تصر الكثير من النسوة بأعالي قرى و مداشر ولاية باتنة النائية على استحضار العادات والتقاليد التي تصاحب إحياء عيد يناير أو ينار الذي يؤرخ للتقويم الأمازيغي وتعتبرنه تمسكا بأصالة الأجداد التي تم توارثها منذ آلاف السنين . وتجد إلى حد الآن الكثيرات من الأوراسيات بمروانة و آريس وثنية العابد ومنعة وغيرها من المناطق متعة كبيرة في إحياء الطقوس التي عملت الأمهات عبر السنين على تورثيها لبناتهن وفي مقدمتها إعداد طبق الشخشوخة (أو الثريد كما يعرف بمناطق أخرى من الوطن) والذي يحضر بلحم الغنم أو البقر وتتناوله في هذه المناسبة النساء دون الرجال. ومنهن من تتفنن في إعداد طبق "الشرشم" أو "ايرشمن" وهو قمح ينقع في الماء والملح ثم يطبخ حتى يتضاعف حجمه ويصبح طريا لتضاف إليه كمية من الزبدة والعسل وأحيانا حمصا مطبوخا وقليلا من الدقيق المحمص ويقدم لأفراد العائلة والأحباب والأصدقاء لاسيما الأطفال منهم. وأهم ما يميز إحياء عيد يناير بالمنطقة حرص ربات البيوت على استبدال الأواني القديمة لاسيما الطينية منها بأخرى جديدة وموقد البيت الذي عادة ما يكون مشكلا من ثلاث أحجار تسمى محليا ب (المناصب) بالإضافة إلى نسج أفرشة جديدة وفي مقدمتها الزربية ليتم استقبال العام الأمازيغي الجديد بألبسة و أفرشة وأواني جديدة بعد أن يتم طلاء البيت وتزيينه والتخلص من كل ما هو قديم . وتحرص ربات البيوت ليلة عيد يناير أن تحضرن كمية كافية من الطعام حتى يتسنى لكل فرد من العائلة أن يأخذ كفايته من الأكل (أي يشبع) كما يسمح للأطفال اختيار قطعهم من اللحم والكمية التي يريدونها لان العادة جرت حسب اعتقاد الأمهات والجدات بأن وفرة الطعام في هذه الليلة يساعد على أن تكون السنة مباركة ومملوءة بالخيرات. لكن تمنع النساء بالجهة في هذه المناسبة أفراد أسرهن من أكل الأطعمة الدسمة كما تمتنعن أيضا وبصفة قطعية عن إعارة الأشياء من بعضهن البعض (وهي العادة التي تكون محببة في باقي أيام السنة) لأنها تعد حسب الاعتقاد السائد ان وقعت في عيد يناير مدعاة للحاجة والفقر كما يمنع العمل في هذا اليوم لأنه عيد ووقفة مع الذات لتقييم سنة كاملة من الجد والعمل. ومن العادات التي مازالت تلقى رواجا في هذا العيد بالمنطقة هو اجتماع نسوة العائلة الواحدة في منزل إحداهن ثم يعمدن إلى تزيين فتاة صغيرة بأجمل الملابس وأبهى الحلي ويرافقنها بعد ذلك في زيارة خاطفة إلى الآهل و الأقارب في إيحاء إلى أهمية صلة الرحم في المجتمع الأمازيغي و الإنساني كك ل يقول الأستاذ محمد مرداسي وهو باحث في التراث الأمازيغي. وتلقى لعبة "ثي عشان" أو "ثاعشونت" أو لعبة التمرن على الأسرة من طرف الأطفال الصغار تشجيعا كبيرا من طرف الأولياء يضيف ذات المصدر الذي يؤكد بأن هذه اللعبة التي كانت شائعة منذ القدم بالمنطقة تهدف إلى تلقين روح المسؤولية للطفل والطفلة الصغيرين وتجعلهما يعيان بأنهما سيصبحان في المستقبل امرأة ورجل يكونان أسرة فيوكل إلى الطفلة في هذا اليوم مهمة العمل في المنزل (تنظف وتطبخ وتقوم بالأعمال المنزلية) في حين يوكل للطفل العمل خارجه لاسيما الأعمال الفلاحية. وتستقبل النساء عيد يناير بالمرح والنشاط فتعمدن صبيحة أول يوم من العام الأمازيغي إلى طلاء فوهات القرب (آنية تستخدم من جلد الماعز لجلب وكذا الاحتفاظ بالماء باردا لاسيما في فصل الصيف) بالحشائش حتى تصبح خضراء اللون ثم يملأنها بالماء تفاؤلا بعام فلاحي جيد. أما الطريف في المناسبة فهي عادة ال"تيشقيفين" وهي حجارة يعمد سكان المناطق الريفية بالجهة إلى قلبها في صبيحة أول يوم من يناير ومن خلال الموجود أسفلها يتم قراءة وضع العام الجديد فمن وجد نملا كثيرا تقول الحاجة زرفة فيعتقد بأنه سيرزق بقطيع كبير من الأغنام ومن عثر على حشرات ضخمة نوعا ما فسيرزق بقطيع من الأبقار أما من وجد حفرا فدليل على أنه سيحصل على غلة وافرة من القمح والشعير وسيحفظها في (المطامير) وهي مخازن تقليدية تحفر في الأرض لحفظ الحبوب. فمظاهر الاحتفال بعيد يناير يضيف الأستاذ محمد مرداسي وان تنوعت من منطقة إلى أخرى فهي عموما تهدف إلى التمسك بالعادات والتقاليد والعمل على التواصل بين الأجيال.