوائي، وقد كان البطل الشهيد زيغود يوسف صاحب الفكرة ومهندس انتفاضة 20 أوت 1955م، يشعر بأن مصير الثورة على الأقل في المنطقة الثانية يقع على مجاهدي المنطقة، فلا بد من الإسراع، بالنصر أو الشهادة، وكانت الانتفاضة قد حددت الأهداف منذ الأيام الأولى للهجومات.
فتم الإعداد لهذه الهجومات من خلال التحضير النفسي، والسياسي، وتدارس الأوضاع المحلية، والإقليمية، والدولية، حيث قام زيغود يوسف بصفته قائد منطقة الشمال القسنطيني بتوجيه الدعوة في أوائل شهر جويلية إلى كافة المسؤولين بالمنطقة، للحضور إلى المكان المعروف ب»بوسطور»، قرب سيدي مزغيش، جنوب غرب سكيكدة، على بعد حوالي 35 كلم، ثم تغير موقع الاجتماع إلى المكان المسمى »الزمان»، ببلدية محمود بوشطاطة (الحدائق).
وأثناء توجه المجاهدين، إلى مكان الاجتماع، اكتشف العدو مجموعة منهم فاشتبكوا معه في معركة يوم 20 جويلية 1955، استشهد فيها المجاهدان، محمود نفير والحاج القسنطيني المدعو الألماني، وتدخلت طائرات العدو دون جدوى، وتم القضاء على عسكريين فرنسيين، وجرح ثالث.
وقد تمكن المجاهدون من لم شملهم، وواصلوا طريقهم إلى مكان الاجتماع، ومن بين الذين حضروا اجتماع «الزمان» عمارة بوقلاز، بمرافقة اثنين من ناحية سوق أهراس (القاعدة الشرقية فيما بعد)، إلى جانب عبد الله بن طبال، ومصطفى بن عودة، وعلي كافي، وصالح بوبنيدر (صوت العرب)، وبشير بوقادوم، وأحمد رواي، المدعو الرواية، وغيرهم، وتم توزيع المهام والمسؤوليات بينهم.
* النصر: ما هو تأثير هجومات 20 أوت 55 على مجرى الثورة التحريرية؟
أ.د. بلغيث: تلقى الشعب الجزائري في الأرياف، والمدن أصداء هذه الانتفاضة بالافتخار، والزهو، وانضم الآلاف من الشباب المتحمس للثورة إلى صفوفها، فكانوا الوقود، والسواعد المفتولة، التي سجلت على جبين الفرق العسكرية الاستعمارية مدى جبنهم، ورعبهم، وهم يجابهون المجاهدين في الجبال، والسهول.
وقد حققت هذه الهجومات أهداف اجتماع «الزمان»، إلى جانب تحقيق أبعاد سياسةي لمهندس الانتفاضة الشهيد البطل زيغود يوسف رحمة الله عليه.
وانهارت معنويات القتلة من أمثال "بول أوساريس" و»كروفو» رئيس بلدية سكيكدة، و»ديبلي» رئيس بلدية رمضان جمال، وغيرهم من المجرمين، والقتلة، فيما تحقق بالمقابل الطابع الجماهيري للثورة، والقضاء على آمل العدو الفرنسي الذي كان يتوهم بأن " القوات الاستعمارية ستقضي على "قطاع الطرق"، و "الفلاقة" خلال أشهر ثلاثة.
كما كانت انتفاضة 20 أوت 1955 قد قضت نهائيا على الحلول الاستعمارية العرجاء، وقضت على الانتخابات المزمع قيامها في تلك الفترة.
ولا يختلف اثنان من أن انتفاضة 20 أوت 1955 كانت ملحمة ثورية شكلت انعطافًا كبيرًا في مصير الثورة، وهي من الملاحم الكبيرة في تاريخ الجزائر خلال القرن الماضي، ويكفي مهندس الانتفاضة فخرًا أنه بعد سنة كاملة وفي 20 أوت 1956م عقد مؤتمر الصومام، وهي تحية خاصة للثورة عامة بكل الجزائر، وتحية خاصة للمنطقة الثانية بالشمال القسنطيني.
* النصر: لماذا تعتبر هجومات الشمال القسنطيني بمثابة أول نوفمبر ثان ؟
البروفيسور بلغيث: تعبر انتفاضة 20 أوت 1955 النفس القوي الذي لا يشبهه في تأثيره على المجتمع والدولة الاستعمارية إلا ما وقع ليلة الفاتح من نوفمبر لهذا تسمى هذه الانتفاضة نوفمبر الثانية لمكانتها واستقطابها لأبناء الشعب.
* النصر: ما هي الأبعاد العسكرية والسياسية لهجومات الشمال القسنطيني على القاعدة الشرقية للثورة التحريرية ؟
أ.د. بلغيث: القاعدة الشرقية بمفهومنا هي الولاية غير المعلنة قانونا التي تأسست بين المنطقة الثانية والأولى من أجل أن تكون فاصلا بين الداخل، الجزائر، وبين تونس ولتكون قاعدة لجمع السلاح وهو ما كان يفكر فيه بشكل كامل عمارة بوقلاز، وكل شخصيات الجهاد في سوق هراس خاصة.
* النصر: ما هي أهم النتائج التي ترتبت عن هجومات الشمال القسنطيني داخليا وخارجيا، سيما ما تعلق منها بتعزيز الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية ؟
أ.د بلغيث: لقد كان مشروع البطل زيغود يوسف يتمثل في تجديد العهد مع الثوار لمواصلة الحرب على المشروع الاستعماري المعروف ب " سياسة التهدئة، وهي عنوان الإبادة الجماعية للسكان كما كان يفعل مجرمو فجر فرنسا الاستعمارية بيجو لامورسيير كافينياك"، الذين كانوا القدوة الحسنة والمثل الأعلى للمجرم شارل ديغول.
وحتى تتضح الصورة هل الأوراس التي كانت تزود الولاية الثالثة مثلا بالسلاح وأرسلت القيادة العامة للثورة بقيادة المجاهد شيحاني بشير نجدة من رجال أشاوس لمساعدة الشمال القسنطيني في عملياته الجريئة ضد الكولون وضد الجيش والشرطة الفرنسية في وضح النهار، تحتاج من يفك عنها الحصار، وقد كانت بشهادة "دومنيك فارال" جهنم التي تواجه مشروع بارلانج والمسح الشامل لجبال الأوراس والنمامشة.
لهذا حتى يكون السياق واضحًا كان جاك سوستيل وأمثاله يعلمون خطورة تعميم الثورة وكسب رهان الشعب الذي احتضن بشكل نهائي العمل المسلح ضد فرنسا في كل مكان.
وهكذا ورغم الوحشية التي قوبلت بها هجومات الشمال القسنطيني من طرف الاستعمار الفرنسي إلا أنها أسفرت على مجموعة من النتائج الهامة كانت في صالح الثورة التحريرية من بينها إفشال المخططات الفرنسية الرامية لزعزعة الثورة ووأدها في المهد، حيث مني جيش الاحتلال بخسائر مادية وبشرية جسيمة، وأكدت انتفاضة 20 أوت 1955، على أن جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للقضية الجزائرية.
وتم تسجيل قيام تضامن كبير بين الشعب والثورة الجزائرية، وضع حدا فاصلا ونهائيا بين مؤيدي الثورة وأعدائها كما وضعت أحزاب الحركة الوطنية أمام الأمر الواقع للانضمام للثورة، كما قضت على فكرة الإدماج وخلق القوة الثالثة التي كان يدعو إليها جاك سوستال، إلى جانب أنها فكّكت و أحدثت شرخا في صفوف جماعة 61 داخل المجلس الجزائري، الأمر الذي جعل من فرنسا تتراجع عن إجراء الانتخابات التي كانت مقررة يوم 02 جانفي 1956.
كما أكدت على وحدة المصير والكفاح المشترك بين دول المغرب العربي، وتوسعت دائرة التضامن العربي مع الثورة الجزائرية في النوادي السياسية، والفكرية: في العراق، ومصر، وسوريا، والأردن، ولبنان، والمملكة العربية السعودية.
وإلى جانب ذلك فقد تصدع الرأي العام الفرنسي بشأن "الوضع المستقر في الجزائر"، وتم تسجيل القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العاشرة بتاريخ 30 سبتمبر 1955، وتم فضح الإدعاءات الإعلامية الفرنسية المروجة للأكاذيب الساعية لتشويه الثورة الجزائرية.
* النصر: وهل مكنت هذه الهجمات من القضاء على الخونة بعد تصفية الكثير منهم؟
أ.د بلغيث: لقد كان هدف الانتفاضة يتمثل كما أسلفنا في تشجيع المناطق الأخرى للوطن على الانخراط في الثورة والعمل المسلح، لأن الثورة اختيار، لا رجعة فيه، مهما كانت أحلام الانهزاميين، والخونة، وأتباع الإدارة العامة، من رجال السياسة، وبالتالي وضع الخط الأحمر الفاصل بين من يريد الكرامة والعودة إلى سيادة الأمة، وبين الخونة، والعملاء، والجبناء، إذ لم تعد ثمة حجة لأحد، إما مع فرنسا ، أو مع الثورة المسلحة، التي سقت دماء الشهداء أرضنا الطاهرة.
* النصر: هل استطاع المؤرخون الجزائريون إطلاع الأجيال الصاعدة على كل تفاصيل المجازر التي اقترفها الاحتلال الفرنسي خلال تلك الأحداث التي استشهد فيها آلاف الجزائريين؟
أ.د. بلغيث: دراسات الجزائريين حول هذا الموضوع معقولة ولكن لا تفضح بشكل واضح جرائم الفرنسيين، إلا ما قرأنا من خلال المحققين الفرنسيين لقدرتهم على الوصول للشهادات والأرشيف الذي لا يزال تحت سيطرة المتروبول لأنهم يخفون جرائم جيشهم المجرم.
وللأمانة والتاريخ من بين أهم الدراسات الوافية التي فضحت جاك سوستيل ومن حوله من المجرمين هي أعمال المؤرخة" كلود موس كوبو" (Claire Mauss- Copeaux) في كتابين من الدرجة العالية من حيث التحقيق والاستقصاء الأول بعنوان» الجزائر 20 أوت 1955 انتفاضة، قمع ومجازر»، ضمن منشورات المكتبة الصغيرة بايو، والكتاب الثاني يتعلق بجرائم وقعت في الشمال القسنطيني ما بين جيجل و ميلة وهي أعمال بربرية كما وصفتها المؤرخة بعد اتصالها بالأحياء من جنود الخدمة العسكرية وبالأخص مجندي فرنسا في مدينة القل.
المؤرخ محمد القورصو للنصر: مؤتمر الصومام كان لقاء جامعا وحّد صفوف الثورة
أكد المؤرخ محمد القورصو بأن مؤتمر الصومام المنعقد سنة 56 كان له الفضل في توحيد صفوف الثورة التحريرية، وتحصينها ضد الإدارة الفرنسية، كما كان سببا في جمع القادة الثوريين والسياسيين حول هدف رئيسي وهو تحقيق الاستقلال، عبر توضيح طبيعة المهام السياسية والعسكرية.
يرى الأستاذ الجامعي والمختص في تاريخ الثورة التحريرية الأستاذ محمد القورصو بأن مؤتمر الصومام حقق ما لم يتجسد في السنة الأولى للثورة التحريرية، فقد كان مقررا جمع القيادة الثورية في سنة 55 لتقديم حصيلة بعد سنة من اندلاع الثورة، وتقييم الوضع والتخطيط للمستقبل، لكن لأسباب مختلفة يقول المتحدث، تأخر الموعد ليأتي مؤتمر الصومام سنة 56 الذي كان لقاء جامعا، وإن لم تحضره بعض الشخصيات لأسباب سياسية وتكتيكية.
ويؤكد المتدخل في تصريح «للنصر» بأن المؤتمر وضع حدا لما كان يهدد الثورة التي كانت تسير بقيادتين متنازعتين لكل واحدة منهما مفهومها الخاص للثورة، كما وضع حدا للزعامة الثنائية التي كان يمثلها في الخارج احمد بن بلة، وفي الداخل الزعامة المسلحة، فقد كان الجناح السياسي في الخارج يعطي الأولوية للترويج للثورة التحريرية وجمع الأسلحة، في حين كان يشدد الجناح العسكري على العمليات المسلحة.
ويؤكد الأستاذ قورصو بأن العمل لم يكن سهلا بالنسبة للجناح العسكري الثوري في الداخل الذي كانت تمثله قيادات النواحي العسكرية وهي الولايات حاليا، وكان على رأس هذا التنظيم اسم جديد لم يشارك في اندلاع الثورة المجيدة، هو عبان رمضان، ويرى المصدر بأن لهذه النقطة كانت إيجابيات وسلبيات.
فقد كان عبان رمضان سجين الإدارة الاستعمارية ودرس كثيرا الثورات المسلحة وتشبع بالتكتيك الثوري، مما سمح بتكوين نظرة جديدة ونقدية وموضوعية حول الثورة التحريرية، وشروط اندلاعها وكيفية تسييرها، إلى جانب كيفية وضع الخطط العسكرية والسياسية، وتسطير أهدافها.
ويعتقد المؤرخ محمد القورصو بأن عبان رمضان كانت له نظرة ديناميكية منبثقة من الميدان ظهرت جليا من خلال ترأسه الوفد الخارجي، وأنهم كمؤرخين لاحظوا فيما بعد بأن انتقادات كثيرة طالت منظمي مؤتمر الصومام، وأن هذا النقاش الحاد بين الطرفين المتنازعين، الجناحان السياسي والعسكري، هو الذي أعطى الأبعاد الحقيقية للمؤتمر.
ويقول المتحدث، بأن مؤتمر الصومام كان له الفضل في توحيد الصفوف واستدراك ما لم يتحقق في لقاء سنة 55، كما سمح بتحديد طبيعة المهام السياسية والعسكرية، فبعد أن كان المؤتمر مهددا، بسبب التصورات المتضاربة لكل قائد ناحية عسكرية حول الثورة، استطاع المؤتمر أن يضع حدا لها، من خلال توحيد الرؤية الثورية والسياسية المستقبلية.
كما حصن هذا المؤتمر الجامع الثورة ضد الإدارة الاستعمارية الفرنسية، بعد التفاف مختلف القوى السياسية الوطنية والثورية حول الثورة التحريرية، من بينها الجناح الإصلاحي الاندماجي الذي كان يمثله فرحات عباس، والجناح الوطني لحركة انتصار الحريات، وجمعية العلماء المسلمين وحزب الشعب.
وكان لهذه الوحدة الوطنية يضيف المتدخل، الفضل في تحصين الثورة من الداخل، وترجيح الكفة لصالح دعاة المؤتمر، وتوحيد الثورة وتعميمها، ومنح الدور الكبير للعمل السياسي، إذ لم تقتصر الثورة على شن العمليات المسلحة، بل شملت أيضا توعية الشعب الجزائري حول أهدافها، والترويج لها على المستوى العالمي عبر وسائل الإعلام، فضلا عن تنظيم حملة دعائية على مستوى الهيئات الأممية.
وواجهت فرنسا الاستعمارية بتجسيد أهداف مؤتمر الصومام الانهزام الثاني، وكان الانهزام الأول باندلاع الثورة مما فند ادعاءات فرنسا بأن الأمر كان مجرد عصيان وتمرد، بل كانت مطالب شرعية لتحقيق الحرية والعدالة وحق تقرير المصير، لتتوالى الانهزامات العسكرية والدبلوماسية بالدرجة الأولى، وصولا إلى تحقيق الاستقلال.
ويضيف الأستاذ محمد القورصو بأنه من حقهم الآن كمؤرخين أن تكون لهم نظرة فوقية وعميقة لمؤتمر الصومام وللخلافات التي وقعت آنذاك لفهم طبيعتها وأبعادها، وهي خلافات قديمة يقول المتدخل تعود إلى عهد مصالي الحاج، اخترقت الزمن الثوري وكانت مكتومة في البداية، قبيل توحيد الصفوف والتصور حول أبعاد الثورة وأهدافها.
ويؤكد المصدر بأن أهم ما في مؤتمر الصومام أنه أنقذ الثورة من الخلافات التي بدأت تطفو على السطح، ووجهها توجيها صحيحا، كما خطط لنقل الثورة إلى عقر دار المستعمر في باريس، مما دفع بالمجتمع الفرنسي إلى التجند ضد الحرب، وكان هذا مكسبا أساسيا من بين المكاسب المحققة من خلال مؤتمر الصومام المنعقد سنة 56 الذي يعد محطة تاريخية حاسمة في مسار تحقيق السيادة الوطنية.
لطيفة بلحاج
الدكتور محفوظ عاشور أستاذ التاريخ بجامعة البليدة 2 للنصر: مؤتمر الصومام يمثل نقلة نوعية في الثورة وتطورا كبيرا في استراتيجيتها
lلو لم يكن هناك بطل اسمه زيغود يوسف لما تم فك الحصار على الأوراس
أكد الدكتور محفوظ عاشور أستاذ التاريخ بجامعة البليدة 2 بأن مؤتمر الصومام المنعقد بتاريخ 20 أوت 1956 بقرية إيفري ببجاية، يمثل نقلة نوعية في الثورة التحريرية وتطورا كبيرا في استراتيجيتها التي كان أساسها الشمولية البشرية بإشراك كل شرائح الشعب في الثورة، مضيفا في هذا الحوار الذي خص به النصر بأن الثورة التحريرية في تلك الفترة كانت بحاجة لعقد هذا المؤتمر لإعادة تنظيم أمورها، مشيرا إلى دوره الكبير في تأطير الثورة و جيش التحرير الوطني و تدويل القضية الجزائرية.
حاوره: نورالدين عراب
* النصر: ما هو التحول الذي أحدثه مؤتمر الصومام في استراتيجية الثورة التحريرية؟
الدكتور محفوظ: الحديث عن مؤتمر الصومام يجرنا إلى الحديث عن تنظيم الثورة منذ البداية لأن الثورة التحريرية عند اندلاعها واجتماع مجموعة الستة وغير ذلك كان من المقرر أن يكون فيه مؤتمر كوقفة للنظر في الحصيلة الأولية للثورة التحريرية، لكن هذا المؤتمر لم ينعقد لأن ظروف الثورة والصعوبات التي شهدتها خاصة في بدايتها من حيث التنظيم ومن حيث العمليات العسكرية ومحاولة الجيش الفرنسي القضاء على الثورة، وكذا هجمات 20أوت 1955 ومحاولة حصار الثورة في الأوراس، يعني كانت هناك ضرورة للإسراع في عقد مؤتمر في أقرب وقت لإعادة تنظيم أمور الثورة، وكان ذلك في 20 أوت 1956 في قرية إفري أوزلاقن بمنطقة الصومام في وسط غابة هي غابة أكفادو.
وهذا المؤتمر ما يهمنا فيه هو أنه يمثل نقلة نوعية للثورة التحريرية وتطورا كبيرا في استراتيجية الثورة لأن هذه الثورة عند بدايتها كانت بإمكانيات بسيطة وبعدد قليل من الرجال وعتاد قليل وقديم، وأسلحة قديمة كذلك، وبعض المجاهدين لم يكن لديهم سلاح إطلاقا ، ولكن ما حدث في 20 أوت 1955 من المستحيل أن لا يربط بمؤتمر الصومام.
إذن ما حدث في 20 أوت 1955 أظهر أن الشعب كان مستعدا ومتيقنا ومتمسكا بثورته، وبالتالي كان لابد أن تكون هناك تنظيمات وترتيب جديد لإشراك مختلف شرائح الشعب في الثورة التحريرية، وتوسيعها لمختلف مناطق الجزائر، وبالتالي مؤتمر الصومام يمثل نقلة نوعية وترتيب استراتيجي جديد للثورة التحريرية أساسها الشمولية البشرية بإشراك كل شرائح الشعب من خلال الاتحادات والتنظيمات عبر وصفه بالفدائي والمناضل والمجاهد، وكل هذه الترتيبات جعلت من مؤتمر الصومام يشكل محطة محورية في مسار الثورة.
* النصر: إلى أي مدى ساهم مؤتمر الصومام في تدويل القضية الجزائرية؟
الدكتور محفوظ: نعم مؤتمر الصومام كان له دور كبير في تدويل القضية الجزائرية وإسقاط كل ادعاءات الاستعمار الفرنسي عن الثورة التحريرية، وذلك بانعقاده في منطقة كانت تعج بالقوات العسكرية الفرنسية، وهذا هو التحدي الذي قامت به الثورة اتجاه الاستعمار، ثم إن مؤتمر الصومام وضع استراتيجية لشمولية الكفاح في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية وغير ذلك، وكل هذا كان له دور كبير ونقلة نوعية وتطور في مسار الثورة التحريرية .
* النصر: ما هي الظروف التي مهدت لعقد مؤتمر الصمام؟
الدكتور محفوظ: على كل حال الظروف لابد أن نعرف بأنها ظروف صعبة، وهذه الصعوبة تكمن في أنه لم يكن هناك تنظيم محكم، ولا يخفى على أحد بأن اندلاع الثورة التحريرية لم يكن قد حضر له تحضيرا دقيقا لأنه كانت فيه ضرورة قصوى لتفجير الثورة، التي تعيدنا فكرة الإعداد لها إلى إنشاء المنظمة الخاصة أو المنظمة السرية في عام 1947 من طرف حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية ( التيار الاستقلالي) وهؤلاء الشباب الذين كانوا في المنظمة الخاصة على غرار بوضياف، بلوزداد، مصطفى بن بوالعيد وغيرهم من زعماء الثورة التحريرية والشباب الذين فجروا الثورة، كانوا يعدون لها إعدادا بشريا بتدريب المناضلين وإعدادا ماديا بتوفير السلاح والذخيرة والمال وغير ذلك، وما حدث هو أنه في 1950 تم اكتشاف المنظمة الخاصة وهنا اختلطت الأمور وكان في هذه النقطة من واجب هؤلاء الشباب أن يقرروا بتعجيل الثورة التحريرية، وبالتالي اندلعت الثورة بإمكانيات بسيطة وفي وسط أزمة كانت تسمى بأزمة حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وكذلك وفي ظل كل هذه الأمور التي تحوم حول اندلاع الثورة كانت لها مخلفات فيما بعد لأن الثورة كانت محاصرة في معاقلها من طرف الجيش الاستعماري، وخاصة أقصد بذلك حصار الأوراس، وكانت ظروف أخرى، ولا بد أن لا ننسى حملة الاعتقالات، وهناك زعماء قتلوا في شهر مارس 1956 أي قبل انعقاد مؤتمر الصومام كان هناك استشهاد قافلة من زعماء وشهداء الثورة حتى أصبح شهر مارس يسمى شهر الشهداء، ولهذا لابد أن نعرف بأن الظروف التي انعقد فيها مؤتمر الصومام كانت ظروفا صعبة وصعبة جدا في غياب التنسيق بين الولايات الذي ظهر جليا في حصار الأوراس، ولو لم يكن هناك بطل اسمه زيغود يوسف لما تم فك الحصار على الأوراس، وبالتالي طرحت قضية التنسيق بين الولايات، و كانت هناك ضرورة جد ملحة لعقد مؤتمر الصومام.
إذن خلاصة القول أن ظروف انعقاد مؤتمر الصومام كانت ظروفا صعبة، وكانت تميل هذه الظروف في صف الاستعمار لأنه هو الذي كان مستفيدا من تلك الظروف، وبالتالي تحدي الرجال وتحدي الثورة التحريرية للاستعمار جعلهم يحولون ذلك التراجع وتلك الانتكاسة وذلك الخلل وغيره الذي كان في البداية إلى انتصار عظيم من خلال عقد ذلك المؤتمر بالذات، إذن عقد المؤتمر في حد ذاته يمثل انتصارا للثورة التحريرية.
* النصر : إلى أي مدى ساهم التنظيم الذي أحدثه مؤتمر الصومام في الحد من الخلافات التي برزت بين بعض قادة الثورة؟
الدكتور محفوظ: أكيد لا توجد هناك ثورة لا توجد فيها خلافات ونزاعات في التاريخ المعاصر، وفي كل الثورات التي عرفها العالم نجد فيها خلافات، وهذه الخلافات تكون لما يكون هناك غموض، كما تكون الخلافات لما يغيب النظام أو لما لا تحدد المسؤوليات، لكن الشيء الذي كان واضحا في مؤتمر الصومام هو أنه قضى على جوانب كثيرة من الخلافات وبعضها قضى عليها بشكل نهائي من خلال تنظيم الثورة والتنظيم المؤسساتي وكل فرد له مسؤوليات محددة، ويعرف متى تنتهي مهمته أو أين تنتهي، وبالتالي لا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا ننسى أن جيش التحرير تنظم وتهيكل وأصبحت فيه رتب، وأصبح فيه تنظيم جيش عصري تحدد فيه المسؤوليات، كما هناك مناصب سياسية للذين كلفوا بالعمل السياسي ولا دخل لهم في العمل العسكري، ولكي يكون هناك تنسيق بين هؤلاء كانت هناك هيئة التنسيق والتنفيذ، فالثورة تدعمت بهياكل قضت على تلك الرغبة في الزعامة وغير ذلك من خلال المجلس الوطني للثورة التحريرية، وهذا المجلس هو الهيئة العليا للثورة، وبذلك أغلق الباب أمام من كان يفكر في قيادة الثورة أو يظهر نفسه للآخرين بأنه القائد للثورة، وبالتالي جاء مؤتمر الصومام ليغلق الباب على هذه الخلافات، وإذا كان هناك من يقول بأن مؤتمر الصومام كان خطأ وخللا في الثورة، نقول بأن العبرة بالنتيجة، وكيف أصبحت الثورة بعد مؤتمر الصومام ؟ هل أصبحت ثورة ضعيفة ؟ الإجابة لا بل أصبحت قوية، والدليل على ذلك سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة ومجيء ديغول الذي كان بطلا وحرر فرنسا وغير ذلك، حيث جاء من أجل القضاء على الثورة التحريرية وقيام الجمهورية الفرنسية الخامسة في 13 ماي 1958، وكل هذا دليل على أن مؤتمر الصومام جاء بإضافة وإستراتيجية جديدة، وكان هناك أكثر تضامن ووحدة بالرغم من بعض النقائص وبعض الخلافات الشخصية والذهنيات التي كانت موجودة، وهذا شيء طبيعي في كل ثورات العالم. ن ع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.