سواء فعلها الرئيس الفرنسي من باب التكسب الانتخابي، أم أنه أراد توجيه رسالة واضحة لدعاة التطرف والعنف، أن لا مكان لهم في بلاده، فإنها خطوة تعيد فتح المعركة حول حدود الحريات والمسؤولية العامة، وفرضت على الإسلاميين الناشطين أيضا أن يراجعوا مواقفهم، ويعلموا أن لأقوالهم على المنابر ثمنا. القصة لم تبدأ في أعقاب جريمة محمد مراح، الذي قتل دون ذنب سبعة أشخاص، بينهم ثلاثة أطفال فقط لأنهم يهود. أيضا، قتل ثلاثة مسلمين، لأنهم خدموا في الجيش الفرنسي. لو أن هذه الجرائم وقعت في أي بلد إسلامي لأوقع به حكم الإعدام قصاصا. وبالتالي ما فعله مراح جريمة فردية لا يعقل أن تُعمم عل كل المسلمين، ولا حتى على المتشددين منهم. وغضب الرئيس نيكولا ساركوزي، مما حدث أمر طبيعي، وليس بالضرورة مسرحية انتخابية، كما يحلو للمتعصبين المسلمين أن يفسروه، ولو وقعت الجريمة في الجزائر، بلد مراح الأصلي، لقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أكثر مما قاله ساركوزي، وربما فعلت الأجهزة الأمنية أكثر مما فعله البوليس الفرنسي. ماذا عن قرارات الحكومة بملاحقة المتشددين، وتهديد حتى الدعاة الفرنسيين من أصول إسلامية، بأنه سيطردهم من فرنسا؟ وقرار وزير الداخلية بمنع عدد من نجوم الدعاة الإسلاميين من دخول باريس معلنا أنه غير مرحب بهم؟ أعرف أن بعض الممنوعين فيه اعتدال يتجاوز اعتدال أئمة الحكومة الفرنسية أنفسهم، وأعرف أن شيخا مثل الدكتور عائض القرني، نعتبره نحن رمزا للإعتدال، ومن الخطأ جمعه في نفس السلة مع دعاة متطرفين. وهذا يستوجب الإستنتاج بأنه ليس كل الملتحين الإسلاميين متطرفين، بل إن بعضهم أخذ على عاتقه مهمة مواجهة دعاة الإرهاب، وعرّض حياته للخطر من قبل تنظيمات خطرة، مثل ''القاعدة''، لأنه حاربهم بالفكر، وأحدث تغييرا مهما في معركة الفكر الإسلامي السياسي. وهناك من لا صلة له بالإرهاب، لكنه يحرض على الكراهية والعنصرية، مثل الذين يحثون أتباعهم على عدم السلام على غير المسلمين، أو التعامل معهم، مع أن هذا يخالف أخلاق الإسلام التي تدرس منذ أربعة عشر قرنا. هؤلاء حري بهم (المتعصبين والعنصريين) أن يجلسوا في بلدانهم. بدخول مثل هؤلاء المتطرفين بلدا مثل فرنسا، فإن هناك مخاطر حقيقية على التعايش والسلم الاجتماعي. ففي فرنسا ملايين المسلمين الذين يتمتعون بحقوق أساسية كاملة، ومحاولة إفساد واقعهم الذي يعيشونه عمل خطر على المجتمع كله، وعلى مجتمع المسلمين هناك خاصة. وعندما يمنع ساركوزي، مثل هؤلاء الدعاة المتطرفين، فإنه يحمي أولا مسلمي بلاده من تغلغل ميكروب التطرف إلى أبنائهم. وما الشاب مراح، إلا نموذجا لعملية الإفساد الفكري انتهت بارتكابه مذبحة بشعة ليس باسمه كشخص، بل ربطها بالإسلام ووزع أشرطة يفاخر فيها بقتل ضحاياه. جريمة هذا المتطرف التي وقعها باسم الإسلام تسببت في إيذاء الشريحة الكبرى من مسلمي فرنسا المسالمين، وعززت أوضاع المتطرفين العنصريين على الجانب الآخر من المجتمع الفرنسي. ومن المؤسف، على الرغم من تكرار مثل هذه الحوادث المروعة، وعلى الرغم من ثبوت علاقتها بدعاة الفكر المتشدد، أن البعض يقفز للدفاع عن المجرم والجريمة يحاول تبريرها بأنها مؤامرة، في حين، أن أمامنا تاريخا حافلا من الجرائم التي ارتكبها شباب مثل مراح، في الدول الإسلامية نفسها. والمؤسف أن يسكت المثقفون فلا ينتصرون لإسلامهم برفض الإرهابيين والدعاة المتشددين. إن ملاحقة العنصريين الفرنسيين تستوجب منا أيضا الوقوف ضد متطرفينا، سواء كانوا نجوما لهم أتباع بالملايين، أو شبابا متحمسا غرّ بهم. قبل أسبوعين، حكمت محكمة في بريطانيا، على شاب بريطاني بالسجن شهرا ونصف الشهر لأنه كتب على ''تويتر'' سبابا عنصريا ضد لاعب كرة بريطاني أسمر. تخيلوا لو أن قاضيا قرر محاكمة الذين يكتبون على ''تويتر'' و''فيس بوك'' ضد الغير، لأنهم غير مسلمين، أو لأنهم شيعة، أو سنة! المجتمعات مهددة أكثر بسبب وسائل التواصل الشعبية التي سطا عليها جماعات متطرفة يستغلون سهولة التقنية ويسيئون استخدام قوانين الحريات، يحرضون ضد الغير.