يتطوع أساتذة في الطور الابتدائي لتزيين مؤسسات تربوية عبر الوطن استعدادا لاستقبال الموسم الدراسي القادم بحلة جديدة، حيث يعتمدون على إمكاناتهم الخاصة لشراء الطلاء و دهن الأقسام و رسم الجداريات لإضفاء لمسة فنية مميزة، كما يتم تزيين الجدران بعبارات تحفيزية و جمل تعليمية تضبط وفق بيداغوجيات التعلم لكل سنة و طور دراسي حسب ما أكده أستاذ الطور الابتدائي توفيق مرابط. يتداول أساتذة عبر الفضاء الأزرق منذ أيام، صورا توثق لمبادرات فردية و أخرى جماعية لتزيين المدارس و تنظيف الأروقة، من بينها مبادرة قام بها الطاقم التربوي لمدرسة بن عون محمد الطاهر بالأغواط، أين ساهم أعضاء من الطاقم التربوي فضلا عن إداريين في شراء لوازم الطلاء و زينوا كل أقسام الابتدائية، و نشروا صورا للنتيجة النهائية عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي و تحديدا فيسبوك، إذ لاقت المبادرة التشجيع و الثناء من قبل أولياء و مواطنين تفاعلوا بكثرة من المنشورات، وأعربوا عن استعدادهم للانضمام للعملية و المشاركة في تنظيف المحيط الداخلي و الخارجي للمدارس، و هو ما تم فعليا عبر عديد المؤسسات التربوية وطنيا، و علق أولياء بالقول بأنهم شريك أساسي في مهمة ضمان تمدرس جيد لأبنائهم انطلاقا من توفير في محيط نظيف و مريح و جميل. وصنعت أستاذة بمتوسطة طريق الجزار بريكةباتنة، الحدث على المواقع التواصلية بعدما بادرت بمفردها إلى تزيين قسمها التعليمي و نشرت الخبر مع الصور على حسابها على فيسبوك معبرة عن سعادتها الكبيرة بإتمام العمل و الانتهاء من أشغال الطلاء و التنظيف وقالت في منشورها، بأنها اشترت الأدوات و مواد الطلاء و التنظيف من مالها الخاص وقامت بطلاء الجدران و كتابة عبارات ترحيبية و تحفيزية لاستقبال تلاميذها، منها عبارة « معلمك يرحب بك»، و ذكرت بأن المبادرة ترمي إلى رفع معنويات التلاميذ و تحفزهم على الدراسة، و دعت غيرها من المبادرين إلى مثل هذه النشاطات إلى تجنب الإفراط في التزين خاصة ما تعلق برسم شخصيات كرتونية على الجدران، لأنها صور تشتت ذهن التلميذ و تؤثر على تركيزه كما عبرت. زينة بضمائر المخاطب و الإشارة و رسامون يلتحقون بالمبادرات جاءت مبادرات التزيين و الطلاء بشكل مكثف و مغاير هذا الموسم، حيث أصبحت تقدم بشكل مدروس، وقد لاحظنا منشورات و صورا عن حملات قام بها أساتذة كثر قدموا نصائح عن طبيعة الزينة المناسبة للمدارس، بينهم الأستاذ توفيق مرابط من ولاية سكيكدة الذي قام بتزيين أقسام عديدة بطريقة جميلة و محتوى هادف، حيث كتب على الجدران ضمائر المخاطب و الإشارة و حروف الجر و حروف العطف و أقسام الكلمة و أنواع الفعل و أخوات كان و إن، إضافة إلى معادلات رياضية، و رسم أشكالا هندسية و كتب الأرقام و الحروف بطريقة فنية و وسط ديكور متميز، يساعد على التأمل و يوفر جوا دراسيا، كما قام أستاذ آخر برسم قطار على أحد جدران مؤسسته و كتب في كل عربة رقما بطريقة تسلسلية ليحفظها التلاميذ بسلاسة. و أمام سرعة انتشار الحملة و التفاعل الكبير معها على مواقع التواصل الاجتماعي، التحق بها أساتذة في مادة الرسم و حتى رسامون هواة قرروا المشاركة في تحسين واجهة المدارس و أقاسمها عن طريق بصمات فنية، لتنمية الحس الجمالي و الذوق الفني عند التلاميذ، سعيا لأجل تغيير صورة الفن في المجتمع وربطه بتفاصيل اليوميات لينعكس ذلك على النظرة العامة له و يكون للأمر تأثير على نفسية الأفراد، و هو الدافع الذي جعل رسامين يتوجهون بريشتهم و علب الألوان صوب المؤسسات التربوية و التطوع لتزيينها، على غرار ما يقوم به رسامان شابان من ولايتي الجلفة و بجاية، لم يتوقفا عند رسم جداريات بساحات اللعب في عديد المؤسسات، بل امتدت ريشتهما إلى الجدران المحاذية للمدارس بغية تحسين واجهاتها كاملة و إظهارها كتحفة ينصهر فيها العلم بالفن. وقال فواز ابن الجلفة، بأنه فضل رسم مناظر طبيعية واقعية و معالم أثرية متنوعة كخلفيات للأقسام بهدف تغذية فكر التلميذ و توسيع آفاقه، مؤكدا بأنه ينتقي مواضيع رسوماته بعناية و بحسب ما يتماشى مع عمر التلميذ و طوره الدراسي، فمثلا يفضل في الطورين المتوسط و الثانوي المواضيع ذات الصلة بالمعالم الأثرية ويرسم جداريات عن الطبيعة أيضا، كما يرسم الأرقام و الحروف والطبيعة و يخط الحكم و المواعظ على جدران باقي الأقسام. من جانبه، تطوع الرسام الشاب هادف مروان من ولاية معسكر، لتزيين المطعم المدرسي بابتدائية عمر مختار بذات الولاية، حيث قام تزيين الجدران بعدة رسومات، منها صورة لطفل صغير يرتدي لباس الطاهي، و يشير بإصبعه إلى عبارة شهية طبية، فيما خط على الجدار المقابل لطاولات الطعام، حديثا نبويا جاء فيه « يا غلام سم الله و كل بيمينك و كل مما يليك» وعبارات أخرى من قبيل « غذاؤنا السليم سر صحتنا « تطوع الأساتذة يساعد في ضبط تصورات سليمة لزينة الأقسام قال أستاذ الطور الابتدائي توفيق مرابط، بأن تزيين المحيط المدرسي ضرورة لتوفير جو ملائم و محفز للدراسة ينعكس إيجابا على التحصيل العلمي للتلميذ، و يساهم في العملية التعليمية، من خلال الأركان الموزعة عبر جدران القسم، منها الركن الأخضر و ركن المطالعة و ركن التحفيز، بوضع منشورات تعليمية يجب أن تتماشى و بيداغوجيات التعلم لكل سنة و طور دراسي، حيث يراها التلميذ بشكل يومي ما يساعد على ترسخها، مؤكدا بأن تطوع الأساتذة و مشاركتهم في المبادرات الجماعية يساعد على تأطير النشاط بشكل منظم و مدروس. أسماء بوقرن تربويون ونفسانيون يؤكدون الاهتمام بجمالية المدارس يضمن الصحة النفسية للتلاميذ ثمنت كل من الأخصائية النفسانية خديجة كلوت و النفسانية التربوية نبيلة عزوز في حديثهما للنصر، المبادرة الرامية إلى بعث روح جديدة في المؤسسات التربوية، و إضفاء جمالية على أرجائها، و بالأخص المدارس الابتدائية، ما يضمن تنشئة متوازنة و سلامة نفسية و سلوكية للتلاميذ، كما يعزز علاقته بالمدرسة، فضلا عن تهذيب الذوق الفني. وقالت الأخصائية النفسانية خديجة كلوت، إن الاهتمام بالديكور الداخلي للمؤسسات التربوية و الأقسام مهم لنفسية التلاميذ و مفيد لتنشئة متوازنة و مستقرة، خاصة الجمل التحفيزية و التربوية التي تحث على طلب العلم ونظافة المحيط، كما تؤثر الشعارات التي تكتب على الجدران على الجانب السلوكي للطفل، حيث تهذب طريقة تعامله مع محيطه، خاصة إذا تم إشراكه في عملية التزيين و التنظيف وغرس الأشجار في المحيط المدرسي، ما يجعله يحافظ على المساحات الخضراء لتنمية الحس البيئي بالحرص عليها فيما تكسر اللوحات التعليمية نمطية التدريس. وأضاف، بأن التأثير لا يتوقف على الجانب السلوكي فحسب و إنما يشمل الجانب النفسي كذلك، حيث يساعد الديكور الخارجي و الحلة الداخلية الجميلة و المدروسة للأقسام والباحات خاصة في الابتدائيات، على تكوين علاقة جيدة بين التلميذ و المدرسة، و يعزز روح الانتماء للقطاع، مشيرة إلى أن الطفل يجد عالمه المفضل فيها ولا ينفر في السنة الأولى من مقاعد الدراسة، خاصة في حال تعرض للتعنيف أو القسوة، موضحة بأن المدرسة هي البيت الثاني للتلاميذ ومن الضروري الحرص على توفير جو يحفز على التعلم والإبداع و تطوير مهارات و قدرات التلاميذ. من جانبها، أضافت النفسانية التربوية، نبيلة عزوز للنصر بأن تربية الذوق العام و تنشئة الطفل في محيط نظيف وجميل، مهمة لبناء شخصية متوازنة، خاصة عند انتقاء الألوان بعناية، فالألوان الفاتحة مثلا، لها تأثير كبير على مزاج التلميذ و وجدانه و نفسيته، و دور في تنشيط الدماغ وتحفيزه على استقبال معلومات جديدة، و تنصح بانتقاء الألوان بعناية كبيرة، و الابتعاد عن استعمال الألوان التي تشتت التلميذ و تؤثر سلبا على نفسيته، و تجنب المبالغة في توزيع الرسومات على الحائط. و حثت الأخصائية، على ضرورة إشراك التلاميذ في عملية التزين، و بالأخص التلاميذ المشاغبين، من خلال المساعدة في غرس النباتات و الأشجار و سقيها، و وضع ملصقات حائطية و طلاء الجدران، لأنها بوابة لاكتشاف المواهب وفرصة للتخلص من الضغط و الشحنات السلبية و تهذيب السلوك.