كانت سهرة، أول أمس، من برنامج ''ألف نيوز ونيوز'' الذي تحتضنه مكتبة جريدة ''الجزائر نيوز''، سهرة مميزة بفعل النقاش الساخن والحميم الذي دار بين مجموعة كبيرة من النخبة الأدبية والإعلامية في الجزائر بمناسبة توقيع الشاعرة ربيعة جلطي لروايتها الأولى الصادر عن دار الآداب اللبنانية تحت عنوان ''الذروة''·· اعترفت الشاعرة ربيعة جلطي، في سهرة أول أمس، أنه رغم مجموعاتها الشعرية السبعة وروايتها ولقاءاتها المستمرة مع الجمهور، إلا أنها ما تزال تشعر في كل لقاء ب ''تلك الرجفة الطفولية''، مؤكدة أن النتائج المرضية التي تنتهي بها دائما اللقاءات لم تستطع أن تمنحها تلك الثقة العمياء بنفسها، لأن مسألة الشك الإيجابي في العمل الإبداعي ما تزال ترافقها رغم أنها تعتقد بأنها بذلت كل ما بوسعها للمضي قدما في هذا التوجه الإبداعي قائلة: ''لا أستطيع أن أقيّم نفسي، أشعر دائما أنني في البداية، وأن الكتابة أمر عسير رغم قراءتي وتجاربي ورغم أن السنين شدت عمودي الفقري الشعري''، وأعزت الكاتبة ارتباط الأمر بذلك القلق البناء الذي يسكن المبدع ويحركه، مؤكدة أن القلق في هذا الزمن ليس مرتبطا بالمنتج الفكري والأدبي، بل بات سمة لهذا الزمان الذي تمر فيه الحياة بسرعة، تقول: ''إذا لم تكن قلق تمر الحياة دون أن تشعر بها''. أشعر بالغيرة من مترجمي أعمالي الشعرية أما اعتراف الشاعرة والروائية ربيعة جلطي الثاني أثناء النقاش، فهو حديثها عن تلك الغيرة التي تشعر بها من الأسماء المهمة التي ترجمت أعمالها الشعرية إلى اللغة الفرنسية أو الإسبانية، لأنها كلما قرأت تلك القصائد تقول ''أشعر بالغيرة وأشعر أن القصيدة مشتركة بيننا وأنهم أضافوا لها شيئا من دمائهم، ولكن عزائي الوحيد هو أن الجمهور كان يستقبلها برضى كبير''. النثر بالنسبة لي ليس غريبا وعن عملها الروائي ''الذروة'' الذي صدر مؤخرا عن دار الآداب اللبنانية وقعته لمحبيها في سهرة ''الجزائر نيوز''، قالت: ''لم أبدأ من الصفر في النثر، وهو بالنسبة لي ليس غريبا، أعتقد فعلا أن لديه أدوات أخرى، أدوات تختلف عن تلك الموجودة في الشعر، أدوات درستها وجربتها وقرأت الكثير من الروايات لأصل إلى الرواية المثلى الموجودة في ذهني''. هذا، وأكدت الكاتبة قائلة ''فكرت دائما وأنا أقرأ أن لا أنسى جانبي الأكاديمي، دائما أقرأ وأكتب بعين الناقدة، لأنني عندما أكتب رواية تعويض الفراغ المتروك في عالم الرواية في عالمنا العربي''. وعن مسألة الفكرة واللغة بين الشعر والرواية، أكدت جلطي أن ''الرواية تمتلك حرية توصيل غير موجودة في القصائد، رغم أن القصيدة الواحدة بإمكانها أن تتحول إلى نص روائي''، مؤكدة على كثافة المعنى الذي تتمتع به القصيدة. أما الحديث عن اللغة، فتؤكد الروائية أن ''اللغة السردية ليست سهلة، وشخصيا أمقت التكرار في الكلام وفي الفكرة''. هذا، واغتنم الحضور الفرصة لطرح عدد كبير من المواضيع المهمة للنقاش عن كتّابهم المفضّلين وعن الوضع السيء الذي تمر به السينما الجزائرية مقارنة بالنهضة التي تشهدها، وعزلة كتاب المغرب العربي الذين يكتبون بالعربية بالنسبة للمشرق العربي وغيرها من المواضيع. الشاعرة والروائية ربيعة جلطي ل ''الجزائر نيوز'': ''الذروة'' محاولة لتجاوز الأشياء التي لم تعجبني في الروايات الأخرى ولجت الشاعرة ربيعة جلطي، مؤخرا، عالم الكتابة الروائية بإصدار الرواية الأولى ''الذروة''، ألم تشعرين في لحظة معينة من كتابة ''الذروة'' أن الشعر يسقطك في فخه؟ لا، لا، في الحقيقة بالنسبة لي هما عالمان مختلفان، كل منهما مؤثث بطريقة مختلفة، فعندما ولجت عالم الرواية دخلته بأسلحة أخرى، بثقافة سردية تختلف عن الثقافة الشعرية، ومع التراكمات التي تخلفها التجارب فينا تبدأ الأشياء تأخذ أمكنتها الحقيقية، ولذلك أشعر أن عالمي الروائي تأثث طوال السنوات الماضية من خلال الروايات التي بدأت قراءتها منذ صغري، ومن متابعتي الشغوفة للسينما العالمية، حيث أحرص في كل مرة على متابعة كل جديد في هذا العالم، وأعتقد أن كل تلك الفنون التي كنت أعيرها كبير الاهتمام في يومياتي وسفرياتي من مسرحيات، لوحات فنية·· أطل جزء منها في ذاكرتي بشكل عفوي وأنا أكتب ''الذروة''، ولهذا أقول أن كل هذه العوالم جعلتني أشعر أنني على اقتراب كبير من القارئ النوعي، لأنني أفكر أن قارئي سيكون مدججا بالثقافة وفي كل المجالات . أثناء النقاش أشرت إلى أنك تكتبين بكل خبرتك وأدواتك حتى النقدية منها، أيعني هذا أن الجانب الأكاديمي، كمختصة في عالم الأدب، أثر على صدقك الإبداعي؟ لم أكتب أبدا كأكاديمية، بل ما قصدته بالأدوات النقدية هي تلك الذائقة النقدية التي تتشكل لدينا من خلال الخبرات والقراءة المستمرة، تلك التراكمات التي تجعلنا نعرف ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة في الرواية، ومنها تجارب السفر مثلا التي نقوم بها وتساعدنا على اكتشاف عادات الناس وحكايتهم·· ولذلك كنت أحرص في كل سفرية على زيارة المتاحف وحضور المسرحيات·· وغيرها من الأشياء التي تشكل لي كإنسانة إضافة حقيقية وتنمي حسي النقدي. يبقى النقد بكل أنواعه وإن لم يكن أكاديميا يقف في وجه سجية المبدع وصدقه؟ نعم، لكنني تركت صدقي يذهب إلى حد بعيد. يعني أنك مارست رقابة ما على سجيتك؟ هذه أمور واردة، ففي البداية كنت أكتب النص أفرغ كل ما لدي لكنني أعود في قراءة متأنية وأبدأ في تقليمه، لأننا إذا أفسحنا المجال للسجية، فإن الرواية التي يجب أن تكتب في 400 صفحة نكتبها في 700 صفحة وشخصيا أرى في شيء كهذا عيب، والعالم اليوم يتطلب الكثير من الاختصار والتركيز، دون التأثير طبعا على الجمالية. أثناء الحديث تحدثتي عن قارئ افتراضي، قارئ نوعي، أتقصدين أن روايتك نخبوية؟ لا، لا، ما قصدته بقارئ افتراضي ونوعي هو ذلك القارئ الذي يمتلك الخبرة والذوق، قارئ مر على كل التجارب التي مررت بها، لذلك أنا أكتب من باب الاحترام الكبير له ولكل التراكمات المحفورة في ذاكرته، ولذلك لا يجب أن نحتقره لابد من إلائه حقه، دائما أفكر في ذوقه في أنه متابع جيد للثقافة، مستمع جيد للموسيقى، يعرف كيف يرتب الورد وكيف ينسق الألوان·· وغيرها من الأشياء التي تعلمها لنا الحياة، وإذا لم نفعل هذا فإننا نضحك على ذقنه، وهذا ما يفعله معظم الكتاب العرب فهم يحتقرون القارئ، في الوقت الذي على الكاتب ألا يفكر في من يقرأ اليوم فقط بل بعد عشرين سنة ولما لا بعد قرن من الزمان، ولذلك علينا أن نرى فيه شخصا يعرف التاريخ، يعرف الجغرافيا، مطلع على أخبار كواليس النساء·· ومن هنا أقول أنه افتراضي وعلي ألا أكرر كي لا أتعبه وأريد دائما أن أضيف إلى ذوقه شيئا ما. لا يمكن لأي عمل أدبي أن يكون على مقاس الجميع؟ ليس هذا، تجربتي في ''الذروة'' مختلفة، هي محاولة تقديم موضوع أوصله إلى الآخرين ويشتركون معي في فكرته وتاريخه وفي الوقت نفسه يتعلمون من الأشياء التي تعلمت منها، كما هي محاولة لتجاوز الأشياء التي لم تعجبني في الروايات الأخرى. هناك حديث على أن يتحول عمل ''الذروة'' إلى مسلسل تلفزيوني في سوريا، ألا تخافين على تأثير هذا العمل على الرواية وهي ما تزال حديثة؟ تم الاتصال بي منذ يومين لاقتراح تحويل العمل إلى مسلسل من 30 حلقة، وأعطيت الموافقة المبدئية، وأعتقد أنه إذا كان المخرج في مستوى الكتابة، فإنه لن تكون هناك أية تأثيرات سلبية، كما أن الموافقة تبقى مبدئية وكل الأمور تناقش بعد انطلاق العمل لأنني سأحدد الخطوط الأساسية ولا أريد التدخل في السيناريو أو غيره، لأنها أمور تكون في أيدي المختصين ولا علاقة لي بها. قالوا محمد العيشوبي وزير سابق أولا أريد أن أهنئ جريدة ''الجزائر نيوز'' على فضائها الخاص بالمثقفين هذا، الذي يبدو مميزا بل رائعا والناس والمثقف بوجه خاص كانوا في حاجة ماسة إليه، وهو فرصة حقيقية لفتح قنوات اتصال صلبة بين النخب والمجتمع، من جهة أخرى أريد أن أبارك للشاعرة المميزة ربيعة عملها الأدبي الجديد الذي أتأسف لعدم قراءته، كما تعلمون نشر عن دار الآداب اللبنانية، لكن ها هو فضاء نيوز يمنحنا فرصة الحصول على هذا العمل والحديث عنه، ونتمنى التوفيق للشاعرة ربيعة جلطي في عالمها الجديد. محمد عبو وزير سابق أولا أريد الحديث عن فضاء ''سقراط نيوز'' الذي أزوره أول مرة وأعتقد أن العاصمة كانت فعلا بحاجة إليه، فرغم وجود مساحات عمومية أخرى، إلا أن المواطن لا يشعر فيها بالراحة والحرية بسبب طابع الرسميات على عكس هذا الفضاء الذي أتمنى أن يستمر ويزدهر أكثر ليكون البيت الحقيقي للمثقفين يجتمعون فيه ويستفيدون من تنوعه وثرائه·· أما عن سهرة اليوم فهي بالفعل كانت مميزة، اكتشفنا في ربيعة جلطي روائية جزائرية جديدة، للأسف لم أقرأ الكتاب بعد، لكن الكاتبة تقول بأنه يتطرق إلى حياة الناس واستخدمت في وصفه صورة الدمى الروسية وهي صورة أظن أنها تختصر معالم الحياة، مما يعني أن في الكتاب الكثير من عالمنا ويومياتنا. أحمد منور أديب وجامعي في نقاش اليوم ترسخت قناعتي أكثر بأهمية فضاء ''سقراط نيوز'' الذي اكتشفته حديثا، واكتشفت أيضا اليوم كم نحن بحاجة كبيرة لهذه الفضاءات التي فيها حرية فكرية ويتبادل فيها المثقفون أفكارهم ويناقشون إنتاجاتهم، وهو ما سمحت لنا به اليوم سهرات ألف نيوز ونيوز باكتشاف تجربة ربيعة جلطي الروائية وهي تجربة مثيرة للاطلاع، كما أن النقاش الذي دار اليوم حول هذا العمل الأدبي حفزني لاقتنائه وقرأته لاكتشف عن قرب ربيعة التي عرفتها دائما شاعرة، لتتحول إلى روائية وأرجو أن تكون بنفس القوة وبنفس الموهبة. عقيلة رابحي جلسة اليوم كانت مميزة وحميمة جدا، تكلمت فيها السيدة ربيعة جلطي عن عملها الروائي، كما سمح لنا اللقاء باكتشاف جوانب مهمة من شخصيتها وتجاربها الخاصة، كما اقتربنا كثيرا من الجانب الفني ''الغناء'' الذي سمعناه الليلة، وتحدثنا وتناقشنا بإسهاب عن جانبها الروائي الذي اكتشفناه حديثا·· أقول هذه فرصة طيبة منحها لنا فضاء سقراط نيوز الذي بدت سهرته الرمضانية لهذه السنة مميزة وغنية سينما، أدب، فكر·· وهذا أمر نحن فعلا بحاجة إليه، وأتمنى الحظ السعيد للشاعرة ربيعة جلطي في عالم الرواية والاستمرار لفضاء سقراط نيوز.