هناك شيوعيون حملوا السلاح قبل أول نوفمبر الحديث إلى المناضل و المجاهد وليام سبورتيس شيق و متشعب، و هو اكتشاف حقيقي لجزء من تاريخ الجزائر و ماضي قسنطينة، يهودي من مواليد قسنطينة،حملت عائلته التي كانت تقطن حي "سان جان" في قلب الحي الأوروبي من المدينة الجنسية الفرنسية بموجب مرسوم كريميو لسنة 1870، شيوعي اختار الوقوف إلى جانب نضال الطبقات المستضعفة و حمل السلاح في وجه المستعمر الفرنسي،كان حريصا على تنفيذ اتفاق المناضل اليساري من قيادة الحزب الشيوعي الجزائري بشير حاج علي مع عبان رمضان بخصوص التحاق الشيوعيين بثورة التحرير و قد حمل البعض السلاح قبل اندلاعها في الأوراس، و ما زال يؤكد أن الشيوعيين من تنظيم "المقاتلين من أجل الحرية" المسلح الذين انخرطوا في جيش التحرير الوطني لم تكن لهم أية علاقة تنظيمية مع الحزب الشيوعي الجزائري إلى غاية الاستقلال. وليام سبورتيس خرج عن صمته في سن التسعين و اختار أن يروي مسيرته النضالية من أجل تحرير الجزائر لمؤرخ فرنسي شاب بيار جان لوفول لوسياني اهتم بالفئة القليلة من اليهود الشيوعيين الذين حاربوا بلدهم فرنسا بالسلاح من أجل استقلال و حرية الجزائريين. حمل كتاب سبورتيس اسما رمزيا موحيا محتشد الزيتون بالفرنسية و لكنه سماه جنان الزيتون الاسم الذي يعرف به حتى اليوم أحد أشهر الأحياء الشعبية في قسنطينة على الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة. التقته النصر حينما زار مسقط رأسه الأربعاء الماضي و قام بتوقيع كتابه في دار النشر "ميديا بلوس" و سألته عن العنوان بين محتشد الزيتون و جنان الزيتون فأجاب. فعلا هناك تضارب بين عنوان الكتاب بالفرنسية و بالعربية ففي الفرنسية لم أفضل عنوان حديقة الزيتون لأن هذا موجود في كتابات أخرى و احتفظت بالاسم الفرنسي للحي و هو محتشد الزيتون أو معتقل الزيتون "لو كان دي أوليفيي"، أما بالعربية فقد سميته ببساطة جنان الزيتون و هو الاسم المعبر بدقة و بصدق عن الحي في قسنطينة. لماذا قررت الآن أن تقول قصة اليهود الشيوعيين الذين وقفوا في صف الثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي من أجل تحرير الجزائر؟ لا أنكر انني كنت مستعدا لتدوين و تسجيل شهاداتي عن المرحلة و تدوين ما عايشته منذ تقاعدي سنة 1985، لكن التزاماتي و وواجباتي النضالية حالت دون التفرغ لذلك، حيث بقيت مناضلا في صفوف الحزب و بعدها صحفيا في جريدته الجزائر الجمهورية التي كان يديرها الرفيق عبد الحميد بن زين حين عودتها للصدور علنا بعد أكتوبر 1988، إلى غاية سنة 1994 حينما قررت الذهاب إلى فرنسا بعد ما عرفته البلاد من أزمة أمنية و استهداف للمثقفين و الصحفيين، و هناك واصلت نضالي و لم أجد الوقت للكتابة، و كان موضوع الكتاب ملحا بمرور الوقت، إلى حين أن أبدى مؤرخ شاب اهتمامه بنضال فئة صغيرة من اليهود وقفت في صف الثورة التحريرية الجزائرية، و لكنني قلت له أنني لا أريد حكاية مساري و مسيرتي النضالية بصفتي يهودي و لكن لأنني شيوعي بالدرجة الأولى و جزائري في وفاق و انسجام مع مبادئي و قناعاتي و أفكاري، لذلك قررت الالتحاق بالثورة ضد الاستعمار من منطلق أنني لا أقبل أن يهان شعب بأكمله و وفق تلك القناعة رأيت من الضروري أن أتحدث ليس لأقول ما اقتنع به، بل تحدثت الى مؤرخ محترف لديه الإمكانيات و الوسائل لكي يتأكد من كل شيء أقوله و يناقشه و يمحصه و يبحث عن الوثائق التي تثبته من خلال بحثه في وثائق الأرشيف لتلك الفترة. كتابك في النهاية عبارة عن استجواب طويل لمسار طويل هو الآخر هل كانت أسئلة المؤرخ بيار جان لوفول لوسياني من وحي الصحفي سبورتيس أم لأجل وضع سياق للحكاية و تبسيط الأهداف و تحديدها؟ عملت مع المؤرخ طيلة خمس سنوات، سمحت له فيها بالإطلاع على كل التفاصيل و قلت كل ما أعرف عن الموضوع و هو مساهمة الشيوعيين الجزائريين في ثورة التحرير و أرى أنه من حق الأجيال الجديدة في جزائر الاستقلال، و بعد 50 سنة من نهاية الاستعمار أن تعرف كل مكونات الثورة التحريرية، و هنا أرى أن مساهمتي في كتابة التاريخ عمل نضالي أيضا لم أنقطع عنه و لن أفعل، و أعتقد أن معرفة الجيل الجديد في الجزائر لمن ساهم في محاربة الاستعمار أمر مهم للغاية من أجل بناء وعي وطني حقيقي. بصفتك كنت مسؤولا جهويا من قسنطينة عن نشاطات الحزب الشيوعي الجزائري هل كان الشيوعيون منخرطين في الثورة التحريرية عن قناعة شخصية منذ البداية أم لأن الحزب بعد فترة قرر الوقوف مع جبهة التحرير الوطني عندما تبين أنها حركة تحررية تحتاج إلى تضامن الأممية الشيوعية؟ أولا حين انطلقت ثورة أول نوفمبر 1954 كنت في بودابست مشرفا على حصة إذاعية بعنوان صوت الاستقلال و السلم، و من هناك قلت منذ اللحظات الأولى عبر إذاعة دولة المجر أن الجزائر قامت بثورة مسلحة ضد الاستعمار و أن ما قام به الثوار الأوائل ليس فعلا طائشا و منعزلا و ليس قطع طريق و لا هو نشاط عصابات إجرام مثلما كانت فرنسا تؤكد، و قلت ذلك لأنني أعلم أن عددا من الرفاق كانوا قد حملوا السلاح لمحاربة فرنسا قبل اندلاع ثورة نوفمبر و منهم شبشوب الصادق في دوار زلاطو بالأوراس و معه جماعة من الثوار، و بعد أن عدت إلى الجزائر قمت بتوجيه المناضلين نحو الالتحاق بصفوف الثورة التحريرية من أجل استقلال الجزائر و بناء مجتمع دون طبقات، دون استغلال لأبناء الشعب و لا من يستغلون أبناء وطنهم، وفقا لتوجيهات الحزب الشيوعي الذي قرر بعد أشهر فقط من بداية الثورة من خلال المكتب السياسي السماح للكثير من الرفقاء بالالتحاق بجيش التحرير الوطني في الجبال، و بعد تحويل سلاح الرفيق مايو إلى ما صار يعرف بالجبل الأحمر سنة 1956 صارت هناك حاجة إلى توضيح الأمور و جمع الصف و منه جاء اتفاق بشير حاج علي مع عبان رمضان. و هنا أود أن اوضح أن سلاح مايو لم يكن موجها حصريا للمقاتلين الشيوعيين الذين كانوا يحملون اسم "المقاتلون من أجل الحرية" و ليسوا منخرطين تنظيميا في جيش التحرير، بل كان لجميع عناصر جيش التحرير و بعد اتفاق حاج علي مع عبان، تقرر إدماج كل المقاتلين من أجل الحرية في صفوف جيش التحرير الوطني، بشرط إنهاء كل علاقة تنظيمية لهم مع الحزب الشيوعي الجزائري، و بالطبع كان هناك في صفوف جيش و جبهة التحرير الوطني من يرفض ذلك. في نهاية المطاف أي دور كان للشيوعيين في ثورة التحرير؟ كان الشيوعيون بالإضافة إلى مساهمتهم في الحرب و قدموا لذلك عشرات الشهداء من الفدائيين و المسبلين و المجاهدين و لا يزال عدد منهم أحياء وسيلة كبيرة للتعريف بكفاح الشعب الجزائري لدى الرأي العام و في دول المعسكر الاشتراكي لعلمك فقد كانت الأنظمة الاشتراكية جميعها تسير وفق منظور واحد و برأي الاحزاب الشيوعية الحاكمة فيها، و قد قمنا بالسعي لدى تلك الدول و الأحزاب الصديقة لكي تعترف بكفاح الجزائريين ضد الاستعمار و لولا الحزب الشيوعي الجزائري لما ساعدت الصين و يوغوسلافيا و الكثير من الدول الاشتراكية ثورة التحرير بالسلاح و بالدعم المادي و الدعائي، كان الكثير من تلك البلدان يتساءل أمامنا هل حقا هناك ثورة شعبية في الجزائر أليس الأمر مجرد صراع بين قوى الرأسمالية فرنسا الاستعمارية و أمريكا الامبريالية، و كنا كشيوعيين نتقاسم نفس القناعات و الأفكار نؤكد لهم أن ذلك غير صحيح و ان الشعب الجزائري قرر القيام بثورة مسلحة من أجل نيل استقلاله و أن كل القوى التقدمية التي تنشد الحرية و المساواة و ترفض الاستغلال يجب أن تقف مساندة له. طفولة في جنان الزيتون في كتابه الصادر عن دار الاجتهاد في جوان 2013 بعنوان جنان الزيتون مسار شيوعي جزائري يروي سبورتيس طفولته الأولى في حي سان جان بقسنطينة و هو حي تقطنه برجوازية أوروبية معروفة بعنصريتها تجاه اليهود في قسنطينة الذين كانوا في أغلبيتهم يقيمون بحي على مشارف المدينة العتيقة المعروف باسم "الشارع" أو "روتيار" (شارع تيير) و كيف كان أحد أخواله المقيم معهم في سان جان يتعرض لمضايقات أبناء الأوروبيين حينما يخرج بلباسه التقليدي و كان سبورتيس الصغير و عمره 4 سنوات ينزل ليلتقط حجارة و يعود بها للبيت و من شرفة المنزل يقوم بالثأر من الأطفال العنصريين الذين يتهكمون و يتحرشون بخاله. في قسنطينة أحصت الإدارة الاستعمارية سنة 1930 وجود 12 ألف يهودي يعيشون إلى جانب 50 ألف مسلم و 37 الف أوروربي و كان القليل من اليهود يسكنون "سان جان" وقتها و قال سبورتيس ردا على سؤال للمؤرخ لوفول لوسياني أن عائلتين يهوديتين فقط كانتا تقيمان بالحي و في نفس البناية منها عائلة سبورتيس و لم يكن هناك جزائريون مسلمون إطلاقا. عن عائلته قال أن والدته لم تكن تعرف الفرنسية أبدا و كانت تتكلم العربية فقط، - هو يعرف العربية لغته الأم – و كانت امية لا تحسن القراءة و لا الكتابة و قد تعلمت التحدث بالفرنسية و كتابتها و قراءتها متأخرة بعد اعتقال أخيه الأكبر لوسيان عام 1935، و ظلت ترتدي اللباس اليهودي التقليدي حتى أحداث العنف في أوت 1934 في مدينة قسنطينة بين المسلمين و اليهود، و كان لباسا جزائريا ليس حجابا و لا هو "الحايك". أما والده فقد ذهب للمدرسة و عمره 11 سنة لأن والده (جد ويليام) كان يحذره من الذهاب للمدرسة الفرنسية لأنه سيفقد هويته، و لغته و دينه، و هو ما يعارض الفكرة الفرنسية الرائجة من حيث كون اليهود في الجزائر رحبوا بقرار كريميو 1870 الخاص بتجنيسهم ليصبحوا فرنسيين، و قال وليام أن جده شمله قرار التجنيس لكنه بقي حذرا و لم يصبح فرنسيا، كان خائفا من فقدان هويته مع بداية القرن العشرين. كما يتحدث عن حياته بعد الاستقلال و كيف تعرض للسجن و فرضت عليه الإقامة الجبرية و قد تضمن الكتاب صورا فوتوغرافية لعائلة سبورتيس و لوثائق كان وليام يعدها و يوزعها من منشورات و بيانات باسم الحزب الشيوعي لنصرة القضية الوطنية.