اُختتم أمس الملتقى الدولي حول الأمير عبد القادر، ما هي أهم النقاط المنجزة من قبلكم؟ المؤتمر الثاني عشر في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية يعتبر حدثا خارقا للعادة باعتبار عدد المتدخلين الذي فاق المائة، وقد أكد هؤلاء في شهادتهم إلينا، أن هذا اللقاء هو أول ملتقى دولي كبير حول الأمير بهذه الضخامة والغنى وتعدد المحاور والمشارب والاختصاصات، التاريخ علوم اللاهوتية والدراسات الصوفية والفلسفة والأدب والشعر والعلوم السياسية والمعارف العسكرية. هذا التداخل والتشكل ينمّ عن مدى شساعة الرجل كظاهرة عالمية. لمست لدى الضيوف أن هناك تعطشا وحاجة إلى فكر الشخص الذي أنار القرن ال ,19 واستمر إلى غاية القرنين ال 20 و.21 نحن اليوم أحوج إلى مثل هذا المثال، فالجزائر هو مؤسسها تحت شجرة الدرارة التي يمكن وصفها بشجرة الحياة، حيث كان أول من بايعه والده محي الدين، ثم عمه سيدي علي بوطالب، وعلى عكس ما يحدث اليوم من إصرار الكبار على التشبث بالحكم، نلاحظ أن الأمير بويع من قبل الكبار وعمره 24 عاما، وهذه ظاهرة عجيبة في نظري. فهذه رسالة إلى شبابنا اليوم للاقتداء بهذا النموذج الاصلي والمتأصل، وأيضا نموذج عالمي، فهو من قادة العالم . فهو قائد أخلاقي، في زمن أصبح نادرا إيجاد قائد سياسي ذو أخلاق، علما أن السياسة مشوبة دائما بالحيلة والمكر وعدم الإخلاص. فحوار الحضارات في نظر الأمير ليس تكتيكا، وإنما عقيدة وهو ما يحير العقول إلى اليوم، كيف لشخص في حرب مع غزاة، يدعو إلى الاحترام المتبادل، وهو ما أدى به إلى أن يصير مثلاً يقتدى به من قبل الخصوم قبل الأهل. في نظرك، على ماذا تدل التوصيات التي خرج بها الملتقى؟ التوصيات سوف تفتح آفاقا مستقبلية للبحث، إذ لم ألتقي بباحثين بهذه الضخامة والعدد، لم يكن هناك تعارف بينهم، والآن ربحنا شبكة علمية متخصصة في الأمير عبد القادر. طيب، تحتفي الجزائر بالذكرى الخمسين لاستقلالها، في وقت يزداد نفور أجيال الاستقلال من تاريخهم، وتتضاعف لديهم مشاعر التشكيك في الشرعية الثورية، والملتقى أخذ منحى تقديس الأمير والتركيز على الجوانب الإيجابية في شخصه، بينما هو في آخر المطاف إنسان محكوم عليه بالخطأ والحياد عن الحقيقة؟ سؤال جميل جدا، فهو يجيب على كل التساؤلات التي طرحها المشاركون في الملتقى. عنوان الملتقى ''عبد القادر رجل عابر للزمن''، وقد فسر البعض في الوهلة الأولى ذلك، أننا تعمدنا تجريد الأمير من لقبه، اتقاء لتأويلات وذهنيات سلبية. ولكن الأصل حذفنا اللقب عن قصد لأننا أردنا التأكيد على الجانب الإنساني للأمير، على الرجل، نحن نريد أن نغوص في أعماق الأمير كإنسان، وإلا فهو أسمى من الإمارة، هو كوّن مملكة الروح، صار ملكا من ملوك العالم، أي أنه في الفضاء ملكه عالمين وفي الزمن ملكه عابر للزمن، لأن ملك ملوك المدينة الذين عاصروه لا أحد يتكلم عنهم اليوم، ولا تعقد مؤتمرات عنهم أيضا. باختصار أستاذ خنشلاوي التقديس والتبجيل، هل نحن بحاجة إليهما اليوم؟ لم نقل هذا، هو نفسه يقول في كتبه ورسائله ومذكراته، أنه أخطأ أكثر من مرة، ولكن هذه الأخطاء هو يقول بها ويتداركها، لكن ليس في شكل ندم سلبي، بالعكس هو يقول إن تلك الأخطاء ساهمت في تشكيل شخصيته النهائية، ألا وهي الإنسان الكامل، ليس بمعنى الكمال الإلهي. من الأخطاء التي شعر بها خوضه لغمار الحرب بينما كان يرى أنه خلق ليكون رجل فكر ومعرفة؟ قال في عديد من المرات إنه لم يخلق لحمل السلاح طيلة حياته، ولم يخلق لهدم بنيان الله، من يقول هذا الكلام اليوم؟ أن يرى محارب في الغزاة تجليات إلهية، هو لم يكن يقدس نفسه، وإلا لوضع صورته على ختمه، عرضت عليه إمارة المؤمنين ولم يقبل، عرض عليه السلطان ورفض، ونحن احتراما لبساطة الرجل، سميناه ''عبد القادر رجل عابر للزمن'' للتأكيد على بعده الإنساني، لكن هذا التواضع هو الذي رفع من قدره، وصار على رأس مملكة روحية ومملكة باطنية استوعب كل الناس على اختلاف معتقداتهم وثقافتهم. لم نر من الملوك والحكام من حظي بهذه القداسة، علما أن القداسة ليست الجزائر التي أعطته له، بل العالم المختلف هو السباق إلى ذلك، أي بابا الفاتيكان وقيصر روسيا وحاكم أمريكا وبروسيا وألمانيا، فضلا عن الشوام والمصريين والأتراك وسكان الجزيرة العربية، بل نحن آخر من أعطى له القداسة.. على ضوء هذا كله أقول نعم يستحق الأمير القداسة. لكن لماذا لم تدرس الجزائر هذا الإرث الجميل؟ سؤال يصعب الإجابة عليه.... كما يصعب لحد الآن فهم سبب عجز الجزائر عن إنتاج فيلم سينمائي عن شخصية الأمير؟ الرجل شخصية كبيرة جدا، رجل صوفي، قائد محارب... تفاصيل حياة كثيرة لا تكفي حتى في مسلسل يعرض على مدار سنة. لكن ليس شرطا أن نلم بكل الجوانب، يكفي أن نبدأ عملا ليتبع بآخر؟ هذا يتطلب منا التروي والعمل بشكل علمي، الأفضل أرى شخصيا، أفضّل عدم إخراج فيلم غير محترف ومستعجل، على أن ننجز فيلما لا يرقى إلى قيمة الرجل. في رأيك من سيكون جديرا بالاستناد عليه لبناء شخصية الأمير سينمائيا؟ المراجعة التاريخية يجب أن توكل إلى متخصصين يعرفون جيدا كيف كان لباس تلك المرحلة، ماذا يأكلون ويشربون... وغيرها من التفاصيل الدقيقة، هناك حوارات مسجلة للأمير، السيناريو لا يجب أن يكون خياليا مادامت المادة موجودة فعليا. كتابات بوعلام بسايح تعد الأبرز وفي مقدمة ما أنجز حول ابن محي الدين؟ نعم، تعد أعماله أكثر جدية في ساحة البحث، إلا أن معلوماته تحتاج إلى تعديلات واستكمال بأعمال وبحوث أخرى . تفضّل مخرجا جزائريا أم أجنبيا؟ لا فرق لديّ بين هذا وذاك، بقدر ما أهتم بمضمون العمل واحترافيته، واحترام خصوصية الأمير عبد القادر، وتصوير الفيلم على التراب الجزائري أولا وقبل كل شيء، طبعا دون إغفال عن الدول الأخرى التي مرّ منها الأمير. روّج أن فرنسا اقترحت تمويل المشروع بنسبة 08 بالمائة؟ الجزائر لا تحتاج إلى أموال الآخرين نحن من أغنى دول البحر الأبيض المتوسط، فنحن من نقدم المساعدات للغير. طبعا، الخبرة التقنية لا يمكن رفضها لأن اللغة السينمائية علم دائم التطور.