الحمد لله حمدا يليق بجلال قدره وعظيم شأنه حمدا كثيرا طيبا مبارك يملآ السماوات والارض وما بينهما حمدا عدد ما نزل المطر وعدد ما خلق من بشر وعدد منابت الشجر و أنفاس البشر. واثني واسلم على المصطفى الأمين شفيعنا يوم الدين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين- أما بعد: قال الله تعالى على لسان عيسي بن مريم عليه السلام: ''قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً''. معنى الوسط والوسطية في الإسلام !! شاع بين الخاصة والعامة مصطلح الوسطية والإسلام الوسطي وفسروه بطريقة مخالفة للحقيقة بل إن بعضهم أنشأ أحزابا إسلامية تحمل ذات المفهوم مما أدى إلى ترسيخه لدى الناس لذا رأيت أن من الواجب إيضاح هذا اللبس الخطير في المعنى لأن الأمة بدأت تنسى لغتها، وتفسرها برؤية الأعداء وحسب الأهواء ويستدلون بالآية الكريمة ''وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا''. فالإسلام واحد لا يوجد إسلام متطرف وإسلام غير متطرف هو شرع الله وأحكامه تنفذ كما أنزلها الله سبحانه وتعالى والآن لنتطرق للمعنى. (وسط.. يوسط.. وساطة) صار شريفاً وحسيباً يقال وسيط فيهم أي هو أرفعهم مقاماً وأشرفهم نسبا رجل وسط: حسيب في قومه (المنجد ص 997) وفي مختار الصحاح (الوساطة) (والوسط) من كل شيء أعدله ومنه قوله تعالى: ''وكذلك جعلناكم أمة وسطا'' أي عدلا. واسطة القلادة الجوهر الذي في وسطها وهو أجودها وفي شرح ابن كثير فيقول في تفسير قوله تعالى: ''وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا''... إنما حولنا كم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل. والوسط هنا الخيار الأجود. كما يقال قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً. ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب كما قال تعالى: هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس''. عن أبى سعيد قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير. وما أتانا من أحد، فيقال يا نوح من يشهد لك فيقول محمد و أمته، قال فذلك قوله ''وكذلك جعلناكم أمة وسطا''، قال الوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم..... عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ''أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ما من الناس أحد إلا وأنه منا، ما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداء أنه قد بلغ رسالة ربه عز وجل''. ويذهب الأمام ابن القيم في إعلام الموقعين إلى القول أن: وجه الاستدلال في قوله تعالى ''وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا'' (سورة البقرة آية: 143). أنه سبحانه وتعالى أخبر أنه جعلهم أمة خياراً عدولاً، هذا حقيقة الوسط، فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونيتهم، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة، والله سبحانه يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه، ولهذا نوه بهم، ورفع ذكرهم وأثنى عليهم، لأنه سبحانه لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء، وأمر ملائكته أن تصلي عليهم، وتدعو لهم، وتستغفر لهم، والشاهد المقبول عند الله هو الذي يشهد بعلم وصدق، فيخبر بالحق، مستنداً إلى علمه به، كما قال تعالى: ''إلا من شهد بالحق وهم يعلمون'' (سورة الزخرف آية 86). ونخلص مما سبق إلى أن تلك الآيات الكريمة لا يجب استخدامها كدليل على وسطية الإسلام بالمعنى المقصود به الاعتدال وعدم التطرف فهي تتحدث عما يكون يوم القيامة ومكانة أمة الإسلام بين الأمم. وإنما كانت هذه الأمة خير الأمم بإتباعها لمنهج الدين الإسلامي ''كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر'' (سورة آل عمران آية3). أما عن كون الإسلام يدعو إلى العقلانية والتوازن في النظر إلى الأمور فهذا ما وجه إليه الله سبحانه كقوله جل وعلا: ''قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نشرك بالله وألا يدعوا بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله''، فالإسلام دين عدل واعتدال في كل الأمور حتى في المشاعر فمما ذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ''احبب حبيبك هونا ما لربما يصبح عدوك يوما ما و''بغض بغيضك هونا ما لربما يصبح حبيبك يوما ما''. ------------------------------------------------------------------------ لمن كان له قلب الأصول في إصلاح القلوب أخي الكريم عليك بحفظ القلب وإصلاحه، وبذل المجهود في ذلك، فالقلب أكثر الأعضاء تقلبا وأثرا وأدقها أمرا وأشقها إصلاحا، ولك في إصلاح قلبك أصول خمسة فاحرص عليها: الأصل الأول : القلب موضع نظر الله عز وجل: فاحرص على أن يكون قلبك طاهر، نقي، تقي لأن الله تعالى ينظر إليه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم''. الأصل الثاني: القلب ملك مطاع ورئيس متبع: فاحرص أخي المؤمن على صلاح قلبك لأنه ملك جوارحك فإذا صلح الملك صلح المملوك فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب''. الأصل الثالث: القلب قالب كثير التقلب : سمي القلب قلبا لكثرة تقلباته وحركاته إذا لم يعقل بالعقل؛ فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: لا أقول في رجل خيرا ولا شرا؛ حتى أنظر ما يختم له بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه و سلم؛ فقيل: وما سمعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ''لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمعت غليانا''. الأصل الرابع: القلب عرضة للفتن: الإنسان خلق في هذه الدنيا للعبادة والإبتلاء وأكبر إبتلاء إفتتان القلب فاحذر من أن يفتن قلبك فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا؛ فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء؛ وأي قلب أنكرها نكتت في نكتة بيضاء؛ حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا؛ إلا ما اشرب من هواه؛ وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض''. نسأل الله العافية والخاتمة الحسنة. الأصل الخامس: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب: إن الأعمال لا تتفاضل بصورها ولا بعددها؛ وإنما تتفاضل وتتقبل بتفاضل ما في القلوب؛ فيكون العمل الواحد يعمله إثنان وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض؛ كمثل رجلين في صف الصلاة جنبا لجنب؛ وبين صلاتيهما تفاضل؛ لأن قلب الأول مخلص مقبل على الله في صلاته فيكون من المقبولين؛ والثاني قلبه ساه لاه غافل؛ فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله؛ فإن الصلاة تكفر سيئات من أدى حقها؛ وأكمل خشوعها؛ ووقف بين يدي الله بقلبه وقالبه ''إنما يتقبل الله من المتقين''. ------------------------------------------------------------------------ قرآننا شفاؤنا ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآ يات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام'' (الآية 04 من سورة آل عمران). الله قريب مجيب ''اللهم ألف بين قلوبنا؛ وأصلح ذات بيننا؛ واهدنا سبل السلام؛ ونجنا من الظلمات إلى النور؛ وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا؛ وأزواجنا و ذرياتنا و أموالنا؛ وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم؛ واجعلنا من الشاكرين لنعمتك؛ المثنين بها وقابليها؛ وأتمها علينا'' آمين السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: ''لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم''، وقال: ''المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده؛ والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه'' (متفق عليه). ------------------------------------------------------------------------ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب صالح عليه السلام ''صالح عليه السلام'' وقد أرسله الله إلى ثمود. قال الله تعالى: ''وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب'' (سورة هود : 61). فنبي الله صالح أرسله الله إلى قومه ثمود التي كانت مساكنهم في قرية تسمى الحجر وقد ذكر أكثر الرواة بأن بها بئرا تسمى بئر ثمود؛ وقد كانت ثمود تتعبد أصناما كثيرة منها الصنم ود؛ جد؛ هد؛ شمس؛ مناف؛ مناة؛ اللا ت لهذا أرسل الله صالح عليه السلام ليخرج قومه من عبادة الأصنام إلى عبادة رب العالمين الواحد القهار. الدعوة إلى الله: أرسل الله نبيه صالحا إلى قومه ثمود ليدعوهم إلى عبادته وترك عبادة الأصنام؛ وكان مما قاله هذا النبي : يا قوم اعبدوا الله وحده ولا تشركوا معه أحدا فهو الذي خلقكم من الأرض واستخلفكم فيها فوجب عليكم أن تستغفروه وتتوبوا إليه إنه قريب منكم رحيم بكم عفو عنكم؛ ويجيب دعائكم إذا كنتم مخلصين له. ولكن القوم المسرفين لم يسمعوا له ولم يطيعوه؛ بل أمعنوا في الإسراف والإفراط في اللذات الحسية من مأكل ومشرب ومساكن فخمة؛ فأنكر عليهم صالح عليه السلام ما هم عليه وقال لهم اتقوا الله وأطيعوني فيما أرشدكم إليه ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين أسرفوا أسرفوا على أنفسهم بالكفر والمعصية؛ الذين يعيثون في الأرض فسادا ولا يعرفون إلى الصلاح سبيلا قال الله تعالى: ''واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين'' (سورة الأعراف: 74). يتبع... ------------------------------------------------------------------------ تفقه في دينك ودنياك السؤال: يسأل سائل عن زيارة النساء للمقابر حلال أم حرام؟ الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''كنت نهيتكم عن زيارة القبور؛ ألا فزوروها....'' وعليه فزيارة القبور مع رعاية الإحتشام مباح إذا كانت الزيارة للإعتبار وللدعاء للميت؛ أما البكاء والصراخ والتبرج والإختلاط؛ والمشي والجلوس على القبور فحرام. إن للموتى حرمة فلا تعتدوها. والله أعلم.