تنشغل الطبقة السياسية ببلادنا في الإعداد للانتخابات البرلمانية، ويبدو لي أن مسألة التمثيل هي إحدى أهم العقد التي تعاني منها الجزائر منذ الاستقلال، حيث يتضح من المراجعة التاريخية لحياتنا البرلمانية أن منتخبينا لم يكونوا في غالبيتهم العظمى على مستوى المهمة؛ سواء لجهة وصولهم على الموقع، أو لجهة كفاءتهم العلمية أو مقدرتهم السياسية أو لجهة أعمارهم أو لجهة توزيعهم على الخارطة الاجتماعية وحتى الجغرافية، فقوانين انتقاد الكثيرين من مختلف الاتجاهات· وكلنا يذكر أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مطلع عهدته الأولى وجه انتقادات قوية إلى هذه المؤسسة الدستورية، حتى أنه لم يعرف عنه إلقاء خطب أمامها، بل قال إن بعض هؤلاء النواب غير قادر على إدارة بلدية فكيف له أن يشرع لشعب ودولة·· وكان الرجل محقاً في هذه الملاحظة·· وذلك أننا جميعاً رأينا قابضين في حافلات وقد صاروا أعضاء في هذه المؤسسة الهامة، بينما حملة شهادات الماجستير والدكتوراه يشكلون نسبة معتبرة في ''الحيطين''· لذلك أعتقد أن الرئيس بقرار الانتخابات المبكرة أعطى لنفسه وللشعب الجزائري فرصة كبيرة لإعادة تأسيس الدول الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية التي تحدث عنها بيان أول نوفمبر 1954 باعتباره مرجعيتنا جميعاً، بأن يكون تمثيل الجزائريين في هذه المؤسسة الدستورية للدولة والشعب، واسعاً وعادلاً وشاملاً لجميع الحساسيات وخاصة الشباب وهم الغالبية العظمى من هذا الشعب الحيوي، فماذا لو التزمنا بجدية بأن يكون عمر العضو البرلماني يتراوح بين 25 و50 عاماً ألا نضمن بذلك تمثيلاً واسعاً للشباب غالبية شعبنا، ثم ألا يمكن أن نحدد المستوى التعليمي للمترشحين، حيث لا يقل عن الماجستير الصادر عن جامعة جزائرية أو لا نضمن بذلك مستوى فكرياً لنقاشاتنا السياسية، ونعيد الاعتبار إلى جامعاتنا الوطنية ونرفع من مستوى أحزابنا ووعاءها الانتخابي وهيكلها التنظيمي· أو لا يعني ذلك أن نكون ليدنا قوانين انتخابية راقية محترمة تتفق مع تطور شعبنا خلال العقود الماضية ومع تراثه عبر القرون وتطلعاته، لأن يكون جزءاً مهماً من أنبل ما في هذا العصر من قيم· ثم ألا يعني ذلك أننا نعطي قيمة للمواطن عبر القيمة العالية لصوته الانتخابي وأن هذا الصوت هو الذي يقرر من هو رئيس البلدية والدائرة والوالي وعضو البرلمان ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية·· وكما يملك هذا الصوت حق التعيين يملك أيضاً حق العزل· فالدول المتقدمة في هذا العصر كما تعرف شعوب العالم كله هي التي تملك قوانين انتخابية تحترم صوت المواطن وتحترم عقله، أما الدول التي تسلل الجهلة والفاسدون من قوانينها فهي التي في ذيل قائمة الدول بل إنها تعاني اليوم على يد شعوبها ''لدرجة الشك'' في إمكانية استمرارها كدول· إذن أليست هذه فرصة للدولة والمجتمع في الجزائر لإعادة الحساب·· أتاحها الرئيس بوتفليقة في هذه الظروف؟·