لماذا فقد المعلم مكانته الاجتماعية ؟ تغيّرت صورة المعلم في المجتمع الجزائري، ولم يفقد مكانته كشخصية لها مكانة ريادية فحسب بل تحول إلى مادة للتنكيت في معرض الحديث عن البخل أو الرغبة في تحصيل المال. وتحول المعلم من تلك الشخصية التي تنال الاحترام والتبجيل داخل المدرسة وخارجها، ويلجأ إليه لحل مشاكلهم الخاصة، إلى تاجر مأجور يبيع الدروس في المستودعات. ويتزامن كسوف المعلم مع المشاكل التي تعيشها المنظومة التربوية والنقاش الدائر حول الإصلاح. النصر بحثت في الأسباب ومنحت الكلمة لمعلمين ومختصين. لماذا فقد المعلم مكانته الاجتماعية ؟ تغيّرت صورة المعلم في المجتمع الجزائري، ولم يفقد مكانته كشخصية لها مكانة ريادية فحسب بل تحول إلى مادة للتنكيت في معرض الحديث عن البخل أو الرغبة في تحصيل المال. وتحول المعلم من تلك الشخصية التي تنال الاحترام والتبجيل داخل المدرسة وخارجها، ويلجأ إليه لحل مشاكلهم الخاصة، إلى تاجر مأجور يبيع الدروس في المستودعات. ويتزامن كسوف المعلم مع المشاكل التي تعيشها المنظومة التربوية والنقاش الدائر حول الإصلاح. النصر بحثت في الأسباب ومنحت الكلمة لمعلمين ومختصين. معلمون من جيلين يتحدثون المال وغياب التكوين وتراجع سن المدرسين وراء اهتزاز صورة المعلم يرى الأساتذة القدامى أن صورة المعلم في المجتمع الجزائري تراجعت بشكل كبير، بعد أن كانت منزلته مقدسة في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث بدأت مرحلة التراجع، أين بدأ المعلم يفقد سلطته داخل القسم ، وهو ما استدعى السؤال لماذا تراجعت مكانة الأستاذ داخل مؤسساتنا التربوية وداخل المجتمع؟ وقد كان المعلم يحظى بالتبجيل الكبير، والذي ألبسه كاريزما خاصة به، أصبحت بمثابة بطاقة تعريف له في كل الأمكنة، أين تفرض داخل المجالس آداب الاحترام بمجرّد جلوسه بها، كما كان التلاميذ يتحاشون المرور على الطريق التي يمر بها معلمهم وذلك هيبة و رهبة منه، و كانت كل التصرّفات داخل و خارج المدرسة تنم عن مدى إحترام المعلم وسمو مكانته، والتي منحته بدورها سلطة لم تحظ بها كثير من المهن الأخرى. و يرى العديد من الأساتذة أن نقص التكوين للمعلمين، خاصة خريجي الجامعات والفائزين في المسابقات التربوية، ساهم في تردي صورة المعلم التي بدأت تفقد بريقها من يوم فقد المعلم الجزائري قدرته على جذب انتباه التلاميذ للدروس والتحكم في تصرفاتهم داخل القسم، إذ أن التلميذ أضحى يقارن ما بين مستوى المعلّم الذي لديه خبرة ومعلمهم الجديد.. هذه المقارنات لم تكن موجودة من قبل لأن مستوى المعلّمين متقارب كما أن أطر التعليم تخضع إلى نفس المنهج البيداغوجي والنفسي، و الغالب على معظم المعلمين الجدد افتقادهم للقدرة على تسيير و السيطرة على أقسامهم، وذلك لعدم معرفتهم بنفسيات التلاميذ المختلفة خاصة داخل الأقسام التي تشهد اكتظاظا كبيرا يصعب معه مراقبتها. الأستاذة جميلة كروط، متقاعدة من سلك التعليم، قالت أن التكوين الذي تم إدراجه من قبل الوزارة مؤخرا، لا يمكن أن يستدرك النقص الحاصل على مستوى الخبرة لدى الأساتذة الجدد وأضافت أنها تكوّنت لمدة سنتين مستمرتين، حيث كانت تنتقل كل أسبوعين لمؤسسة جديدة أين تخوض تجارب تعليمية مع فئات عمرية مختلفة من التلاميذ، كما أن تنقلها بين مختلف القرى النائية والأحياء الشعبية، مما أكسبها معرفة بأنماط وطرق فرض الاحترام داخل القسم، وهو ما انعكس على أدائها داخل المدرسة بعد ترسيمها، إذ باتت واعية باختلافات التلاميذ ومتطلباتهم في كل مؤسسة تعليمية عملت بها، وهو ما رأته محدثتنا كأحد أهم إيجابيات التكوين الذي كان مفروضا في السبعينات والثمانيات. وأرجعت المعلمة جميلة فقدان هيبة المعلم، إلى كونه كان يستمدها من السلطة المعنوية التي منحت له من طرف أطياف المجتمع المختلفة، بدءا من الإداريين وصولا إلى أولياء الأمور، حيث كانت العلاقة فيما مضى مبنية على الرغبة في إنشاء جيل متعلّم ويحترم المبادئ السامية، فكان ولي الأمر يثق ثقة كبيرة في أفعال وتصرّفات المعلّم ويعتبرها أحد التقنيات الناجعة لتربية ابنه داخل المجتمع، فكان الطفل يعاقب بشدة داخل المنزل في حال قدمت له ملاحظات من قبل معلمه في القسم، وهو عكس ما يلاحظ اليوم في مدارسنا أين يقدم العديد من الأولياء شكاوى بحجة تعنيف أبنائهم أو ازدرائهم، و باتت تمارس على المعلّم ضغوطات من قبل الأولياء، أنقصت من سلطته وزادت من رغبته في ترك التعليم. المعلمة الشابة صبرينة مبروكي أكدت أن المشكل الأساسي في الجيل الجديد من الأستاذة هو رغبتهم في ممارسة مهنة التعليم من أجل تحصيل دخل مالي، نظرا لاعتبارات اجتماعية عديدة أن المهنة مقبولة من طرف الأسرة والزوج كما أنها تذر مالا محترما يحفظ كرامتها، حيث لاحظت محدثتنا أن الكثير من المعلمين الجدد ينعدم عندهم الهاجس التعليمي و الرغبة في تكوين أجيال تحمل المشعل التربوي، وهو ما ساهم بشكل كبير في تقهقر المستوى التعليمي، نظرا لانعدام الضمير المهني، والذي عزز في الوقت ذاته صورة الأستاذ غير الجيّدة، و وصولها لمستويات دنيا داخل المدرسة وحتى داخل المجتمع. المعلمة نعيمة بولزرق تحدثت بحكم خبرتها في التعليم الابتدائي لأكثر من 25 سنة، أن تكثيف البرامج التعليمية جعل الجو التعليمي العام مكهربا ومملا، إذ أن المعلم مطالب بالتحضير وشرح برامج مكثفة لتلاميذ اعتادوا على طريقة حشو الدروس، دون تحصيل الفهم أو الاستيعاب الحقيقي، وهو ما خلق جوا من الإحباط والملل انعكس سلبا على معنويات الأستاذة، الذين فقدوا رغبتهم في التعليم، واسترسلت قائلة "بصفتي معلمة من الجيل القديم فإن البرامج لم تكن مكثفة في الماضي، حيث كان يمكن لنا خلق جو من التفاعل داخل القسم وهو ما ساهم في استيعاب التلاميذ لدروسهم حيث أن احترام الآباء للمعلمين يرجع لإدراكهم بأن مستويات أبنائهم التعليمية تتحسن يوما بعد يوم. حيدر مساعد تربوي بإحدى الثانويات في قسنطينة قال لنا أن الأساتذة اليوم ساهموا في تراجع صورة المعلم بشكل عام، إذ أصبحوا يسمحون ببعض الممارسات والتي تتم أمامهم، حيث لم يكن الجيل القديم من الأساتذة يسمحون بها، و يعود ذلك لتقارب السن ما بين التلاميذ والمعلمين الجدد، الذين أصبحوا يوظفون في سن مبكرة وقريبة من سن المتمدرسين، وهو ما شوّه صورة المعلم وجعلها تفقد صرامتها وقداستها نظرا للاحتكاك المبالغ فيه بين الطرفين، وعدم إحترام حدود كل أحد منهما للآخر، حيث أضحى العديد من التلاميذ يمتلكون حسابات معلميهم على الفيسبوك ويتحدثون معهم خارج القسم بشكل مستمر أو يلتقون بهم في الدروس الخصوصية. حمزة د مثال للتفاني و المثابرة المعلّم المخضرم دعاس عميور حسين تغيّب مرة واحدة طيلة 32 سنة في التعليم يتمتع المدرّس المخضرم دعاس عميور حسين، بشخصية محبوبة، ساعدته على إبقاء صورة المعلّم الأب أو المعلّم البشوش مثلما يطلق عليه تلاميذه بقرية بني مستينة ببلدية ديدوش مراد، أين قضى 32سنة في مهنة التعليم، بمدرسة «سماتي مختار»، حيث واكب متغيّرات المنظومة التربوية . المعلّم الخمسيني المفعم بالحيوية، يتحدث بافتخار عن المهنة التي اختارها عن قناعة و حب و عمره لم يتجاوز ال 19سنة، مما منحه القوة لتحمل التعب و التفاني في تقديم ما اعتبره واجبا وطنيا و مهنة نبيلة، يجد صعوبة في التخلي عنها و هو الذي أشرف على سن التقاعد. التقينا المعلّم دعاس عميور حسين، الذي يعد من الرعيل الأول، فوجدناه كما وصفه زملاؤه يشع حماسا و يمتلك روحا عالية و عزيمة صادقة، ظهرت من خلال حديثه عن تلاميذه الناجحين الذين كان لهم حظ التمدرس على يده و يشغلون اليوم مناصب مهمة في مختلف المجالات المهنية، و لا زالوا بعضهم يزورونه و يسألون عنه و يطلبون النصح لاسيما من التحقوا بمهنة التدريس تأثرا به. المعلم بقامته المتوسطة، ومشيته و طلته المهيبة، و ملامح لا تعكس سنه، يمكن أن نقرأ من خلالها الارتياح و الرضا على مشوار مهني مفعم بالعطاء، لأسرته الصغيرة بالبيت و الكبيرة بالمدرسة، يتحل بسمعة جيّد وسط زملائه و سكان قريته الذين تحدثوا عن سخائه و عطفه على التلاميذ و ابتسامته التي لا تفارق شفتيه حتى في أصعب الظروف. و تظهر مكانة هذا المعلّم الذي يتمتع بثقافة عامة و كذا ذاكرة قوية يمكنه بفضلها استعادة أهم المحطات التاريخية بكل سهولة، في مستوى الاحترام الذي يحظى به بين زملاء المهنة و التلاميذ و سكان قرية بني مستينة، أين يستشيره الكثيرون في أمورهم الخاصة لحكمته و خبرته الطويلة في الحياة. و يقول بعض تلاميذه القدامى بأنه مثال للانضباط، حيث لم يتذكروا يوما واحدا لهم طيلة مشوارهم الدراسي في الطور الابتدائي، تغيّب المعلّم القدوة الذي أسر هو شخصيا بأنه تغيّب مرة واحدة طيلة 32سنة و ذلك لظروف مرضية قاهرة، أرقدته الفراش، و إلا لتحدى المرض مثلما فعل دائما و سارع لتقديم الدرس مع الحرص على التواجد بالمدرسة قبل وصول التلاميذ، الذين يجدونه أمام باب القسم، في أتم الاستعداد و بهندام مرّتب، يفرض النظام بكل حنكة، دون التخلي عن بشاشته المعتادة. و عن سر تمكنه من الحفاظ على هيبة المعلّم كما فعل من سبقوه إلى الميدان في سبعينات القرن الماضي، قال محدثنا بأنه نهل من الأولين طريقة التعامل و استفاد كثيرا من فترة التكوين التي خضع إليها في بداية مشواره، بكل من مريم بوعتورة ثم بمؤسسة بن بعطوش، مسترجعا حث المؤطرين حينها على الجانب البيداغوجي و طرائق التربية، عكس ما يحدث اليوم أين تركز ندوات التكوين التي يستفيد منها المعلمين الجدد من حين إلى آخر على الجانب البيداغوجي فقط، مما جعلهم يفتقدون للخبرة خاصة فيما يتعلّق بطريقة التعامل مع الطفل. و قال المعلم دعاس بأن سر نجاحه في فرض نفسه و الحفاظ على هيبته، يكمن في معرفته الجيّدة لظروف كل تلميذ، فهو يعرف مشاكلهم و خصالهم و ميولاتهم، حتى أن عديد الآباء يعترفون له بقدرته على فهم أبنائهم أفضل منهم. و قال بأن المدرسة ليست سجنا تمارس فيه العقوبة و إنما فضاء للتعلم و كسب المهارات و الخبرات الفكرية و أكثر من ذلك فهي مكان للتواص، يجد فيه التلميذ الفرصة لتنمية قدراته و ملكاته الفكرية و العلمية بكل ثقة. و بخصوص تراجع صورة المعلّم عما كانت عليه من قبل، قال محدثنا بأنه التحق بمجال التربية و التعليم في فترة كان فيها التعليم مقدسا، و الجميع يحترم الآخر و لكل مكانته، دون تجاوز أو تطاول الواحد على الآخر مهما كانت وظيفته أو صفته، وأضاف بأن صورة المعلّم تدهورت بتدهور صورة الوالدين و عند ظهور دور العجزة»عندما لا يحترم الأب و الأم في البيت، فلا غرابة في التعدي على الأستاذ»يتحسّر المعلّم دعاس مردفا بأن هيبة المعلّم من هيبة الوالدين، و لأن المبادئ اندثرت، فلم تكن المشاكل المسجلة بقطاع التربية مستبعدة في نظره. لكنه رفض التعميم قائلا بأن الأطفال أبرياء و من يتحمل المسؤولية هم الكبار سواء المعلمين أو الأولياء، مشيرا إلى الجهود المبذولة من قبل الكثير من المعلمين الجدد الذين اختاروا المهنة عن رغبة و قناعة لكنهم لم يجدوا متابعة من قبل الأولياء، خاصة أولائك الذين ينعدم لديهم عامل التواصل وسط أفراد الأسرة الواحدة. و ختم المعلم حديثه معنا بنصح الجيل الجديد، بإنقاذ ما تبقى من صورة المعلّم المسؤول، الحريص على إنجاح مهمته و على أن يكونوا قدوة حسنة للأجيال الحالية و القادمة أيضا و يغرسوا في الصغار حب العلم و المعلّم و نبل الأخلاق و احترام الوالدين و حسن التعامل... مريم.ب ضاع المعلم حين تحول التعليم من رسالة إلى وظيفة كان أساتذتنا ومعلمونا قديما يقدسون العلم والتعليم ويوقرون العلماء والمعلمين الذين كانوا يحظون بمكانة اجتماعية رفيعة ومنزلة عالية، وهيبة في المجتمع ،وسطوة مشروعة على أبنائه من المتعلمين والمتعلمات، ولا يجرأ أيا كان التطاول على المعلم الذي كان ينظر إليه على أنه أب الجميع، ولم تأت هذه الصورة من العدم، بل هي نتاج حبه وعشقه لعمله و إخلاصه وتفانيه واهتمامه الكبير بأبنائه من المتعلّمين والمتعلّمات الذين كانوا يكنون بدورهم كل الاحترام والتقدير لمعلميهم، حيث كانوا القدوة في العمل والسلوك داخل القسم أو خارجه. كما كان المعلم يتمتع بشخصية معنوية قوية، و رغم ظروفه المادية والاجتماعية إلا أن هذا لم ينل من عزيمته وإرادته في أدائه لرسالته السامية و احترامه لها، ولأنه كذلك كان يعتبر رسالة التربية والتعليم تضحية وصبرا وجدية وعملا بالنهار وتحضيرا وإعدادا بالليل، ولم يكن ينتظر زيادة في الراتب أو ترقية أو وساما، أو جائزة أو منصبا أو كرسيا أو رتبة، بل كان مثل هؤلاء يعاقبون بقسوة ويعملون بكل جدية ويظهرون حبهم للمتعلمين وينتظرون منهم النتائج الجيّدة ، وهؤلاء طبقوا القاعدة التربوية التي تقول : "إننا نتعلم بيسر من الذين نحبهم" ..كما أنهم اعتبروا المتعلمين بمثابة أبنائهم و أبناء وطنهم. هذه الفئة من المعلمين كانت إذا دخلت القسم يخشع لها كل المتعلمين فلا تسمع منهم إلا همسا، فهؤلاء كانوا قادة و روادا و آباء روحيين للجميع منهم من قضى نحبه ومنهم من مازال على قيد الحياة. لكن دوام الحال من المحال فهذه الصورة اللامعة والبراقة للمعلم، وتلك المكانة والمنزلة طويت صفحاتها فغيب دور المعلم كمرب ومرشد وموّجه ، وفقد الاحترام والتقدير والهيبة وجرّد من كل الصلاحيات بفعل التغيير الذي عرفة المجتمع ليس في الجزائر فقط، فالقيم والمبادئ أصبحت من الماضي ولا عبرة لها ولا محل لها في قاموس التربية والتعليم .. المعلم اليوم ورغم تحسن ظروفه المادية والاجتماعية إلا أنه لم يستطع المحافظة على مكانته السابقة التي صنعها الجيل الذهبي، فبعد أن كانت العلاقة روحية ، تحوّلت إلى عملية بسيطة يحكمها النجاح والمدة الزمنية التي يقضيها المتعلّم مع المعلّم، وأصبح البعض من المعلمين يرون في التعليم مهنة و وظيفة لكسب الرزق وتشكيل الثروة، وهو ما جعل الكثير من أفراد المجتمع يمقتون كل من ينتمي لحقل التربية والتعليم، أقول هذا بكل تحفظ مستثنيا كل الخيرين وما أكثرهم الذين ما زالوا يعملون بإخلاص وتضحية حفاظا على المدرسة الجزائرية.. وما زاد الطين بلة العنف اللفظي والمعنوي وحتى الجسدي الذي طال المربين من قبل بعض المتعلمين وحتى أوليائهم، حيث أصبح المعلم يشتم ويسّب ويوصف بأبشع النعوت والصفات، بل أصبح يلطم ويلكم ويصفع ويرفس.. ويمكن القول بأن اهتزاز صورة المعلم في هذه الفترة هو المجتمع والمحيط ، والقنوات الفضائية وما تحمله من سموم أتت على الكثير من القيم العالية التي كانت في يوم ما صمام الأمان للفرد الجزائري، بالإضافة إلى إهمال جانب التكوين للمعلمين الجدد خاصة فيما يتعلّق بالتربية وعلم النفس التربوي وطرق التعامل مع مختلف أصناف المتعلمين وهذا الجانب تسعى الوزارة إلى تديمه والتركيز عليه في التوظيف، وأول تجربة كانت قبيل بداية العام الدراسي الجاري، كما لا ينبغي إهمال الدروس الخصوصية التي أساءت كثيرا للمعلمين والمعلمات. الموضوع شائق وفي غاية الأهمية، خاصة وأن المنظومة التربوية أضحت الشغل الشاغل لكل شرائح المجتمع سواء في بداية العام الدراسي أو في وسطه وحتى أثناء إسدال الستار عنه، كونه أصبح يصنع الحدث التربوي والاجتماعي وحتى السياسي.. فالتربية والتعليم ليست فقط مهنة أو حرفة بل هي رسالة وأمانة ومسؤولية كبرى لأن صاحبها يضطلع بمهمة تربية وتكوين وتنشئة الأجيال وإعدادها وتأهيلها لخدمة الوطن والذود عن دينه ولغته وتاريخه وكل ماله صلة بتراثه وعاداته وتقاليده .. الكثير من الزملاء والزميلات يوافقون دون شك هذا الطرح، ويؤمنون بأن جيلا جديدا قد أو سوف يأتي يعيد للمعلّم مكانته ومنزلته، شريطة أن نتعاون جميعا في تربية هذا الجيل وتكوينه وتأهيله أخلاقا وسلوكا وعملا وعلما والأخذ بيده حتى يكون خير خلف لخير سلف. سلوك المعلم و شخصيته عوامل أثرت على مكانته الاجتماعية و أزاحته إلى مرتبة دنيا يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة 8 ماي 45 بقالمة حميد حملاوي بأن رجل التعليم في الجزائر يمر بمرحلة صعبة للغاية و هو يفقد مكانته الاجتماعية و يتراجع إلى مراتب دنيا باستمرار و لم يعد يحقق مكاسب معنوية تجلب له الاحترام و التقدير كما كان الحال في سنوات الستينات و السبعينات عندما كان رجل التعليم قدوة للجميع رغم محدودية مستواه التعليمي و المادي. و أرجع حميد حملاوي أسباب تدني مكانة رجل التعليم في الجزائر إلى عدة عوامل أفرزتها التحوّلات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية التي ميّزت السنوات الأخيرة ، مضيفا بأن هناك عوامل مرتبطة بالمعلم نفسه كالسلوك و الشخصية، حيث فقد رجل التعليم هيبته بتصرفات و مظاهر و عادات مدمرة، و يعد لباسه و مظهره العام يختلف عن لباس و مظهر التلميذ و رجل الشارع في حالات كثيرة، من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة، مستوى متدني، إهمال للوظيفة، سراويل جينز و تسريحات شعر غريبة و خواتم وسلاسل من الذهب و موسيقى صاخبة من داخل السيارة على مرأى و مسمع التلاميذ و الطلاب و الناس في الشوارع العامة، و هذه سلوكات تؤثر على شخصية المعلم و تجعله عرضة للنقد و الاحتقار و حتى الاستهزاء من طرف أناس أقل مكانة و شأنا منه. و حسب المتحدث فقد ظهرت أصناف جديدة من المعلمين و الأساتذة لهم تخصصات و مهن متعددة جعلتهم يبحثون عن سند مادي ثاني من خلال ممارسة نشاط آخر كالبيع و الشراء مثلا، و كل نشاط موازي لوظيفة التعليم تجعل المعلم يعتمد على معلومات قديمة و لا يجدد معارفه مما يجعله عرضة لانتقاد طلابه و إدارة المؤسسة التربوية و المجتمع الذي أصبح ينظر إلى بعض رجال التعليم كتجار و "بزناسة" و متطفلين على مهنة التعليم الشريفة. و يرى أستاذ علم الاجتماع بأن الكثير من رجال التعليم في الجزائر ليست لهم رغبة في ممارسة المهنة و البحث و المطالعة و التكوين المستمر الذي يكسبهم الثقة في النفس و يجعلهم قادرين على بناء شخصية قوية و مواجهة المتكونين و المجتمع ، مضيفا بأن رجل التعليم في الجزائر كان يمر بمرحلة تكوين بيداغوجي و نفسي و يسأل صراحة لماذا اختار مهنة التعليم و يوضع تحت تجربة قاسية لاختبار مؤهلاته و سلوكاته و يدرس علم النفس التربوي و علم الاجتماع و طرق التعليم و يتم اختياره للتدريس وفق شروط صارمة دون تدخل من أي طرف، غير أن هذه الطرق لم يعد معمولا بها في الوقت الحالي و أصبح المتخرجون من الجامعات معلمون و أساتذة بمسابقات شكلية لا تراعي المواصفات و الشروط الواجب توفرها في المعلم. و أرجع حميد حملاوي المتخصص في شؤون التربية و التعليم و التنشئة الاجتماعية في الوسط التربوي المكانة المرموقة للمعلم بعد الاستقلال إلى عوامل تاريخية و اجتماعية موضحا بان الجزائر مرت باستعمار و ثورة ثم استقلال ظهر فيه ما وصفه بالثالوث المخيف ، مرض قاطع ، جهل مظلم و فقر مدقع و كان المجتمع الجزائري في حاجة إلى إعادة بعث في جميع المجالات بينها التعليم لكنه واجه مشاكل في التأطير و تعويض الفرنسيين الذين غادروا المدارس و كان الحل المؤقت في معلمين قدامى و حفظة القرآن و مساعدات من دول عربية. و في هذه المرحلة من تاريخ المنظومة التعليمية في الجزائر كان المعلم محترما و له مكانة اجتماعية راقية و كان ينظر إليه كقدوة و منقذ من الجهل و الأمية و الفقر و مستقبل الجزائر المستقلة ، و مع مرور الزمن تغير المجتمع و تغيرت الظروف السياسية و الاجتماعية و الثقافية المؤثرة في المنظومة التربوية و فقد المعلم مكانته وسط بيئة مادية ناقمة لم يقدر على مواجهتها فانخرط فيها و صار موظفا عاديا لا تتوفر فيه مواصفات المربي القدوة و المعلم المحترف. و حسب حميد حملاوي فإن مؤشرات تدني مكانة رجل التعليم في الجزائر متعددة بينها ظاهرة التنكيت القاسية التي تتناول جانبا من حياة و سلوكات المعلمين و تراجع مستوى التلاميذ و انصراف المعلمين إلى مهن و أنشطة موازية لوظيفة التعليم رغم تحسن أجورهم و هذا لتعويض الفارق المادي بينهم و بين أصحاب المهن الحرة و تحقيق مكاسب اجتماعية كاذبة على حساب التلميذ و المهنة المقدسة. و خلص أستاذ علم الاجتماع إلى القول بأن الحل هو إعادة النظر في المنظومة التربوية و وضع قواعد صارمة لاختيار المعلمين و إخضاعهم لتكوين هادف و مستمر يعتمد على بناء الشخصية و المعارف العلمية و حماية التلميذ و المعلم و المؤسسة التربوية من المؤثرات الخارجية المعيقة. فريد.غ المستشار التربوي رشيد هامل البطاقة التركيبية ستعيد للأستاذ مكانته و هيبته اعتبر المستشار التربوي رشيد هامل تغيّر صورة المعلّم عما كانت عليه من قبل، حقيقة لا يمكن إنكارها، مرجعا ذلك إلى عدة عوامل أهمها دوافع اختيار مهنة التعليم، مؤكدا بأن أستاذ الماضي كانت تدفعه الرغبة في احتراف هذه المهنة النبيلة، في حين يلجأ إليها الكثيرون من الجيل الجديد بحثا عن الوظيفة. و قال محدثنا بأنه بالتوّقف عند معنى الرغبة التي تشير إلى العطاء و الوظيفة التي تعني أداء مهمة، فإن الفرق يظهر جليا المكانة التي يتمتع بها من يتسم بالعطاء، مثلما كان معظم الأساتذة في الماضي، حيث كان التلاميذ يهابون المعلّم احتراما و إجلالا و ليس خوفا، و ذلك إدراكا من المتلقي بعدم بخل الملّقن في تقديم المعلومات الذي كان يتفاني في منح التلاميذ الأفضل و لو على حساب وقته و صحته. و من العوامل التي أثرت أيضا على صورة المعلّم بين الأمس و اليوم حسبه، البطاقة التركيبية التي كانت في السابق تفرض نوعا من الانضباط سواء بالنسبة للأستاذ أو التلميذ و حتى أولياء التلاميذ الذين يساهمون بقدر كبير في هذا الجانب، مؤكدا بأن هذه البطاقة التي تشكل محور اهتمام وزيرة التربية اليوم من شأنها إعادة الاعتبار للمدرّس و بالتالي الحفاظ على هيبته. و أشار الأستاذ هامل إلى أهمية تكوين الأساتذة الجدد، منتقدا انعدام التكوين و ظاهرة توظيف المتخرجين الجدد في مجال التربية و التعليم دون إخضاعهم لفترة تكوين مكثف، لأهمية ذلك في اكتساب الخبرة الكافية في السيطرة، و فرض الانضباط داخل القسم، متذكرا الدور الفعال للمعهد التكنولوجي و المدرسة العليا للأساتذة، في تقديم الدروس النظرية و التطبيقية لمدة تتراوح بين سنة و سنتين، عكس ما يحدث اليوم حيث يطالب من المفتش تنظيم دورات في فترات محدودة لا تتجاوز الستة أيام في السنة، و هو ما وصفه بالقليل و غير الكافي للحصول على أستاذ بالمواصفات التي كان عليها من سبقوهم في الميدان من الأجيال السابقة. و تحدث رشيد الهامل عن طريقة التعامل، متوقفا عند لغة التواصل التي قال أن الكثيرين يفتقدونها حتى عند المعلمين القدامى، مما يحدث الخلل و النفور، و يدفع بعض الأولياء للتدخل لأجل تحويل أبنائهم إلى أقسام أخرى بحثا عن الأستاذ الأكثر تواصلا و عطاء، و الذي غالبا ما يكون محبوبا و مفضلا لدى التلاميذ. و عن أهمية التكوين دائما، قال محدثنا بأن مكانة الأستاذ فرضها بمهارته في استقطاب اهتمام المتلقي من خلال كفاءته و ثقافته العامة ليس فقط في مجال تخصصه و إنما في مختلف المجالات، حيث كان المدرّس يبهر الجميع بطريقة حديثه الشيّق و لا يترك مجالا للتلاميذ للشعور بالملل، أو التفكير في شيء آخر سوى الدرس، لذا لم يكن المتلقي في حاجة إلى ما وصفه بالملحقات غير الرسمية إشارة إلى الدروس الخصوصية. مريم/ب