أي مستقبل للإبداع الإنساني في زمن الخوارزميات؟ يحتفي العالم بسرعة تطور الذكاء الاصطناعي و يصفق البشر لكل خلية عصبية آلية جديدة قادرة على إنجاز مهامهم في وقت أقصر وبتكلفة وجهد أقل، حتى في مجالات الفن والإبداع أصبح بإمكان الخوارزميات تقديم منتجات متناهية الدقة يستحيل التفريق بينها وبين ما يخطه القلم أو تنجبه الريشة رغم الجدل القائم حولها، و في زاوية أخرى من المعمورة ينظر متابعون بينهم فنانون ومبدعون للذكاء الاصطناعي بريبة، ويعتبرونه ثقبا أسود سيمتص الوظائف يخافونه كآكل العوالم في أفلام الخيال، لأنّه يهدّد بإلغاء الحضور وتطويق الإرادة البشرية، كما سيشوه الذوق و يسقط صفة التميز التي تعطي للإبداع معناه وتعريفه. فهل سيعوض عقل الآلة الإبداع الإنساني الكلاسيكي فعلا، أم أنه مجرد أداة يجب علينا أن نحسن استخدامها؟ أعدت الملف: نور الهدى طابي إبداع أم غش أعلنت قبل أيام دار نشر روسية اسمها "ليتريس" بأنها ستستخدم الذكاء الاصطناعي لتأليف كتاب بعنوان " سكاي نت"، وفي سنة 2016 وصلت رواية يابانية كتبت بذات التقنية إلى المرحلة النهائية في أهم مسابقة أدبية في البلاد كما صدر في عام 2018، كتاب بعنوان "ذا روود " أو الطريق، كتب كاملا باستعمال الذكاء الاصطناعي، أما أشهر الروايات التي أنتجها عقل الآلة فهي رواية " موت مؤلف" و استطاعت الخوارزميات أيضا، أن ترسم لوحة بعنوان مسرح "أوبرا الفضاء" تعود فكرتها للفنان الأمريكي جيسون ألين فازت اللوحة بالجائزة الأولى في مسابقة كلورادو للفنون، سنة 2022، وأثار هذا الفوز غضب واستهجان المشاركين الذين اعتبروا الفوز غشا خاصة و أن صاحب العمل اعتمد على برنامج "ميد جورني " لإنشاء الصورة كما غضب عشاق بتهوفن من إكمال الذكاء الاصطناعي لسيمفونيته العاشرة واعتبروا ذلك إهانة له، بعدما عزفها في برلين سنة2021، قائد الأوركسترا ديريك كفتان. وفي سنة 2018، بيعت لوحة بورتريه للفنان "إيدموند دي بلامي" بمئات الآلاف من الدولارات في مزاد نظمته دار " كرستينز" الشهيرة"، و صنعت اللوحة الحدث لأنها أول عمل فني منجز بتقنيات الذكاء الاصطناعي تباع في مزاد علني. أما في السينما، فإن التقنية حققت خطوات عملاقة، و حسب الدكتور نور الدين الهواري، الخبير الجزائري في أنظمة الحاسوب و صانع المحتوى في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنه بات من الممكن جدا في غضون أشهر فقط إنتاج فيلم كامل بالذكاء الاصطناعي، حيث تتيح تقنية "جي بي تي 4"، إنتاج السيناريو مع المشاهد و السكريبت ويمكن إنتاج الصور و المشاهد باستعمال تطبيق " ستيبل ديفيزيون"، أما تحريك الصور فهو متاح عبر " دراغ يور غان"، و يمكن أن يكون هذا التحريك أوتوماتيكيا عبر تقنية " سيغمنت إيني ثينغ"، لتقسيم الصور و التعرف على أجزائها، مع إنتاج خلفيات موسيقية باستعمال تطبيق " ريفيوزن" و إنتاج أصوات الممثلين باستعمال خدمات "بارك". يكتب الذكاء الاصطناعي الشعر كذلك، وقد نظم حول صورة لنصب تذكاري للحرب، هذه الأبيات: "لقد كنتُ مدينة رائعة الغزل والصراخ وصوت الطريق جُرفت بعيدا الجبل يمر عبري الشوارع ذهبت والصمت يمطر جالسا في صمت يتلألأ". مخاوف العراب رغم محاسن وإيجابيات هذه التكنولوجيا الخارقة، إلا أن المخاوف تحيط بها من كل صوب وقد غذتها تحذيرات أطلقها مشتغلون في الحقل وفجرها مؤخرا عراب الذكاء الاصطناعي جيفري هنتون، الذي أعلن استقالته من العملاق "غوغل"، وصرح " بأنه نادم على العمل في المجال"، قائلا لصحيفة نيويورك تايمز، " إن سبب تقديم استقالته هو حاجته للحديث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، معربا عن قلقه من المنافسة الكبيرة لحيتان التكنولوجيا، مضيفا أن الصور و مقاطع الفيديو والنصوص المزيفة سوف تغمر الإنترنت و لن يكون الشخص العادي قادرا على معرفة ما هو صحيح بعد الآن، كما أن الإصدارات المستقبلية للذكاء الاصطناعي قد تشكل تهديدا للبشرية". معلبات جاهزة بتكلفة أقل في رواية فرانكنشتاين للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي، صنع الطبيب الشاب فكتور فرانكنشتاين مخلوقا غريبا عاقلا في تجربة غير تقليدية، وكان يعتقد بذلك أنه سيكون قادرا على بعث الحياة أو نقلها إلى شيء غير حي، لكنه أغفل جزئية مهمة وهي الشعور أو الذكاء العاطفي الذي يحقق التوازن و يترجم الكمال، فأفرزت التجربة مخلوقا مشوها فقد فرانكنشتاين السيطرة عليه وعمت الفوضى. تحيلنا نهاية القصة للسؤال عن مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي يشتغل عليه الإنسان، والذي بات يهدد وظائف الكثيرين حتى الكتاب و الأدباء و الرسامين والعاملين في المجالات التي تعتمد على الخيال، و يقول متابعون، بأن هذه التقنية سريعة التطور، هي حجر في رقعه مشروع " ما بعد الإنسانية"، الذي سينتج إنسانا مختلفا عما نعرفه سيكون أكثر هشاشة وأقل حضورا وقدرة على الإبداع والمساهمة. والغرض منه حسب النظريات، هو تطويق دائرة القرار وأن تتسيد الخوارزميات الإنسان و تخضعه لها، وفي وقت تتضاعف الهواجس و المخاوف في ظل تعاظم استخدامات التقنية لتشمل مجالات كانت حكرا على فئة بسيطة من البشرة يعرفون "بأصحاب الموهبة"، يأتي الحديث عن استحالة أن يعوض الذكاء الاصطناعي الإنسان، لأنه في حال فقدنا البوصلة يوما و ضعف إيماننا بتفوق العقل البشري، سيكون الإبداع الفني قشة خلاصنا، لأنه ترجمة لتميز البشر بفضل العاطفة و الإلهام و السعي للكمال و فهم الجمال و التعبير عن المشاعر و وصف التجارب و فهم وتقدير القيمة الحسية والزمنية، كما في الأدب و الموسيقى و الرسم و السينما. و عليه فإن الذكاء الاصطناعي لن يكون أكثر من آلة لتطوير الإبداع وتحسين الأداء، ولذلك يتوجب على الإنسان أن لا يخضع لإغراءاته ولا يقبل بأن تفرض عليه منتجات التقنية في هذه المجالات تحديدا، لأنها ستكون سلعة معلبة جاهزة واسعة الوفرة منخفضة التكلفة، موحدة المعايير و بلا طعم ككل المنتجات الصناعية الأخرى. جدل قانوني يطرح أيضا تساؤل آخر، عن الملكية الفكرية وهل يمكن أن نعتبر الروايات أو اللوحات أو الموسيقى أو الأفلام أو التصاميم التي يعدها " شات جي بي تي" و برامج الذكاء الاصطناعي المتعددة، أعمالا فنية إبداعية تستحق التسجيل قانونيا، خاصة وأننا نتحدث عن بيانات وأعمال لأشخاص معروفين تجمعها الخوارزميات من الشبكة العنكبوتية لتقدم فكرة نهائية، إلى جانب ذلك، فإن توفر المعطيات و التقنيات والتطبيقات سيلغي ربما فكرة تميز الفرد المبدع، لأن كل من يتحكم في التقنية سيكون قادرا على إنتاج أعمال فنية أو كتابة نصوص أو غير ذلك، ما يثير النقاش حول مستقبل الفن ومعاييره. أمير يخلف مختص في الفن الرقمي التقنية تفتقر للقيمة الحسية لمنتجات الفن يقول أمير يخلف، تشكيلي مختص في الفن الرقمي، بأن تجربة الذكاء الاصطناعي أو التكنولوجيا و تدخلها في الفن ليست جديدة، وأن التعاطي مع الموضوع حاليا، لا يختلف عن ردود الأفعال التي رافقت في عصر سابق بروز آلة التصوير وتعويضها للريشة أو لعمل الفنان في تصوير الوجوه و نقل الواقع، لكنها بدورها كانت من بين أسباب ظهور المدارس الفنية و تطور الفن التشكيلي في الصورة التي نعرفها اليوم، و ينطبق الأمر على شتى الفنون، حيث لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعوض الإبداع الإنساني، لأنه يشمل العواطف والتجارب الشخصية و الإدراك و المهارات الفردية. و تغلغل التقنية المتطورة في مجالات الفنون بشكل متزايد هو كما أوضح، تحصيل حاصل لتطور استخدامات التكنولوجيا في الحياة العامة، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأفلام والموسيقى والرسومات وتصميم الأزياء وغيرها، وتوجد العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية والشركات التي تعنى بتعليمه وتطويره في مجالات الفن، لكن لا يمكن حسبه، لأعمال الخوارزميات أن تمنحنا الإحساس بعواطف مماثلة للأعمال العظيمة التي طبعت تاريخ الفن، لأن هذه الأعمال تحمل من العواطف و الإدراكات و التجارب الشخصية الفريدة ما لا يمكن تكراره بواسطة الحواسيب. يمكن للذكاء الاصطناعي مع ذلك أن يساعد في إنتاج أعمال جديدة، أما بالنسبة لحقوق الملكية، فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي بدورها تستعين بلوحات فنانين و صور خاصة لها ملاك، تجمعها من شبكة الإنترنت و تقوم بتعديلها و مزجها، ولذلك لا يمكن اعتبار نتائج الخوارزميات مبتكرة أو جديدة . يوسف بوزيت فنان تشكيلي و مصمم جرافيكي منتجات الذكاء الاصطناعي ليست إبداعا حسب أستاذ الفنون الجملية، الفنان التشكيلي و المصمم الجرافيكي يوسف بوزيت، فإن الإبداع أو العمل الفني ليس نتاجا لتعلم التقنية وفهمها فقط، فالعمل الفني الذي تنقصه الروح والإحساس لا يعتبر فنا كاملا، لأن الفن تجربة تفاعلية يقوم من خلالها الإنسان بالتفكير في ردود أفعال البشر اتجاه الواقع، ومن هذا المنطلق يقول بأن الذكاء الاصطناعي مهما تطور و وصل إلى درجة كبيرة، تبقى منتجاته تفتقر للإحساس والشعور وروح المسؤولية وسيظل مرتبطا بسرقة معلومات من الفنانين المتفاعلين في عالم الفن وتحليلها لصناعة أعمال تفتقر للإحساس، وهو حاجز يصعب على التقنية (Ai) تجاوزه للوصول إلى درجة الإبداع الفني الإنساني، فيبقى بذلك الذكاء الاصطناعي مساعدا للفنانين لإنجاز إبداعاتهم وليس بديلا. ويرى بوزيت، بأنه يمكن توظيف هذا الذكاء في مجال الفن كمساعد للفنانين (التشكيليين والموسيقيين و السينمائيين) من خلال استلهامهم من بنك الرسومات التي تستنبطها التقنية وتعالجها من كمية الصور والمعلومات المخزنة فيه، مع الاستعانة بتطبيقات متطورة و متخصصة من أبرزها تطبيق " chatGpt4"، الذي يحول الكلمات إلى صور ويعالج النصوص ويترجمها ويؤلف القصص ويصنع مقالات معتمدا على افتراضات من المعلومات المدرجة فيه، وهو تطبيق دقيق جدا، وهناك أيضا تطبيق آخر لمايكروسوفت يسمى copailot كما قال، دمج فيه chatGpt4 للحصول على تطبيقات office الذكية (الوارد و الإكسال و غيرها) وهناك كذلك كما أضاف المتصفح Bing والمتصفح Google bard IA ، إلى جانب تطبيق لشركة Adobe يعمل بالذكاء الاصطناعي يسمى Adobe fierfly وهو مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي الإبداعية التي تصنع للمصممين صورا ثنائية وثلاثية الأبعاد وتسمح بتلوينها وتقدم خيارات تساعدهم على تسريع وتحسين عملهم الإبداعي. و بما أن الذكاء الاصطناعي فن رقمي يتيح أعمالا فنية بدون استخدام المواد كالألوان والقماش وغيرها كالفن التشكيلي، فإنه سيحد كما أوضح، من عمل المتخصصين في الفن الرقمي المستخدمين لبرامج الفوتوشوب و الإلستراتور أو dejetal panting و برامج الحركة المخصصة للسينما والبرامج المخصصة لتحرير النصوص، مضيفا بأنهم سيتفوقون عليه في الجانب الحس الفني التفاعلي، مع ذلك و على الرغم من أن برامج الذكاء الاصطناعي موجودة ومتغلغلة في مجالات الفن منذ وجود التكنولوجيا، إلا أن الفرق اليوم هو في وصولها إلى محاكاة العقل البشري على حد قول بوزيت، حيث خرجنا من الجيل الثالث الذي يعالج النصوص وخوارزميات برامج أنظمة التشغيل، إلى الجيل الرابع الذي يحلّل الصور بيانيا، لنصل إلى حد الاعتراف به كفن قائم بذاته وسنرى حسبه، تنظيم معارض خاصة بمنتجات الذكاء الاصطناعي، وإن كانت هناك مدارس فهي مدارس البرمجة وأكثرها معتمدة من شركات الاستثمار الكبرى. الفنان التشكيلي قال، بأن التاريخ يعيد نفسه فعند ظهور التصوير الفوتوغرافي قديما ساد اعتقاد بأن عهد الفن التشكيلي قد ولى، لكن المفاجأة تمثلت في ظهور عدة مدارس لتنفي هذا الادعاء، وكذلك شهدنا و نشهد جدلا بين الفنانين الكلاسيكيين وفناني الجيل المعاصر حول اختلاف مفهوم الفن بين عرض اللوحة الكلاسيكية وبين عرض لوحة تحمل لطخا حمراء أو نقطة حمراء وسط فراغ أبيض أو عرض موزة ملصقة في الحائط و القول بأننا أمام عمل إبداعي. مخاوف من تخفيض تكلفة الفن و تهديد لفرص العمل ويعتقد المتحدث على ضوء كل ما ذكر، بأنه مهما تطورت التكنولوجيا في مجال الإبداع ومهما أراد فنانو الجيل المعاصر تغيير معايير الفن سواء قصدا أو عن غير قصد فإن معاييره الحقيقية لن تتغير لأنها هي المرجع الأساسي الذي نستطيع من خلاله التعرف على الفنانين الحقيقيين، و لا يمكن اعتبار منتجات الذكاء الاصطناعي أو الكومبيوتر عموما فنا أو إبداعا إلا إذا تدخل الفنان وأضاف إليها بعض التعديلات لإعطائها لمسة حسية وقيمة معنوية ليزيد من قيمتها، وهو أمر متاح لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مليئة بالأخطاء وهي مبنية على سرقة الأفكار، كما أن التقنية قد تقدم أعمالا فنية مقلدة لأخرى أصلية مسجلة ويملك أصحابها حق الفكرة، وهو ما يفرز صراعا بين الفنان صاحب الملكية الفكرية و مستعملي التطبيق، مع ذلك لا نستطيع حسبه، التنبؤ بما سيحدث في قادم الأيام لأننا قد نرى تطبيقات تستطيع التعرف على العمل الرقمي المقلد وتتابعه قضائيا أو ابتكار أداة تحمي الأعمال الفنية من تقليدها أو الاقتباس منها بالذكاء الاصطناعي، وهذا يبقى جدلا قائما ستتضح نتائجه في المستقبل القريب . من جهة ثانية، قال أستاذ الفنون الجميلة، بأن الذكاء الاصطناعي يثير مؤخرا مخاوف لدى بعض الفنانين بشأن تأثيره في قدرتهم على كسب المال أو تخفيض كلفة الفن عموما خاصة إذا تم استخدامه ليحل مكان المبدعين العاملين في مجالات الرسم و الشعر و الأدب و السينما والتصميم. إذ تشكل التطبيقات تهديدا لفرص العمل في قطاع الفنون عامة، وبما أن مولدات فن الذكاء الاصطناعي، تنتج أعمالا سريعة و غير مكلفة فسيأخذ نصيبه ليكون واحدا من أشكال إنتاج الفن الحديثة، وسيلتهم سوق الفن وكذلك بالنسبة للتصاميم، و بدرجة أقل بالنسبة للوحات الفنية، لأن الفن الرقمي ينتج أعمالا تفتقر للحس التفاعلي و بدون استخدام المواد كالفرشاة والألوان والقماش، و لا يمكن له المساهمة في تخفيض كلفة اللوحة الفنية، وعلى العكس من ذلك سيستحدث فنا مستقلا مثل التصوير الفوتوغرافي حيت يمكن أن نرى في المستقبل كما قال، معارض لفن الذكاء الاصطناعي مطبوعة تماما كمعارض الصورة الفوتوغرافية اليوم. يزيد أقدال خبير في التكنولوجيا و الرقمنة قدرة الخوارزميات على التطور هي ما يغذي الجدل يعتبر الخبير في التكنولوجيا و الرقمنة يزيد أقدال، الذكاء الاصطناعي أداة لا يمكنها أن تعوض الإبداع الإنساني بشكل كلي، ولكنها بالعكس تحسن من أدائه، خصوصا ما تعلق ببعض المجالات التي تدخل التقنية بشكل كبير في تعديلها مثل الرسم والتصميم، ويبقى الإنسان رغم ذلك هو صاحب القرار النهائي بخصوص النتيجة أو الخلاصة. والمؤكد حسبه، هو أننا سنشهد ثورة في هذا المجال، لأن الإبداع طالما كان مرتبطا بالفردانية، بمعنى أنها أعمال يقدمها في العموم الشخص أو المبدع لوحده وهي نتاج فكره وتصوراته و مخياله وموهبته، و قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على تعلم البرمجة الجماعية أو المتعددة التي تقوم على توظيف أكثر من تصور واحد لإنجاز العمل، و هو ما يوسع الأفق لأننا نتحدث هنا عن تجارب عدة أشخاص وعدة ثقافات و بلدان، ما سيضعنا أمام تغيرات كبيرة و خطوات عملاقة إلى الأمام في مجالات الإبداع مستقبلا. وإن كانت المعطيات الحالية مهمة و واعدة، إلا أنه من الصعب جدا كما أوضح أقدال، أن نتوقع ما سيكون عليه المستقبل بعكس العلوم الدقيقة مثلا، حتى وإن كل شيء قابلا للبرمجة تقريبا، و ذلك بدليل النتائج المذهلة التي نراها حاليا، موضحا بأن هذا التطور و التكامل إن صح الوصف، لا ينفي أن هناك فروقات يستحيل إلغاؤها، بين ما ينتجه الإنسان و ما تقدمه برامج الذكاء الاصطناعي، لأن ما يميز الإنسان هو الإحساس والإسقاط و التفكير المختلف و مدخلات و مخرجات العقل، إلى جانب العاطفة أو المشاع، فالفنون على اختلافها ليست من المنتجات التي يمكن أن تضبط خلافا للطب و التكنولوجيا. وتبقى صورة المستقبل مرتبطة بقدرة الآلة على التعلم و الاستفادة من عمل الآخرين وما تستطيع تخزينه لإعادة استغلاله و توظيفه للحصول على نتائج كبيرة، و هو ما يتم العمل عليه من خلال دورات تعليم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الإبداعية. وقال الخبير، بأن هناك تغيرات متعددة سوف ترافق استعمالات الذكاء الاصطناعي مستقبلا، فحتى وإن كان التقييم المعنوي و المادي لمنتجات الفنون مرتبطا بأهمية اللمسة الإنسانية و تاريخ العمل أو ما يعرف بالندرة، إلا أننا وقفنا على نتائج مهمة تعكس جودة ما تقدمه التقنية، على غرار تجربة "شات جي بي تي" ولعل ذلك هو ما يطرح السؤال عن مدى تفوق الإنسان و يضاعف المخاوف بخصوص إمكانية تفوق الآلة في مجالات يفترض أنه سيدها. وحسب المتحدث، فإن هناك نقاشا حقيقيا حول قدرة الذكاء الاصطناعي على التفوق على مطوريه وهي ليست مجرد تخمينات فقط، بل هناك نتائج توجب تعميق التفكير في هذه الإشكالية، التي تأتي إلى جانب قضايا أخرى مثل حقوق الملكية الفكرية، فقد نتساءل عن أحقية الإنسان في أن ينسب لنفسه كتابا 80 بالمائة من مضامينه منجزة بالذكاء الاصطناعي، أو أنجز لوحة مثلا و عدلها بذات التقنيات وهنا يرى أقدال، بأن الأمر يقودنا مجددا إلى نقطة الانطلاق و الحديث عن كون الذكاء الاصطناعي أداة في يد الإنسان ويحق له استخدامها مثلما يستخدم الوسائل و البرامج والتطبيقات المتاحة منذ سنوات للرسم والنسخ و التلخيص والتي تعتمد بالأساس على العقل البشري، وعليه فإنه يجوز له أن يمتلك حقوق ملكية المنتج الذي طور فكرته وليس في ذلك ما يخدش حقوق الملكية الفكرية. وفي هذا الشأن، قال إن القوانين سوف تعرف تحيينا في المستقبل، بحيث قد نواجه مشاكل تتعلق بتوظيف الذكاء الاصطناعي لصور أو منتجات موجودة في السوق، لأجل إعداد الأعمال التي تطلب منه، ما سيفرز مشاكل قانونية تتعلق أساسا بالملكية الفكرية، خاصة و أن الإنسانية في تطور سريع و جذري و ثوري، يفرض الحيرة و التوجس و يصعب توقع ما سيحدث في غضون سنة إلى سنتين على الأقل. نسيم محمدي باحث في البصريات ومؤلف كتاب "ثورة الذكاء الجديد" الذكاء الاصطناعي يترجم البيانات ولا ينتج الأفكار يرى الدكتور نسيم محمدي وهو باحث جزائري في البصريات بجامعة ستوكهولم و صاحب كتاب " ثورة الذكاء الجديد"، أنه صار من المتاح جدا توفير الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الإبداعية كالشعر والأدب و الموسيقى و السينما و الفنون و التصميم و الأزياء، بفضل توفر التطبيقات تترجم الأفكار إلى أعمال جاهزة على غرار " شات جي بي تي"، الذي يعد فعالا جدا لتوليد النصوص والإجابة عن الأسئلة والبحث، في حال أجاد الإنسان استخدامه. ورغم هذا التطور يؤكد الباحث، بأنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعوض الإبداع الإنساني في مختلف المجالات السالف ذكرها، حتى مع الطفرة الجديدة المعروفة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يقرأ الكلمات و يولد نصا أو صورة أو صوتا أو مقاطع فيديو، لأن التقنية تفتقر للوعي الإدراكي بماهية الفن، وكل الصور و الكلمات تعد بالنسبة للحاسوب مجرد بيانات يقرأها و يعيد تشكيلها في صورة بيانات أخرى مصورة أو مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، مع ذلك يمكن له أن يكون مساعدا جيدا في غالبية المجالات و يغني عن استخدام برامج أخرى معقدة وصعبة التعلم. وقال محمدي، بأن الفرق بين منتجات الذكاء الاصطناعي و ما ينتجه الإبداع الإنساني يظهر من خلال تصور الإنسان للفن وامتلاك الفكرة، فالتقنية غير قادة على الإدراك لأنها بيانات دخول وخروج و برامج ذكية في الوسط تعتمد على خلايا شبكات عصبية اصطناعية لديها القدرة على قراءة المطلوب منها واستخراج النتائج من شبكة الإنترنت فقط، مع ذلك فإن الذكاء الاصطناعي تغلغل كثيرا في مجالات الأدب مثلا، وبات معتمدا كما أضاف في بعض الدوائر البحثية لإعداد أوراق بحثية أو إنتاج أفكار جاهزة يصعب التعبير عنها بالطريقة التقليدية وفق نماذج واضحة، كما يعتمد عليه في تصحيح النصوص والترجمة وحتى أنتاج النصوص الأدبية كما حصل في اليابان سنة2016، و استخدم لاحقا لكتابة رواية كاملة فازت في مسابقة أدبية و شكل ذلك حدثا مهما جدا، وعليه يمكننا تصور كمية التطور التي حصلت في هذا المجال اليوم كما عبر. لا يجب أن ينافس بل يساعد على الإبداع و أمام تزايد الجدل حول تصنيف هذه الأعمال و حقوق الملكية الفكرية و التوجه نحو تسجيل منتجات الفن والإبداع التي يقدمها الذكاء الاصطناعي قانونيا، فإن لجان التصويت لمنح الجوائز في مختلف القطاعات الفنية، أصبحت حسب الباحث، تصدر قوانين استباقية لضبط مشاركة الأعمال المعدة باستخدام الذكاء الاصطناعي، بما يؤكد تقريبا بأن الجهات القانونية ضاعفت العمل في هذا الاتجاه لأن هناك تطورات جادة.من جانب آخر، يرى الباحث، بأن توفر التقنية و التطبيقات سيسهم في تخفيض تكلفة المنتجات الفنية، خاصة و أن هناك برامج مجانية متاحة للجميع، مثل برنامج " ليوناردو أي أي" الذي يستخدم لتطوير بعض الرسومات، فضلا عن وجود برامج موجهة للمتخصصين في مجال التصميم الجرافيكي تساعد على تحسين جودة عمل هؤلاء المبدعين الذين يملكون المهارات في الأساس وعليه، فإن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مساعدا وليس منافسا و التفكير في تطويره يجب أن يسير وفق هذا المبدأ و في هذا الاتجاه. قد يؤثر على القيمة الحسية للفن و يعيد تحديد معاييره مع ذلك يحذر الباحث، من أن الدقة العالية للتقنية قد تؤثر على القيمة الحسية للفن و تعيد تحديد معايير خاصة لدى الأجيال التي تكبر في ظل انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي، والتي ستكون غير قادرة نوعا ما على التفريق بين ما هو منتوج إنساني وما تنتجه الخوارزميات، وقد حدث حسبه، أن شارك فنان بلوحة فنية منتجة بالذكاء الاصطناعي في مسابقة فنية وفاز بالمرتبة الأولى قبل أن يكشف عن حقيقة عمله. أستاذ الفلسفة محمد جديدي دمقرطة الذكاء الاصطناعي ستثبت تفوق الإبداع البشري حسب أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة، محمد جديدي، فإن التقنية لا يمكن أن تقدم بديلا خالصا عن الإنسان، لأن الذكاء الإنساني متفرد و متميز بخصوصية استثنائية على اعتبار أن الإبداع في حد ذاته طفرة، فقد نجد شاعرا أو كاتبا أو رساما مبدعا واحدا بين كل مائة ألف شخص، وهؤلاء الأشخاص مبدعون و استثنائيون لأنهم يتركون بصماتهم التي قد تصبح لاحقا أسلوبا معتمدا أو مدرسة. والذكاء الاصطناعي بكل تطوراته يفتقر للتفرد، كما أوضح لأنه تقنية تعتمد على خوارزميات تعالج البيانات بطريقة آلية ما يضعنا أمام حالة من التعميم، بمعنى أن الفكرة أو المنتج متاحان للجميع ويمكن لكل من يتحكم في التقنية أن يخلص إليهما أو ينتج أيا منهما بالاعتماد على التطبيقات، لكن دون اللمسة المتفردة الذاتية أو الشخصية التي لطالما طبعت منتجات الإبداع الإنساني و كانت شرطا له. نحو إنتاج فرد خاضع وأكثر هشاشة ويرى الباحث، بأن الجدل حول التغيرات التي يمكن أن يحملها الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على الأداء أو الوظائف الإنسانية طبيعي و لطالما رافق كل البدايات و الاختراعات الجديدة، خاصة عندما يكون استخدامها محصورا، لكن تعميم أو دمقرطة استخدام هذه التقنية يجيب لاحقا على التساؤلات و يؤكد في كل مرة بأن الذكاء الإنساني الطبيعي يبقى أكثر تفوقا، لقدرته على التحول و التجديد، بالمقابل يظهر الذكاء الاصطناعي محدودا لاعتماده المطلق على البرمجة وما يضخ فيه من بيانات، وعليه يجب أن نفهم أن التقنية لا تتفوق على ملكات الإنسان ولكنه هو من يخضع لها إراديا فعل تزايد اعتماده عليها كحل سريع و مريح لأداء المهام انطلاقا من اتكالية تسمح للآلة بالسيطرة على مفاصل حياته أي أن الذكاء الاصطناعي لن يعوض الإنسان ولكن نوع من الإنسان. مع ذلك، فإن التخوف من الذكاء الاصطناعي مشروع حسبه نظرا للسرعة الكبيرة و التطور الهائل الذي يعرفه المجال خاصة في ظل الحديث عن اختفاء مهن من سوق الشغل عموما بما في ذلك سوق الفنون و الوظائف الإبداعية. فضلا عن أن المستقبل قد يحمل مفاجآت كبيرة في ظل التحالفات بين ما يعرف ب " غافا" أو الشركات الكبرى و عمالقة العلوم والتخصصات الدقيقة، لتحقيق مشروع كبير ببرامج سياسية يعرف بمشروع " ما بعد الإنسانية"، وهو مخطط يشبه أفلام الخيال ولكنه حقيقي وقائم فعليا منذ سنوات، مع ظهور الشبكة العالمية و اتساع الرقمنة والتحول نحو التعليم و التعامل عن بعد، وبالتالي فنحن مقبلون على إلغاء الحضور الإنساني و تقزيم العاطفة التي تعزز العلاقات الإنسانية. من جانب ثان، تطرح إشكالية أخرى حسب الباحث، تتعلق أساسا بقدرة الإنسان على التحكم فيما يشتغل على تطويره، وهو ما يضاعف الهواجس بخصوص سلبيات الذكاء الاصطناعي واحتمال أن نخضع كليا للآلة و التقنية و نصبح أكثر هشاشة. هشام معافة أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة قضية تمتد أبعادها لمشروع "ما بعد الإنسانية" يعتقد أستاذ الفلسفة بجامعة عبد الحميد مهري 2 بقسنطينة، هشام معافة، بأنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعوض الإبداع الإنساني في أي مجال من الفنون على الأقل لجهة أن الإبداع الفني يرتبط بما يمكن أن نسميه السر الإنساني، والذي يرجع إلى أصل يتجاوز إرادة الفنان المبدع وسيطرته، فلحظة ما نقول عن موسيقار أو رياضي أو رسام أنه فنان أو مبدع نقصد أن الموهبة تتجاوزه وليست مفتوحة على كل الاستخدامات بحيث يمكن السّيطرة عليها وتكرارها وإعادة إنتاجها في ظروف اصطناعية. و حتى وإن أمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج أعمال رائعة تتجاوز في دقتها الأعمال الفنية الخالدة مثل الموناليزا، إلاّ أنها لا تُعتبر حسبه، إنتاجا فنيا إبداعياً - بعبارة كانط " أعمال غير فنية هي منتوج لفكر غير فني- لأنه مُحصِّلة لشكل من السّيطرة ناتجة عن اتباع قواعد". و في حالة الذكاء الاصطناعي فهي " لوغرتمات بصورة آلية يمكن تكرارها على نحو لانهائي". وهذا ما يجعل منه عملاً مبتذلاً يمكن إعادة إنتاجه في أيَّة لحظة. أما الأعمال الفنية الإبداعية فتتميّز بالفرادة، وهي أعمال لها شروطها الزمانية والمكانية والظروف التي أحاطت بإنتاجها، لذلك فهي لحظة إبداعية فريدة غير قابلة للتكرار وإعادة إنتاجها مرة أخرى حتى لو توافرت الظروف نفسها للمبدع، وعليه تجترح الأعمال الإبداعية قيمتها وقُدسيتها من كونها مادة نادرة بما هي محصلة للإلهام أو بما هي لحظة بارقة أو شرارة فريدة، مثلها مثل المعادن النفيسة النادرة. زيادة على ذلك، ترتبط الأعمال الإبداعية بعاطفة الفنان وتصدر عنها؛ وهي بمعنى ما محصلة للحظات جمالية مفعمة باللّذة والسعادة أو بالألم والشقاء، وقوة الخلق أو الإبداع الفني ترجع إلى كونها تصدر عن إحساس صادق وقوي وعاطفة حقيقية تمنح للعمل عالما وحياة لا من حيث تذوقه أو تلقِّيه في جوانبه الجمالية والشكلية فحسب، بل بوصفه عملاً يعكس الخارطة السيكولوجية للفنان وتجربة ذاتيه نتشاركها ونتذوقها ونُقدِّرها لأنها كذلك، أعني من حيث قدرتها على عكس معاناة الفنان. و يرى المتحدث، بأن الذكاء الاصطناعي يثير سؤال الحقيقة ومدى أصالة هذه الأعمال على نحو يؤدي إلى نهاية الإبداع، وهذا ما نشهده من خلال إنتاج صور وفيديوهات على الشبكات الاجتماعية دون تحديد إن كانت أصيلة أم لا؟ إذ يسمح الذكاء الاصطناعي الآن بإنتاج نصوص (روايات) وصور أو فيديوهات بطريقة اصطناعية كلياً، ما يقتل المواهب الشخصية والمبادرات الذاتية فبوسعنا إنتاج أفلام ضخمة غير أصيلة من بطولة شخصيات افتراضية بعيدة كل البعد عن التمثيل لم تتلق أي تكوين في هذا المجال ولا تمتلك أية موهبة. لذلك لن تعود للموهبة أيّة قيمة ما دام أي شخص يستطيع أن يكون ممثلاً بطلاً في أضخم الانتاجات السينمائية ولا يقل أداؤه عن أداء أعظم الممثلين. والمحصلة أنه لا ينبغي أن نُغالي كما قال، في اعتبار سلبيات الذكاء الاصطناعي، بل لابد أن ننظر إليه كأداة نستخدمها و لا نخضع إليها، ونوظفها لنكون أكثر إبداعاً و إنتاجية، فنتوسل بالذكاء الاصطناعي ليقدم لنا أفكاراً لا يسعنا بلوغها لوحدنا ورؤية لعوالم جديدة موازية لم نكن لندركها لو اعتمدنا على الوسائل التقليدية، علما أن الذكاء الاصطناعي لا يتيح لنا الذهاب بالإبداع إلى أبعد مما كنَّا نقدر قبلاً، بل سيسمح بظهور أشكال وأنماط فنية وإبداعية جديدة. و مهما بلغ الذكاء الاصطناعي من دور ودقة حسبه، فإن إنتاج العمل الفني الإبداعي يرجع إلى الفنان المبدع وإرادته، وهو وحده الذي يُقرِّر وجود العمل الفني، مثل المخرج لا يفعل أي شيء ولا يستخدم أي أداة (الكاميرات) ولكنه يجعل الفٍرَقَ تَعمل، فهو الذي يقوم بالخيارات، أي يختار هذه الخطط أو تلك، ويختار الألبسة والحوارات، وفي النهاية (عملية المونتاج) يجمع كل شيء لأنه هو وحده الذي يمتلك هذه الرُّؤية، وهو وحده الذي يجسدها، لذلك نقول حينما يكتمل العمل، بأن هذا عمله، وندرك قيمته كعمل فني، وهو ما يصدق على كل أنواع الإبداع الفني، فقبلاً كان الفنان ينتج عمله وحيداً أمَّا الآن فيبدع بمرافقة الذكاء الاصطناعي. أستاذ الفلسفة، لم يغفل الحديث عن أن الذكاء الاصطناعي يعتبر الآن جزءاً من مشروع ضخم ممول من طرف عمالقة الويب تقوده أيديولوجيا أو حركة انبثقت عن الثقافة السيبرانية الأمريكية في الثمانينيات تُعرف اليوم ب"ما بعد الإنسانية" "post-humanisme"، تروم إحلال الذكاء الاصطناعي محل الذكاء الإنساني العادي كخطوة أولى، ومن ثم و كخطوة ثانية، إحلال الكيان الرقمي محل الكيان البشري البيولوجي، وتشكل الشبكة الذكية "غوغل" مرحلته الجنينية. وما نستشعره من خوف وتوجس تجاه الذكاء الاصطناعي سببه كما أوضح، القلق من تفوقه على الإنسان، حيث يتنبأ "جون نوح هراري" للإنسان بمصير مماثل للحيوانات المدجنة في مصانع إنتاج اللحوم والألبان، إذ يستحيل الإنسان إلى أداة أو موضوع للاستعباد من طرف الآلة أو فاعل بشري جديد، مضيفا، أن التكنولوجيا تخترق حياتنا اليومية بما تحتويه من بيانات فيها كل معطياتنا تجعلها تمتلك معرفة بنا أكثر من معرفتنا لذواتنا ومشاركتنا لأبسط تفاصيل حياتنا على مواقع التواصل الاجتماعي هي بمعنى ما إثبات للذات و وجودها داخل العالم الافتراضي من خلال إنتاج الصور ورفعها ومشاركتها بحيث تنتصر الخوارزميات على معرفة الإنسان.