في قلب مدينة غرداية وعلى أطرافها المترامية تنتصب في أعالي تلال حجرية خمسة قصورعتيقة يعود تاريخ تشييدها لما بين القرنين ال11 و14 شامخة من عليائها تشتكي الإهمال. قصورالعطف وغرداية وبني يزقن وبونورة ومليكة التي صنفتها اليونسكو كتراث عالمي في 1982 تقدم نفسها كأبرزسمات الموروث الثقافي ل"بلاد الشبكة" كما يصفها المؤرخون. "هندسة من دون مهندس" هكذا وصف المعماري الفرنسي لوكوربوزييه قصورميزاب منبهرا بعمارتها ففي أعلى كل قصريتموقع المسجد بمنارته الهرمية التي تبرزمن بعيد للزوار خصوصية العمران المحلي وحوله تلتف المنازل في سلم تنازلي مشكلة أزقة ضيقة ومتعرجة تشعر الزائر وكأنه في متاهة. تحتضن القصورداخل أسوارها مكتبات يعود بعضها للقرن ال13 وآبارقديمة تحمل اسم حافريها وغالبا ما يوجد قرب كل بئرنخلة ف"في غرداية الماء مقدس والنخلة أولى بالقطرة التي قد تذهب هدرا" كما قال لواج أحد ساكنة القصوروهذا ليس بالغريب على منطقة شبه صحراوية لا يتجاوزمعدل التساقط بها 90 ملم في السنة. عند مخرج القصرفي الأسفل تتواجد الساحات التي هي بمثابة مراكزللنشاط الإقتصادي للميزابيين حيث تستقبل التجارمن غرداية وخارجها. الكثيرمن هذه القصورأصبحت تعاني من إهمال بعض ساكنتها. وإن كان بني يزقن أحسنها من حيث المحافظة به على النمط التقليدي فالعطف يشكومن البناء العشوائي المخالف للعرف كما هوالحال عند مدخله الرئيسي أين شيدت بناية "عصرية" شوهت واجهته. وكان للعوامل الطبيعية تأثيرها في تصدع البنايات ما جعل السكان يرتجلون في "ترميمها" دون أدنى مراعاة لهندستها ومواد البناء المستخدمة. فبيوت بأكملها تبنى اليوم في العطف وبقية القصوربالآجر والإسمنت رغم أنها ضمن القطاع المحفوظ لوادي ميزاب. وإن قام بعض أصحاب هذه البنايات بالتسترعلى هذا الأمرباللجوء إلى الطين والجيرلطلاء جدرانها الخارجية إلا أن سكان آخرين لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء سترهذا العيب إذ ترى بيوتهم لا تمت بصلة لمنطقة مصنفة عالميا. أما خارج القصور-أين التوسعات السكنية والواحات وأنظمة تقسيم المياه المعقدة- يتهدد الخطرمئات من الآبارالقديمة ويقول مسؤول قسم التراث بمديرية الثقافة للولاية محمد علواني أن "أغلب آباروادي ميزاب الذي يضم أزيد من 1500 بئرهي اليوم مهددة بالإنهيار" منذرا بخطريحدق بالسكنات المحاطة. تأخر كبير يعرف المخطط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ لوادي ميزاب "تأخرا كبيرا" منذ انطلاق دراسته في 2007 - بعد توصيات فريق أخصائيي اليونسكو الذي تنقل الى غرداية- وذلك بسبب "بطء عمل مكتب الدراسات" الذي لم يحترم الآجال المتعاقد عليها يقول السيد علواني. واعتبرمن جهته رئيس ديوان حماية وترقية وادي ميزاب بابا نجاريونس أن "المرحلة الأولى فقط من المخطط هي التي قاربت على الإنتهاء" مضيفا أن مكتب الدراسات العمومي المكلف بإنجازه قد تعهد بإنهائه "قبل نهاية 2015". ويضيف المتحدث أن هذا المخطط -وعلى عكس باقي المخططات الدائمة لحفظ واستصلاح القطاعات المحفوظة في الجزائر- يواجه صعوبات في إنجازه نظرا ل"شساعة المساحة" التابعة للقطاع المحفوظ الذي يعتبر"وربما الأكبرفي العالم". ارتجالية في الترميم يعتبرالترميم في قصورميزاب حرفة قديمة متوارثة غيرأن متعلميها صاروا قلة في السنوات الأخيرة إلى درجة أن بعض القصورعلى غرارمليكة "ليس فيها ولا مرمم محترف واحد" يقول المندوب الخاص بهذه البلدية الحاج يحيى ابراهيم. ويؤكد المقاول في الترميم من العطف بن يوسف بالوح أن "95 بالمائة من بيوت العطف قديمة وكثيرمن سكانها يقومون بالترميم بأنفسهم رغم أن أغلبهم لا يتقنون الترميم على أصوله" مشددا على أن البلدية "لم تقدم إعانات للسكان لترميم منازلهم منذ أكثرمن 10 سنوات". لقد صارالترميم يتم بصفة ارتجالية والذين يقومون به هم من عمال بناء غيرمختصين والكثيرمنهم مهاجرين من جنوب الصحراء يقول باحمد لالوت من الديوان معتبرا أن "الكثيرمن سكان القصوريفضلون حاليا العمران +الحديث+ نافرين من النمط التقليدي" رغم الجهود التحسيسية التي يقوم بها الديوان على حد قوله. ويشيرالمتحدث إلى أن الجيروالجبس المحلي المسمى "تيمشمت" والحجروالرمل والطين وجذوع النخل ومشتقاتها بالكامل كانت دائما من أهم مواد البناء التقليدية في قصورميزاب غيرأن بعضها "ما عاد يستعمل اليوم كثيرا". ومن أجل الحد من زحف هذا العمران الجديد تنشط العديد من الجمعيات المحلية على غرارديوان السياحة والتنمية ببني يزقن وجمعية الشيخ أبي إسحاق ابراهيم اطفيش لخدمة التراث بغرداية بندواتها ومنشوراتها التي تؤكد على أهمية البناء بالمواد التقليدية وفائدتها الإقتصادية والإيكولوجية. (بقلم ادريس بوسكين)