تتحدث، شفيقة وعيل، الشاعرة الجزائرية المقيمة ببيروت في هذا الحوار عن رفضها لتقسيم الشعر لرجالي ونسوي، كما دعت بعض من يكتب القصيدة النثرية إلى ضرورة البحث لها عن تسمية أخرى بعيدا عن الشعر والنثر من مبدأ أنه لا يتوافق مع مقوماتهما، وعن برنامج أمير الشعراء الذي شاركت فيه منذ مدة فتقول أنه وبغض النظر عن معايير التصويت التي لا تكون في الكثير من الأحيان أدبية وجمالية نقدية بحتة، إلا أنه استطاع أن يجعل الشعر ثقافة شعبية جماهيرية من خلال طبيعة التنافس في البرنامج· سؤال كلاسيكي لكن مهم، ألا يزال الشعر ديوان العرب؟ الشعر ديوان العرب وسيبقى كذلك أبد الدهر ليس بمعناه الشكلي في كتابة الكلمات وإلقائها على الجماهير بخطابية، الشعر ديوان العرب لأنه يحمل ثقافتهم وانتماءاتهم، والآن ليس مجرد ديوان وفقط، وإنما زادت أهميته، بل زاد عليه صفة السجل التاريخي، أو الجيني وتحليل ال ''آي دي آن'' للأمة العربية، الآن الشعر لا بد له أن يبحث عن تساؤلات وجودية للأمة العربية، هل بقينا نحن وكيف لنا أن نكون بعدها·· من خلال احتكاكك بالأدباء المشارقة، ما الفرق بين الشعر المغاربي والمشرقي؟ أنا لا يمكنني أن أحكم هكذا وفقط، يقال ''الحكم عن الشيء فرع عن تصوره''، لكن من خلل المعطيات القليلة التي عندي واطلاعي على الساحة الشعرية في الجزائر والأسماء القليلة التي أعرفها وأعتز بها، يمكنني أن أجري مقارنة وأضعها في الميزان إلى جانب المعلومات التي أملكها عن الحركة الشعرية في المشرق وفي بيروت تحديدا حيث أقيم، فهما يختلفان عن بعضهما في أوجه ويتشابهان في أخرى، فأما أجه التشابه فنجدها في الانتماء إلى هذا الوطن العربي، والدم العربي الذي يريد أن يثبت وجوده، ولكن طريقة الوجود هذه تختلف كل واحدة عن الأخرى، فالشعر العربي إكتسب عذوبته من المشرق، واكتسب عمقه من المغرب الكبير، لكن هذا استنتاج شخصي معرفي خاص بي، والأمر يحتاج إلى بحوث أكاديمية ونقد لتعميم فرضية ما· شاركت مؤخرا في مسابقة أمير الشعراء، إلى أي مدى تكون مصداقية لبرامج كهذه؟ أولا برنامج أمير الشعراء ليس برنامج واقع بأتم معنى الكلمة، وإنما هو مهرجان شعري مطول، حاول أن يضفي سبغة للعودة إلى الوجدان العربي، نحن نعرف أن الشعر العربي، وللأسف، ليس ثقافة جماهيرية شعبية، وإنما ثقافة نخبوية، وعليه أراد هذا البرنامج من خلال إطلاقه على البرامج التلفزيونية أن يجعله كهذا، وقد حقق هدفه إلى مدى أبعد مما تصوره الكثيرون، وأصبح المواطن البسيط يعرف ويستمع للشعر من خلاله، بل أصبح يهيم به من خلال اهتمامه بالطابع التنافسي للبرنامج، أما عن المصداقية فهي المقياس الذي أسس عليها على غرار كل المسابقات الشعرية، والمصداقية تبقى نسبية، فالمصداقية في البرامج والمسابقات المبنية على التصويت تبقى مصداقية تصويت، وفي تلك التي تبنى على القيم الإبداعية بوجود لجنة تحكيم ترشح وتقصي تكون أيضا مصداقيتها ومقياسها الإبداع، أما عن مصداقية هذا البرنامج بالتحديد، فسنحكم عليها من خلال آلياته التي وضعها، فنحن عندما دخلنا إلى هذه المسابقة وافقنا عليها، وأمضينا على اتفاقية تنص على الإلتزام بآلياته· وماذا عن الاختلاف الواضح بين تصويت الجمهور والنقاد؟ هذا أكيد، النقاد لديهم آلياتهم، فالناقد يتطرق إلى جماليات النص، شكله، عمقه وفلسفته، وأحيانا إلى الذات الشاعرة في الكتابة وانفعالاتها مع النص والحدث الذي كتبت فيه هذا النص، لكن الميل الجماهيري يكون في الكثير من الأحيان إلى الإنتماء الجغرافي، فأنا أرشح هذا الشاعر أو ذاك فقط لأنه إبن بلدي أو بلد أحبه، وليس لأنه شاعر جيد ومتمكن من الكتابة، أو حتى في إيقاعية نصه في وجداني من غير أن أبحث عن مفهومه أو مخزونه المعرفي لأنه في هذه الحالة كالجماهير الذواقة أكيد ستختلف عن المعايير الأكاديمية النقدية والعلمية، وحتى في الطبقة النخبوية هناك هذه الاختلافات في الميزان النقدي، فما بالك بينه وبين ميزان الجمهور العريض، لكن هذا أكيد لا ينقص من قيمة هذه الطبقة المتذوقة، فإن لم تصوت لك فهذا لا يعني أنها لم تحب شعرك، ولكن أحبت شاعرا آخرا أكثر منك· ما رأي شفيقة وعيل في تقسيم الشعر إلى شعر نسوي وذكوري؟ رأيي قلتها في الكثير من المنابر، فأنا لا أؤمن بوجود الشعر النسوي والشعر الرجالي، فالشعر كائن أدبي واحد بنبع واحد، يختزل ما في الروح في كلمات ويخرجها للعالم، فالإختلافات الوحيدة الموجودة هي اختلافات إنسانية، فبين أنثى وأنثى أخرى توجد هذه الاختلافات، وكذلك بين ذكر وذكر آخر، وفي نظري لا يوجد هناك معنى لشيء يدعى شعر إمرأة أو شعر رجل، إن شئنا أن نقول أن هذا النص كتبته إمرأة فهي كتابة نسوية يمكن، وإنما أن يكون كطابع مختلف له مقومات محددة، والذكوري أيضا بمقومات كذا وكذا، فهذا إجحاف في حق الشعر العربي، هذا الكائن الجميل الذي ينفعل مع أحاسيسنا ووجداننا، لما لا نتركه يعيش بدون حواجز جمركية· فمثلا يمكن أن نجد نصوصا رجالية أرقى من تلك النسوية، ونصوصا نسوية أضخم، بالمعنى الإصطلاحي للفخامة، فكيف سنصنف هذه؟ وماذا عن جدلية القصيدة العمودية وقصيدة النثر؟ أنا لست بناقدة، لكن سأقول رأيي كشاعرة صاحبة ذائقة معينة، فأنا ذائقتي وقاعدتي المعرفية في اللغة العربية، فصفتي متخصصة في المجال الجمالي لنصوص القرآن الكريم، أظن أن الشعر شعر، والنثر نثر، كما قاله العرب، وما يأتي بينهما كائن يسمونه ''قصيدة النثر''، ففي رأيي أنا هو نثر، فأحيان يكون جميلا جدا يفوق تركيبة الشعر العمودي، لكن أنا لا أحبذ أن يسمى شعرا، وأظن أنه حالة من التجلي الجميل فلنتركه هكذا، ولنوجد له إسما آخرا بعيدا عن الشعر والنثر، بنائية الشعر العربي أصلا ذات طبيعة إيقاعية في مبناها الخارجي، أما إيقاعية المعنى بحد ذاتها فهي إيقاعية جمالية فنية تتجلى في أي صورة كانت حتى ولو كانت إشارات ، رسم ·· أنا أظن أن الشعر بنية وجدانية إيقاعية والنثر بنية وجدانية نثرية سلسة، وما كان بينهما من قصيدة النثر، وما بينهما يجب أن نجد له إسما آخرا من منطلق أنه بعيد عن هذين الشكلين· بعيدا عن الشعر، ماذا تفعل الشاعرة شفيقة وعيل؟ أنا أحضر لدراستين، الأولى في إشكالية الحداثة في قراءة النصوص القرآنية، أي أبحث عن القراءة والتأويلات الجديدة والحديثة للنص القرآني ومدى واقعيتها وانطباقها أو انعكاسها على المعنى اللغوي مع ما عرفه التراثيون القدماء، وأحاول أن أجد منفذ لإيجاد فهم للقرآن الكريم من خلال انتمائنا للهوية الاسلامية والعربية والتاريخية ذات المقدمات ومراحل نضج معرفي كبير، إلى أن نصل لإسقاطها على حياتنا والاستفادة منها، بمعنى رؤية إنتمائية جديدة لا تنقطع عن القديم ولا تحاول أن تجد لونا واسعا مع الحداثة والعالم الحالي· هناك موضوع آخر لم تتحدد ملامحه جيدا وهو الإيقاع في القرآن الكريم، ما مدى تأثيره ذلك على شعرك؟ طبعا ·· كثيرا، الإنسان الشاعر هو مخزون تحدثت قبلا، ينظر إلى الكون من خلال مخزونه ويخرجه إلى الآخر ليتلقاه، فستجد مثلا في كتاباتي الحالية إنطلاق من ومضات قرآنية ومحاولة لتفسير الرؤية الإنسانية من خلالها، آخذ مثال عن قصة موسى عليه السلام مثلا وأسكبها في قصيدة ''آت مع الموت'' أو تجليات مخاض السيدة مريم ومعاناتها في ميلاد سيدنا عيسى في التعبير عن معانات الأنثى، لكن في الحقيقة هي التي تطلب هذا وليس مخططا لها أن تكون بها· ما يجب على الناقد لن يكون بمنظور الشاعر؟ النقد في نظري حركة بناءة للأدب بشكل عام، بل ليس للأدب فقط وإنما للمعرفة، فالناقد من خلال مقومات معينة قد تكون معيارية تتبع المدرسة التي ينتمي إليها ويتبناها، فلا مانع بل من المطلوب أن يؤدي الناقد هذه الحركة التفاعلية مع الشاعر أو الأديب، من خلال نقده طبعا، فيقدم له معرفة نقدية أدبية لقصيدته من خلال المعايير التي يقيم عليها بحثه والتي طبعا يجب ألا تخرج عن معايير النقد البناء الفاعل لإنتاج أدب جميل وأصيل يعكس الهوية والانتماء، وفي نفس الوقت، يساير حركة التسارع المعرفي التي يمشي عليها الواقع اليوم·