إلى زمن غير بعيد، كان الرياضيون يمارسون هواياتهم الرياضية بمنأى عن كل ما له علاقة بالسياسة والسياسيين ويطبقون المقولة المشهورة السياسة للسياسيين والرياضة للرياضيين، لسبب بسيط وهي أن الممارسة الرياضية تتوقف عند حصد الألقاب وتحقيق التتويجات وإمتاع الجماهير بعيدا عما يدور في فلك السياسة من حسابات ورهانات، فكم من بطل رياضي فاز بحب المواطنين الذين تفاعلوا مع خرجاته الموفقة، وكم من رياضي ذرف دموع الفرح وهو يهدي الألقاب الوطنية والإقليمية والقارية وحتى العالمية لبلده الجزائر، ففرح به الجميع ونال التقدير والاحترام، وما تزال ذاكرة كل من تتبع نجاحات رياضيينا تحتفظ بأجمل صور التألق الذي وصل إليه الأبطال الرياضيون في شتى أنواع الرياضة· وحتى عندما قررت بعض الوجوه الرياضية دخول معترك السياسة في منتصف التسعينيات، فقد وصفت بالمحتشمة لأنها لم تتعد في كل الأحوال المشاركة في الحملات الانتخابية بمناسبة رئاسيات 2004 و2009 على منوال البطلين العالميين في ألعاب القوى نور الدين مرسلي وحسيبة بولمرقة· هكذا كانت تجربة بولمرقة لعل أول ظهور لوجه رياضي بارز في الحملات الانتخابية للرئاسيات كان في 1994 بمناسبة الإنتخابات الرئاسية، ويومها أقحمت البطلة العالمية بولمرقة في الحملة الإنتخابية للرئيس اليمين زروال، غير أنها كانت تجربة مريرة في حياة البطلة التي عبرت لنا سنوات بعد تجربتها السياسية عن خيبة أملها وهي التي كانت تتطلع ربما لمكافأة مقابل مساهمتها في فوز الرئيس اليمين زروال، غير أن ذلك لم يحدث بعد أن وجدت هذه البطلة بعيدة عن مسرح الحياة السياسية واتضح لها مع مرور الوقت أن دورها كان محدودا وتوقف عندما انتهت أجواء الرئاسيات، وقد عبرت لنا البطلة بعد سنوات عن ندمها الكبير وأن أكثر خطأ ربما ارتكبته هو ولوجها عالم يختلف بالتأكيد عن عوالمها الرياضية التي لا تنبعث منها قط رائحة السياسة والسياسيين· وعندما جاءت انتخابات 2004 الرئاسية، عاودت البطلة العالمية التجربة عندما ساندت المترشح علي بن فليس، غير أن تجربتها الثانية كانت مشابهة تماما للأولى ولم تجد يومها البطلة الأولمبية من تعليق على خياراتها سوى القول بأنها شابة وساندت رئيسا شابا· وخلافا لكل التوقعات أبدت بولمرقة في رئاسيات 2009 مساندة مطلقة للرئيس بوتفليقة ربما لاستدراك ما فاتها، لكن المؤكد أن هذه التجارب التي خاضتها هذه البطلة سياسيا ربما ساهمت بقسط كبير في بقائها بعيدة عن حمى التشريعيات القادمة، التي لم تجازف بدخولها ربما كنتيجة منطقية لفشل تجاربها السابقة أو لكون سمعتها واسمها كرياضية حققت المجد للجزائر لم يعد ورقة رابحة في يد محترفي السياسة في بلادنا ونعني تحديدا الأحزاب السياسية· رياضيون وصلوا إلى البرلمان·· وآخرون في الطريق في الوقت الذي شهدت قائمة الوجوه الرياضية التي ترشحت للتشريعيات القادمة تواجد العديد من الأسماء المعروفة على منوال لخضر بلومي، عبد الكريم سرار، عبد الكريم مدوار، زهير بناي وسواكري، حريّ بنا التذكير بأن فوز هؤلاء بمقاعد داخل قبة البرلمان سوف لن يكون سابقة لأن هناك بعض الوجوه الرياضية وبالتحديد في عالم الكرة سبق لها وأن ولجت الحياة السياسية مع محافظتها على مناصبها داخل الأندية، والأمر ببساطة يتعلق برئيس اتحاد البليدة زعيم محمد ورئيس اتحاد عنابة عيسى منادي، وهو ما يعني أن تجربة صعود الرياضيين إلى البرلمان ودخولهم الحياة السياسية لم تكن وليدة ترشح الأسماء المذكورة للتشريعيات القادمة، غير أن ما يجعل مشاركة الوجوه الجديدة، حدثا مهما لدى الرأي العام الرياضي خاصة والرأي العام الجزائري بصفة عامة، هو أن التجربة مست هذه المرة بعض الوجوه الرياضية المعروفة على منوال لخضر بلومي، سرار عبد الكريم وسليمة سواكري، وهو ما شكل مفاجأة، إنطلاقا من كون هذه الأسماء لم يسبق لها وأن تحدثت عن السياسة أو أبدت ميولات سياسية واضحة· ولعل السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل أقتيدت هذه الوجوه الرياضية إلى معترك التشريعيات بمحض إرادتها أم تم جرّها إلى خوض التجربة؟ وهل ولوجها دواليب السياسة لن يقضي على مكانتها المحترمة في قلوب الجزائريين ويفقدها ''الحصانة الرياضية'' بعد أن فضلت ارتداء عباءة الحصانة البرلمانية؟ في الحقيقة هناك العديد من الأسئلة التي يطرحها المواطن البسيط وهو يتابع بعض قوائم الأحزاب التي ستقتحم معترك التشريعيات ولسان حاله يقول، هل تحول هذا الرمز الكروي بلومي من لاعب كرة إلى رجل سياسي بعد أن اختزل المسافة بين المجالين المعروفين بابتعادهما عن بعضهما البعض· مهما يكن من أمر، فالثابت أن رياح تسييس الرياضة التي جاءت بها التشريعيات القادمة ستضع حدا للمعاشرة المستحيلة التي ميزت الميدان السياسي عن نظيره الرياضي، حتى وإن كان الإحتراف في كل ميدان يتطلب قدرا من النضال والمعرفة بخباياه، وشتان بين من يريد السباحة في البحر وبين الذي يفضل فقط السباحة وتعلم أبجدياتها في مسابح مسموحة للسباحين المحترفين الذين يمارسونها من باب الترويح عن النفس، وشتان بين الهاوي والمحترف خاصة عندما يتعلق الأمر بكرسي في أروقة وقبة البرلمان·