تستقبل بحيرة تيلامين الواقعة على بعد 10 كيلوميترات من وهران كل سنة مهرجانا طبيعيا في غاية الجمال والروعة ينشطه تجمع آلاف من طيور النحام الوردي التي تستقر بهذه المنطقة الرطبة بين شهري ديسمبر و يوليو. ويجد الزائر إلى بحيرة تيلامين نفسه منقسما بين الذهول لجمال هذا الموقع من جهة والرثاء على التدهور الذي آل إليه نتيجة تلوثه المفرط جراء طرح مياه الصرف للبلديات المجاورة حيث تنبعث رائحة قوية على بعد عشرات الأمتار منه. وتثير هذه البحيرة بزرقة مياهها الممتدة على مساحة 1.100 هكتار وتجمعات طيور النحام باستعراضاتها الرشيقة خلال موسم التزاوج الإعجاب بينما تثير الروائح المنبعثة منها الاشمئزاز تارة و التساؤل حول مصير هذا الكنز الطبيعي الذي تخلى عنه الجميع إذ لم يتم تنفيذ أي من الوعود بخصوص تبني تدابير للحفاظ عليه الى حد الساعة تارة أخرى. وقد زارت "وأج" بحيرة تيلامين بمعية أعوان من محافظة الغابات المحلية على هامش إحدى الزيارات الرسمية للموقع حيث استطاع التقرب من النحام عبر درب يمر وسط احدى المزارع الخاصة بتربية الماشية. و كان المنظر رائعا اذ يصطف عدد لا متناهي من طيور النحام. وتتميز هذه الطيور بقدر عال من اليقظة اذ تطير جماعيا عند اقتراب اي شخص و يستدعي التقرب منها التقدم بحذر كبير على أطراف الاصابع الاختباء وراء أكوام التراب و حتى الزحف للتمكن من الاستمتاع من منظر أقل ما يقال عنه أنه مبهر. ويعد هذا الموقع بمثابة ملاذا للراحة و التأمل للحضريين خاصة و أنه لا يبعد سوى بعض الكيلومترات عن المدينة اذ يتعذر التصديق بوجود مكان كهذا دون أن يتسنى لسكان وهران الاستفادة منه. مملكة النحام بينما جرت العادة على تقديم بحيرة تيلامين المالحة على فرض أنها موقع تقضي فيه طيور النحام المهاجرة فصل الشتاء ما بين شهري يناير و يوليو كل سنة غير ان دراسات حديثة قام بها مخبر للابحاث بجامعة قالمة اثبتت أنها في الواقع تشكل موقعا لتكاثر هذه الطيور ما يعد سبب اضافيا لحماية هذه المنطقة الرطبة. ويقول البروفيسور بوجمعة سمراوي رئيس "مخبر حماية المناطق الرطبة" بجامعة قالمة و هو مختص في علم الطيور أن دور المناطق الرطبة الجزائرية لطالما حجب حيث كان يصنف في غالب المنشورات الى غاية 2005 كموقع لقضاء الشتاء بمجموعات لا يتعدى عددها ال 5.000 طائر. وكان البروفيسور سمراوي قد أشرف على دراسة سنة 2015 أثبتت أن طيور النحام تعشش و تتكاثر في بحيرة تيلامين خلال أشهر مايو و يونيو. كما أن تعداد الطيور في البحيرة لا يعد بالمئات. كما كان يفترض بل بالآلاف حيث قدر فريق البحث لجامعة قالمة تجمع الطيور بما لا يقل عن 12.000 فرد ما يرفع بحيرة تيلامين الى ثاني أكبر تجمع للنحام الوردي على المستوى الوطني بعد سبخة الزمول بأم البواقي شرق البلاد. وصرح ذات الباحث في لقاء مع "وأج" أن دراسة النحام الوردي في الجزائر في السنوات الاخيرة كشفت عن سبعة مواقع لتكاثر هذا الطائر, لافتا الى أن تتبع ثلاث من هذه المواقع و هي الزمول و القليعة وسفيون أفادت أن هذه الطيور تكاثرت في 6 مرات ما نجم عنه فقس ما يزيد عن 20.000 صوص. ويعود الفضل في اكتشاف تعشيش طيور النحام في بحيرة تيلامين الى متتبع هاوي للطيور على مهاجي الذي يقضى الكثير من وقته في تتبع الطيور وتصويرها في مختلف انحاء الوطن حيث قررت جامعة قالمة القيام بدراسة الموقع بعد أن اطلعت على صور نشرها في منتدى يضم مختصي علم الطيور من محترفين و هواة على المستوى المغاربي. وأفاد السيد مهاجي و هو مغترب بفرنسا غالبا ما يقيم في مدينته الأم وهران بأنه على معرفة كبيرة ببحيرة تيلامين التي قضى بها اياما و ليالي يترصد الطيور و يصورها أن التلوث لا يعد المشكل الوحيد الذي يهدد طيور النحام , قائلا أن الكلاب الضالة التي تفترس الصيصان و الصيد غير الشرعي يشكلون ايضا خطرا لا يستهان به. البحيرة في خطر لم تتحصل وأج على أجوبة واضحة بخصوص الصيد غير الشرعي بالبحيرة لدى مسؤولي محافظة الغابات الذين اعتبروا أن لحم النحام لا يستهلك ما يستبعد صيده أما بخصوص الكلاب الضالة فقد أكد مسؤول مصلحة حماية النباتات و الحيوانات بالمحافظة انه تم تنظيم عدة حملات للقضاء على هذه الحيوانات كما نظفت انحاء البحيرة من النفايات الهامدة و اصدرت قرارا يمنع سكان المناطق المجاورة من إلقائها من جديد. ويبقى المشكل الخطير الرئيسي الذي يهدد بقاء البحيرة و طيورها هو التلوث حيث يؤكد رئيس جمعية "بدور للتنمية" التى تناضل لايجاد حلول لانقاذ هذا الموقع الطبيعي منذ سنوات أن خطر الاختناق يحدق بالبحيرة و كائناتها النباتية و الحيوانية و أنه يتوجب اتخاذ الاجراءات في أقرب الآجال لإيقاف طرح المياه المستعملة فيها. ولا يعد تلوث للبحيرة سرا اذ يشار اليها كموقع "جد متدهور" في منشورات المؤسسات الرسمية الولائية و الوطنية. و يتم طرح ما لا يقل عن 10.000 متر مكعب من المياه القذرة تاتي من شبكات الصرف لبلديات بن فريحة وحسيان طوال وحاسي بن عقبة وحاسي مفسوخ وقديل بما في ذلك المنطقة الصناعية لحاسي عامر. ويضيف رئيس جمعية "بدور للتنمية" محمد عقروم أنه كلما علت أصوات المجتمع المدني للمطالبة بايقاف تدمير هذا الموقع ايجاد حلول لمياه الصرف ترد السلطات بوعود لا تلتزم بها ابدا على غرار بناء محطة لتصفية مياه الصرف قبل أن تكب في البحيرة و هو مشروع اكتملت الدراسة الخاصة به منذ أكثر من 4 سنوات لم يتم تسجيله الى حد الساعة. وحيث أن هذا المشروع يستلزم غلافا ماليا يتعدى ال700 مليون دج فقد قامت جمعية "بدور للتنمية" باقتراح حل آخر أقل تكلفة يتمثل في بناء أحواض للترسيب يتم فيها معالجة المياه بطريقة بيولوجية وهو مشروع وافق عليه عبد الغني زعلان الوالي السابق لوهران حيث انه صرح على هامش لزيارة رسمية للموقع بمناسبة اليوم العالمي للطيور المهاجرة الموافق ل 14 مايو أنه سيتم بناء 7 أحواض للترسيب. ويبقى مصير بحيرة تيلامين مهددا حيث يمكن لطيور النحام الهجرة الى موقع اخر لقضاء الشتاء أو حتى التكاثر بينما ستخسر المنطقة موقعا طبيعيا يتمتع بتنوع طبيعي فريد.